التعليق على كتاب فصول في أصول التفسير [5]


الحلقة مفرغة

مراجعة للتفسير باللغة وضوابطه

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

انتهينا في الدرس السابق من الطريق الخامس وهو التفسير باللغة، وكنت بدأت بآخر مسألة من التنبيهات حول تفسير السلف، وهي مسألة: هل يجوز إحداث قول بعد إجماعهم على قول في الآية أم لا؟ وذكرت أن طريقة التفسير غير طريقة الفقه، فإن هذه المسألة في الأصل لا تدخل فيه، وتركيب المسألة فيها إشكال من جهة التفسير، وإنما ينظر فيه إلى صحة المحتملات، فإذا صح المذكور من جهة الاحتمال في التفسير فإنه يقبل كما ذكر ذلك جمع من العلماء.

أما التفسير باللغة فأيضاً أخذنا فيه سبب اعتبار اللغة طريقة من طرق التفسير، وعندنا مجموعة من الأدلة في هذا، منها: كون القرآن نزل عربياً، والآيات التي نصت على ذلك، وكذلك حديث ابن مسعود في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، لما نزلت هذه الآية، وطريقة تفسير الصحابة لها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينههم عن أن يفسروا القرآن بلغتهم، وكذلك استقراء طريقة السلف في أنهم رجعوا إلى لغتهم، ثم بعد ذلك ما ورد من نصوص مباشرة عن بعضهم، مثلما ورد عن مجاهد ، وكذلك عن مالك بن أنس رضي الله عنهم.

ومسألة الضوابط كما قلت: إن هذه تعد من باب الفوائد، وكانت أول مسألة فيما لو ورد في التفسير تفسير لفظة بأكثر من محتمل لغوي، هل يجوز حمل الآية عليها أو لا؟ وقلت: إن الأصل بأنه يجوز حمل الآية عليها ما دام ليس هناك تضاد في التفسير، ثم المسائل الأخرى: هل يجوز تفسير القرآن بلفظة لم ترد في لغة العرب، أو بمعنى لم يرد في لغة العرب، وذكرت أنه لا يصح تفسير القرآن بشيء لم يرد في لغة العرب، وعندنا هذا المثال المذكور في قوله: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:2]، وكذلك ذكرت لكم تفسير الاستواء بالاستيلاء مثالاً على تفسير القرآن بما لم يصح من لغة العرب، وكذلك تفسير القرآن بالمصطلحات سواءً كانت مصطلحات الفلاسفة الذين كانوا قبل الإسلام، أو المصطلحات التي حدثت بعد نزول القرآن، ومنها المصطلحات العلمية المعاصرة، وذكرت مثالاً في تفسير بعضهم الذرة في قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه [الزلزلة:7]، أن المراد بها الذرة الفيزيائية.

ثم الموضوع الثاني وهو فيما لو تنازع لفظ معنيان: معنىً أشهر ومعنىً أقل، فإن المعنى الأشهر هو الذي يقدم في التفسير، مع جواز التفسير بهما على سبيل التنوع الذي ذكر فيما لو ورد أكثر من معنى لغوي جاز حمل الآية عليها ما دامت معان صحيحة، والآية تحتملها.

ثم بعد ذلك التنبيه على مراعاة السياق وأن يختار المفسر ما يتناسب معه أولاً، ثم بعد ذلك يذكر ما يرتبط بهذه اللفظة من اللوازم وغيرها.

ثم ذكرت أهمية معرفة ملابسات النزول، وأن ملابسات النزول تحدد مدلول اللفظ، ولهذا أمثلة، وذكرنا مثالاً منها وهو في قوله سبحانه وتعالى: وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11]، هل المراد الأقدام الحقيقية أو أنه مجاز والمراد به إفراغ الصبر على المؤمنين؟ وملابسات النزول تدل على أن المراد به هنا الأقدام الحقيقية.

ثم بعد ذلك فيما لو تنازع اللفظ المعنى الشرعي والمعنى اللغوي، قلنا: إنه يقدم المعنى الشرعي؛ لأن القرآن نزل لبيان الشرع، وبعد ذلك أوردت تنبيهات حول التفسير اللغوي، وأول تنبيه كان فيما يكون من تناسي التفسيرات اللغوية للسلف، وجعل أئمة اللغة مثل أبي عبيدة معمر بن مثنى و الفراء و الزجاج أئمة التفسير اللغوي، والحق أن أولئك من السلف هم أئمة التفسير اللغوي، وهم المقدمون فيما لو وقع تنازع في تفسير لفظة، فيقدم قول الصحابة والتابعين وأتباعهم.

