التأصيل في علم التجويد [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

نستذكر بعض الآيات الدالة على الأداء والتي ذكرناها سابقاً وهي:

أول دليل قوله سبحانه وتعالى: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، الدليل الثاني: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [القيامة:16-17].

الدليل الثالث: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا [الإسراء:106]، وهناك آيات أخرى كثيرة، لكن هذه أكثر الآيات المتعلقة مباشرة بالقراءة، ولو أردنا أن نتوسع في ذكر الآيات المرتبطة بالقراءة أو بالأداء، فسنجد عندنا آيات كثيرة جداً، فأي آية نصت على كونه عربياً، أو على كونه مقروءاً، بالمصدر، فستدخل ضمن هذه الآيات التي تتعلق بالأداء مثل قوله تعالى: قُرْآنًا عَرَبِيًّا [يوسف:2].

وعرفنا أن أكثر آية ينص عليها علماء التجويد أنها مرتبطة بالقراءة، هي قوله سبحانه وتعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، وعرفنا أن الترتيل المراد به: القراءة بتؤدة؛ لأن أصل المادة في لغة العرب تدل على هذا المعنى، وقالوا: ثغر مرتل، إذا كانت الأسنان بينها فروق، يعني بينها فواصل، فهذا هو الترتيل، فكأن القراءة المرتلة هي القراءة بترسل، التي يكون فيها قطع بين الكلمات وبين الجمل.

ذكرنا آثار السلف في مفهوم الترتيل، ووجدنا أنه في النهاية يعود إلى هذا المعنى اللغوي الذي ذكرناه، وإن كان قد يكون في بعضها بعض زيادات معان، لكنه في النهاية جمهور تفسير السلف يعود إلى هذا المعنى.

فعلى سبيل المثال من قال: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، قال: بينه بياناً، وهذا قول قتادة ، فلو أن إنساناً كان يقرأ بسرعة، فإنه لا تتميز الحروف، بخلاف ما لو قرأ بالترتيل فإنها ستتبن الحروف.

فإذاً: البيان المراد به إخراج ألفاظه إخراجاً سليماً.

أو من قال مثل مجاهد وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4] قال: بعضه على إثر بعض، وهذا تفسير على المعنى، وليس بياناً للمدلول المطابق للفظ، أو قوله الآخر: ترسل فيه ترسلاً. والترسل هو: الأداء بتؤدة.

فإذاً: هذه الآية أوضح آية يذكرها علماء التجويد، فهي تدل مباشرة على الترسل والتمهل والتؤدة في القراءة، أما أنها تدل على قدر زائد فهذا لا تدل عليه مباشرة، وإنما يدل عليه آثار أخرى.

ومما عرفناه أيضاً أن القرآن له صفة مخصوصة في النزول يدل عليها حديث: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على ابن أم عبد )، وابن أم عبد هو ابن مسعود ، فقوله صلى الله عليه وسلم: ( غضاً كما أنزل )، يشير إلى أن له هيئة، وكيفية خاصة حال إنزاله، وأن أقرب الناس لمعرفة هذه الكيفية هو ابن مسعود .

وذكرنا أن الصحابة مع أنهم عرب، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى أن يقرأ القرآن على أربعة، في قوله:( خذوا القرآن على أربعة )، أو ( خذوا القرآن من أربعة )، وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية التلقي.

ومما ذكرناه أيضاً بعض الآثار الدالة على وجود قدر زائد عن التلاوة المعتادة، بمعنى: أن الإنسان قد يكون يقرأ قراءة معتادة، من دون تكلف، وقد يقرأ بتكلف، ولكن المقصود بالتكلف هنا هو: تحسين الصوت أو تحسن الأداء.

وأول أثر ذكرناه من قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم هو: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها )، فدل على أن له قراءة بترتيل، وقراءة أعلى من الترتيل، المقصد أنه كان له وجهان في القراءة من خلال هذا الأثر.

