التعريف بكتب التفسير [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد..:

فيمكن تقسيم كتب التفسير إلى مرحلة المبتدئين, ومرحلة المتقدمين, ومرحلة المتخصصين, وهذه التقسيمات اجتهادية يمكن أن يقسم غيرها, ويمكن أن يجتهد آخر ويرى أن هذا الكتاب أنسب لهذه المرحلة، وهذا أنسب للمرحلة, فالقضية اجتهادية بحتة, وهذه نظرة خاصة من خلال معرفتي لبضع كتب التفسير, فأول قضية يجب أن ينتبه لها في جميع المراحل الثلاث أن تجعل لك أصلاً معتمداً من كتب التفسير فلا يكون التفسير عشوائياً, بل يجب أن يكون لك تفسير ثابت بين يديك دائماً تقرأ فيه, وهذا الكتاب إن لم تستطع حفظه تحاول أن تستظهره؛ فالمتقدمون كانوا يكتبون كتباً مختصرة؛ لأجل أن يحفظ الكتاب, فمن لم يستطع أن يحفظ فليستظهر والاستظهار هو: بحيث لو سئل عن آية فإن يعرف تفسير وما قيل فيها وليس بالضروري أن يعرف جميع الأقاويل, فأهم شيء في هذه المرحلة: أن تتمسك بأصل من هذه الكتب.

الكتب المناسبة لمرحلة المبتدئين

والكتب التي تناسب المرحلة الأولى مرحلة المبتدئين مثل: كتاب الوجيز في التفسير للواحدي ، وهو كتاب مختصر, وسهل العبارة, وكذلك مختصر تفسير يحيى بن سلام لـابن أبي زمنين , وتفسير أبي المظفر السمعاني , وجامع البيان للصفوي , وتفسير الشيخ السعدي , والتفسير الميسر الذي خرج من وزارة الشؤون الإسلامية.

فهذه الكتب فيها سهولة في العبارة، فيعتمد كتاباً منها على أنه أصل يرجع إليه دائماً.

أيش الفائدة منه؟ أنه لما تأتيك أي آية تكون في ذهنك التفسير تستظهره, يعني: تستظهر التفسير، قد يقال: افتراض أن يكون صاحب الكتاب غير سلفي، أو يكون القول الذي اختاره ضعيفاً.

فالجواب أن من يكون في هذه المرحلة في الغالب يكون عنده مبادئ علم العقيدة، فيعرف القول الصواب من الخطأ؛ لكن قد لا يكون عنده مبادئ علم التفسير لكي يعرف القول الصحيح من القول الضعيف, ففي هذه المرحلة لا تلزم نفسك بأن تعرف القول الصحيح من الضعيف؛ لأنك في مرحلة التعلم, وضبط تفسير الآيات من هذا الكتاب فقط.

سمات المرحلة الثانية من مراحل المفسرين

المرحلة الثانية: يبدأ بالتعليق على الكتاب, وتصحيح القول الضعيف، والتعليق على الأخطاء العقدية, فإذا سئلت عن آية: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], كنت مستظهراً أن فلاناً المفسر الذي اخترته قال: استوى بمعنى: استولى, وهذا خطأ في الاعتقاد, بل تقول: الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والسؤال عنه بدعة.. كما هو مذهب السلف المعروف.

فتذكر الصواب المذكور في الكتاب, كذلك لو عرفت أن هذا قول ضعيف, فأنت تعلق عليه بقول صحيح وتعطي السائل القول الصحيح.

والمرحلة الثانية يمكن أن نقسمها إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى: معرفة الأقوال في التفسير.

المرحلة الثانية: معرفة الراجح من هذه الأقوال في التفسير, وهذه المرحلة متقدمة، التي تحتاج إلى استيعاب لكثير من القضايا المتعلقة بأصول التفسير للوصول إليها.

فمعرفة الأقوال في التفسير مهمة جداً, ومما لاحظته: أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: كان يعتمد هذا الأسلوب، لمعرفة الأقوال في التفسير, وظهر لي: أنه كان يعتمد كتب معينة في معرفة أقوال السلف, ككتاب: ابن الجوزي , فإذا أراد أن يناقش قضية منسوبة للسلف فإنه يذكر أقاويل السلف من خلال كتاب ابن الجوزي , ومن خلال كتاب البغوي بالذات, فيقول: ذكر ابن الجوزي كذا, وذكر البغوي كذا, فنستفيد من هذا أن الإنسان يضع له أصلاً في معرفة الأقاويل.

وفي هذه المرحلة وتلك يحسن أيضاً لطالب العلم أن يكون بين يديه كتاب في غريب القرآن؛ لكي يعرف معاني الألفاظ اللغوية, من الكتب السهلة والجيدة، وهي على أسلوب المتقدمين: كتاب ابن قتيبة تفسير غريب القرآن, وهو مطبوع وموجود, وستأتي إن شاء الله الإشارة إليه.

