عقوبة من انتقد الحاكم أو أحد نوابه
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
عقوبة من انتقد الحاكم أو أحد نوابهمن تكلم بالحاكم أو في أحد نوابه من الوزراء والأمراء وغيرهم من موظفي الحكومة فلا يخلو المتكلم من حالين:
الأولى: أن يكون كلامه حقاً ومطالبه مشروعه فيحرم التعرض له والأصل وجوب تلبية مطالبة إذا كانت ممكنة.
فعن أبي هريرة - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ثُمَّ قَالَ أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ فَقَالَ أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً "رواه البخاري (2306) ومسلم (1601).
بوب البخاري على الحديث: باب لصاحب الحق مقال.
قال العيني في عمدة القاري (12/236) أي: هذا باب يذكر فيه لصاحب الحق مقال، يعني إذا طلب وكرر قوله فيه لا يلام.
الثانية: أن يكون كلامه باطلاً:
فالتعامل مع على مراتب:
الأولى: الأفضل أن يتركه ولا يتعرض له وهذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين - رضى الله عنهم-.
الثانية: أن يرد عليه باطله ويبين خطأه إذا كان في ذلك مصلحة يقول ربنا تعالى ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126].
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره (ص: 452) يقول تعالى: مبيحا للعدل ونادبا للفضل والإحسان ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ﴾ من أساء إليكم بالقول والفعل ﴿ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ من غير زيادة منكم على ما أجراه معكم.
﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ ﴾ عن المعاقبة وعفوتم عن جرمهم ﴿ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ من الاستيفاء وما عند الله خير لكم وأحسن عاقبة كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40].
وعن جابر بن عبدالله (( قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين وفى ثوب بلال - رضى الله عنه - فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطى الناس فقال يا محمد اعدل.
قال « وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ » رواه البخاري (3138) ومسلم (1063).
وعن عبدالله بن الزبير، رضي الله عنهما أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير - رضى الله عنه - عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ "رواه البخاري (2360) ومسلم (2357).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر - رضى الله عنه -، وكان القراء أصحاب مجالس عمر - رضى الله عنه - ومشاورته، كهولا كانوا، أو شبانا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر - رضى الله عنه -، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله، ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر - رضى الله عنه -، حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر - رضى الله عنه - حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله" رواه البخاري (4642).
وعن كثير بن نمر، قال: جاء رجل برجل من الخوارج إلى علي - رضى الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين إني وجدت هذا يسبك، قال: فسبه كما سبني، قال: ويتوعدك، فقال: لا أقتل من لم يقتلني، قال علي - رضى الله عنه -: لهم علينا ثلاث: أن لا نمنعهم المساجد أن يذكروا الله فيها، وأن لا نمنعهم الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا، وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا " رواه أبو عبيد في الأموال (ص: 296) وإسناده حسن.
وكذلك كان من أتى بعد الخلفاء الراشدين - رضى الله عنهم - ممن عرف بالعدل من الحكام ذكر الشافعي في الأم (4/230) أن عديا [بن أرطاة أمير البصرة] كتب لعمر بن عبدالعزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر بن عبدالعزيز إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوهم.
الثالثة: يجوز تعزير المعتدي في الحال تعزيرا يناسب خطأه ويخلى سبيله كما هم عمر - رضى الله عنه - أن يعاقب عيينة بن حصن ثم عفا عنه.
وحتى حينما يجتهد المتأخرون من الفقهاء في سجن من تكلم بالحكام بغير حق يحدون للسجن مدة قصيرة مقارنة بالواقع قال ابن فرحون في تبصرة الحكام (2/ 302) من تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة ويسجن شهرا.