وأيضاً قوله في أبي موسى الأشعري : ( لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة! لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل دواد )، وهذا في الصحيحين وغيرهما، وفي رواية عند البيهقي بإسناد مسلم نفسه زاد فيها، قال: ( لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً )، وأيضاً ورد هذا نفسه أنه قاله بلسان النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( لو علمت لحبرته لك تحبيراً )، فقوله: ( لحبرته تحبيراً ). يدل على القدر الزائد؛ لأن قراءة أبي موسى المعتادة، أو التي يقرأ بها بدون تكلف شيء، ولو أراد أن يحسن صوته، ويضبط قراءته أكثر، فهذا شيء آخر، في قوله: ( لحبرته لك تحبيراً ).

وأيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( زينوا القرآن بأصواتكم )، فهو يدل على أنه يمكن للإنسان أن يحسن صوته ويتكلف هذا التحسين.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن )، فإن هذا الحديث فيه أقوال للعلماء، وإن كان القول الصواب أن المراد بالتغني هنا هو: تحسين الصوت، وليس المراد به الاستغناء بالقرآن, وهو الوجه الآخر الذي ذكره بعض العلماء.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن )، فهذه مجموعة من الأحاديث النبوية فيما يتعلق بالقدر الزائد.

وذكرنا أيضاً بعض الآثار -وإن كان في بعضها نظر- مثل أثر ابن مسعود المشهور، الذي في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، أن رجلاً قرأها مرسلة، للفقراء، فقال: ما هكذا أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: كيف أقرأك يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، ومد بها صوته، وهذا الأثر وغيره يدل على أن القراءة سنة متبعة، وأنه لا يكفي الرسم في معرفة القراءة، يعني لا يكفي أن الإنسان يفتح المصحف ويقرأ، ولهذا نهى القراء أنفسهم عن الأخذ عن مصحفي، نسبة إلى المصحف، يعني الذي يقرئ من خلال المصحف فقط، فإنه لا شك أنه لن يحسن الأداء إطلاقاً، وهذا هو حال كثير من المسلمين اليوم فالأصل عندهم القراءة من خلال المصحف.

إذاً فهذه خاصية مستمرة ومرتبطة بأداء القرآن، ( اقرأوا كما علمتم )، ولا توجد حتى في الأحاديث النبوية، ولهذا لا يمكن أخذ القرآن بطرق تحمل الأحاديث، طريق العرض أو السماع، يعني الأداء لا بد فيه من المشافهة، وهذه ميزة في القرآن بالذات.

ثم عرفنا أن الترتيل هو التمهل والتبيين للألفاظ، ويبقى علينا أن نعرف ما هو التجويد؟