كذلك كتاب المفردات للراغب الأصفهاني، وهو كتاب عميق فيه فوائد زائدة كثيرة جداً، قد لا يستفيد منها المبتدئ في طلب العلم؛ لكن في المرحلة الثانية يمكن أن يستفيد من تفسير غريب القرآن، أو من مجاز القرآن، أو من كتاب المفردات إلى آخره.

وعلى العموم يحسن دائماً وأنت تقرأ التفسير أن يكون عندك أصل معتمد من كتب غريب القرآن، ترجع فيه لمعرفة المفردات, وتحليل الألفاظ اللغوية.

سمات المرحلة الثالثة

المرحلة الثالثة: مرحلة المتخصصين وهذه تتسم باتساع طريقة القراءة والبحث, فليس لها حد في الكتب التي يستفاد منها, فأي كتاب من الكتب المرتبطة بالقرآن يمكن أن يستفيد منها المتخصص, سواء كانت الكتب في وجوه النظائر، أو في إعراب القرآن، أو في متشابه القرآن إلى آخره، وهذه أشبه بالطريقة البحثية.

فبعد أن يتركز عندك أصل من الأصول تعتمد عليه في المرحلة المبتدئة, ثم بعد ذلك عرفت الأقاويل واستطعت أن تعرف الراجح والمرجوح، تنتقل إلى المرحلة الأخرى: وهي الأخذ باتجاهات التفسير العامة, مثل: الاتجاه الفقهي، والاتجاه النحوي، والاتجاه اللغوي.. إلى آخره, يعني: أنه صار فيه توسع وشمولية بعد ذلك في أخذ التفسير.

فهذه صورة من صور التدرج في علم التفسير، وإن كانت تحتاج إلى إيضاح أكثر وضرب أمثلة, وأركز وأشدد: على أنه يجب أن يكون لطالب العلم كتاب يعتمد عليه ويدمن القراءة فيه.

والكتب التي تناسب المرحلة الأولى مرحلة المبتدئين مثل: كتاب الوجيز في التفسير للواحدي ، وهو كتاب مختصر, وسهل العبارة, وكذلك مختصر تفسير يحيى بن سلام لـابن أبي زمنين , وتفسير أبي المظفر السمعاني , وجامع البيان للصفوي , وتفسير الشيخ السعدي , والتفسير الميسر الذي خرج من وزارة الشؤون الإسلامية.

فهذه الكتب فيها سهولة في العبارة، فيعتمد كتاباً منها على أنه أصل يرجع إليه دائماً.

أيش الفائدة منه؟ أنه لما تأتيك أي آية تكون في ذهنك التفسير تستظهره, يعني: تستظهر التفسير، قد يقال: افتراض أن يكون صاحب الكتاب غير سلفي، أو يكون القول الذي اختاره ضعيفاً.

فالجواب أن من يكون في هذه المرحلة في الغالب يكون عنده مبادئ علم العقيدة، فيعرف القول الصواب من الخطأ؛ لكن قد لا يكون عنده مبادئ علم التفسير لكي يعرف القول الصحيح من القول الضعيف, ففي هذه المرحلة لا تلزم نفسك بأن تعرف القول الصحيح من الضعيف؛ لأنك في مرحلة التعلم, وضبط تفسير الآيات من هذا الكتاب فقط.

المرحلة الثانية: يبدأ بالتعليق على الكتاب, وتصحيح القول الضعيف، والتعليق على الأخطاء العقدية, فإذا سئلت عن آية: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], كنت مستظهراً أن فلاناً المفسر الذي اخترته قال: استوى بمعنى: استولى, وهذا خطأ في الاعتقاد, بل تقول: الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والسؤال عنه بدعة.. كما هو مذهب السلف المعروف.

فتذكر الصواب المذكور في الكتاب, كذلك لو عرفت أن هذا قول ضعيف, فأنت تعلق عليه بقول صحيح وتعطي السائل القول الصحيح.

والمرحلة الثانية يمكن أن نقسمها إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى: معرفة الأقوال في التفسير.

المرحلة الثانية: معرفة الراجح من هذه الأقوال في التفسير, وهذه المرحلة متقدمة، التي تحتاج إلى استيعاب لكثير من القضايا المتعلقة بأصول التفسير للوصول إليها.

