أمراض الشباب وعلاجها


الحلقة مفرغة

الحمد الله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.. أما بعد:

فقبل أن أدخل في هذا الموضوع وهو الحديث عن الشباب ورسالته في الحياة، والعقبات التي تعترض سبيله، أحب أن أقف قليلاً عند قول الله تبارك وتعالى: لَوْ أَنـزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21] نعم، لو أُنـزل القرآن على جبل لتصدع من خشية الله تبارك وتعالى وهذا كلام الله تبارك وتعالى، ولكن هذه القلوب البشرية يتنـزل عليها القرآن فتنقسم إلى قسمين:

قلوب أقسى من الحجارة

قلوب ثابتة بالإيمان

أما القسم الثاني: فهي القلوب التي وعت عن الله سبحانه وتعالى، وفهمت آياته واعتبرت بها واتعظت، فهذه القلوب صار بها من قوة الإيمان، واليقين، والثقة بالله تعالى، والاطمئنان إليه، ما يجعلها أثبت من الجبال.

أما القسم الثاني: فهي القلوب التي وعت عن الله سبحانه وتعالى، وفهمت آياته واعتبرت بها واتعظت، فهذه القلوب صار بها من قوة الإيمان، واليقين، والثقة بالله تعالى، والاطمئنان إليه، ما يجعلها أثبت من الجبال.

يقول الله تعالى وهو يذكر النار وأهلها فيقول: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً * = 6002240> [الكهف:100] نعم كأنك ترى هذا المشهد أمامك والناس يموجون في بعض، والنار قد عرضت وقربت وأعدت بحيث يراها هؤلاء وأولئك.

ثم يذكر الله عز وجل لمن عرضت هذه النار ولمن أعدت؟ فيقول: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [الكهف:101] أي: للكفار.

أليس للكفار آذان يسمعون بها؟! أليس لهم أعين يبصرون بها؟! بلى. لهم آذان يسمعون بها، ولهم أعين يبصرون بها، ولهم قلوب يعقلون بها أمور دنياهم، ولكن المنفي عنهم هو السماع الذي يؤثر في الاتعاظ، والعمل، والاعتبار، ومشكلتنا -أيها المسلمون- دائماً ليست في أننا لا نعلم، بل نحن نعلم كثيراً من الأشياء ولكننا لا نعمل، ولا نتعظ بها، فيكون حكمنا في ذلك حكم من لا يعلم بها أصلاً.

الإيمان بالموت

انظروا إلى الأمور التي يعلمها الصغير والكبير، والعالم والجاهل، كلنا نعلم بأننا لا محالة سوف نغادر هذه الدنيا في يوم من الأيام على رغم أنوفنا كارهين، ومثلما نرى نحن الأموات يغدو الناس بهم إلى المقابر، فسوف يُغدى بنا ويراح ويرانا غيرنا، وهذه سنة الله في الدنيا منذ أن خلقنا الله تبارك وتعالى جيل يأتي وجيل يذهب، وحتى الكفار لا يطمعون في البقاء في هذه الدنيا، فهم يعلمون أنهم ميتون، ولذلك يقولون: أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:3] فهم يقرون بالموت لكنهم ينكرون البعث بعد الموت، ولكن هل نفعهم علمهم بالموت؟ لا لم ينفعهم، ولذلك يحق لنا أن نقول: إن الكفار كافرون بكل شيء، حتى بالموت.

كيف نقول عنهم أنهم كافرون به؟ وهم يرون أبناءهم وأقاربهم يموتون! لسنا نحن الذين نقول عنهم ذلك، ولكن يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يؤمن بالله؛ ويؤمن بي، وأن الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر} فالإيمان بالموت من شروط الإيمان، بل من أركان الإيمان، فما معنى الإيمان بالموت؟

ليس معنى ذلك أن يعرف الإنسان أنه سوف يموت، فهذا يشترك فيه المسلم والكافر، إنما معنى ذلك:

- أن تدرك أنه بقضاء الله وقدره.

- وأن تدرك أن لك أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر.

- وأن تدرك أن بعد الموت إما النعيم أو العذاب.

