أرشيف المقالات

يا من يريد المغفرة.. هذا رمضان ! - محمد الجابري

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .

الحمد لله الذي خص بعض مخلوقاته بما شاء من الفضائل ، والصلاة و السلام على نبيه الأمين ، وبعد

فيا أخي الحبيب:
ها هو رمضان على الأبواب قد أتي .

رمضان : الذي طالما حنت إليه قلوب المتقين .

رمضان : الذي طالما اشتاقت إليه نفوس الصالحين.

وكيف لا تحن القلوب إلى شهر الخير والبركة .

كيف لا تشتاق القلوب إلى شهر المغفرة والرحمة.


أخي الحبيب:
إن هذا الشهر قد خصه الله بخصائص عظيمة ، وميزه الله بفضائل جليلة .
فهو شهر الصيام ؛ الذي هو ركن من أركان الإسلام .

الصيام ؛ الذي كل عمل بن آدم له إلا الصوم ، فإنه لله وهو يجزي به .
إنه شهر تتفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق أبواب النار .

إنه شهر تصفد فيه مردة الشياطين .


أخي الحبيب :
إن من أعظم فضائل رمضان أنه موسم كبير للمغفرة .

نعم ، المغفرة التي نحتاجها جميعا
المغفرة : التي من كُتبت له ، فقد كُتب له الخير كله .

وهل يُمنع العباد من دخول الجنان إلا بسبب عدم المغفرة ؟
وهل يَدخل العباد النار إلا بسبب الذنوب التي لم تُغفر؟
الذنوب : التي هي سبب لكل بلاء ، ومصيبة .

الذنوب : التي تُورث في القلب ظلمة ، ووحشة .

الذنوب : التي تحول بينك وبين ربك ومولاك .


أخي الحبيب :
يا من يُريد المغفرة :
يا من أثقلت كواهلَه المعاصي: هاهو موسم من مواسم المغفرة قد أقبل .
اسمع إلى هذه الأحاديث الصحيحة لتتعرف على أنهار من المغفرة في هذا الشهر الكريم .


أولا: صيام رمضان
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه » ( أخرجه البخاري في صحيحه ) .

2- وعنه رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر » ( أخرجه مسلم ) .

يالها من بشرى عظيمة ، بشرى بالمغفرة ؛ يا من تصوم رمضان ابتغاء وجه الله ، واطلب الأجر من الله ، وأبشر فالمغفرة وشيكة بإذن الله .

أخي الحبيب :
إن أردت المغفرة فليكن صومك عن المحرمات قبل أن تصوم عن المباحات ، ليصم سمعك ، وبصرك ، ولسانك ، وكل جوارحك ، فالله قد حرم عليك في نهار رمضان الأكل والشرب وهما مباحان ، لينبهك على ترك الحرام من باب أولى .

أما إذا لم تفعل فاسمع إلى هذا الحديث الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم « من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ».
لا إله إلا الله ؛ كم جاع وكم عطش ، وكم نصب وتعب ، ولكن ليس له شيء من الأجر لأنه لم يصم عن المحرمات .


أخي الحبيب:
إن الله غني عنك وعن جوعك وعطشك ، وإنما يريد الله منك - من وراء الصيام - تقواه سبحانه وتعالى .

نعم يا أخي إنما يريد الله التقوى ، وهي الغاية التي من أجلها فرض الله الصيام { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }.
فحققِ التقوى حتى تنال المغفرة ، أمسك لسانك ، وغض بصرك ، واحفظ سمعك عن هذه المحرمات حتى تفطر في الجنات بإذن الله .


ثانيا: قيام رمضان :
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من قام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه » ( أخرجه البخاري في صحيحه ) .

سبحان الله ! يا أخي ، إنها ليالي معدودة ، تنصب فيها القدمين لله ، وتصلي لله ، تحصل على هذه المغفرة ، فاعزم بقلبك على قيام رمضان ، واخلص لله .