لننظر إلى الآثار النبوية مرة أخرى، هل نستطيع أن نأخذ من هذه الآثار شيئاً نتبين منه ما هو التجويد؟ فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اقرأوا كما علمتم )، هذا الحديث يدل على أنه لا يمكن أن يؤخذ القرآن إلا بالمشافهة، لكن طرق تحمل القرآن غير طرق تحمل الحديث، فهل يمكن أن يؤخذ بالمناولة أو الوجادة؟ لا يمكن، ولهذا بعض القراء الذين اشتهر عنهم أنهم يجيزون بقراءة الفاتحة فقط، أو بقراءة جزء من القرآن لا تقبل إجازتهم، لكن إذا علم عن شخص أنه ضابط مثلما حصل لـابن الجزري مثلاً، لا يأتي شخص يحتج بـابن الجزري ، فيقول: إنه قرأ على فلان وأجازه؛ لأن ابن الجزري لما أجيز كان قد قرأ على كذا من الشيوخ وأجيز بهذا، فلما جاء إلى أحد مشايخه وعرف أنه قد أجيز من فلان وفلان وفلان، قرأ عليه سورة الفاتحة وبعض السور فأجازه، وهذا يختلف؛ لأن هذا متقن وضابط، أما الآخر فإنه جاء ليقرأ على شيخ لأول مرة، فقرأ عليه سورة الفاتحة، ثم يقول له: أجزتك أن تقرئ الناس، هذا لا يجوز، والمقصود من هذا التأكيد على أن القرآن له هذه الخاصية، وهي أنه لا يمكن أن يؤخذ إلا بطريق العرض أو السماع، التي هي المشافهة، والمقصود بالعرض أن يعرض الطالب على الأستاذ وهذا هو الغالب، بمعنى أن يأتي الطالب ويقرأ على الأستاذ، والمقصود بالسماع أن يقرأ الشيخ ويسمع الطالب، لكن أغلب طرق الأداء في القرآن هي العرض، فيأتي الطالب ويقرأ على الشيخ والشيخ يصحح، وهذا مشهور جداً عند القرّاء، فلو ترجعون إلى تراجم القراء ستجدون أغلب طريق أداء القرآن العرض، من ضمنهم ورش جاء إلى المدينة ليقرأ على نافع ، فكانت القراءة عنده عرضاً، فسمع منه أول مرة، ثم طلاب نافع شفعوا له بأن يأخذ وقتهم، لكي يقرأ هذا الشاب المصري ويرجع إلى مصر؛ لأنه كان مرتبط بسفر حتى قرأ القرآن كاملاً، واشتهرت قراءة نافع من طريق ورش ، وصارت موجودة في القطر الغربي من العالم الإسلامي، فإذاً هذه هي الطريقة المعتادة والأكثر شهرةً، بمعنى أنه لا بد من المشافهة.

لو حاولنا مثلاً أن نصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم التي ثبتت من طريق القراء، ونخص طريق القراء هنا، لأنه ورد في بعض الأحاديث بعض الأوصاف لا نجدها عند القراء.

إذا حاولنا أن نعرف هذه الكيفية، أو هذه الصفة في القراءة في هذه الأحاديث، فإننا لا نجد بها سنداً متصلاً، وإنما نجد أقوالاً للعلماء، وتبقى المسألة مكتوبة أمامنا، ولا يوجد تفصيل لهذه الصفة، ومثال ذلك صفة الترجيع، ما هي صفة الترجيع؟ ورد عن عبد الله بن مغفل أنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته، وهو يقرأ من سورة الفتح، يرجع، وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع ).

فإذا رجعنا إلى شروح الحديث وجدناه مكتوب آ آ، ألف وألف عليه إشارة المدة، لكن من يستطيع اليوم أن يصف لنا هذه القراءة، يعني هل هناك سند بالمشافهة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يبين لنا هذه القراءة التي هي صفة الترجيع؟ لا، ليس لنا فيها إلا الحكاية، أن نحكي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الفتح ورجع فيها، ثم إشارة بالكتابة، وهذا لا يكفي.

إذاً صفة الترجيع هذه ثابتة ومع ذلك لا نجدها في طريق القراء، قد يقول قائل: كيف غابت مثل هذه الصفة؟ نقول: هذه مسألة في علم الغيب، لكننا نريد أن نثبت أنه يوجد صفة من القراءة غير معروفة، أو غير مطبقة وليس فيها سند شفاهي يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذي من طريق القراءة الأصل فيه أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً سيظهر لنا سؤال هنا وهو: أنه إذا ورد عن القراء قراءة حرف، أو أداء هذا الحرف، فهل يمكن إخراج أداء هذا الحرف، أو قراءة هذا الحرف، عن أن يكون ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

الأصل أن نقول: إن التجويد أخذ بالتلقي عن أئمة القراءة لا يخرج شيء مما ذكروه إلا بدليل واضح، أما عدم العلم فلا يعني العلم بالعدم، بمعنى أن بعض الناس عندما يجهل هذا العلم أو وجه التفاصيل في هذا العلم لا يحكم بأن هذا العلم ليس بصحيح.