- وأن يصبح هذا الأمر يقيناً في قلبك؛ بحيث إنك إذا هممت بعمل خير فدعتك نفسك للقعود فتذكرت الموت نشطت له وتحركت له نفسك، وكلما هممت بعمل سوء فتذكرت الموت كففت عنه وأقلعت، فهذا معنى الإيمان بالموت.

فلهذا يقول الله عز وجل عن الكافرين: وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [الكهف:101] فهم يسمعون هذه الآيات، ولكنهم يتأذون بسماعها، ويضيقون بها، ومن ثم لا يعتبرون بها.

وفي الصحيح [[ أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصلي في مكة قبل الهجرة، وكان رجلاً أسيفاً إذا قرأ القرآن يبكي، فتجتمع حوله نساء قريش وأطفالهم يعجبون من أبي بكر وخشوعه في القراءة وبكائه، فغضب عليه المشركون وقالوا لمن أجاره: انظر إلى أبي بكر، فإما أن يكف عنا، وإما أن نرد إليك جوارك فإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأطفالنا ]] فهم يسمعون القرآن، ولكن ليس سماع تفهم وتدبر، وليس سماع المسلم الذي يعلم أن هذا الخطاب من الله تعالى إليه، كما يقول ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه: [[إذا سمعت قوله: (يا أيها الذين آمنوا) فألق -أو أرعِ- لها سمعك فإنه إما خير تؤمر به وإما شرٌ تنهى عنه]].

هذه وقفة عند قوله تعالى: وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [الكهف:101] .

انظروا إلى الأمور التي يعلمها الصغير والكبير، والعالم والجاهل، كلنا نعلم بأننا لا محالة سوف نغادر هذه الدنيا في يوم من الأيام على رغم أنوفنا كارهين، ومثلما نرى نحن الأموات يغدو الناس بهم إلى المقابر، فسوف يُغدى بنا ويراح ويرانا غيرنا، وهذه سنة الله في الدنيا منذ أن خلقنا الله تبارك وتعالى جيل يأتي وجيل يذهب، وحتى الكفار لا يطمعون في البقاء في هذه الدنيا، فهم يعلمون أنهم ميتون، ولذلك يقولون: أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:3] فهم يقرون بالموت لكنهم ينكرون البعث بعد الموت، ولكن هل نفعهم علمهم بالموت؟ لا لم ينفعهم، ولذلك يحق لنا أن نقول: إن الكفار كافرون بكل شيء، حتى بالموت.

كيف نقول عنهم أنهم كافرون به؟ وهم يرون أبناءهم وأقاربهم يموتون! لسنا نحن الذين نقول عنهم ذلك، ولكن يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يؤمن بالله؛ ويؤمن بي، وأن الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر} فالإيمان بالموت من شروط الإيمان، بل من أركان الإيمان، فما معنى الإيمان بالموت؟

ليس معنى ذلك أن يعرف الإنسان أنه سوف يموت، فهذا يشترك فيه المسلم والكافر، إنما معنى ذلك:

- أن تدرك أنه بقضاء الله وقدره.

- وأن تدرك أن لك أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر.

- وأن تدرك أن بعد الموت إما النعيم أو العذاب.

- وأن يصبح هذا الأمر يقيناً في قلبك؛ بحيث إنك إذا هممت بعمل خير فدعتك نفسك للقعود فتذكرت الموت نشطت له وتحركت له نفسك، وكلما هممت بعمل سوء فتذكرت الموت كففت عنه وأقلعت، فهذا معنى الإيمان بالموت.

فلهذا يقول الله عز وجل عن الكافرين: وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [الكهف:101] فهم يسمعون هذه الآيات، ولكنهم يتأذون بسماعها، ويضيقون بها، ومن ثم لا يعتبرون بها.

