فقه الأسرة [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:

فقد تحدثنا على أركان النكاح, وما لتلك الأركان من شروط, وقد ذكرنا بعض شروط النكاح العامة، وسيكون الحديث اليوم أيضاً -إن شاء الله- عن الشروط في النكاح، وما يتعلق بذلك.

كون الصداق مالاً متمولاً مملوكاً منتفعاً به

أما تلك الشروط العامة الباقية؛ فمنها ما يتعلق بالصداق فإنه يشترط أن يكون مالاً متمولاً، فإن كان غير متمول كالخمر والخنزير ونحو ذلك مما لا نفع شرعي فيه؛ فاختلف أهل العلم في النكاح هل يبطل بذلك أم يكون النكاح صحيحاً والشرط باطلاً؟

وإذا كان الصداق من مال لا يجوز تملكه كالخمر والخنزير, وكالمحرم الأكل كالحمار ونحوه مما لا يحل أكله إذا أشرف على الموت، فقد اختلف في هذا النكاح هل هو صحيح، فيصحح العقد، بصداق آخر غير الصداق المشروط، أو يبطل العقد أصلاً لأنه سبق أن الصداق ركن من أركان النكاح؛ لقول الله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] فالأصل فيها الإنفاق ويمكن أن تكون لتعدية، وسوف يكون النكاح حينئذٍ مما لا يمكن أن يتصور إلا منها.

وكذلك: إذا كان الصداق مما يجوز تملكه؛ لكن لا انتفاع به، لا لذاته ولكن لقلته كالأرز مثلاً، أو نحو ذلك، فهذا من تمول مملوك لكن لا انتفاع به لقلته لا لتحريم عينه.

فكذلك اختلف هل يصحح النكاح بأن يجعل العقد على أقل الصداق، وقد سبق أنه ثلاثة دراهم عند الجمهور، أو يبطل النكاح أصلاً لأن العقد لم يكن على منتفع به.

كذلك: إذا كان الصداق ديناً، فإن كان مؤجلاً إلى أجل يبلغه عمرهما عادةً صح النكاح قطعاً، كما إذا كان الصداق ديناً لسنة أو سنتين أو نحو ذلك ويبلغه عمرهما عادةً، بخلاف ما إذا كان الصداق بأجل لا يبلغه عمرهما عادة أو أحدهما، كما إذا كان إلى ثلاثين سنة، وعمر الزوج أو الزوجة قد وصل إلى الستين، أو السبعين مثلاً؛ فحينئذٍ لم يختلف أهل العلم في أن العقد يصحح بصداق آخر إلا بصداق المثل أو لأقل صداق، فصداق المثل يختلف باختلاف النساء، فصدقاتهن على اعتبار نظائرهن فينظر إلى أواسط نظائرهن في البلد من ناحية القرابة والسن، فتقاس على أواسط أهل بلدتها وقرائبها، وإذا صحح بأقل الصداق فقد سبق الخلاف فيه, والترجيح أنه ثلاثة دراهم وهو النصاب المحدد كذلك في قطع يد السرقة كما سبق.

رضا المرأة الثيب

كذلك من هذه الشروط العامة: أنه يشترط رضا المرأة إذا كانت ثيباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الثيب أملك لنفسها من وليها )؛ ولأنه قال: ( البكر تستأمر وإذنها صماتها، والثيب أملك لنفسها من وليها )؛ فلذلك لا يمكن أن تجبر وهي ثيب، والثيب تُعْرِب أي: تصرح برغبتها أو رفضها؛ فإن رضيت صح النكاح وإلا كان النكاح كعقد ... وقد سبق البحث فيه، إذاً الراجح: بطلانه إلا إذا كان... كما سبق في حديث عائشة في نكاحها لابنة أخيها عبد الرحمن بن أسعد بن الزبير رضي الله عنهم.

وإذا رفضت البكر، وأراد والدها تزويجها بغير رضاها فهو كذلك مكروه، ولكن الراجح صحة النكاح حينئذٍ؛ لأنها قد تؤثر عليها العاطفة في وقت ثم يزول عنها ذلك فيما بعد، وهو أدرى بمصلحتها، وعليها الاستجابة له إذا اختار الأب على أساس مصلحتها هي لا على أساس مصلحته هو، وإن علم أنه قدم مصلحة نفسه على مصلحة المرأة فيعتبر حينئذٍ عاضلاً، ويرفع القاضي يده عن الولاية، ومثل ذلك ما لو عضلها أو منعها من النكاح بكفء؛ فتعدد ذلك، والتعدد مختلف فيه وهذه قاعدة عامة، بم يحصل التعدد؟ أو بم يكون الشيء عادة؟ ففي قول المالكية وهو رواية عن الحنابلة: أن التعدد المقصود به المرة الثانية، فإذا حصل مرة أولى لن يعتبر ذلك عادةً فإن عاد فوقع على نحو ما وقع أولاً كثر تعدده.