ثم ذكرت ما وصف به أبو عبيدة معمر بن المثنى من أنه اعتمد على اللغة فقط في بيان معاني القرآن، وذكرت أن هذا ليس على إطلاقه؛ لأن عنده تفسيرات ليست مرتبطة في اللغة، بل هي معتمدة على نصوص السنة أو القرآن، ولكن يغلب عليه طابع التفسير بلغة العرب، وأنه كان مقصداً له للرد على القائلين بأن في القرآن أعجمي، وذكرت من اعترض عليه في هذا المنهج من العلماء الذين عاصروه ومن جاء بعدهم.

ثم كانت آخر مسألة في أن فهم السلف للقرآن حجة يحتكم إليه، ولا يحكم عليه، والمراد أن فهم السلف أصل يجب أن نأخذ به، وهذا معنى يحتكم إليه، بمعنى أنه لو تنازعنا نحن في تفسير فإننا ننظر هذا التفسير هل قال به السلف أو لا؟ فإن كان قال به السلف فهذا يدل على صحة التفسير، ولكن لا نأتي ونحاكم تفسير السلف ونبطله، فإبطال تفسير السلف بتمامه هذا غير مقبول، ولكن لو وقع خلاف في تفسير السلف فجاء واحد من العلماء وصحح قولاً وأبطل آخر، فهذا الأمر أهون فيها من الأولى، ومحتمل أن يقع مثل هذا، مع أن الصواب فيما لو وقع خلاف بين السلف أن يقدم أحدهم على سبيل القول الأولى، ويذكر الثاني على أنه أضعف من القول الأول، وهذا بنظر العالم الذي يحرر في تفاسير السلف، وقد يأتي غيره ويرى أن القول الآخر الذي ضعف هو الأقوى؛ لأنه يكون عنده دلالة أو جهة من المعاني لم ينتبه لها الأول.. وهكذا، ولذلك توجد مخالفة فيما بين ابن جرير الطبري في الترجيحات و ابن عطية ، أو ابن جرير الطبري و ابن كثير ، وقد كتب في هذا رسائل علمية في استدراكات ابن عطية أو اعتراضات ابن عطية على ابن جرير ، واعتراضات ابن كثير على ابن جرير ، وأحياناً تكون الاعتراضات في الاختيار، والاختيار أمره واسع؛ لأنه يرجع إلى علم المفسر، وإدراكه لأشياء مرتبطة بالنص القرآني، فالقضية هذه قضية علمية تحتمل وتقبل، ما دامت في محيط أقوال السلف.

التفسير بالاجتهاد والرأي

ثم بعد ذلك دخلنا فيما يتعلق بالتفسير بالرأي وذكرت أنه لا يوجد خلاف، والأصل أنه لا يوجد خلاف في مسألة جواز التفسير بالرأي؛ لأن من يجيز التفسير بالرأي فهو يذهب إلى الرأي المحمود، ومن لا يجيز التفسير بالرأي فإنه يذهب إلى الرأي المذموم الذي يكون عن هوىً أو عن جهل.

وذكرت تورع بعض السلف، وأن هذا نشأ في طبقة التابعين من علماء المدينة والكوفة فقط ولم يسبقوا بهذا، ولم يلحقوا به، وذكرت أن هذا أيضاً صنيع بعض العلماء الذين كتبوا التفسير، وقلت: إن هذا غير لازم؛ لأنه لم ينص عبد الرزاق ، ولا ابن أبي حاتم ، ولا سفيان بن عيينة -مع أن له أقوال في التفسير- لم ينصوا على أنهم تركوا التفسير تورعاً، وإنما كتبوا الآثار فقط، لا، إنما كان هذا منهجاً خاصاً له هو أنه يروي ما وصل إليه من التفسير، فهذا الفهم فيه نظر.

نأتي إلى المسألة التي بعدها وهي مسألة تتعلق بالإمام أحمد رحمه الله تعالى، الإمام أحمد رحمه الله تعالى ورد عنه أنه أرسل لـأبي عبيد القاسم بن سلام ، قال: بلغني أنك تؤلف كتاباً في القراءات، أقمت فيه الفراء و أبا عبيدة أئمةً تحتج لهم في معاني القرآن فلا تفعل.