وفي الصحيح [[ أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصلي في مكة قبل الهجرة، وكان رجلاً أسيفاً إذا قرأ القرآن يبكي، فتجتمع حوله نساء قريش وأطفالهم يعجبون من أبي بكر وخشوعه في القراءة وبكائه، فغضب عليه المشركون وقالوا لمن أجاره: انظر إلى أبي بكر، فإما أن يكف عنا، وإما أن نرد إليك جوارك فإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأطفالنا ]] فهم يسمعون القرآن، ولكن ليس سماع تفهم وتدبر، وليس سماع المسلم الذي يعلم أن هذا الخطاب من الله تعالى إليه، كما يقول ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه: [[إذا سمعت قوله: (يا أيها الذين آمنوا) فألق -أو أرعِ- لها سمعك فإنه إما خير تؤمر به وإما شرٌ تنهى عنه]].

هذه وقفة عند قوله تعالى: وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [الكهف:101] .

قال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:103-104].

فهؤلاء كفار قطعاً؛ لأن الله عز وجل عقب على ذلك بقوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً [الكهف:105].

ولكن يوجد في المسلم -أحياناً- شعبة من هذا، فيعمل عملاً يظن أنه على خير ويكون ممن يظن أنه يحسن صنعا، وليس كذلك، ولذلك ختم الله تعالى هذا الآيات بقوله: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110].

فلابد في العمل من شرطين:

أولاً: أن يكون صالحاً، وهذا يعني المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

والثاني: ألا يشرك بعبادة ربه أحداً، فلا يكون العمل من أجل الرياء، ولا من أجل السمعة، ولكن لوجه الله، وابتغاء ثواب الله، ورجاء لقائه، فلنؤمن بأن الله عز وجل قد أقام علينا الحجة بالقرآن وليس لأحد عذر؛ فقد أنـزل الله عز وجل القرآن، وأقام الحجة على كل إنسان.

إن الموضوع الذي أحب أن أتحدث فيه هو ما يتعلق بالشباب، وهذا الموضوع ليس بالغريب، فكلنا أحد رجلين:

إما إنسان كان شاباً فيما مضى من عمره.

أو إنسان هو شاب الآن فنحن جميعاً بحاجة إلى هذا الكلام.

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان سوف يسأل يوم القيامة عن أربعة أشياء منها: {عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟} والشباب جزء من العمر تُسأل عنه أيها الإنسان مرتين أمام الله تبارك وتعالى.

الأولى: باعتباره جزء من العمر.

والثانية: سؤالاً خاصاً عن هذا الشباب خاصة، فعلام يدل هذا الأمر؟

هذا يدل على أمرين:

الأول: أهمية العمر بالنسبة للإنسان.

والثاني: أنه كل رأس ماله؛ ولذلك إذا عُرض الكفار يوم القيامة أيضاً ورأوا النار، بل ووضعوا فيها فذاقوا من حرها وسمومها وعذابها، قالوا: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37] ماذا يطلبون؟ يطلبون هذه الأيام، ولا يتمنون إلا هذه الأيام التي نعيش فيها نحن الآن، ولكن هيهات! لقد انقضت الدنيا بأيامها، ولذلك يأتيهم الجواب الذي لا رجعة عنه، بقول الله تعالى لهم سؤال "توبيخ وتقريع": أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر:37] من عمره الله عز وجل حتى بلغ سن التكليف وعرف الله والرسول صلى الله عليه وسلم وعرف الإسلام؛ فقد قامت عليه الحجة، وقد عمر ما يتذكر فيه من تذكر.

فلا يلزم أن يكون العمر ستين أو سبعين سنة، وإن كان الإنسان كلما عمر كلما زادت الحجة عليه؛ ولذلك في الحديث الآخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة} يعني زاد العذر واكتمل، وإلا فالإنسان الذي بلغ سن التكليف، وعقل الإسلام، وعرف الله وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة، إن مات مسلماً دخل الجنة، وإن مات كافراً فإلى النار.