ومثال ذلك: ما أشيع عن بعض القراء مثل حمزة ، فإن هناك كلاماً حول قراءته، والحقيقة أن الإشكالية جاءت من أحد وجهين: إما من جهل من تكلم عن القراءة بالقراءة، والجهل ليس عيباً، وإن كان الذي قال به قد يكون من الأعلام الكبار؛ وإما من خطأ التلاميذ في التطبيق، يعني: أنهم لم يحسنوا أخذ القراءة، ولهذا حمزة كان ينكر على بعض طلابه، الذين أخطأوا في القراءة.

وهناك نصوص كثيرة جداً يمكن أن يرجع إلى كتاب جمال القراء وكمال الإقراء للسخاوي ، فقد ذكر نصوصاً كثيرة جداً عن طرائقهم في الأداء، بمعنى أن كل واحد من هؤلاء القراء كان له طريقة في الأداء، وكانت معروفة، فهذا يأخذ بكذا، وهذا يأخذ بكذا، أي: أن الموضوع عندهم منضبط وواضح ومعروف، فما جاءت إشكالية بين القراء إطلاقاً! إذاً من المهم جداً أن يؤخذ هذا العلم من القراء، وأن أي معلومة أخذت من طريق القراء الأصل فيها الثبوت، لا تخرج عن الثبوت إلا بدليل؛ لأنهم هم أهل الاختصاص، والذي يفرق بين الأداء والحروف يلزمه أن يفرق بين متلازمين؛ لأن المقرئ أخذ الحرف وأداءه، ولم يجتهد في الأداء؛ لأن الأصل في هذه القضايا عدم الاجتهاد، فإذا ثبت عندهم أن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول، فليس لأحد منهم فيها اجتهاد، إنما يتلو كما علم، ومثال ذلك: الروم والإشمام، فإن الروم: هو الإتيان بجزء من الحركة، يسمى تضعيف الحركة، والإشمام: الإتيان بصفة الحركة، فقد يقول قائل: هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا وهذا؟ نقول: هذا هو الأصل، أنه فعل، لكن أين فعل؟ وكم فعل؟ الله أعلم، لكن الأصل أنه فعل، بدلالة أن القراء رووها بالسند المتصل، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل، أما أين وقع الروم؟ وأين وقع الإشمام؟ فهو ثابت في بعض الأحرف، ومن المتفق عليه مثل قوله تعالى: تَأْمَنَّا [يوسف:11]

والكلام عنها مشهور، وكذلك قد يكون مما يتعلق بآخر الحروف، أي: الوقف على أواخر الكلم، فقد يكون وقف على كل كلمة، وقد يكون وقف على شيء منها ثم قيس على غيره، يعني: قيس مالم يقرأ به على ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا المسألة فيها سعة، والروم والإشمام أصل عربي معمول به عند العرب، فثبوته في حرف كذا وحرف كذا، يكفي أننا ننطقه في هذه المواطن.

إذاً: المقصود من هذا الكلام كله، أننا نريد أن نأخذ بهذا الوصف الاصطلاحي لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذي حصل عند المجودين أنهم ذهبوا إلى تحديد علم التجويد بحد معين، ولم يريدوا علم الأداء كاملاً، يعني: أنهم لم يأخذوا بقراءة القرآن كلها، وإنما أخذوا بوصف التجويد كمصطلح أخص من عموم القراءة، لكن لو رجعنا إلى الأوصاف الواردة عند النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة، مثل قضية الترتيل فقد ورد عن حفصة : ( أنها لما سئلت عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: إنكم لا تستطيعونها! قال: فقيل لها: أخبرينا، قال: فقرأت قراءة ترسلت فيها ). وهذا فيه إشارة إلى التؤدة في القراءة، وكذلك التحقيق فإنه ورد أنه كان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من التي هي أطول منها، معنى أن هذه القضية المرتبطة بالأداء لا تجدها مذكورة في مصطلح التجويد عند العلماء الذين حددوا مفهوم التجويد.