بل واسمع إلى هذه البشارة النبوية ، كما في السنن من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام الليلة » .


كم يأتي الشيطان إلى أحدنا فيجعله يأكل عند الإفطار كثيرا ، فإذا ما رام القيام لصلاة التراويح أحس بثقل الجسم ، وأحس بالتعب لأن عقله و ذهنه أصبح عند قدميه ، فهو يراوح بينهما ، لا تلذذا بالعبادة ولكن استثقالا لها .

كم يأتي الشيطان إلى أحدنا ، فما أن يفرغ من صلاة العشاء ، إلا ويبدأ يذكره بأعماله وأشغاله حتى يترك صلاة التراويح .

و ربما استخدم مكره معنا ؛ فيزهدنا في صلاة التراويح ، لأنها مستحبة و ليست بواجبة ، أو أن أعمالنا وسعينا في طلب المعيشة أفضل ، أو ربما استخدم أسلوب التسويف ، فيقول لأحدنا لازلت في أول رمضان وأنت متعب من الصيام ، انتظر حتى غد ثم تبدأ في المحافظة على صلاة التراويح من أولها.

و هكذا يمضي رمضان - ليلة تلو ليلة - ونحن لم نصل إلا القليل من الليالي .


ثالثا: قيام ليلة القدر
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه » ( أخرجه البخاري في صحيحه ) .

ليلة واحدة ، تجتهد فيها بالعبادة ، بالطاعة ، هذه الليلة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان من أجلها ، والظفر بها _ وهو من قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر - فحري بنا - ونحن الذين لم نعلم بعد ما مصيرنا ، ما حالنا يوم القيامة - أن نجتهد في قيام تلك الليلة ، التي قيامها يُعادل قيام أكثر من ثلاث و ثمانين عاما، قال تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر } .


أخي الحبيب :
والله إن السجلات ملأى بالذنوب والسيئات ، أفلا نغسلها بقيام ليلة واحدة .

وحتى تدرك هذه الليلة ، فعليك بقيام العشر الأواخر كلها، إن كنت صادقا في طلب المغفرة .


أخي الحبيب :
إن أنهارا من المغفرة أمامك يوشك أن تجري من أجلك ، فهلا انغمست فيها ، لعلها تطهرك ، لعلها تغسل عنك صحائف ؛ طالما سودتها ، لعلها تكفر ذنوبا ؛ طالما حالت بينك وبين ربك ومولاك.


أخي الحبيب :
أسباب المغفرة كلها منعقدة لكي يُغفر لك .

والله - يا أخي - ما فتح الله أبواب الجنان إلا من أجل أن يُدخلك فيها .

والله ؛ ما غلّق الله أبواب النيران إلا ليُبعدك عنها .

ما صفّد الله مردة الشياطين إلا لتُقبل عليه ، وعلى طاعته ، التي هي سبب رضاه ، التي هي سبب سعادتك وفلاحك .


أخي الحبيب :
هل تجد أرحم من ربك ومولاك - وهو غني عنك وعن طاعتك - لا والله لن تجد أبدا .

انظر كيف يعاملك ، وكيف تعامله .

تعصيه فيستر عليك ، وتتمادى في المعصية فيحلم عليك ، وتسرف على نفسك في الذنوب والمعاصي فيدعوك للمغفرة والتوبة.
يقول تعالى { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا ، إنه هو الغفور الرحيم } .


أخي الحبيب :
تأمل هذه الآية ،كم تحبب الله فيها إلى عباده - لا أقول المحسنين ، ولكن المسرفين على أنفسهم - لم يقل الله { الذين أجرموا } ، ولم يقل { الذين عصوا } ، ولكن قال { الذين أسرفوا على أنفسهم } ، وقبلها نسبك إليه فقال { يا عبادي } ليعلمك أنك مهما فعلت من الذنوب

و مهما أكثرت من المعاصي فإنك لا تزال عبد من عباده .