فالأمر خطير جد خطر! كما قال تعالى:أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37] أي لا أمل في الرجوع إلى هذه الدنيا، فهم يطلبون هذه الأيام والليالي التي نعيشها نحن الآن، فيا سبحان الله! كيف سيطرت الغفلة على قلوبنا؟ وكيف سيطر الركض وراء الدنيا علينا حتى أصبحنا في شبه حلم؟ سبحان الله! هذا العمر من أعجب آيات الله، لو نظرت إلى نفسك من الذي جاء بك إلى هذه الدنيا؟ ومن الذي منحك هذا النفس الذي يتردد؟ ومن الذي أعطاك هذا القلب وهذا العقل؟ إنه الله -سبحانه تعالى- وإنه لم يعطك إياه إلا للابتلاء والامتحان، وبقدر ما يستفيد الإنسان من هذه النعم في الدنيا في معرفة الله، ودينه والعمل بذلك، يسعد في الدنيا والآخرة، وبقدر ما يضيع من ذلك يجلب لنفسه الشقاء في الدارين.

خصوصية فترة الشباب بالسؤال عنها يوم القيامة

إذا كان الإنسان يُسأل عن عمره يوم القيامة، ويُسأل عن شبابه بصفة خاصة، فإن لنا أن نتساءل: ما هو السر في تخصيص الشباب بالسؤال عنه مرتين؟ أقول -والله أعلم-: إن السر في ذلك يرجع إلى أمور أذكر منها أمرين فقط:

الأمر الأول: أن فترة الشباب هي فترة القوة، والحيوية، والقدرة على العمل، ولذلك نجد أن الشاب إذا اقتنع بأمر بذل الغالي والرخيص في سبيله، حتى يبذل نفسه في ذات الله عز وجل.

الأمر الثاني: أن فترة الشباب هي أيضاً الفترة المعرضة لكثير من الشواغل، والنـزعات التي تجذب الإنسان إلى الشر وتبعده عن الخير، وهذا أمر مترتب على المسألة الأولى، فلأن فترة الشباب هي فترة القوة والحيوية والنشاط، يكون العقل فيها متحركاً، والجسد، والقلب كذلك؛ فإن لم يتحرك إلى الخير تحرك إلى الشر.

إذا كان الإنسان يُسأل عن عمره يوم القيامة، ويُسأل عن شبابه بصفة خاصة، فإن لنا أن نتساءل: ما هو السر في تخصيص الشباب بالسؤال عنه مرتين؟ أقول -والله أعلم-: إن السر في ذلك يرجع إلى أمور أذكر منها أمرين فقط:

الأمر الأول: أن فترة الشباب هي فترة القوة، والحيوية، والقدرة على العمل، ولذلك نجد أن الشاب إذا اقتنع بأمر بذل الغالي والرخيص في سبيله، حتى يبذل نفسه في ذات الله عز وجل.

الأمر الثاني: أن فترة الشباب هي أيضاً الفترة المعرضة لكثير من الشواغل، والنـزعات التي تجذب الإنسان إلى الشر وتبعده عن الخير، وهذا أمر مترتب على المسألة الأولى، فلأن فترة الشباب هي فترة القوة والحيوية والنشاط، يكون العقل فيها متحركاً، والجسد، والقلب كذلك؛ فإن لم يتحرك إلى الخير تحرك إلى الشر.

الإنسان في فترة الشباب معرض لكثير من الانحرافات، إن لم يجد البيئة التي تعينه على طاعة الله، وهذه الانحرافات ثلاثة هي:

الانحراف الأول: وهو ما يتعلق بحركة عقل الشباب، فالشيطان يوحي للإنسان بعض الشبهات التي يزينها له ليصده عن سبيل الله عز وجل، ولذلك تجد كثيراً من الشباب قد يعاني من بعض الوساوس والشبهات، وهذا مرض إذا لم يعالجه الإنسان بالعلم، والمعرفة، وسؤال العلماء، فهذا خطر قد يودي بإيمان المرء.

الانحراف الثاني الذي يهدد الإنسان في مرحلة الشباب بسبب حركة جسمه، وحيويته: هو مرض الشهوات، ولذلك تجد الشاب معرضاً للافتتان والانحراف، وتتحرك الغريزة في نفسه بشكل كبير، فإذا لم يحصن نفسه ضد ذلك بالحصون القوية فهو على خطر عظيم.