وقالت طائفة أخرى: بل المقصود التكرر ثلاثاً بأن يحصل في المرة الثالثة؛ فلا يكون التعدد إلا بذلك، ونظير هذا، العادة في الثيب، فالمرأة إما أن تكون مبتدئة وإما أن تكون معتادة، فالمبتدئة هي التي تحيض لأول مرة أو لثاني مرة، على القول: بأن التعدد يشترط له ثلاث، والمعتادة هي التي تكرر عليها حول في نفس الوقت، ثلاث مرات، أو مرتين على القول: الوارد، ونظير ذلك ما خلافه في العزم أيضاً بم يحصل التعدد فيه، فإذا عضلها عن كفء واحدٍ فلا ترفع يده عن ولايتها، واحتمال أن يكون هو يعرف في ذلك الكفء ما لا يستطيع التصريح به من العيوب، فإن تعدد ذلك نزعت ولايته عنها ويزوجها فيها القاضي بغير إذن ذلك الولي.

وبعض العلماء قد يخالف في هذا الأمر، فيمنع موليته، يعضلها لمصحته هو لا لمصلحتها هي، وذلك مخالف للشرع، وهو خيانة للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وغش بها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الصحيحين أنه قال: ( ما من والٍ يوليه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )؛ ولذلك لا بد من نصيحة من ظهر منه هذا الأمر، ولا بد أن يبين له الحكم الشرعي فيه، وأن يزجر عن مخالفته.

أما تلك الشروط العامة الباقية؛ فمنها ما يتعلق بالصداق فإنه يشترط أن يكون مالاً متمولاً، فإن كان غير متمول كالخمر والخنزير ونحو ذلك مما لا نفع شرعي فيه؛ فاختلف أهل العلم في النكاح هل يبطل بذلك أم يكون النكاح صحيحاً والشرط باطلاً؟

وإذا كان الصداق من مال لا يجوز تملكه كالخمر والخنزير, وكالمحرم الأكل كالحمار ونحوه مما لا يحل أكله إذا أشرف على الموت، فقد اختلف في هذا النكاح هل هو صحيح، فيصحح العقد، بصداق آخر غير الصداق المشروط، أو يبطل العقد أصلاً لأنه سبق أن الصداق ركن من أركان النكاح؛ لقول الله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] فالأصل فيها الإنفاق ويمكن أن تكون لتعدية، وسوف يكون النكاح حينئذٍ مما لا يمكن أن يتصور إلا منها.

وكذلك: إذا كان الصداق مما يجوز تملكه؛ لكن لا انتفاع به، لا لذاته ولكن لقلته كالأرز مثلاً، أو نحو ذلك، فهذا من تمول مملوك لكن لا انتفاع به لقلته لا لتحريم عينه.

فكذلك اختلف هل يصحح النكاح بأن يجعل العقد على أقل الصداق، وقد سبق أنه ثلاثة دراهم عند الجمهور، أو يبطل النكاح أصلاً لأن العقد لم يكن على منتفع به.

كذلك: إذا كان الصداق ديناً، فإن كان مؤجلاً إلى أجل يبلغه عمرهما عادةً صح النكاح قطعاً، كما إذا كان الصداق ديناً لسنة أو سنتين أو نحو ذلك ويبلغه عمرهما عادةً، بخلاف ما إذا كان الصداق بأجل لا يبلغه عمرهما عادة أو أحدهما، كما إذا كان إلى ثلاثين سنة، وعمر الزوج أو الزوجة قد وصل إلى الستين، أو السبعين مثلاً؛ فحينئذٍ لم يختلف أهل العلم في أن العقد يصحح بصداق آخر إلا بصداق المثل أو لأقل صداق، فصداق المثل يختلف باختلاف النساء، فصدقاتهن على اعتبار نظائرهن فينظر إلى أواسط نظائرهن في البلد من ناحية القرابة والسن، فتقاس على أواسط أهل بلدتها وقرائبها، وإذا صحح بأقل الصداق فقد سبق الخلاف فيه, والترجيح أنه ثلاثة دراهم وهو النصاب المحدد كذلك في قطع يد السرقة كما سبق.

