التأصيل في علم التجويد [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

نذكر سريعاً ما أخذناه في الدرس السابق وهو: مفهوم التجويد عند العلماء الذين كتبوا في هذا المجال خصوصاً أوائل من كتبوا فيه، ثم بعد ذلك تحدثنا عن الفرق بين علم التجويد وعلم القراءات، وأخذنا أن علم التجويد يرتبط ببيان اللفظ العربي، وأن علم القراءات يتعلق ببيان الاختلاف الكائن في القراءات، ثم أخذنا مصادر مسائل علم التجويد، ثم بعد ذلك تنظيم معلومات كتب التجويد.

ثم تعرفنا على الأصول العامة التي خرج منها التجويد.

وقلنا: بأن الأصل في موضوع أو مادة علم التجويد هو اللفظ العربي من جهة النطق به، وأنه كما ينطق بألفاظ القرآن الأصل أنه ينطق بألفاظ غير القرآن من جهة إخراج الحروف كلفظ عربي.

ما هي مواطن الزيادة على الأصول العربية في قراءة القرآن؟

نحن نعلم أن القرآن كما أنه نزل عربياً إلا أنه امتاز أيضاً عن كلام العرب، فكذلك في الأداء امتاز عن أداء العرب، بمعنى أن بعض الناس قد يفهم عندما نقول: إن التجويد أصوله عربية أن العرب كانت تقيم كلامها على نفس ما يقيم به قراءة القرآن، فيتصور مثلاً: أنه لو أن جاهلياً يحدث صاحبه، فسيحدثه بتفاصيل التجويد، وهذا ليس بصحيح، لكن أصول هذه المسائل كباب الفك والإدغام، الذي هو الإظهار والإدغام، فبعض العرب تدغم وبعضها لا تدغم، هذا من حيث الأصل موجود عند العرب، فمثلاً: بعض العرب يقول: (قد سمع)، (قد جاء)، (قد ضل) يدغم الدال في بعض الأحرف، وبعض العرب يفك، فيقلقل الدال، ولا يمكن أن تخرج الدال في مثل هذه المواطن إلا بالقلقلة، وإلا لم يتبين، فالمقصود: أن هذه الأصول تكلمت بها العرب، وهي الموجودة في القرآن.

ما امتاز به علماء التجويد عن علماء العربية

لكن السؤال: ما هي مواطن الزيادة التي امتاز بها أداء القرآن عما هو موجود عند العرب؟

مواطن الزيادة في الحقيقة موطن اجتهاد، وهي التي سيقع عليها الكلام، فعلى سبيل المثال: الغنة موجودة في لغة العرب؛ لأن الغنة صفة في النون والميم، والإدغام بغنة وبغير غنة موجود عند العرب، لكن مقدار الغنة هذا نجده عند علماء التجويد.

إذاً: المقدار نجده عند علماء التجويد، وكلامنا سيكون في قضية المقادير.

إذاً يمكن القول: إن الزيادة التي وردت عند القراء هي ضبط المقادير التي يقرأ بها، وهذا الضبط لا نجده في لغة العرب ولكن نجده عند علماء التجويد.

فمثلاً بعضهم يذكر الغنة ويشير إلى ضبطها بالأحرف، ويقول: نضغط على الغنة بمقدار حرفين، يعني كأن ننطق بحرفين، يريد أن يبين وجود زمن أكثر من زمن النطق بالحرف الواحد.

وهناك فرق بين الغنة في حرف النون والميم واللام المشددة، فاللام المشددة في الزمن أقل من النون أو الميم المشددة، واستمر الأمر هكذا حتى جاء الضبط بالألفات أو بالحركات فضبطوها بحركتين، واستقر الوضع على الحركتين، ولهذا حينما تقرأ عند مقرئ، فتقول: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282] وتطيل غنة الميم، يقول لك: بالغت في الغنة؛ لأنك زدت قليلاً على الغنة، أو عندما تقل: (مُسَمًّى) وتخفف الغنة، يقول لك: قصرت في الغنة.

إذاً: هذا ما يتعلق بالمقدار في قضية الغنة وكلام سيبويه عليه.