فمعرفة الأقوال في التفسير مهمة جداً, ومما لاحظته: أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: كان يعتمد هذا الأسلوب، لمعرفة الأقوال في التفسير, وظهر لي: أنه كان يعتمد كتب معينة في معرفة أقوال السلف, ككتاب: ابن الجوزي , فإذا أراد أن يناقش قضية منسوبة للسلف فإنه يذكر أقاويل السلف من خلال كتاب ابن الجوزي , ومن خلال كتاب البغوي بالذات, فيقول: ذكر ابن الجوزي كذا, وذكر البغوي كذا, فنستفيد من هذا أن الإنسان يضع له أصلاً في معرفة الأقاويل.

وفي هذه المرحلة وتلك يحسن أيضاً لطالب العلم أن يكون بين يديه كتاب في غريب القرآن؛ لكي يعرف معاني الألفاظ اللغوية, من الكتب السهلة والجيدة، وهي على أسلوب المتقدمين: كتاب ابن قتيبة تفسير غريب القرآن, وهو مطبوع وموجود, وستأتي إن شاء الله الإشارة إليه.

كذلك كتاب المفردات للراغب الأصفهاني، وهو كتاب عميق فيه فوائد زائدة كثيرة جداً، قد لا يستفيد منها المبتدئ في طلب العلم؛ لكن في المرحلة الثانية يمكن أن يستفيد من تفسير غريب القرآن، أو من مجاز القرآن، أو من كتاب المفردات إلى آخره.

وعلى العموم يحسن دائماً وأنت تقرأ التفسير أن يكون عندك أصل معتمد من كتب غريب القرآن، ترجع فيه لمعرفة المفردات, وتحليل الألفاظ اللغوية.

المرحلة الثالثة: مرحلة المتخصصين وهذه تتسم باتساع طريقة القراءة والبحث, فليس لها حد في الكتب التي يستفاد منها, فأي كتاب من الكتب المرتبطة بالقرآن يمكن أن يستفيد منها المتخصص, سواء كانت الكتب في وجوه النظائر، أو في إعراب القرآن، أو في متشابه القرآن إلى آخره، وهذه أشبه بالطريقة البحثية.

فبعد أن يتركز عندك أصل من الأصول تعتمد عليه في المرحلة المبتدئة, ثم بعد ذلك عرفت الأقاويل واستطعت أن تعرف الراجح والمرجوح، تنتقل إلى المرحلة الأخرى: وهي الأخذ باتجاهات التفسير العامة, مثل: الاتجاه الفقهي، والاتجاه النحوي، والاتجاه اللغوي.. إلى آخره, يعني: أنه صار فيه توسع وشمولية بعد ذلك في أخذ التفسير.

فهذه صورة من صور التدرج في علم التفسير، وإن كانت تحتاج إلى إيضاح أكثر وضرب أمثلة, وأركز وأشدد: على أنه يجب أن يكون لطالب العلم كتاب يعتمد عليه ويدمن القراءة فيه.

الموضوع الأخير في هذا الدرس: هو النظر إلى أسلوب كتابة التفسير, من الأشياء المعاصرة التي ذكرها بعض المعاصرين: أن أساليب كتابة التفسير أربعة: الأسلوب التحليلي, والأسلوب المقارن, والأسلوب الإجمالي, والأسلوب الموضوعي, ويسمى بالتفسير الموضوعي.

فالأسلوب التحليلي: هو أن يأخذ الآية ويناقش ما فيها من إعراب وقراءات وأقاويل .. إلى آخره.

والأسلوب المقارن: هو المقارنة بين أقوال المفسرين, ومعرفة الراجح من المرجوح.

والأسلوب الإجمالي: هو أن يذكر المعنى الجملي للآية دون النظر إلى تفاصيل أخرى، من ذكر أقوال، أو غيره.

والتفسير الموضوعي سنتعرض له لاحقاً.

فالتحليلي والمقارن أو الموازن والإجمالي, هذه نجدها في تفسير ابن جرير الطبري , ففيه هذه الأنواع الثلاثة, فأحياناً نجده يحلل الآية ثم يذكر المعنى الجملي للآية, ثم يذكر أقوال السلف ثم يرجح, ففيه تحليل, وفيه معنى إجمالي, وفيه أيضاً مقارنة موازنة.

وتفسير الشيخ السعدي يعد من التفسير الإجمالي, وتفسير أبي حيان البحر المحيط يعد من التفسير التحليلي، وأيضاً المقارنة؛ لأنه يعرض أحياناً الأقوال ويرجح بينها، فكل مفسر يعرض الأقوال ويرجح بينها فإننا نعتبره من التفسير المقارن, أما التفسير الذي يذكر معنى الآية دون التعرض للأقاويل وغيره فإنه من التفسير الإجمالي, وأما التفسير الذي يستوعب ما قيل في الآية فإنه من التفسير التحليلي.

وهذه تقسيمات فنية ليس لها أي أثر علمي.