كذلك قراءة المد التي ذكرها أنس : ( كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مداً، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم )، فإن مفهوم المد هنا يحتاج إلى تأمل، هل المراد بالمد هو ما نفهمه نحن مد الصوت أو المراد به مفهوم الترتيل نفسه؟ بحيث أنه يكون في القراءة ترسل وتؤدة.

وأيضاً قراءة التفسير كما في حديث أم سلمة ، قال: ( ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً )، هذه الأوصاف في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.

لما نأتي إلى علم التجويد في مصطلح التجويد قد لا نجد هذه الأوصاف المذكورة، فإذاً: عندنا أوصاف للقراءة العامة، ثم أوصاف للأحرف التي يقرأ بها، فعلماء التجويد لما اصطلحوا حرصوا على ضبط الأحرف التي يقرأ بها، ولهذا نجد أنهم عرفوا علم التجويد فقالوا: هو إعطاء الحروف حقها ومستحقها، فهذه العبارة يكاد يجمع عليها المعرفون لعلم التجويد تعريفاً اصطلاحياً.

فإذا كان التجويد هو: إعطاء الحروف حقها ومستحقها، فنجد أننا ارتبطنا بالحرف نفسه، ومثال ذلك: لما يأتي شخص عند الشيخ ويقرأ عليه، فيقول: الحمد لله رب العالمين. لو قرأ وقال: الحمد لله رب العالمين. مثلما يقرأ بعض العامة، فإنه يقول له: غلط، هي رب العالمين، ويعدل الخطأ، هذا ما نسميه إعطاء الحروف حقها، إذاً تحديد علماء التجويد ارتبط بالحرف من حيث إعطائه حقه ومستحقه، وهذا الحق والمستحق يدخل فيه ما يسمى: بعلم المخارج والصفات، وما ينشأ عن علم المخارج والصفات من موضوعات مثل: باب الإدغام، والذي يشمل أبواب تجعله من يكون أكبر موضوعات علم التجويد.

إذاً فالمقصود من ذلك أنه تحدد عند علماء التجويد أن التجويد مرتبط بفصاحة وبيان الحرف نفسه بإعطائه الحق والمستحق.

علاقة علم التجويد بعلم القراءات والفرق بينهما

ويمكن أن نضع سؤالاً هنا: هل هناك علم له علاقة بعلم التجويد؟ أي: هل هناك علم آخر مرتبط بألفاظ وحروف القرآن من علوم القرآن؟

الجواب: نعم، علم القراءات، فعلم التجويد وعلم القراءات كلها من علوم القرآن، لكن ما الجامع بين هذين العلمين؟

الملاحظ أنها كلها مرتبطة بالأداء، أي: أداء الحروف، إذاً هل علم القراءات هو علم التجويد؟

الجواب: لا، فما الفرق بينهما إذاً؟ بمعنى أنه مادام علم القراءات ليس علم التجويد، فما هو علم التجويد؟

قد يقول قائل: علم القراءات علم كيفية القراءة، وعلم التجويد يبين كيفية النطق، نقول له: صاروا شيئاً واحداً إذاً.

لكن يمكن القول بأن الفرق بينهما أنه إذا أعطينا الحرف حقه فهذا نسميه علم التجويد، وما فيه من أوجه القراءة فهذا نسميه علم القراءات.

ولنتأمل عبارة لـمكي بن أبي طالب فهو الذي فتح هذا الباب، ويعتبر من أوائل من تكلم في هذا الموضوع، حيث يقول في كتابه الرعاية: [ ولست أذكر فيه -يعني في الكتاب- الذي هو كتاب تجويد إلا ما لا اختلاف فيه بين أكثر القراء، فيجب على كل من قرأ بأي حرف كان من السبعة -أي: القراءات السبع- أن يأخذ نفسه بتحقيق اللفظ وتجويده، وإعطائه حقه على ما نذكره مع كل حرف في هذا الكتاب].