لكن السؤال: ما هي مواطن الزيادة التي امتاز بها أداء القرآن عما هو موجود عند العرب؟

مواطن الزيادة في الحقيقة موطن اجتهاد، وهي التي سيقع عليها الكلام، فعلى سبيل المثال: الغنة موجودة في لغة العرب؛ لأن الغنة صفة في النون والميم، والإدغام بغنة وبغير غنة موجود عند العرب، لكن مقدار الغنة هذا نجده عند علماء التجويد.

إذاً: المقدار نجده عند علماء التجويد، وكلامنا سيكون في قضية المقادير.

إذاً يمكن القول: إن الزيادة التي وردت عند القراء هي ضبط المقادير التي يقرأ بها، وهذا الضبط لا نجده في لغة العرب ولكن نجده عند علماء التجويد.

فمثلاً بعضهم يذكر الغنة ويشير إلى ضبطها بالأحرف، ويقول: نضغط على الغنة بمقدار حرفين، يعني كأن ننطق بحرفين، يريد أن يبين وجود زمن أكثر من زمن النطق بالحرف الواحد.

وهناك فرق بين الغنة في حرف النون والميم واللام المشددة، فاللام المشددة في الزمن أقل من النون أو الميم المشددة، واستمر الأمر هكذا حتى جاء الضبط بالألفات أو بالحركات فضبطوها بحركتين، واستقر الوضع على الحركتين، ولهذا حينما تقرأ عند مقرئ، فتقول: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282] وتطيل غنة الميم، يقول لك: بالغت في الغنة؛ لأنك زدت قليلاً على الغنة، أو عندما تقل: (مُسَمًّى) وتخفف الغنة، يقول لك: قصرت في الغنة.

إذاً: هذا ما يتعلق بالمقدار في قضية الغنة وكلام سيبويه عليه.

ننتقل إلى كلام ابن الجزري الذي توفي سنة ثمانمائة وثلاث وثلاثين، ننتقل لنناقش قضية المد، لنعرف ما هي أول مرحلة من مراحل المد عند القراء عموماً؟

لا شك أن أول مرحلة من مراحل المد هي التي تبدأ بحركتين، وتقف على الست، وكما يقول ابن الجزري : لم أجد لا في قراءة متواترة ولا شاذة أحداً يزيد على الست.

وعندما نقول: إن المد قد يكون حركتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً، أو ستاً، نجد أن ابن الجزري يقول في كتابه النشر: (وقد أجمع الأئمة على مد نوعي المتصل، وذي الساكن اللازم)، أي: المد المتصل والمد اللازم، ثم يقول: (وإن اختلفت آراء أهل الأداء أو آراء بعضهم في قدر ذلك المد، على ما سنبينه، مع إجماعهم على أنه لا يجوز فيهما ولا في واحد منهما القصر، واختلفوا في مد النوعين الآخرين وهما: المنفصل وذو الساكن العارض، وفي قصرهما، والقائلون بمدهما اختلفوا أيضاً في قدر ذلك المد كما سنوضحه)، وهذا فيه دلالة على أن كل مصادر المد وقع فيها اختلاف.

ثم قال: (فوجب ألا يعتقد أن قصر المتصل جائز عند أحد من القراء، وقد تتبعته فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة، بل رأيت النص بمده). ثم ذكر أثر ابن مسعود الذي فيه: فقرأها مرسلاً: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، ثم بدأ يفصل في مراتب المد المتصل وسنأخذ فقط ما يتعلق بالمد المتصل.

حيث قال في المذهب الأول: (أنه على أربع مراتب: إشباع، ثم دون ذلك، ثم دونه، ثم دونه) والمقصود بالإشباع: ست حركات، وأقله ثلاث، ثم قال: (وليس بعد هذا إلا القصر)، وهذا مذهب أبي الحسن طاهر بن غلبون-توفي سنة ثلاثمائة وتسع وتسعين- و أبي عمرو الداني توفي سنة أربعمائة وأربع وأربعين- و أبي علي الحسن بن بليمة -توفي سنة خمسمائة وأربع عشرة- و أبي جعفر بن الباذش -توفي سنة خمسمائة وأربعين- وغيرهم.

إذاً هذا المذهب الأول، أقدم من قال به طاهر بن غلبون الذي توفي سنة ثلاثمائة وتسع وتسعين.