وأما التفسير الموضوعي فإنه تفسير حادث معاصر, وقد ذكر من كتب فيه أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: دراسة موضوع من خلال القرآن, مثل: الجهاد في القرآن, ثانياً: دراسة لفظة أو مصطلح من خلال القرآن, مثل: الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:52], في القرآن، كم آية وردت في: الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:52]؟

ست آيات أو سبع آيات يدرسها المفسر ويخرج بنتيجة, أو يأخذ لفظة مثل لفظة: (آمنوا), في القرآن, فيدرس الصيغة كصيغة، ولا يدرس موضوعات الإيمان أو غيره وإنما, يدرسها كلفظة لغوية أو كمصطلح.

ثالثاً: دراسة موضوع من خلال سورة, مثل: غزوة بدر من خلال سورة الأنفال, أو عزوة تبوك من خلال سورة التوبة .. وهكذا, وله ضوابط موجودة من أراد أن يستزيد فليرجع إلى أي كتاب من كتب التفسير الموضوعي التي تتكلم عن هذه الأفكار.

هذا تقريباً بإيجاز ما يتعلق بأساليب التفسير.

وهنا نستعرض كتب التفسير وما يتعلق بها من وفاة ابن عباس إلى نهاية القرن الثاني.

ولنأخذها قرناً قرناً, وسأشير أحياناً إلى النظر التأثيري، وهو أن بعض كتب التفسير لها أثر واضح في من جاء بعدها, ويمكن أيضاً أن يدمج فيها النظر الاتجاهي، يعني: ما هو اتجاه هذا التفسير؟ فنذكر النظر التاريخي, والنظر التأثيري, والنظر الاتجاهي، يعني: الاتجاه العلمي لهذا التفسير.

أولاً: سنتحدث سريعاً عن تنوير المقباس المنسوب لـابن عباس , وجزء فيه تفسير يحيى بن اليمان , وتفسير مقاتل بن سليمان , وتفسير سفيان الثوري , وتفسير عبد الرزاق الصنعاني.

فتنوير المقباس في تفسير ابن عباس ، كتاب منسوب لـابن عباس وهو مطبوع ومنتشر انتشار كبير جداً، فأحببت أن أنبه عليه.

فالكتاب هذا يرويه محمد بن مروان السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس , ومحمد بن مروان السدي روايته هالكة, و الكلبي مثله أيضاً متهم بالكذب, ولا يبعد أن يكون الكتاب هذا أصلاً للكلبي , لكن هذه الرواية لا يحل الاعتماد عليها, فلا يصح لإنسان أن يجعل المقباس أصلاً يعتمد عليه في التفسير ولا يستفيد منها المبتدئ في طلب العلم, لكن قد يستفيد منها العلماء الكبار في إثبات قضايا معينة كما سيأتي؛ ومن العجيب أنه منتشر ويطبع بكثرة.

فهذه الرواية لا يستفيد منها إلا العلماء، ولو أراد إنسان من المفسرين أن يثبت قضية ضد أهل البدع, إنما يثبتها على سبيل الاستئناس لا الاعتماد، ففي قوله تعالى مثلاً: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], لو أردنا أن نناقش أهل البدع في الاستواء فإنه قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], أي: استقر, وهذه أحد عبارات السلف, في هذا الكتاب الذي لا يعتمد, فقد يحتج محتج من أهل السنة: أن هذه الروايات لا تعمد.

فيقال نحن لا نذكرها على سبيل الاحتجاج, إنما على سبيل بيان أنه حتى الروايات الضعيفة المتكلم فيها عن السلف موافقة لما ورد عن السلف.

ومن خلال القراءة السريعة في هذا الكتاب تجد أن فيه ذكر الاختلافات, ففي قوله سبحانه وتعالى مثلاً: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:146], قال: في السر، ويقال: في الوعد، ويقال: مع المؤمنين في السر العلانية, ويقال: مع المؤمنين في الجنة, إذاً ففيه حكاية أقوال ولكنها قليلة.

وأيضاً فيه عناية كبيرة جداً بأسباب النزول، وذكر من نزل فيه الخطاب, ولهذا يكثر عن الكلبي بالذات ذكر من نزل فيه الخطاب, ولا يبعد أن يكون مأخوذاً من هذه الرواية, هذا ما يتعلق بتنوير المقباس في التفسير المنسوب لـابن عباس .

الكتاب الثاني: جزء فيه تفسير القرآن، كذا عنوانه وهذا مطبوع, جزء فيه تفسير القرآن لـيحيى بن اليمان و نافع بن أبي نعيم و مسلم بن خالد الزنجي و عطاء الخراساني , وهذا الجزء يرويه أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الرملي الفقيه , المتوفى سنة (295) وهو جامع هذا التفسير, وهذا التفسير فيه آثار مجموعة واردة عن السلف, تبلغ هذه الآثار قرابة أربعمائة أثر, عن الصحابة، أو التابعين، أو أتباع التابعين, بمجموع ما فيه من القراءات أو أقوال في التفسير أو ما إلى ذلك.