وقال في موطن آخر: [ وقد تقدم ذكر أصول القراء واختلافهم في الهمز، وتجميله وحذفه وبدله وتحقيقه، وغير ذلك من أحكامه في غير هذا الكتاب، فلا حاجة بنا إلى ذكر ذلك، وكذلك ما شابهه، فليس هذا كتاب اختلاف، وإنما هو كتاب تجويد ألفاظ، ووقوف على حقائق الكلام، وإعطاء اللفظ حقه بمعرفة أحكام الحروف التي ينشأ الكلام منها مما لا اختلاف في أكثره ].

لوجدنا أن الفرق عند مكي بين علم القراءة وعلم التجويد هو عند قوله: أنا لا أذكر ما لا اختلاف فيه بين أكثر القراء؛ لأنه إذا كان هناك اختلاف بين القراء، فهل يصير من علم التجويد أو من علم القراءات؟ لو ضربنا مثلاً: وهو قوله سبحانه وتعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26]، في قراءة: (لا يعذب عذابه ولا يوثق وثاقه)، هل هذا تجويد أو قراءات؟

لا شك أنه قراءات، إذاً التجويد هو تحقيق تحسين اللفظ، والقراءات هي الاختلافات الواردة في كيفية نطق هذا اللفظ أنه كذا أو كذا، وبمعنى أكثر وضوحاً التجويد هو: تحسين اللفظ نفسه، أما القراءات فهي: اختلافهم في الأوجه.

أيضاً كتاب مهم اسمه جهد المقل، وقد طبع بتحقيق الدكتور سالم قدور الحمد ، وجهد المقل كتاب لـمحمد أبي بكر المرعشي ، وهو من الكتب المهمة جداً؛ لأن فيه تحريرات، وإن كان بعض التحريرات قد خالفه عليها بعض المتأخرين، بل بعض من عاصره، لكن الكتاب فيه نفس التحرير، فقد اعتمد على كلام مكي لما أراد أن يفرق بين علم التجويد والقراءات، حيث يقول: [ فإن قلت: ما الفرق بين علمي التجويد والقراءات؟ قلت: علم القراءة: علم يعرف فيه اختلاف أئمة الأمصار في نظم القرآن، في نفس حروفه أو في صفاتها، فإذا ذكر منه شيء مما هي في صفات الحروف فهو التجويد، إذ لا يتعلق الغرض به ].

إذاً: كتب القراءات مرتبطة بالاختلاف، فإذا ذكر فيها شيء مرتبط بصفات الحروف فهو التجويد حيث يقول: [ وأما علم التجويد فالغرض منه معرفة ماهية صفات الحروف، فإذا ذكر منه شيء من اختلاف الأئمة، فهو القراءات، كذا حقق في الرعاية ] أي: الرعاية لـمكي .

إذاً فالمقصود من هذا أنه عند استعراض مصادر علم التجويد، سنجد أن كتب القراءات هي أحد مصادر علم التجويد، ككتاب الإقناع في القراءات السبع لـابن الباذش ، فقد عقد كتاباً خاصاً بالتلاوة والتجويد، مع أنه كتاب قراءات؛ وذلك لأنه لا يمكن أن يقرأ إنسان القراءات إلا بعد أن يتقن التجويد؛ لأنه إذا لم يتقن التجويد لم يستطع أن يعرف القراءة.