كذلك من هذه الشروط العامة: أنه يشترط رضا المرأة إذا كانت ثيباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الثيب أملك لنفسها من وليها )؛ ولأنه قال: ( البكر تستأمر وإذنها صماتها، والثيب أملك لنفسها من وليها )؛ فلذلك لا يمكن أن تجبر وهي ثيب، والثيب تُعْرِب أي: تصرح برغبتها أو رفضها؛ فإن رضيت صح النكاح وإلا كان النكاح كعقد ... وقد سبق البحث فيه، إذاً الراجح: بطلانه إلا إذا كان... كما سبق في حديث عائشة في نكاحها لابنة أخيها عبد الرحمن بن أسعد بن الزبير رضي الله عنهم.

وإذا رفضت البكر، وأراد والدها تزويجها بغير رضاها فهو كذلك مكروه، ولكن الراجح صحة النكاح حينئذٍ؛ لأنها قد تؤثر عليها العاطفة في وقت ثم يزول عنها ذلك فيما بعد، وهو أدرى بمصلحتها، وعليها الاستجابة له إذا اختار الأب على أساس مصلحتها هي لا على أساس مصلحته هو، وإن علم أنه قدم مصلحة نفسه على مصلحة المرأة فيعتبر حينئذٍ عاضلاً، ويرفع القاضي يده عن الولاية، ومثل ذلك ما لو عضلها أو منعها من النكاح بكفء؛ فتعدد ذلك، والتعدد مختلف فيه وهذه قاعدة عامة، بم يحصل التعدد؟ أو بم يكون الشيء عادة؟ ففي قول المالكية وهو رواية عن الحنابلة: أن التعدد المقصود به المرة الثانية، فإذا حصل مرة أولى لن يعتبر ذلك عادةً فإن عاد فوقع على نحو ما وقع أولاً كثر تعدده.

وقالت طائفة أخرى: بل المقصود التكرر ثلاثاً بأن يحصل في المرة الثالثة؛ فلا يكون التعدد إلا بذلك، ونظير هذا، العادة في الثيب، فالمرأة إما أن تكون مبتدئة وإما أن تكون معتادة، فالمبتدئة هي التي تحيض لأول مرة أو لثاني مرة، على القول: بأن التعدد يشترط له ثلاث، والمعتادة هي التي تكرر عليها حول في نفس الوقت، ثلاث مرات، أو مرتين على القول: الوارد، ونظير ذلك ما خلافه في العزم أيضاً بم يحصل التعدد فيه، فإذا عضلها عن كفء واحدٍ فلا ترفع يده عن ولايتها، واحتمال أن يكون هو يعرف في ذلك الكفء ما لا يستطيع التصريح به من العيوب، فإن تعدد ذلك نزعت ولايته عنها ويزوجها فيها القاضي بغير إذن ذلك الولي.

وبعض العلماء قد يخالف في هذا الأمر، فيمنع موليته، يعضلها لمصحته هو لا لمصلحتها هي، وذلك مخالف للشرع، وهو خيانة للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وغش بها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الصحيحين أنه قال: ( ما من والٍ يوليه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )؛ ولذلك لا بد من نصيحة من ظهر منه هذا الأمر، ولا بد أن يبين له الحكم الشرعي فيه، وأن يزجر عن مخالفته.

أما الشروط في النكاح: فإنما يشترطه الولي أو المرأة أو الزوج، في عقد النكاح من الشروط، وهذه الشروط الأصل عدمها، الأصل في العقد ألا يشترط فيه أي شرط، وهكذا أصل العقود الشرعية كلها أنها خالية من الشروط.

خلاف العلماء في الشروط في العقد

أما إذا اشترط فيها شرط فقد اختلف أهل العلم فيه؛ فمنهم من منع إدخال الشروط في العقود مطلقاً ورأى بطلان العقد بالشرط، وهو أبو حنيفة رحمه الله, واستدل بما حدث به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم، (نهى عن بيع وشرط)، وقاس أبو حنيفة جميع العقود على البيع، فقال: كل عقد تضمن شرطاً فالعقد باطل والشرط باطل، وذهب بعضهم إلى بطلان الشرط وبقاء العقد، أي على أن العقد صحيح، وأن الشرط باطل، وذهب آخرون إلى أن العقد صحيح والشرط صحيح، وذهب آخرون إلى التفصيل، وقد روى بعضهم في هذا قصة حصلت لأحد المستفتين، فقد جاء إليه ابن أبي لؤلؤة فسأله عن بيع وشرط، جاء إلى أبي حنيفة أولاً فسأله عن بيع وشرط، فقال: الشرط باطل والبيع باطل، فسأل ابن أبي لؤلؤة ، فقال: العقد صحيح والشرط باطل، فذهب إلى ابن شبرمة فقال: العقد صحيح والشرط صحيح؛ فعاد إلى أبي حنيفة فقال: أسمعت ما قال: صاحباك؟ فاخبره به فقال: ما أدري ما قالا، غير أنه حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( نهى عن بيع وشرط )؛ فالعقد باطل والشرط باطل، فرجع إلى ابن أبي لؤلؤة فأخبره، فقال: لا أدري ما قالا غير أن هشام بن عروة أخبرني عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اشترطي لهم الولاء وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق)، فرجع إلى ابن شبرمة فقال: لا أدري ما قال، غير أن ابن شهاب حدثني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، (اشترى منه جملاً فشرط عليه حملانه إلى المدينة)؛ فالشرط صحيح والعقد صحيح.