عبارات الإجمال للإمام أحمد والخلاف فيها

وهنا فائدة متعلقة بالإمام أحمد ، الإمام أحمد رحمه الله تعالى يرد عنه فيما يتعلق ببعض المسائل المرتبطة بأصول التفسير أو بعلوم القرآن عبارات مجملة، هذه العبارات المجملة لم يرد عنها تفصيل من تلاميذه، أو منه رحمه الله، فيأتي اللاحقون ويستشهدون بتلك العبارات في تفسيرها فيقع خلاف في فهم كلام الإمام أحمد ، مثلما قال: ثلاثة علوم لا أساس لها: المغازي، والملاحم، والتفسير، ولما جاء الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى يريد أن يفسر كلام الإمام أحمد هنا قال: لعله يقصد كُتُباً معينة، ولكن هذا لا يظهر من عبارة الإمام أحمد ، وذكر غيره ونقل عنهم شيخ الإسلام أن المراد أنه ليس فيها كثير من المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: يغلب عليها المراسيل، وهذا أقرب إلى عبارة الإمام أحمد ، كذلك هذه العبارة لو تأملناها هي مسألة ترتبط بقضية صحة العبارة عن الإمام أحمد ، ولا نستطيع أن نلغي هذه العبارة ولا نصححها، وأول من ذكر هذه العبارة عن الإمام أحمد هو الداوودي ، و الداوودي من علماء القرن العاشر، وذكر هذه العبارة في ترجمة إسماعيل القاضي، ولم يذكرها حتى في مظنتها، وهي ترجمة لـأبي عبيد القاسم بن سلام ، فذكر هذه الرواية منسوبةً إلى الإمام أحمد أنه كتب لـأبي عبيد ينهاه عن أن يكتب في معاني القرآن، وقد كان كتب كتابه هذا في معاني القرآن ووصل فيه إلى سورة طه، وتوفي قبل أن يتمه، وكتابه من مرويات الأزهري في تهذيب اللغة، و الأزهري عنده سند بهذا الكتاب، لكن هل توقف أبو عبيد عن الكتابة أو أتم لما جاءه نهي الإمام أحمد ؟ وهل نهي الإمام أحمد كان صحيحاً بالفعل، وثابتاً عنه أم لا؟ هذه كلها مسائل متعددة تحتاج إلى بحث، ولكن هذه العبارة عن الإمام أحمد والعبارة الأخرى التي ذكرتها وستأتينا أن الإمام أحمد يقول: كنت أحسب الفراء رجلاً عاقلاً حتى رأيت كتابه في معاني القرآن، والإمام أحمد حينما يقول مثل هذا الكلام ليس كقول أي إنسان، فهو قول إمام من أئمة السنة، فما الذي استنكره لما رأى كتاب الفراء ، أو لما سمع أن أبا عبيد القاسم بن سلام يكتب في معاني القرآن، ويحتج بقول الفراء و أبي عبيدة ، هل هذا يخالف المنهج؟ هذه مسألة تحتاج إلى بحث، لكن الذي يظهر -والله أعلم- أن المسألة جاءت إما من جهة أن اللغة استغلت في التأويل المنحرف، والمعتزلة كما هو معلوم في ذلك الوقت استغلوا اللغة في التأويل المنحرف، ولما دخلوا في قضية المجاز قالوا: اللغة إما أن تدل على معنىً قريب مباشر حقيقي، وإما أن تدل على معنىً مجازي أبعد من المعنى الأول، فما الذي يجعلك تعتمد هذا المعنى أو هذا المعنى؟ هي قضية المعتقد، وسيأتينا بعد قليل لما نتكلم عنها فإنهم اعتقدوا تنزيه الباري سبحانه وتعالى عن مشابهة المخلوقين، وظنوا أن وصف الله بهذه الأوصاف يدل على التمثيل أو التشبيه عندهم، فذهبوا ينفون عنه هذه الأوصاف، فلما نفوا عنه هذه الأوصاف ذهبوا يبحثون عن معان صحيحة من جهة اللغة تدل على ذلك، فاعتمدوا اللغة بهذا الأسلوب، ولكن من لم يكن عنده شبهة لما يأتي وصف الله سبحانه وتعالى بمعنىً من المعاني فإنه يثبت هذا المعنى على ما تعرفه العرب من أول كلامها على ما يليق بذات الله سبحانه وتعالى وجلاله، فهذا استخدم اللغة، وهذا استخدم اللغة، ولكن الإشكالية عند المعتزلة أنهم صار عندهم شبهة فأولوا، وبعد التأويل حرفوا، فجعلوا المعاني هذه لا تليق بالله زعماً منهم أنها لا تليق، وإلا لو أثبتت على ما يليق بذات الله وجلاله ما صار فيها هذا الإشكال، فهذا احتمال.

والاحتمال الآخر: أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى كان رجل إسناد، والكتاب الذي يكتبه أبو عبيد القاسم بن سلام ، أو الكتاب الذي كتبه الفراء سيقل فيه الإسناد؛ لأنه سيتجه اتجاهاً لغوياً، فلعل الإمام أحمد كره لـأبي عبيد القاسم بن سلام هذا، ومن هو في علمه أن يتجه هذا الاتجاه، وإن كان هذا احتمال فقد يكون والله أعلم، لكن لم يكره منه كتاب غريب الحديث، بل قبله واحتفى به، مع أنه كان يخلو من الإسناد في الشرح، وإن كان يأتي بالحديث مسنداً ثم يشرحه، والمقصد من هذا أن العبارة فيها إجمال، وهي تحتاج إلى ثبوت عن الإمام أحمد ، لكن ظاهر جداً من الإمام أحمد أنه لم يكن يرتضي هذه الطريقة من جملة من كلامه المنقول عنه، مثل لما سئل عن رجل يتمثل بيت الشعر في القرآن، قال: لا يعجبني، و(لا يعجبني) فيها إشكال؛ لأنهم لما أرادوا أن يشرحوا كلامه أيضاً اختلفوا فيه ما مراده؟ فبعضهم قال: مراده لا يعجبني مطلقاً، هذا فيه إشكال؛ لأن من سبقه من علماء السلف، بل من خاصة مفسري السلف استدلوا بالشعر وفسروا القرآن بالشعر، وقال بعضهم: لا يعجبني الاستدلال به في شواذ الشعر ليثبت فيه معنىً من معاني القرآن، وكلام آخر فيه كما قلت فيه إجمال، لكن على العموم المقصد من هذا أننا ننتبه إلى أن الاعتماد على اللغة يجعل الإنسان ينحرف من حيث لا يشعر، وينصرف إلى معانٍ غير مرادة في النص القرآن، ونأخذ هذا المثال.

تفسير الفراء لقوله تعالى: (فذكر إن نفعت الذكرى) والجواب عليه

شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسيره نقل كلام الإمام أحمد في الفراء الذي سبق أن قلته، ثم قال في قوله سبحانه وتعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، يقول: إن الفراء قال: فذكر إن نفعت وإن لم تنفع، قال: وهذا الذي قالوه معنىً صحيح، وهو قول الفراء وأمثاله، ولم يقله أحد من مفسري السلف، ولهذا كان الإمام أحمد ينكر على الفراء ما ينكره، ويقول: كنت أحسب الفراء رجلاً صالحاً حتى رأيت كتابه في معاني القرآن، وهذا الذي قالوه مدلول عليه بآيات أخر، وهو معلوم بالاضطرار من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله بعثه مبلغاً ومذكراً لجميع الثقلين الجن والإنس، لكن ليس هذا هو المعنى في هذه الآية أقول: ما السبب الذي جعل الفراء يذكر هذه المقابلة؟ الله سبحانه وتعالى يقول: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن قوله: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، لا يعني أن لها مقابلاً وإن لم تنفع؛ لأن قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9] معناه: أن الذكرى نافعة دائماً، لكن لما نقول: فذكر إن نفعت وإن لم تنفع، فكأن الله ذكر جزءاً من المعنى وحذف جزءاً، وهذا المحذوف هل يدل عليه دليل؟ وهل في النص ما يدل عليه؟ ليس في النص ما يدل عليه، والسياق كذلك لا يدل عليه، وإنما جاءت قضية عقلية جعلت القائل يقول بهذا، من جهة العربية هل يحذف شيء من الكلام أو ما يحذف؟ يحذف، لكن إذا دل السياق عليه، أما إذا لم يدل السياق عليه فلا يحذف، وشيخ الإسلام يرى أن السياق لا يدل على هذا الحذف، ولهذا لما جاء فسر الحسن البصري هذه الآية في قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، قال: هي حجة على الكافرين وذكرى للمؤمنين، وكأنه يقول: إنها نافعة، ووجه النفع أنها حجة على الكافرين، وذكرى للمؤمنين، فالمؤمن يتعظ ويتذكر، والكافر تكون حجة عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: قد بلغتك، ووصلت لك الذكرى، فليس هناك موطن يمكن أن يزعم فيه إنسان أن الذكرى لا تنفع؛ لأن من يحدد أن الذكرى تنفع أو لا تنفع هو الله سبحانه وتعالى، فإذاً هذا ليس بمقدور الإنسان أن يقول: إن نفعت وإن لم تنفع، وهذا الذي جعل شيخ الإسلام وغيره يرد على هذا القول، مع أنه قول مشهور في تفسير المتأخرين، المقصد أنه كان للإمام أحمد رحمه الله تعالى رأيه في هذه المسألة مسألة هذه المعاني، ويظهر والله أعلم كما قلت: الأقرب منها أنها تحميل النص القرآني معاني غير مرادة فيه؛ بسبب الاحتمال اللغوي.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