ثم أخبرك أن لا تقنط من رحمته ، وأعلم بأن الله يغفر كل الذنوب كلها - مهما عظمت - إذا تبت منها .

وهل شهر رمضان وما فيه من أسباب المغفرة إلا من أجلك ، ومن أجل محو ذنوبك .


إن غفران الذنوب أمنية الصالحين ، فهذا عبد الله بن مسعود يقول : ( وددت لو أن الله غفر لي ذنبا واحدا وأن لا يُعرف لي نسب ، وددت أني عبد الله بن روثة ، وأن الله غفر لي ذنبا واحدا ).

و لكن سبحان الله ! فهناك من المسلمين من لا يريد المغفرة والرحمة ، جعلوا رمضان موسما للعب واللهو ، قضوا أيامه في الحرام ، وسهروا لياليه في المعاصي ، زادت ذنوبهم ذنوبا ، وزادت صحائفهم سوادا.


ألا فليتذكر أولئك حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل ، فقال : يا محمد ، من أدرك أحد أبويه فمات فدخل النار فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين .

يا محمد ، من أدرك شهر رمضان ، فمات ولم يُغفر له فأدخل الله النار ، فأبعده الله ، فقل : آمين ، فقلت : آمين .
ومن ذُكرت عنده فلم يصلي عليك ، فمات فدخل النار فأبعده الله ، فقل : آمين ، فقلت آمين »
(رواه الطبراني ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله)
لا إله إلا الله ! يا أخي ؛ انظر من الداعي ومن المؤمن ، الداعي جبريل خير الملائكة ، والمؤمن محمد صلى الله عليه وسلم خير البشر ، فالدعاء مستجاب لا محالة .


أخي الحبيب:
هل سألت نفسك لمن هذه الفضائل كلها ؟
أهي للملائكة ؟
أم هي للبهائم والحيوانات ؟
كلا والله ، يا أخي الحبيب.

إنها والله ، لك ، ومن أجلك .

نعم ، الله فتح أبواب الجنة لك ، وغلق أبواب النار من أجلك ، وصفد مردة الشياطين لتقبل عليه .

كم من ملك مقرب ليس له « و لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ».


يا أخي:
أيام رمضان أيام مغفرة ، ورحمة ، أيام رمضان أيام محو للسيئات .

يا أخي :
أما آن أن تُغفر الذنوب .

أما آن أن تُمحى الخطايا .

يا طالب المغفرة : هاهي أسبابها أمامك ، هاهي بين يديك .


أخي الحبيب:
إن الله يحب أن يغفر لعباده { والله يريد أن يتوب عليكم } ، ولكن الله لا يُعطي المغفرة إلا لمن يستحقها .


يا أخي :
إن لم يُغفر لنا في رمضان - وقد انعقدت أسبابها - فمتى يغفر لنا ؟
إن لم يتب الله علينا في رمضان ، فمتى يتاب علينا ؟

أخي الحبيب :
لا تحقر من الذنوب شيئا ، فلقد أدخل الله امرأة النار بسبب حبس هرة .
فإياك ، إياك أن تتهاون في ذنب أو معصية ، لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.


أخي الحبيب :
هلم إلي شهر المغفرة ، إلي شهر الرحمة ، اجتهد بالعبادة ، أكثر من الطاعة ، ابتعد عن المعاصي ، فلا سبيل إلي المغفرة إلا بهذا الطريق .
أسأل الله أن يبلغنا وإياك رمضان ، وأن يوفقنا فيه للصالحات ، وأن يغفر لنا أجمعين .



شارك الخبر


Warning: Undefined array key "codAds" in /home/islamarchive/public_html/templates_c/24203bf677d3c29484b08d86c97a829db7a16886_0.file.footer.tpl.php on line 33

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/24203bf677d3c29484b08d86c97a829db7a16886_0.file.footer.tpl.php on line 33
المرئيات-١