والملاحظ أنه مع تداخل هذين العلمين من جهة، ومن جهة كونها كلها مرتبطة بأحرف القرآن، إلا أن هذا العلم له تميز واختصاص، وهذا العلم له تميز واختصاص، فعندما نقول: قرأ فلان وفلان وفلان: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24]، بالظاء، وقرأ فلان وفلان وفلان: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24]، بالضاد، وقرأ فلان: (الصراط)، وقرأ فلان (الزراط)، فإن هذا يعتبر من علم القراءات، لكن لو جئنا إلى نفس الكلمة، وقلنا للمتدرب أو المتعلم مثلاً: اقرأ بإشمام الصاد زاياً فما ضبطها، ثم بدأنا نضبط له إشمام الصاد زاياً، فإذا ضبط هذا فإنه يعتبر تجويداً من تجويد اللفظ؛ لأننا نجود نفس اللفظ، لكن ذكر الخلاف أن هذه الكلمة قرئت بثلاثة أوجه، فإنا نعتبر هذا قراءات، إذاً: هناك نوع من التداخل بين العلمين، لكن كل واحد من هذين العلمين له مسائله المستقلة الواضحة، فتجويد اللفظ هو كيف ينطق هذا اللفظ نطقاً عربياً سليماً؟ وبيان ما هي الأوجه لهذا اللفظ؟ هذا نعتبره قراءات، وهذا باختصار هو الفرق بين العلمين.

ويمكن أن نضع سؤالاً هنا: هل هناك علم له علاقة بعلم التجويد؟ أي: هل هناك علم آخر مرتبط بألفاظ وحروف القرآن من علوم القرآن؟

الجواب: نعم، علم القراءات، فعلم التجويد وعلم القراءات كلها من علوم القرآن، لكن ما الجامع بين هذين العلمين؟

الملاحظ أنها كلها مرتبطة بالأداء، أي: أداء الحروف، إذاً هل علم القراءات هو علم التجويد؟

الجواب: لا، فما الفرق بينهما إذاً؟ بمعنى أنه مادام علم القراءات ليس علم التجويد، فما هو علم التجويد؟

قد يقول قائل: علم القراءات علم كيفية القراءة، وعلم التجويد يبين كيفية النطق، نقول له: صاروا شيئاً واحداً إذاً.

لكن يمكن القول بأن الفرق بينهما أنه إذا أعطينا الحرف حقه فهذا نسميه علم التجويد، وما فيه من أوجه القراءة فهذا نسميه علم القراءات.

ولنتأمل عبارة لـمكي بن أبي طالب فهو الذي فتح هذا الباب، ويعتبر من أوائل من تكلم في هذا الموضوع، حيث يقول في كتابه الرعاية: [ ولست أذكر فيه -يعني في الكتاب- الذي هو كتاب تجويد إلا ما لا اختلاف فيه بين أكثر القراء، فيجب على كل من قرأ بأي حرف كان من السبعة -أي: القراءات السبع- أن يأخذ نفسه بتحقيق اللفظ وتجويده، وإعطائه حقه على ما نذكره مع كل حرف في هذا الكتاب].

وقال في موطن آخر: [ وقد تقدم ذكر أصول القراء واختلافهم في الهمز، وتجميله وحذفه وبدله وتحقيقه، وغير ذلك من أحكامه في غير هذا الكتاب، فلا حاجة بنا إلى ذكر ذلك، وكذلك ما شابهه، فليس هذا كتاب اختلاف، وإنما هو كتاب تجويد ألفاظ، ووقوف على حقائق الكلام، وإعطاء اللفظ حقه بمعرفة أحكام الحروف التي ينشأ الكلام منها مما لا اختلاف في أكثره ].

لوجدنا أن الفرق عند مكي بين علم القراءة وعلم التجويد هو عند قوله: أنا لا أذكر ما لا اختلاف فيه بين أكثر القراء؛ لأنه إذا كان هناك اختلاف بين القراء، فهل يصير من علم التجويد أو من علم القراءات؟ لو ضربنا مثلاً: وهو قوله سبحانه وتعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26]، في قراءة: (لا يعذب عذابه ولا يوثق وثاقه)، هل هذا تجويد أو قراءات؟

لا شك أنه قراءات، إذاً التجويد هو تحقيق تحسين اللفظ، والقراءات هي الاختلافات الواردة في كيفية نطق هذا اللفظ أنه كذا أو كذا، وبمعنى أكثر وضوحاً التجويد هو: تحسين اللفظ نفسه، أما القراءات فهي: اختلافهم في الأوجه.