انتهينا في الدرس السابق من الطريق الخامس وهو التفسير باللغة، وكنت بدأت بآخر مسألة من التنبيهات حول تفسير السلف، وهي مسألة: هل يجوز إحداث قول بعد إجماعهم على قول في الآية أم لا؟ وذكرت أن طريقة التفسير غير طريقة الفقه، فإن هذه المسألة في الأصل لا تدخل فيه، وتركيب المسألة فيها إشكال من جهة التفسير، وإنما ينظر فيه إلى صحة المحتملات، فإذا صح المذكور من جهة الاحتمال في التفسير فإنه يقبل كما ذكر ذلك جمع من العلماء.

أما التفسير باللغة فأيضاً أخذنا فيه سبب اعتبار اللغة طريقة من طرق التفسير، وعندنا مجموعة من الأدلة في هذا، منها: كون القرآن نزل عربياً، والآيات التي نصت على ذلك، وكذلك حديث ابن مسعود في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، لما نزلت هذه الآية، وطريقة تفسير الصحابة لها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينههم عن أن يفسروا القرآن بلغتهم، وكذلك استقراء طريقة السلف في أنهم رجعوا إلى لغتهم، ثم بعد ذلك ما ورد من نصوص مباشرة عن بعضهم، مثلما ورد عن مجاهد ، وكذلك عن مالك بن أنس رضي الله عنهم.

ومسألة الضوابط كما قلت: إن هذه تعد من باب الفوائد، وكانت أول مسألة فيما لو ورد في التفسير تفسير لفظة بأكثر من محتمل لغوي، هل يجوز حمل الآية عليها أو لا؟ وقلت: إن الأصل بأنه يجوز حمل الآية عليها ما دام ليس هناك تضاد في التفسير، ثم المسائل الأخرى: هل يجوز تفسير القرآن بلفظة لم ترد في لغة العرب، أو بمعنى لم يرد في لغة العرب، وذكرت أنه لا يصح تفسير القرآن بشيء لم يرد في لغة العرب، وعندنا هذا المثال المذكور في قوله: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:2]، وكذلك ذكرت لكم تفسير الاستواء بالاستيلاء مثالاً على تفسير القرآن بما لم يصح من لغة العرب، وكذلك تفسير القرآن بالمصطلحات سواءً كانت مصطلحات الفلاسفة الذين كانوا قبل الإسلام، أو المصطلحات التي حدثت بعد نزول القرآن، ومنها المصطلحات العلمية المعاصرة، وذكرت مثالاً في تفسير بعضهم الذرة في قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه [الزلزلة:7]، أن المراد بها الذرة الفيزيائية.

ثم الموضوع الثاني وهو فيما لو تنازع لفظ معنيان: معنىً أشهر ومعنىً أقل، فإن المعنى الأشهر هو الذي يقدم في التفسير، مع جواز التفسير بهما على سبيل التنوع الذي ذكر فيما لو ورد أكثر من معنى لغوي جاز حمل الآية عليها ما دامت معان صحيحة، والآية تحتملها.

ثم بعد ذلك التنبيه على مراعاة السياق وأن يختار المفسر ما يتناسب معه أولاً، ثم بعد ذلك يذكر ما يرتبط بهذه اللفظة من اللوازم وغيرها.

ثم ذكرت أهمية معرفة ملابسات النزول، وأن ملابسات النزول تحدد مدلول اللفظ، ولهذا أمثلة، وذكرنا مثالاً منها وهو في قوله سبحانه وتعالى: وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11]، هل المراد الأقدام الحقيقية أو أنه مجاز والمراد به إفراغ الصبر على المؤمنين؟ وملابسات النزول تدل على أن المراد به هنا الأقدام الحقيقية.

ثم بعد ذلك فيما لو تنازع اللفظ المعنى الشرعي والمعنى اللغوي، قلنا: إنه يقدم المعنى الشرعي؛ لأن القرآن نزل لبيان الشرع، وبعد ذلك أوردت تنبيهات حول التفسير اللغوي، وأول تنبيه كان فيما يكون من تناسي التفسيرات اللغوية للسلف، وجعل أئمة اللغة مثل أبي عبيدة معمر بن مثنى و الفراء و الزجاج أئمة التفسير اللغوي، والحق أن أولئك من السلف هم أئمة التفسير اللغوي، وهم المقدمون فيما لو وقع تنازع في تفسير لفظة، فيقدم قول الصحابة والتابعين وأتباعهم.