وقال في المذهب الثاني: (أنه ثلاث مراتب: وسطى، وفوقها، ودونها)، يعني: يكون أربعاً، وثلاثاً، وخمساً، فأسقطوا المرتبة العليا التي هي ست حركات، ثم قال: وهذا مذهب ابن مهران -توفي سنة ثلاثمائة وإحدى وثمانين- و أبي القاسم بن الفحام -توفي سنة خمسمائة وست عشرة- و أبي علي الأهوازي -توفي سنة أربعمائة وست وأربعين- و أبي نصر العراقي ، وابنه عبد الحميد -توفي سنة أربعمائة وعشرين تقريباً- و أبي الفخر الجاجاني -لم أجد له سنة وفاة-.

ثم قال في المذهب الثالث: أنه مرتبتان: طولى ووسطى، يعني أربع، وست، قال: (فأسقطوا الدنيا وما فوق الوسطى) وهذا مذهب ابن مجاهد -توفي سنة ثلاثمائة وأربع وعشرين- و أبي القاسم الطرسوسي -توفي سنة أربعمائة وعشرين- و أبي الطاهر بن خلف -توفي سنة أربعمائة وخمس وخمسين- .

ثم قال: (واعلم أن هذا الاختلاف في تقدير المراتب بالألفات لا تحقيق وراءه، بل يرجع إلى أن يكون لفظياً، وذلك أن المرتبة الدنيا وهي القصر، إذا زيد عليها أدنى زيادة صارت ثانية، ثم كذلك حتى تنتهي إلى القصوى، وهذه الزيادة بعينها إن قدرت بألف أو بنصف ألف هي واحدة، فالمقدر غير محقق، والمحقق إنما هي الزيادة)، المقصود بالمحقق: الزيادة، (وهذا مما تحكمه المشافهة، وتوضحه الحكاية، ويبينه الاختبار، ويكشفه الحسن.

قال الحافظ أبو عمر رحمه الله: وهذا كله جار على طباعهم ومذاهبهم في تفكيك الحرف، وتخليص السواكن، وتحقيق القراءة وحدرها، وليس لواحد منهم مذهب يسرف فيه على غيره إسرافاً يخرج عن المتعارف في اللغة والمتعالم في القراءة، بل ذلك قريب بعضه من بعض، والمشافهة توضح حقيقة ذلك، والحكاية تبين كيفيته).

وبعد الانتهاء من ذكر مقادير المدود قال: (فهذا ما حضرني من نصوصهم، ولا يخفى ما فيها من الاختلاف الشديد في تفاوت المراتب، وأنه ما من مرتبة ذكرت لشخص من القراء إلا وذكر له ما يليها، وكل ذلك يدل على شدة قرب كل مرتبة مما يليها، وإن مثل هذا التفاوت لا يكاد ينضبط) هذا كلام ابن الجزري ، ومعروف قيمة ابن الجزري في علم القراءات والتجويد، وهذا الكلام في النشر، الذي يتكلم عن القراءات العشر، ماذا يمكن أن نستفيد منه؟

ترتيب أسماء الأعلام الخائضين في مقادير المد

لو حاولنا أن نرتب أسماء الأعلام التي ذكرناها حسب القدم فإن أقدمهم هو: ابن مجاهد ، توفي عام ثلاثمائة وأربعة وعشرين، وبعده ابن مهران توفي عام ثلاثمائة وواحد وثمانين، وبعده الطاهر بن غلبون توفي عام ثلاثمائة وتسعة وتسعين.

إذاً: الملاحظ أن ابن الجزري مع أنه عالم محقق، وجامع لكتب التجويد وكتب القراءات، إلا أنه لم يستطع أن يرقى بالمقادير إلى القرن الثالث مثلاً، بمعنى أن ضبط المقادير جاء متأخراً، ولو كان عنده قبل هؤلاء لذكر، فإن أعلى من ذكره هو ابن مجاهد توفي سنة ثلاثمائة وأربع وعشرين، وإذا افترضنا أن ابن مجاهد نقل عن أشياخه القريبين منه، فإنه لا يوجد سند متصل بهذه المقادير، مما يدل على أن ضبط المقادير كان متأخراً.