ومالك رحمه الله كان يرى تفصيلاً في هذا؛ فيرى أن الشروط تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: شرط يتضمنه العقد ولا ينافيه، فهذا سواء ذكر أو لم يذكر فهو يلازمه، فالاشتراط في النكاح كاشتراط النفقة في النكاح، او اشتراط العدل، أو اشتراط الصداق مثلاً، فهذا يتضمنه العقد أصلاً ولا ينافيه، ومثله شرط: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]؛ فهذا الشرط يتضمنه العقد أصلاً سواء ذكر أو لم يذكر؛ فلا حرج في ذكره، وهو لازم أصلاً ذكر أو لم يذكر.

القسم الثاني: شرط ينافي العقد أصلاً، كاشتراط ألا توارث بينهما، أو ألا تأتيه إلا نهاراً، أو ألا يساكنها في قريته؛ فهذا الشرط منافٍ لمقصد العقد أصلاً، وهو مبطل للعقد إن تعلق بذات العقد كما ذكر أو في محله، فإن تعلق الشرط بأمر آخر كالصداق ونحوه فيبطل الشرط، ويصحح العقد حينئذٍ.

القسم الثالث: شرط لا يتضمنه العقد ولا ينافيه، كاشتراط ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها؛ فهذا يصحح ويكره جعله في العقد، فيكره للولي أن يفعله في العقد ويكره الاتفاق على ذلك, ويكره للعاقد مطلقاً الإقدام على هذا؛ لأنه مخالف للسنة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم إدخال الشروط في العقود.

حكم الوفاء بالشروط في العقد

ومع ذلك فإنه يلزم الوفاء به إن كان مباحاً شرعاً؛ لما أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )، وقد اختلف أهل العلم في تفسير قوله: ( إن أحق الشروط )، ما هي الشروط المقصودة هنا؟ فقالت طائفة منهم: إن المقصود بالشروط، هي الشروط في العقد، كشرط ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها، وقالت طائفة أخرى: بل المقصود بالشروط العقود بذاتها، فإن العقد يسمى شرطاً، عند طائفة من أهل العلم؛ ولذلك يلقب الموثقون للعقود بالشرائط؛ لأنهم يكتبون الشروط أي العقود، والكتب المؤلفة في الشروط ككتاب الشروط في صحيح البخاري ، المقصود به ما يتعلق بالعقود، وقد قال: باب الإمامة في الشروط، فالمقصود بالشروط هنا ما يتعلق بالعقود مطلقاً؛ فالعقد يسمى شرطاً، وعلى هذا فالحديث محتمل للدلالتين معاً، فيمكن أن يكون المقصود به الشروط بمعنى العقود فيجب الوفاء بها؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وبقوله: وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا [البقرة:177]، وبقوله: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ [النحل:91]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب, وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر )؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان )، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة ينادى عليه على رءوس الأشهاد: هذه غدرة فلان ابن فلان ).