ثم ذكرت ما وصف به أبو عبيدة معمر بن المثنى من أنه اعتمد على اللغة فقط في بيان معاني القرآن، وذكرت أن هذا ليس على إطلاقه؛ لأن عنده تفسيرات ليست مرتبطة في اللغة، بل هي معتمدة على نصوص السنة أو القرآن، ولكن يغلب عليه طابع التفسير بلغة العرب، وأنه كان مقصداً له للرد على القائلين بأن في القرآن أعجمي، وذكرت من اعترض عليه في هذا المنهج من العلماء الذين عاصروه ومن جاء بعدهم.

ثم كانت آخر مسألة في أن فهم السلف للقرآن حجة يحتكم إليه، ولا يحكم عليه، والمراد أن فهم السلف أصل يجب أن نأخذ به، وهذا معنى يحتكم إليه، بمعنى أنه لو تنازعنا نحن في تفسير فإننا ننظر هذا التفسير هل قال به السلف أو لا؟ فإن كان قال به السلف فهذا يدل على صحة التفسير، ولكن لا نأتي ونحاكم تفسير السلف ونبطله، فإبطال تفسير السلف بتمامه هذا غير مقبول، ولكن لو وقع خلاف في تفسير السلف فجاء واحد من العلماء وصحح قولاً وأبطل آخر، فهذا الأمر أهون فيها من الأولى، ومحتمل أن يقع مثل هذا، مع أن الصواب فيما لو وقع خلاف بين السلف أن يقدم أحدهم على سبيل القول الأولى، ويذكر الثاني على أنه أضعف من القول الأول، وهذا بنظر العالم الذي يحرر في تفاسير السلف، وقد يأتي غيره ويرى أن القول الآخر الذي ضعف هو الأقوى؛ لأنه يكون عنده دلالة أو جهة من المعاني لم ينتبه لها الأول.. وهكذا، ولذلك توجد مخالفة فيما بين ابن جرير الطبري في الترجيحات و ابن عطية ، أو ابن جرير الطبري و ابن كثير ، وقد كتب في هذا رسائل علمية في استدراكات ابن عطية أو اعتراضات ابن عطية على ابن جرير ، واعتراضات ابن كثير على ابن جرير ، وأحياناً تكون الاعتراضات في الاختيار، والاختيار أمره واسع؛ لأنه يرجع إلى علم المفسر، وإدراكه لأشياء مرتبطة بالنص القرآني، فالقضية هذه قضية علمية تحتمل وتقبل، ما دامت في محيط أقوال السلف.

ثم بعد ذلك دخلنا فيما يتعلق بالتفسير بالرأي وذكرت أنه لا يوجد خلاف، والأصل أنه لا يوجد خلاف في مسألة جواز التفسير بالرأي؛ لأن من يجيز التفسير بالرأي فهو يذهب إلى الرأي المحمود، ومن لا يجيز التفسير بالرأي فإنه يذهب إلى الرأي المذموم الذي يكون عن هوىً أو عن جهل.

وذكرت تورع بعض السلف، وأن هذا نشأ في طبقة التابعين من علماء المدينة والكوفة فقط ولم يسبقوا بهذا، ولم يلحقوا به، وذكرت أن هذا أيضاً صنيع بعض العلماء الذين كتبوا التفسير، وقلت: إن هذا غير لازم؛ لأنه لم ينص عبد الرزاق ، ولا ابن أبي حاتم ، ولا سفيان بن عيينة -مع أن له أقوال في التفسير- لم ينصوا على أنهم تركوا التفسير تورعاً، وإنما كتبوا الآثار فقط، لا، إنما كان هذا منهجاً خاصاً له هو أنه يروي ما وصل إليه من التفسير، فهذا الفهم فيه نظر.

نأتي إلى المسألة التي بعدها وهي مسألة تتعلق بالإمام أحمد رحمه الله تعالى، الإمام أحمد رحمه الله تعالى ورد عنه أنه أرسل لـأبي عبيد القاسم بن سلام ، قال: بلغني أنك تؤلف كتاباً في القراءات، أقمت فيه الفراء و أبا عبيدة أئمةً تحتج لهم في معاني القرآن فلا تفعل.