اختلاف العلماء في المقادير ودلالة ذلك

إذاً: الزيادة موجودة، لكن مقدار الزيادة اجتهاد، وهؤلاء الذين اجتهدوا هم أعلام القراءة الذين أخذوها بالمشافهة فرصدوا المشافهة التي سمعوها، بمعنى أن الواحد منهم استمع من شيخه فرصد ما سمعه، لكنهم اختلفوا في طريقة الرصد، فبعضهم يرصد بالألفات، وبعضهم يرصد بالحركات، وبعضهم يرصد بالأحرف، يقول: تقرأ بمثابة قراءة حرفين مثلاً، وهذا الاختلاف في رصد الزيادة اجتهادي، ومقدار الزيادة أيضاً اجتهادي، لكن ابن الجزري يرى أنه ما نقص المد اللازم أو المد المتصل عن الحركتين، ولا زاد عن ست حركات، فلو قرأ قارئ من العوام: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، فهل نقول له: مد أو لا؟ وهل دخل ضمن الزيادة أو لا؟ لا شك أنه دخل ضمن الزيادة.

فلو جاء شخص يقول: طريق حفص عن عاصم يقرأ بأربع إلى خمس، نقول: هذا صحيح، ولكن هذا الكلام للمتعلم الذي يريد أن يتقن الطرق ويعرفها، فإننا نقول له: هذا حفص قرأ كذا وكذا، لكن العامي لا نستطيع أن نقول له: اقرأ هذا المد بقدر كذا، ولكن المفروض أن تقول له: إذا جاءت هذه الإشارة على الألف فافعل كذا، فنجد أنه سيقرأ المد بشكل طبيعي وتعتبر قراءته صحيحة، وهذا فيه تيسير على أكثر الأمة، وكذلك الحال في الغنة وضبطها بالحركتين، فإن حرف الغنة الذي يأتي في النون أو الميم إذا كان مشدداً، أو دخل في الإخفاء أو في القلب أو في الإدغام يكون أكثر من الحرف المشدد الذي ليس بغنة، لكن ما هو المقدار بالضبط؟ لم يزيدوا عن حركتين، فلو أن شخصاً عامياً قصر قليلاً فلا يقال له: أنت قصرت، لكن إذا جاء يتعلم التجويد على الأصول التي كتبها العلماء، نقول له: مقدارها حركتين.

فإذاً: يجب أن نفرق بين مقام التعليم، ومقام التصحيح العام لتلاوات الناس، فإن هذا شيء وذاك شيء آخر.

لو لاحظنا قوله في آخر كلامه: (ومثل هذا التفاوت لا يكاد ينضبط)، فقد تكلم الشيخ عبد العزيز قاري حفظه الله في كتاب الأحرف السبعة عن هذا الموضوع، وأشار إلى أن المقادير ضبطها أصلاً يفوق الطاقة البشرية؛ لأن هذه مقادير اجتهادية من باب الحدس والتخمين، لكنها في الغالب تكون متقاربة، لكن لا يأتي شخص ويقول: بأن هناك تفاوتاً شاسعاً، مثلاً يقرأ: (مُسَمًّى)، نقول له: والله هذه صحيحة، والثاني يقول: (مُسَمًّى) بدون زيادة الغنة، نقول له هذه صحيحة، لا! لأن التفاوت واضح بينهما، لكن ضبطها بالضبط الدقيق عندما يكون هناك نوع من التفاوت اليسير فإن هذا فوق طاقة البشر، ويحتاج إلى ميزان دقيق جداً جداً، وهذا لا يمكن أن يكون موجوداً في آذان البشر.

إذاً: نلاحظ من هذا أن المقادير عند علماء التجويد، بل عند أحد أعلام التجويد فيها اختلاف واضح، فيحسن بنا الرجوع إلى الكلام المحرر، وألا ندقق تدقيقاً شديداً عند قراءة العامة بالذات، فنحرص على أن تصحح التلاوة تصحيحاً عاماً، ويصحح اللفظ العربي، بحيث تعطى أماكن المدود حقها، وكذلك الغنة أيضاً فيكون قد قرأ قرآناً عربياً، وتعتبر قراءته سليمة، ونترك التشديد على الناس في هذا، لكن لو جاء شخص يريد أن يتعلم التجويد على أصوله الموجودة عند القراء، فإنه يعطى هذه المقادير كاملة مضبوطة، وهذا ما يتعلق بالمقادير وهو أهم شيء يرتبط بعلم التجويد.

اختلاف المقادير في باب التفخيم والترقيق والقلقلة

بقي الكلام عن المقادير في باب التفخيم والترقيق، فهل التفخيم فيه مقادير أو لا؟

لا شك أن فيه مقادير، ولكن كيف ذلك؟

لو لاحظنا سنجد أن المتأخرين من علماء التجويد قسموا التفخيم الذي يسمونه: التفخيم المطلق إلى مراتب وهي:

المرتبة الأولى: الحرف المفخّم بعده ألف.