وهو كتاب مطبوع بهذا الاسم حققه حكمت بشير ياسين لو سمي هذا التفسير باسم جامعه الذي هو أبو جعفر محمد بن أحمد لصح أن نقول: هذا تفسير أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الرملي ؛ لأن كل الأسانيد ترجع إلى أبي جعفر ، فهو جامع التفسير.

فالسند الذي بُدئ بهذا الكتاب، يقول: قرأت على أبي منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون قال: أخبركم أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن سحنون النرسي: فيما أذن لك في روايته وكتب خطه لك بذلك في سنة (456), قال: قُرِئ على أبي الحسن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس بن إسماعيل الواعظ المعروف بـابن سمعون , فأقر به في مسجده في سنة (327) قال: حدثنا أبو بكر محمد بن يونس المعروف بـالمطرز قال: حدثنا محمد بن نصر , هذا هو جامع التفسير، قال: حدثنا يزيد الموهب قال: حدثنا يحيى بن اليمان قال: حدثنا أشعث عن جعفر عن سعيد , يعني ابن جبير , ثم بدأ في التفسير، قال: لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8], قال: عن الصحة.

ثم قال: وحدثنا أشعث عن جعفر عن سعيد : وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:2], قال: سمعت وأطاعت, ويستمر التفسير بهذا الأسلوب حتى ينتقل إلى الروايات عن يحيى بن اليمان هذا, ثم ينتقل بعدها إلى تفسير عطاء بنفس الإسناد, حدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا محمد بن أحمد الذي جمع التفسير، ثم يستمر بإسناد آخر عن عطاء الخراساني ، قال: حدثنا رشدين بن سعد عن يونس بن يزيد عن عطاء الخراساني في قوله: بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود:69], قال: النضيج السخن, وفي قوله عز وجل: يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [يوسف:12], قال: يسعى وينشط, و أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102], قال: هم بنو يعقوب إذ يمكرون بـيوسف, فهذا كله تفسير عطاء .

وفي قوله عز وجل: قَضَى أَجَلًا [الأنعام:2], قال: ما خلق في ستة أيام, وفي قوله عز وجل: وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2], قال: ما كان بعد ذلك إلى يوم القيامة, فنلاحظ في هذا التفسير وهو يسير على هذه الطريقة, ليس فيه ترتيب آيات ولا ترتيب مرويات, بل مجرد أن يذكر هذا الذي جمع التفسير، فيذكر الروايات عن السلف كما بلغته من طريق يحيى بن اليمان , ومن طريق ابن أبي نعيم , ومن طريق عطاء الخراساني , ومن طريق أبي مسلم الزندي , وهذه طريقة هذا الكتاب, ويستفيد منه من يحتاج أن يرجع إلى أثر من آثار السلف ويحقق في هذه الروايات, فهذا الكتاب لا يستفيد منه طالب عالم, ولا ينصح بشرائه لأي إنسان؛ لأنه لا يستفيد منه, وإنما يستفيد منه في الغالب من كان له عناية بآثار السلف في التفسير.

هذا ما يتعلق بتفسير يحيى بن اليمان .

الكتاب الثالث: تفسير مقاتل بن سليمان : وهذا التفسير مطبوع لكنه نادر التوزيع، حتى أن بعض المكتبات الخاصة لا تملك هذا التفسير, ولا أدري ما السبب في ذلك مع أنه مطبوع في مصر، وحققه الدكتور عبد الله شحاتة المحقق لكتاب الوجوه النظائر لــمقاتل بن سليمان .

فهذا التفسير هو المعتمد عن مقاتل بن سليمان , وهو الذي وقع فيه الكلام على مقاتل بن سليمان , وقد ذكر طريقته في كتابه هذا, فذكر من سيروي عنهم التفسير, ثم سرد بعد ذلك بدون إسناد, ولا نسبة للأقوال إلى قائلها, فلو نظرت في أول الصفحة فستجد من روي عنه التفسير في هذا الكتاب، من دون ذكر إسناد وحين دخل في التفسير حذف الإسناد وذكره تفسير الآيات مباشرةً، فلا نستطيع أن نميز قائل هذه الروايات, وهذا مما نقد على مقاتل ، مع أن مقاتلاً تكلم فيه أصلاً, حيث اتهم بالكذب وروايته لا تقبل، ففعله هذا أيضاً زاد طيناً بلة كما يقال.

