أرشيف المقالات

رسالة إلى مفجر وحاكم - أبو الهيثم محمد درويش

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
بسم الله نبدأ، وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم نسير..
بعد تداعيات التفجيرات الأخيرة التي طالت القاهرة منذ أيام, فهذه رسالة إلى كل من المفجر والحاكم عسى أن نلتقي على كلمة سواء.

أولاً: إليك أيها المفجّر:

أخي -بارك الله فيك- هلاّ قايست بين ما عاد على المسلمين من مصالح جرّاء تفجيرك وما جر عليهم من مفاسد, بالله عليك أي مصلحة عادت على الأمة وعلى دينها من جراء تفجيرك؟؟ صدقني لا نرى مصلحة ظاهرة.

تعال الآن نعدد سوياً المفاسد:

أولاً : قتلت نفسك وهي والله علينا غالية وعندنا ثمينة, لو وفّرتها للدعوة ونصرة الحق والأخذ بأيدي الناس إلى الطريق الصحيح أما كان أفضل من هذا التفجير؟

لقد خسر المسلمون بموتك رجلاً لو كان أجاد العمل كان من الممكن أن يسلك طريقاً صحيحاً في الدعوة قد يجعله عالماً ربّانياً تلتف حوله الأمة ويجدد لها دينها؛ فرجل مثلك يجود بروحه فمقتله خسارة كبرى؛ خاصة أن هذه القتلة لم تحقق فائدة للأمة التي تنتظر منك ومن أمثالك الجهد والوقت والصبر لإعلاء كلمة الله , ونشر الخير والحق بين المسلمين.

ثانياً: طال الموت بفعلتك هذه أناساً أبرياء من المارّة ليس لهم أي ذنب سوى مرورهم من هذا المكان, ففي رقبة من هذه الدماء المعصومة بالله عليك؟؟ وأنت تعرف أن دم المسلم عند الله أغلى من الكعبة المشرفة, فكيف تتهاون بهذه الدماء المعصومة.

ثالثاً: تسببت بفعلتك هذه بتهييج الحكومات على أبرياء من أبناء الصحوة قد طالهم الاعتقال ظلما دون رويّة, وخرّبت بيوتهم فوق رؤوسهم وحرمت الأمة من جهودهم, ففي رقبة من هذه الدعوات التي أفسدت وهذه النبتات الصحوية التي أتلفت وهذه الحرمات التي انتهكت ؟؟؟

أفق أخي فالخطب جدُّ خطير، والأمة الآن في حاجة لمن ينهض بها ويجدد الدماء في عروقها وليس من يتسبب في جفاف هذه العروق.
ثم أذكرك بأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً صواباً فالصالح ما كان لوجه الله خالياً من الشرك الأكبر والأصغر، أي بنية صافية خالصة من شوائب الشرك والرياء.

والصواب ما كان على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منهج الشرع الإسلامي المبارك، فبأي دليل من الشرع قمت بما قمت؟ وإنما لا يقبل العمل منك بغير دليل صحيح, وليس دليلاً مبتوراً أو نصاً مؤولاً تأويلاً غير صحيح.

أفق أخي وتعلم الشرع من منابعه الصحيحة الصافية, واتبع النبي صلى الله عليه وسلم, في كل كبير وصغير ففي اتباعه الخير كل الخير وفي البعد عن منهجه الوسط الشر كل الشر, ولا تنس أن أناساً أتوا لبيت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدوه فسألوا عن عبادته فلما أخبروا بها كأنهم تقالّوها, فقال أحدهم أما إني أقوم الليل فلا أرقد وقال الآخر وأنا أصوم النهار فلا أفطر ، وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء , فلما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم بخبرهم ناداهم وأخبرهم بأنه صلى الله عليه وسلم أتقى الأمة وأخشاها لله, فقال : « أما إنّي أتقاكم لله وأخشاكم له, أما إني أقوم وأرقد وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس منّي » أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فهاهو صلى الله عليه وسلم لم يفرح بما قالوا، بل أخبرهم بسنّته وأن الإسلام وسط بين الغلو والتفريط, وأن من رغب عن هذا الشرع الوسط فهو ليس منه صلى الله عليه وسلم, فهل تحب أخي الحبيب ألا تكون من أتباعه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .

أخي الحبيب (فكّر قبل أن تفجّر)..


أما رسالتي إلى الحاكم (وبالأحرى لجميع حكام العرب)

قبل أن أوجه كلمتي، أحب أن تسأل نفسك أيها الحاكم من السبب في جعل هذا المفجر يقوم بما قام؛ فإن الله تعالى -أيها الحاكم- قد استرعاك رعية وسائلك لا محالة عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون, ولاعسكر ولا سلطان، يوم تقف بين يدي ربك عرياناً ليسألك عما استرعاك، فماذا أعددت لهذا اليوم؟؟ قال تعالى { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ }.

هل أعددت لهذا اليوم البعد عن شرع الله وتحكيم القوانين الوضعية, وقد قال تعالى: { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ }، وقال تعالى: { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقِّ }، وقال تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }، وقال تعالى: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }، وقال تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }..

أم هل أعددت للقاء الله وسؤاله عما استرعاك التعاون مع أعداء الله على أمتك، أم موالاة أعداء الله ورسوله؟؟ قال تعالى: { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ }.

أم أعددت لهذا اليوم بطشك بأولياء الله والمطالبين بشرعه؛ فتارة سجن وتراة تعذيب قد يصل إلى الموت وتارة نفي في الأرض، وقد قال تعالى في الحديث القدسي: « من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب » فهل أنت قادر على محاربة ملك الملوك؟؟

ولا تغتر بالمهلة فإنه تعالى يمهل ولا يهمل, وإذا أخذ الظالم لم يفلته إن أخذه أليم شديد.

اعلم أيها الحاكم أننا والله نأمل لك من الله الهداية والعودة إلى الصواب، فوالله لو تبت إلى الله ورجعت إليه وحكّمت شرع ربك وبسطت يدك لشعبك، والله نحن أول من يبايعك ونكون من جندك المخلصين طاعة لله تعالى, فبادر بالتوبة قبل الموت واتق الله فيما استرعاك من رعية.

{ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ } محمد أبو الهيثم

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن