واجب الأمة تجاه علمائها
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
واجب الأمة تجاه علمائهاجاء الحديثُ عن موضوع واجب الأمة تجاه علمائها في وقتٍ تهاون كثيرٌ من الناس في حق ورثة الأنبياء؛ العلماء، بل وخاضوا فيهم واستهزؤوا بهم، وحقَّروا من شأنهم بطريقة مبتذلة لا يفعلها إلا ناقصو العقل والمروءة، ونسي هؤلاء أن آياتِ القرآن جاءت قاطعةً بالحكم على المستهزئين بالإسلام وورثة الأنبياء؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66]، وقد نزلت هذه الآياتُ في نفرٍ من المنافقين في غزوة تبوك قالوا في مجلس لهم: "ما رأينا مِثل قرَّائنا هؤلاء أرغبَ بطونًا، ولا أجبنَ عند اللقاء"!
فكيف الحال في أناس الآن ليس لهم همٌّ ولا عملٌ - ليل نهار - إلا الاستهزاء بالإسلام والعلماء والسخرية منهم؟!
ومن أجل ذلك نحذِّر مَن يستمعون إلى هؤلاء المستهزئين بالدين؛ فقد قال - تعالى -: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ﴾ [النساء: 140].
واجبات الأمة تجاه العلماء:
1- الأدب معهم واحترامُهم وتوقيرهم:
العلماء ورثة الأنبياء، وهذا بنصِّ حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((..
وإن العلماءَ وَرَثةُ الأنبياء، وإن الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهًما، ولكن ورَّثوا العلمَ؛ فمن أَخَذه أخذ بحظ وافر))؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وانظر حديث رقم: (6297) في صحيح الجامع.
وابن عباس - رضي الله عنهما - وهو حَبْر الأمة يضرب مثالاً واقعيًّا في تعليم الأمة كيفية احترام العلماء والتأدب معهم، يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لَمَّا توفِّي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- قلتُ لرجل من الأنصار: يا فلان، هلم فلنسأل أصحابَ النبي؛ فإنهم اليوم كثيرٌ، فقال: واعجبًا لك يا بن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس مِن أصحاب النبي مَن ترى؟!
فترك ذلك، وأقبلتُ على المسألة، فإن كان ليبلغُني الحديثُ عن الرجل فآتيه وهو قائلٌ، فأتوسَّد ردائي على بابه، فتَسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا بن عمِّ رسول الله، ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك! فأقول: لا، أنا أحقُّ أن آتيَك، فأسأله عن الحديث، قال: فبقي الرجلُ حتى رآني وقد اجتمع الناسُ عليَّ، فقال: كان هذا الفتى أعقلَ مني"؛ المستدرك (1/ 106)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، وافقه الذهبي.
وذهب الإمام النووي إلى أن الأدبَ مع العلماء يزيد على الأدب مع الآباء؛ لكون العلماء ورثةَ الأنبياء.
ومن أراد الاستزادةَ من الأدب مع العلماء، فليراجع آداب العلماء والمتعلمين، لمؤلفه: الحسين بن المنصور اليمني.
2- توريث الأجيال احترامَ العلماء:
لا بد للأمة أن تصحِّحَ مسارها، وأن تقدِّمَ ما يستحق أن يقدَّمَ، وأن تؤخِّر ما يستحق أن يؤخر، وأن تسير على المنهج القرآني والنبوي في تقديم أهل العلم على كل فئات المجتمع؛ حيث رفع اللهُ أهلَ العلم على كل الخلائق: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، فكيف نخفض من رفعه الله؟! وكيف نؤخِّر من قدمه الله؟! وكيف نقدِّم من وضعهم الله في قوله: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18] على من أعزَّهم الله؟! تلك إذًا قسمةٌ ضيزى!
فحق على الأمة المسلمة أن تورث الأجيالَ احترامَ العلماء، قال إبراهيم بن الشهيد: قال لي أبي: "ائت الفقهاء والعلماء، وتعلَّم منهم، وخُذْ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم؛ فإن ذاك أحبُّ إلي من كثير من الحديث"؛ الجامع لأخلاق الراوي للخطيب (1/17).
3- تعلم العلم من أهله، فلا تحملوا العلم عن صحفي:
قال سعيد بن عبدالعزيز التنوخي: "لا تحمِلوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي".
فأكثرُ الصحفيين يقعون في التصحيف، تصحيف الخبر، وإسناد الأخبار بلا دليل، بل وإسناد الأخبار إلى غير قائليها؛ وذلك عُبِّر عنه عند أهل الحديث بتصحيف الإسناد.
أو تصحيف متن الخبر نفسه؛ بنقص أو زيادة، أو تقديم، والتزوير في نقل الكلام؛ وهذا يُعرف عند علماء الحديث بتصحيف المتن.
أو تصحيف البصر غير المتعمد والمتعمد؛ وهذا ما يسميه علماءُ الحديث: تصحيف البصر.
وهناك تصحيف السمع، أو تصحيف اللفظ، أو تصحيف المعنى دون اللفظ.
وكل هذه الأنواع يقع فيها كثيرٌ من وسائل الإعلام تعمُّدًا ووصولاً لأغراضهم الخبيثة، وتشويه صورة الأبرياء، وصرف الناس عن أهل الصلاح؛ وذلك لأنهم لا يستطيعون أن يعيشوا إلا وسط التصحيف والتزوير، وهذا ما نراه في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ليل نهار إلا ما رحم ربي، ولكن الأسف الأكبر أن يترك الناسُ كلامَ العلماء والصالحين والمصلحين الناصحين ويصدقوا هؤلاء الصحفيين المزورين!
فواجب على الأمة النزولُ على رأي العلماء، والرد إليهم عند الاختلاف؛ لأن الرد إليهم أمرٌ كالصلاة والزكاة والصيام والحج وبقية الأوامر؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83].
4- الدفاع عنهم والذب عن أعراضهم:
إن الدفاع عن العلماء دفاعٌ عن الدين والبلاد والأمن والاستقرار؛ لأن العلماء لو سقطوا في أعين الناس، أخذ الناسُ دينهم من الرؤوس الجهال، ومن الرويبضة وهو التافه يتكلم في أمر العامة، وإن التهاون في هذا من الخيانة والرضا بالفساد والضلال المبين والشرور، مما يهدد الأمة كلها.
فيجب على الأمة كلها أن تعرف فضل العلماء، وأن تتأدب بأخلاق القرآن والسنَّة، وأن تهُبَّ للدفاع والذب عن ورثة الأنبياء؛ لأن اللهَ أكرمهم، ورفعهم، وحفِظ مكانتهم؛ فلتَّتقِ الأمةُ ربَّها في علمائها.