يقول راوي التفسير الذي هو زيد بن حبيب : عن مقاتل عن ثلاثين رجلاً, منهم اثنا عشر رجلاً من التابعين, فمنهم من زاد على صاحبه الحرف, ومنهم من وافق صاحبه في التفسير, فمن الاثني عشر: عطاء بن أبي رباح , و الضحاك بن مزاحم , و نافع مولى ابن عمر , و ابن الزبير و ابن شهاب الزهري , و محمد بن سيرين , و ابن أبي مليكة , و شهر بن حوشب , و عكرمة , و عطية الكوفي , و أبو إسحاق الشعبي , و محمد بن علي بن الحسين , وذكرها كما وردت في كتاب في تحقيق الدكتور عبد الله شحاتة , مع أن بعضها فيها إشكال.

قالوا: ومن بعد هؤلاء؟ قلت: قتادة ونظراؤه حتى ألفت هذا الكتاب, يعني: هو جمع مرويات عن السلف: عن الصحابة والتابعين، ثم كأنه انتخب منها من دون أن ينسب الأقوال إلى أصحابها, ذكر بعد ذلك عبد الخالق بن الحسن بقية من روى عنه.

قال: ثم قال أبو محمد قال: أبي فقلت: لـأبي صالح راوي التفسير: لمَ كتب عن سفيان وهو أكبر منه؟ فقال: لأن مقاتلاً عمّر فكتب عن الصغار والكبار, وسفيان هو الثوري .

قال أبو محمد : قال أبي قال أبو صالح : بذلك أخبرني مقاتل , فهذا موجود في أول الكتاب، الذي هو سند مقاتل لهؤلاء, في هذا التفسير: سنجد أنه أحياناً يورد السند في وسط التفسير, يعني: فهو ذكر إسناده الأول لهذا المجمل؛ لكن مع ذلك أحياناً قد يورد السند في وسط التفسير, ولكنه أقل، وليس الأصل.

كما نجد أنه يورد أحاديث نبوية، منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسناد في وسط الكتاب.

وهذا التفسير يعتبر تفسيراً كاملاً للقرآن ليس آيةً آية فحسب، بل حرفاً حرفاً، فهو يفسر الآيات حرفاً حرفاً.

وأيضاً هذا التفسير فيه عناية كبيرة جداً بتفسير القرآن بالقرآن، وكذلك بذكر النظائر القرآنية, وإذا عرفت أن مقاتلاً له كتاب اسمه: وجوه النظائر, فلا يبعد علينا أن نتصور أنه اهتم في تفسيره هذا بالنظائر القرآنية.

وكذلك فيه عناية بذكر قصص الآي, خصوصاً أخبار بني إسرائيل, وهو يعتبر أحد الذي يعتنون بالرواية عن بني إسرائيل.

وكذلك فيه عناية بمبهمات القرآن، يعني: من نزل فيه الخطاب مثل: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ [التوبة:75], فيقول: هو فلان, وقوله: لا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84], فيقول: هو فلان, فيحرص على ذكر من نزل فيه الخطاب, وهذا يسمى مبهمات القرآن أو يدخل في المراد بالقرآن.

وأيضاً له عناية بأسباب النزول, وهناك قضايا أخرى غير هذه, فهذه إشارة إجمالية إلى ما يحويه هذا التفسير.

وهذا التفسير لا ستفيد منه المبتدئ, وإنما هو مرجع يستفيد منه المتخصصون في حال الرجوع إلى الرواية ومعرفة القول فقط, ويكثر نقل قول مقاتل في كتب التفسير الأخرى وهي مأخوذة من هذا الكتاب, وقصارى الأمر: أن ينسب هذا التفسير إلى مقاتل حتى ولو كان ناقلاً له؛ لأنه ما دام ناقلاً وانتخب فكأنه قد اقتنع بهذا القول وقال به، فلا ينسب إلى غيره, وهذا ما جرى عليه المفسرون بعد ذلك , فيقولون: قال مقاتل في تفسيره, ولا يقولون: روى مقاتل ؛ لأنه الرواية فيه قليلة كما ذكرت, فالإنسان إذا انتخب بهذا الأسلوب كأن ما انتخبه يكون من قوله؛ ولهذا يناقشونه على أنه قول مقاتل , وليس على أنه قول فلان أو غيره ممن سبقهم.

... قال: فأنزل الله قوله: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ [الفجر:15], وهذه من باب عنايته بالنزول ثم قال: وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:16], قال: يقول كل ما أغنيت هذا الغني لكرامته، كلا آسف، ما أغنيت هذا الغني لكرامته، ولا أفقرت هذا الفقير لهوانه عليّ, ولكن كذلك أردت أن أحسن إلى هذا الغني في الدنيا، وأهون على هذا الفقير حسابه يوم القيامة.