أيضاً كتاب مهم اسمه جهد المقل، وقد طبع بتحقيق الدكتور سالم قدور الحمد ، وجهد المقل كتاب لـمحمد أبي بكر المرعشي ، وهو من الكتب المهمة جداً؛ لأن فيه تحريرات، وإن كان بعض التحريرات قد خالفه عليها بعض المتأخرين، بل بعض من عاصره، لكن الكتاب فيه نفس التحرير، فقد اعتمد على كلام مكي لما أراد أن يفرق بين علم التجويد والقراءات، حيث يقول: [ فإن قلت: ما الفرق بين علمي التجويد والقراءات؟ قلت: علم القراءة: علم يعرف فيه اختلاف أئمة الأمصار في نظم القرآن، في نفس حروفه أو في صفاتها، فإذا ذكر منه شيء مما هي في صفات الحروف فهو التجويد، إذ لا يتعلق الغرض به ].

إذاً: كتب القراءات مرتبطة بالاختلاف، فإذا ذكر فيها شيء مرتبط بصفات الحروف فهو التجويد حيث يقول: [ وأما علم التجويد فالغرض منه معرفة ماهية صفات الحروف، فإذا ذكر منه شيء من اختلاف الأئمة، فهو القراءات، كذا حقق في الرعاية ] أي: الرعاية لـمكي .

إذاً فالمقصود من هذا أنه عند استعراض مصادر علم التجويد، سنجد أن كتب القراءات هي أحد مصادر علم التجويد، ككتاب الإقناع في القراءات السبع لـابن الباذش ، فقد عقد كتاباً خاصاً بالتلاوة والتجويد، مع أنه كتاب قراءات؛ وذلك لأنه لا يمكن أن يقرأ إنسان القراءات إلا بعد أن يتقن التجويد؛ لأنه إذا لم يتقن التجويد لم يستطع أن يعرف القراءة.

والملاحظ أنه مع تداخل هذين العلمين من جهة، ومن جهة كونها كلها مرتبطة بأحرف القرآن، إلا أن هذا العلم له تميز واختصاص، وهذا العلم له تميز واختصاص، فعندما نقول: قرأ فلان وفلان وفلان: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24]، بالظاء، وقرأ فلان وفلان وفلان: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24]، بالضاد، وقرأ فلان: (الصراط)، وقرأ فلان (الزراط)، فإن هذا يعتبر من علم القراءات، لكن لو جئنا إلى نفس الكلمة، وقلنا للمتدرب أو المتعلم مثلاً: اقرأ بإشمام الصاد زاياً فما ضبطها، ثم بدأنا نضبط له إشمام الصاد زاياً، فإذا ضبط هذا فإنه يعتبر تجويداً من تجويد اللفظ؛ لأننا نجود نفس اللفظ، لكن ذكر الخلاف أن هذه الكلمة قرئت بثلاثة أوجه، فإنا نعتبر هذا قراءات، إذاً: هناك نوع من التداخل بين العلمين، لكن كل واحد من هذين العلمين له مسائله المستقلة الواضحة، فتجويد اللفظ هو كيف ينطق هذا اللفظ نطقاً عربياً سليماً؟ وبيان ما هي الأوجه لهذا اللفظ؟ هذا نعتبره قراءات، وهذا باختصار هو الفرق بين العلمين.


استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
التأصيل في علم التجويد [4] 3118 استماع
التأصيل في علم التجويد [5] 2053 استماع
التأصيل في علم التجويد [3] 1806 استماع
التأصيل في علم التجويد [1] 1423 استماع