ويختص النكاح بترتيب ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان لديكم أخذتموهن بشرط الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، وإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت به استمتعت بها على عوج )، ولقوله صلى الله عليه وسلم كذلك في ذكر النكاح ما ذكر من شدة الأمر فيه في عدد من الأحاديث، ولقول الله تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21]، ولذلك يسمى عقد النكاح ميثاقاً غليظا، وليس كسائر المواثيق لشدته، وللجانب التعبدي فيه؛ ولأن الشارع رتب عليه من الأحكام ما لا يترتب على غيره من العقود كما سبق في الإرث والقوامة ونحو ذلك، ومن هنا لا بد من البحث في الشروط التي تدخل في العقود، فما كان منها لمصلحة العقد ولو لم يتضمنه العقد فإنه إن لم يتعدد فلا حرج فيه إن شاء الله، وإن تعدد فمحل خلاف؛ لأن الإمام أحمد رحمه الله يرى أن العقد إن تضمن شرطين بطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، ( نهى عن شرطين في بيعة، وعن بيعتين في بيعة، وعن رزق ما لم يضمن )، فهذا الحديث يقتضي أن كل عقد، وقع فيه شرطان بطل بذلك، وحمل مقصود هذا على مطلق الشروط، وحملها الشافعي على ما لا مصلحة فيه للعاقدين؛ فما كان فيه مصلحة للعاقدين أو لأحدهما وهو شرط الذي يحقق مصلحة للعقد، فهو جائز ويجوز اشتراطه بالعقد ويلزم الوفاء به إن لم يقبل بالنهي عنه بخصوصه.

أما إذا اشترط فيها شرط فقد اختلف أهل العلم فيه؛ فمنهم من منع إدخال الشروط في العقود مطلقاً ورأى بطلان العقد بالشرط، وهو أبو حنيفة رحمه الله, واستدل بما حدث به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم، (نهى عن بيع وشرط)، وقاس أبو حنيفة جميع العقود على البيع، فقال: كل عقد تضمن شرطاً فالعقد باطل والشرط باطل، وذهب بعضهم إلى بطلان الشرط وبقاء العقد، أي على أن العقد صحيح، وأن الشرط باطل، وذهب آخرون إلى أن العقد صحيح والشرط صحيح، وذهب آخرون إلى التفصيل، وقد روى بعضهم في هذا قصة حصلت لأحد المستفتين، فقد جاء إليه ابن أبي لؤلؤة فسأله عن بيع وشرط، جاء إلى أبي حنيفة أولاً فسأله عن بيع وشرط، فقال: الشرط باطل والبيع باطل، فسأل ابن أبي لؤلؤة ، فقال: العقد صحيح والشرط باطل، فذهب إلى ابن شبرمة فقال: العقد صحيح والشرط صحيح؛ فعاد إلى أبي حنيفة فقال: أسمعت ما قال: صاحباك؟ فاخبره به فقال: ما أدري ما قالا، غير أنه حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( نهى عن بيع وشرط )؛ فالعقد باطل والشرط باطل، فرجع إلى ابن أبي لؤلؤة فأخبره، فقال: لا أدري ما قالا غير أن هشام بن عروة أخبرني عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اشترطي لهم الولاء وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق)، فرجع إلى ابن شبرمة فقال: لا أدري ما قال، غير أن ابن شهاب حدثني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، (اشترى منه جملاً فشرط عليه حملانه إلى المدينة)؛ فالشرط صحيح والعقد صحيح.

ومالك رحمه الله كان يرى تفصيلاً في هذا؛ فيرى أن الشروط تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: شرط يتضمنه العقد ولا ينافيه، فهذا سواء ذكر أو لم يذكر فهو يلازمه، فالاشتراط في النكاح كاشتراط النفقة في النكاح، او اشتراط العدل، أو اشتراط الصداق مثلاً، فهذا يتضمنه العقد أصلاً ولا ينافيه، ومثله شرط: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]؛ فهذا الشرط يتضمنه العقد أصلاً سواء ذكر أو لم يذكر؛ فلا حرج في ذكره، وهو لازم أصلاً ذكر أو لم يذكر.

القسم الثاني: شرط ينافي العقد أصلاً، كاشتراط ألا توارث بينهما، أو ألا تأتيه إلا نهاراً، أو ألا يساكنها في قريته؛ فهذا الشرط منافٍ لمقصد العقد أصلاً، وهو مبطل للعقد إن تعلق بذات العقد كما ذكر أو في محله، فإن تعلق الشرط بأمر آخر كالصداق ونحوه فيبطل الشرط، ويصحح العقد حينئذٍ.

القسم الثالث: شرط لا يتضمنه العقد ولا ينافيه، كاشتراط ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها؛ فهذا يصحح ويكره جعله في العقد، فيكره للولي أن يفعله في العقد ويكره الاتفاق على ذلك, ويكره للعاقد مطلقاً الإقدام على هذا؛ لأنه مخالف للسنة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم إدخال الشروط في العقود.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه الأسرة [1] 3810 استماع
فقه الأسرة [2] 2931 استماع
فقه الأسرة [7] 2928 استماع
فقه الأسرة [4] 2560 استماع
فقه الأسرة [5] 1953 استماع
فقه الأسرة [6] 1638 استماع