ثم قال في سورة أخرى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6], يقول: ليس من شدة إلا بعدها رخاء, ولا رخاء إلا بعدها شدة, ثم انقطع الكلام, فنلاحظ النظائر حيث ربط قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6], بتفسيره للآية؛ لأنه ذكر تفسيره للآية فقال: كلا ما أغنيت هذا الغني لكرامته، ولا أفقرت هذا الفقير لهوانه, ولكن كذلك أردت أن أحسن إلى هذا الغني في الدنيا، وأهون على هذا الفقير حسابه يوم القيامة, فكأنه قال: إن الله سبحانه وتعالى لما شدد على الفقير المؤمن في الدنيا أراد أن يهون عليه يوم القيامة، واستدل بقوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6].

ثم ذكر كلام أمية بن خلف الجمحي ، وذكر مساوئه فقال وهذا فيه عناية بمن نزل فيه الخطاب: كَلَّا [الفجر:17], يقول: من أمره، كما قال أمية بن خلف بَل [الفجر:17], يعني: لكن, لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ [الفجر:17-18]؛ لأنهم لا يرجون بها الآخرة, وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا [الفجر:19], يعني: تأكلون الميراث أكلاً شديداً, وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20], ويجمعون المال جمعاً كثيراً، قال: وهي بلغة مالك بن كنانة , ثم قال: كَلَّا [الفجر:21], ما يؤمنون بالآخرة، وهو وعيد.

وأما قوله: إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [الفجر:21], يعني: إذا تركت فاستوت الجبال مع الأرض الممدودة, ثم قال: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22], وذلك أن تنشق السموات والأرض فتنزل ملائكة كل سماء، وتقوم ملائكة كل سماء على حدة، فيجئ الله تبارك وتعالى كما قال: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158], وكما قال: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالمَلائِكَةُ [البقرة:210], قياماً صفوفاً، قال: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23], يجاء بها من مسيرة خمسمائة عام, عليه سبعون ألف زمام، على كل زمام سبعون ألف ملك متعلقون بها يحبسونها عن الخلائق, وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق, فإذا تكلم أحدهم تناثر من فيه النار, بيد كل ملك منهم مرزبة عليها ألفان وسبعون رأس كأمثال الجبال, وهي أخف في يده من الريش, ولها سبعة رءوس كرءوس الأفاعي, وأعينهم زرق تنظر إلى الخلائق من شدة الغضب، تريد أن تنفلت على الخلائق من غضب الله عز وجل, ويجاء بها حتى تقام على ساق العرش، ثم قال: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ [الفجر:23], يعني: أمية بن خلف الجمحي إذا عاين النار والملائكة.. إلى آخر التفسير.

قصدت من نقل هذا؛ لكي نلاحظ هذا التفسير فلو أن إنساناً ما عنده علم وقرأ هذا الكتاب فإنه لا يستفيد منه؛ لأن فيه ما هو باطل أو فيه روايات فيها نظر وفيها أشياء صحيحة، ففيه حق وفيه باطل, ولهذا يقول أحمد بن حنبل عن هذا التفسير: ما أحسن هذا التفسير فلو كان له إسناد, لو كان له إسناد لتبين, فلو أردنا أن ننظر ما هو الصحيح منها ما هو الباطل فسنجد مثلاً كلامه عن أوصاف الملائكة الذي يمسكون بالنار وهذه أوصاف غيبية خبرية نحتاج فيها إلى خبر عن معصوم؛ لكن كون لها سبعون ألف زمام هذا صحيح, لكل زمام سبعون ألف ملك صحيح؛ لأن هذا ثابت في الصحيح من حديث ابن مسعود , ( يجاء بجنهم لها سبعون ألف زمام، لكل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ), وما بعد ذلك مما ذكره هذا مما يحتاج إلى دليل, فهذا لا يقبل.

ولما فسر قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22], لم يكن مؤولاً, وإنما أثبت المجيء, واستدل له أيضاً بآيات دالة على المجيء فنقبل قوله هنا وهنا من باب تفسير الآية بالآية, وعلى هذا يستمر التفسير, وكما قلت لكم: مثل هذا التفسير لا يستفيد منه إلا المتخصصون.

الكتاب الرابع: تفسير سفيان الثوري ، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع عن نسخة أصلية, وليس مجموعاً, والنسخة هذه المطبوعة ناقصة من الأول ومن الآخر, وقد حققه امتياز علي عرشي , فهو سرق في مكتبات لبنان وطبع باسم أحد المكتبات، وهو موجود في السوق, لكن طبعته قديمة.

فالمحقق استظهر أنه لـسفيان الثوري بدلالة قوله في تفسير قوله سبحانه وتعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163], قال سفيان : عن أبيه سعيد بن مسروق , فاستظهر أنه كتاب لـسفيان ؛ لأن فيه قال سفيان ، قال سفيان كثيرة, فـسفيان بن عيينة توفي سنة (198), و سفيان الثوري (161), ويشتركان في بعض الشيوخ، وكذلك بعض التلاميذ, فظاهر جداً أن المراد بـسفيان هنا: أنه سفيان الثوري ؛ لأنه قال: سفيان عن أبيه سعيد؛ فتبين أنه الثوري .