المرتبة الثانية: الحرف المفخّم ليس بعده ألف.

المرتبة الثالثة: الحرف المفخّم المضموم.

المرتبة الرابعة: الحرف المفخّم الساكن.

المرتبة الخامسة: الحرف المفخّم المكسور، فبعضهم يجعلها خمس مراتب، والبعض الآخر يجعلها أربع مراتب، فيقسم مرتبة الساكن على المراتب الثلاث، يعني: الساكن قبله فتح مع المفتوح، والساكن قبله ضم مع المضموم، والساكن قبله كسر مع المكسور، على الخلاف الوارد في هذا، لو تأملنا حينما نسمع كلام العامة، فسنجد أنهم يقعون في نفس الإشكالية، فعلى سبيل المثال: عندما ينطق العامي قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ [التوبة:60]، فإنه يقول: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ [التوبة:60]، ولا يفخم القاف، فنقول له: لا! (قا) بتفخيم القاف، ثم بعدها ألف هذه هي المرتبة الأولى، فنجد أن التمييز بين المراتب فيه صعوبة، ولهذا يكفي في هذا محاولة أنه يفخم العامي ولو تفخيماً قليلاً عند قراءته الحرف المفخّم، ويكون مستفلاً أو مرققاً عند قراءته الحرف المرقق، وهذا عند الكلام على قراءة العامة، أنه يعلم بهذا الشكل فيفخم الأحرف المفخمة عند العرب؛ لأنه المنصوص عليه عند سيبويه: أن هذه أحرف تفخمها العرب، لكن المراتب والتفصيل فيها غير موجود عندهم، وإنما يوجد في كتب المجوِّدين، حتى المقدمون كانوا يذكرونها على أنها أحرف تفخيم، وينبهون على أن بعضها أقوى من بعض بما تحويه من صفات القوة، لكن هذه المراتب وتقسيمها جاءت متأخرة، بمعنى أن أصل التفخيم والترقيق موجود، لكن المقدار هذا، يعني مثلاً: بعضهم لما يدرس التفخيم في مثل: (خَائِفِينَ)، يكاد يقلب الألف إلى واو، من شدة المبالغة في بيان التفخيم، ولو قال: (خَائِفِينَ) نقول: صحيح، (قادرين) صحيح، لكن لو قال: ( قَادِرِينَ) ورقق القاف، هذه تكون إشكالية، فنقول له: هذا ترقيق، وعموماً فإن الذي نسمعه من كثير من العامة، أحياناً لما يقرأ أنه لا يميز بين هذه الحروف، وممكن أن يدخل هذا في مجال التعليم، فلو أنه بين له بدون التحريرات أو التدقيق الزائد ممكن تنضبط كثير من قراءة بعض العامة.

بقي شيء آخر في المقادير يمكن أن نذكره وهو المقادير في القلقلة؛ وذلك لأن القلقلة فيها خلاف في المراتب الثلاث المعروفة، وللمتقدمين كلام فيها، ولو تأملنا لوجدنا أنه لا يوجد في الصفات مقادير إلا في القلقلة والتفخيم.

لو حاولنا أن نرتب أسماء الأعلام التي ذكرناها حسب القدم فإن أقدمهم هو: ابن مجاهد ، توفي عام ثلاثمائة وأربعة وعشرين، وبعده ابن مهران توفي عام ثلاثمائة وواحد وثمانين، وبعده الطاهر بن غلبون توفي عام ثلاثمائة وتسعة وتسعين.

إذاً: الملاحظ أن ابن الجزري مع أنه عالم محقق، وجامع لكتب التجويد وكتب القراءات، إلا أنه لم يستطع أن يرقى بالمقادير إلى القرن الثالث مثلاً، بمعنى أن ضبط المقادير جاء متأخراً، ولو كان عنده قبل هؤلاء لذكر، فإن أعلى من ذكره هو ابن مجاهد توفي سنة ثلاثمائة وأربع وعشرين، وإذا افترضنا أن ابن مجاهد نقل عن أشياخه القريبين منه، فإنه لا يوجد سند متصل بهذه المقادير، مما يدل على أن ضبط المقادير كان متأخراً.