وهنا فائدة متعلقة بالإمام أحمد ، الإمام أحمد رحمه الله تعالى يرد عنه فيما يتعلق ببعض المسائل المرتبطة بأصول التفسير أو بعلوم القرآن عبارات مجملة، هذه العبارات المجملة لم يرد عنها تفصيل من تلاميذه، أو منه رحمه الله، فيأتي اللاحقون ويستشهدون بتلك العبارات في تفسيرها فيقع خلاف في فهم كلام الإمام أحمد ، مثلما قال: ثلاثة علوم لا أساس لها: المغازي، والملاحم، والتفسير، ولما جاء الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى يريد أن يفسر كلام الإمام أحمد هنا قال: لعله يقصد كُتُباً معينة، ولكن هذا لا يظهر من عبارة الإمام أحمد ، وذكر غيره ونقل عنهم شيخ الإسلام أن المراد أنه ليس فيها كثير من المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: يغلب عليها المراسيل، وهذا أقرب إلى عبارة الإمام أحمد ، كذلك هذه العبارة لو تأملناها هي مسألة ترتبط بقضية صحة العبارة عن الإمام أحمد ، ولا نستطيع أن نلغي هذه العبارة ولا نصححها، وأول من ذكر هذه العبارة عن الإمام أحمد هو الداوودي ، و الداوودي من علماء القرن العاشر، وذكر هذه العبارة في ترجمة إسماعيل القاضي، ولم يذكرها حتى في مظنتها، وهي ترجمة لـأبي عبيد القاسم بن سلام ، فذكر هذه الرواية منسوبةً إلى الإمام أحمد أنه كتب لـأبي عبيد ينهاه عن أن يكتب في معاني القرآن، وقد كان كتب كتابه هذا في معاني القرآن ووصل فيه إلى سورة طه، وتوفي قبل أن يتمه، وكتابه من مرويات الأزهري في تهذيب اللغة، و الأزهري عنده سند بهذا الكتاب، لكن هل توقف أبو عبيد عن الكتابة أو أتم لما جاءه نهي الإمام أحمد ؟ وهل نهي الإمام أحمد كان صحيحاً بالفعل، وثابتاً عنه أم لا؟ هذه كلها مسائل متعددة تحتاج إلى بحث، ولكن هذه العبارة عن الإمام أحمد والعبارة الأخرى التي ذكرتها وستأتينا أن الإمام أحمد يقول: كنت أحسب الفراء رجلاً عاقلاً حتى رأيت كتابه في معاني القرآن، والإمام أحمد حينما يقول مثل هذا الكلام ليس كقول أي إنسان، فهو قول إمام من أئمة السنة، فما الذي استنكره لما رأى كتاب الفراء ، أو لما سمع أن أبا عبيد القاسم بن سلام يكتب في معاني القرآن، ويحتج بقول الفراء و أبي عبيدة ، هل هذا يخالف المنهج؟ هذه مسألة تحتاج إلى بحث، لكن الذي يظهر -والله أعلم- أن المسألة جاءت إما من جهة أن اللغة استغلت في التأويل المنحرف، والمعتزلة كما هو معلوم في ذلك الوقت استغلوا اللغة في التأويل المنحرف، ولما دخلوا في قضية المجاز قالوا: اللغة إما أن تدل على معنىً قريب مباشر حقيقي، وإما أن تدل على معنىً مجازي أبعد من المعنى الأول، فما الذي يجعلك تعتمد هذا المعنى أو هذا المعنى؟ هي قضية المعتقد، وسيأتينا بعد قليل لما نتكلم عنها فإنهم اعتقدوا تنزيه الباري سبحانه وتعالى عن مشابهة المخلوقين، وظنوا أن وصف الله بهذه الأوصاف يدل على التمثيل أو التشبيه عندهم، فذهبوا ينفون عنه هذه الأوصاف، فلما نفوا عنه هذه الأوصاف ذهبوا يبحثون عن معان صحيحة من جهة اللغة تدل على ذلك، فاعتمدوا اللغة بهذا الأسلوب، ولكن من لم يكن عنده شبهة لما يأتي وصف الله سبحانه وتعالى بمعنىً من المعاني فإنه يثبت هذا المعنى على ما تعرفه العرب من أول كلامها على ما يليق بذات الله سبحانه وتعالى وجلاله، فهذا استخدم اللغة، وهذا استخدم اللغة، ولكن الإشكالية عند المعتزلة أنهم صار عندهم شبهة فأولوا، وبعد التأويل حرفوا، فجعلوا المعاني هذه لا تليق بالله زعماً منهم أنها لا تليق، وإلا لو أثبتت على ما يليق بذات الله وجلاله ما صار فيها هذا الإشكال، فهذا احتمال.