وأيضاً استظهر ذلك من رواية تلميذه أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي , وهذا مذكور في كتب التراجم أن له كتاباً في التفسير, وقد رواه أيضاً الثعلبي في مقدمة تفسيره, في إسناد أورده في قوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ [الصافات:143], قال: حدثنا محمد قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان , عن أبي الهيثم عن إبراهيم عن سعيد بن جبير قال: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ [الصافات:143], قال: من المصلين, وبهذا استظهر المحقق: أنه لـسفيان الثوري , وأنه من وراية تلميذه أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي .

فهذا التفسير على طريق الرواية بالإسناد؛ لأنه عن سفيان ؛ وغالب روايته عن الصحابة وعن التابعين.

ويبتدئ دائماً التفسير بقال: سفيان أو عن سفيان ونحوه.

وهذا التفسير ليس فيه لا ترجيح ولا نقاش، إنما هو كتاب رواية, ويستفاد منه في تحقيق الرواية.

ففي سورة المؤمنون مثلاً يقول: قال: سفيان مباشرةً, في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ [المؤمنون:12], قال: آدم , فالمفسرون هنا سفيان ، وأحياناً سفيان عن ليث عن مجاهد : ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون:14], قال: حين نفخ فيه الروح, المفسر هنا سفيان ففي هذا الكتاب: أحياناً سفيان يكون مفسراً، يعني: صاحب القول, وأحياناً يكون راوياً.

مثال ذلك: قال سفيان : عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في قوله: وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون:50], قال: هي دمشق, فهو هنا راوي عن سعيد , ومجاهد تابعي وسعيد أيضاً تابعي.

كذلك أيضاً: سفيان عن العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد في قوله: وَلَهمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ [المؤمنون:63], قال: أعمال لا بد أن يعملوها, فهذا تفسير عن مجاهد .

كذلك: سفيان عن علقمة بن مرثد عن مجاهد في قوله: حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ [المؤمنون:64], قال: أُخذوا يوم بدر بالسيوف.

كذلك: سفيان عن حصين عن سعيد بن جبير في قوله: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ [المؤمنون:67], قال: مستكبرين بالحرم.

كذلك: سفيان عن حصين عن سعيد بن جبير في قوله الثاني: سَامِرًا تَهْجُرُونَ [المؤمنون:67], تقولون غير الحق.

أيضاً: سفيان عن رجل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [المؤمنون:69], قال: قد عرفوه ولكنهم حسدوه.

فهذا كما نلاحظ تفسير رواية، عن الصحابة وعن التابعين, طبعاً ما عندنا مثال للصحابة في هذه الصفحة, لكن لو تقرأ في التفسير فستجد أيضاً روايات عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن علي بن

القضية الثانية: ما يتعلق بالمرويات, الموازنة بين المرويات التفسيرية أعني: المكثرين, وهذا مما لم يطرق له حسب علمي أيضاً, فمثلاً ابن عباس , و مجاهد , و الحسن , و قتادة هؤلاء لهم أقوال كثيرة في التفسير, فنحتاج في هذا الموضوع إلى أن نوازن بين الروايات الواردة عن ابن عباس ؛ لأن بعض من يجهل طريقة السلف في التفسير يزعم: أنه قد ورد عن ابن عباس روايات متناقضة في التفسير, وهي: إذا تأملتها وتعرفت طريقة السلف في التفسير تجدها غير متناقضة؛ لأنها في كثير من الأحيان تدخل في باب اختلاف التنوع, وليست في باب اختلاف التضاد, فالتضاد نادر جداً في تفسير الواحد منهم, ثم إذا ورد تضاد ففيه دلالة على أنه ترك أحد القولين إلى قول آخر, إذ لا يمكن أن يقول بهما معاً وفيهما تضاد, وهذا موضوع ليس هذا محله لكن أكتفي بهذه الإشارة: والمقصود دراسة ما روي عن ابن عباس من طرقه, والموازنة بين طريق علي بن أبي طلحة من جهة المعنى، و عطية العوفي ما رواه مجاهد عنه، ورواه عكرمة عنه, والنظر في هذه الأشياء التي رويت عن ابن عباس وتحليلها من باب اختلاف التنوع، واختلاف التضاد, وهذا مهم جداً؛ لأنه سيتبين منها: بعض الروايات المكذوبة عليهم ستظهر من خلال الموازنة والمقارنة بين هذه الروايات ويظهر ما فيها من الشذوذات.