والاحتمال الآخر: أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى كان رجل إسناد، والكتاب الذي يكتبه أبو عبيد القاسم بن سلام ، أو الكتاب الذي كتبه الفراء سيقل فيه الإسناد؛ لأنه سيتجه اتجاهاً لغوياً، فلعل الإمام أحمد كره لـأبي عبيد القاسم بن سلام هذا، ومن هو في علمه أن يتجه هذا الاتجاه، وإن كان هذا احتمال فقد يكون والله أعلم، لكن لم يكره منه كتاب غريب الحديث، بل قبله واحتفى به، مع أنه كان يخلو من الإسناد في الشرح، وإن كان يأتي بالحديث مسنداً ثم يشرحه، والمقصد من هذا أن العبارة فيها إجمال، وهي تحتاج إلى ثبوت عن الإمام أحمد ، لكن ظاهر جداً من الإمام أحمد أنه لم يكن يرتضي هذه الطريقة من جملة من كلامه المنقول عنه، مثل لما سئل عن رجل يتمثل بيت الشعر في القرآن، قال: لا يعجبني، و(لا يعجبني) فيها إشكال؛ لأنهم لما أرادوا أن يشرحوا كلامه أيضاً اختلفوا فيه ما مراده؟ فبعضهم قال: مراده لا يعجبني مطلقاً، هذا فيه إشكال؛ لأن من سبقه من علماء السلف، بل من خاصة مفسري السلف استدلوا بالشعر وفسروا القرآن بالشعر، وقال بعضهم: لا يعجبني الاستدلال به في شواذ الشعر ليثبت فيه معنىً من معاني القرآن، وكلام آخر فيه كما قلت فيه إجمال، لكن على العموم المقصد من هذا أننا ننتبه إلى أن الاعتماد على اللغة يجعل الإنسان ينحرف من حيث لا يشعر، وينصرف إلى معانٍ غير مرادة في النص القرآن، ونأخذ هذا المثال.

شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسيره نقل كلام الإمام أحمد في الفراء الذي سبق أن قلته، ثم قال في قوله سبحانه وتعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، يقول: إن الفراء قال: فذكر إن نفعت وإن لم تنفع، قال: وهذا الذي قالوه معنىً صحيح، وهو قول الفراء وأمثاله، ولم يقله أحد من مفسري السلف، ولهذا كان الإمام أحمد ينكر على الفراء ما ينكره، ويقول: كنت أحسب الفراء رجلاً صالحاً حتى رأيت كتابه في معاني القرآن، وهذا الذي قالوه مدلول عليه بآيات أخر، وهو معلوم بالاضطرار من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله بعثه مبلغاً ومذكراً لجميع الثقلين الجن والإنس، لكن ليس هذا هو المعنى في هذه الآية أقول: ما السبب الذي جعل الفراء يذكر هذه المقابلة؟ الله سبحانه وتعالى يقول: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن قوله: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، لا يعني أن لها مقابلاً وإن لم تنفع؛ لأن قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9] معناه: أن الذكرى نافعة دائماً، لكن لما نقول: فذكر إن نفعت وإن لم تنفع، فكأن الله ذكر جزءاً من المعنى وحذف جزءاً، وهذا المحذوف هل يدل عليه دليل؟ وهل في النص ما يدل عليه؟ ليس في النص ما يدل عليه، والسياق كذلك لا يدل عليه، وإنما جاءت قضية عقلية جعلت القائل يقول بهذا، من جهة العربية هل يحذف شيء من الكلام أو ما يحذف؟ يحذف، لكن إذا دل السياق عليه، أما إذا لم يدل السياق عليه فلا يحذف، وشيخ الإسلام يرى أن السياق لا يدل على هذا الحذف، ولهذا لما جاء فسر الحسن البصري هذه الآية في قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، قال: هي حجة على الكافرين وذكرى للمؤمنين، وكأنه يقول: إنها نافعة، ووجه النفع أنها حجة على الكافرين، وذكرى للمؤمنين، فالمؤمن يتعظ ويتذكر، والكافر تكون حجة عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: قد بلغتك، ووصلت لك الذكرى، فليس هناك موطن يمكن أن يزعم فيه إنسان أن الذكرى لا تنفع؛ لأن من يحدد أن الذكرى تنفع أو لا تنفع هو الله سبحانه وتعالى، فإذاً هذا ليس بمقدور الإنسان أن يقول: إن نفعت وإن لم تنفع، وهذا الذي جعل شيخ الإسلام وغيره يرد على هذا القول، مع أنه قول مشهور في تفسير المتأخرين، المقصد أنه كان للإمام أحمد رحمه الله تعالى رأيه في هذه المسألة مسألة هذه المعاني، ويظهر والله أعلم كما قلت: الأقرب منها أنها تحميل النص القرآني معاني غير مرادة فيه؛ بسبب الاحتمال اللغوي.