الانحراف الثالث: هو من جهة حركة القلب، وأعني بها أن الشاب قد يصلح ويهتدي فيعبد الله، فيبالغ في هذه العبادة حتى يصل إلى درجة الغلو، والغلو دائماً ضرر كالنقص.

المخرج من الانحرافات

وهنا قد يقول القائل: وما هو المخرج من ذلك كله؟ فأقول:

أما فيما يتعلق بالشبهات التي تواجه الإنسان فإن علاجها يكون بأمور:

الأمر الأول: هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فقد يكون الأمر الذي يعرض لك ليس شبهة حقيقية، وإنما هو من نوع الوسواس، فإذا أكثر الإنسان من الاستعاذة بالله انصرف الشيطان عنه وابتعد.

الأمر الثاني: هو العلم النافع، فيحرص الإنسان على معرفة القرآن والسنة، وعلى مجالسة العلماء، وعلى علاج هذه الشبهات التي انقدحت في قلبه بحسب نوع الشبهة.

أما فيما يتعلق بمرض الشهوة: فإنه مرض في منتهى الخطورة لأسباب:

الأمر الأول: شدة ثوران الغريزة عند الشباب.

الأمر الثاني: كثرة المهيجات التي تثير هذه الغريزة عند الإنسان، فقد يكون الإنسان صالحاً في نفسه، لكن إذا التفت يمنة ويسرة فوجد من الصور الخليعة ما يثيره ويحركه؛ فإنه عندئذ يحتاج إلى جهد كبير ليتخلص من ذلك؛ ولأن هذا ليس هو موضوع الحديث الأصلي فإنني لن أطيل في علاج هذه الشهوات ولكني أقدم نصيحة ثمينة هي التي أوصى الله تبارك وتعالى بها المؤمنين: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] فغض البصر هو الدواء الناجع، فأنت إذا أطلقت بصرك رأيت من المناظر ما يؤثر في قلبك، وإذا تأثر القلب فإن الأمر خطير، ومرض القلب سواء أكان مرضاً حسياً أم معنوياً ليس كأمراض الجوارح، والقلب كالإناء والجوارح تصب فيه، فما تراه بعينك، وما تسمعه بأذنك، وما تلمسه بيدك، وما تمشي إليه برجلك أثره في قلبك، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإذا ذكرت الله بلسانك تأثر قلبك وخشع، وإذا تكلمت بكلام الفحش تأثر قلبك سوءاً وقسوة، وإذا نظرت بعينك في آيات الله وتأثرت بها وجدت إيماناً بالله.

لكن والعياذ بالله إذا نظرت إلى المحرم فإنه يورث قلبك حسرة دائمة فقديماً قيل:

كل الحوادث مبداها من النظر      ومعظم النار من مستصغر الشرر

فهذه النظرة العابرة التي يخدعك بها الشيطان بطريقة أو بأخرى -أحياناً-، يقول لك: نظرة سريعة ولا تتوقف، انظر واصرف بصرك، هذه النظرة البسيطة هي كالشرارة التي قد تحرق مدينة بأكملها ومعظم النار من مستصغر الشرر.

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها          فتك السهام بلا قوس ولا وتر

نعم والله، إن النظرات سهام مسمومة مهما صغرت، وإن الإنسان الذي يستطيع أن يكف بصره عن الحرام سيجد في قلبه من الرَوح واللذة ما لا عهد له به، وفي الحديث {النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركه خشية لله أورثه الله عز وجل إيماناً يجد لذته في قلبه} سبحان الله! هذه لذة الطاعة، إذا أنت صرفت بصرك ثم أيقنت أنك لم تصرفه إلا لوجه الله، نشط الإيمان في قلبك، ولكن إذا عاودت النظر ثم صرفت بصرك -وأنت بحمد الله مؤمن- بدأت نفسك توبخك على هذا العمل، وبدأ ضميرك يعاتبك عليه، فيكون الإنسان في عذاب دنيوي، وكذلك إذا لم تتداركه رحمة الله تبارك وتعالى فهو في عذاب أخروي.

فأعظم وصية يوصى بها الشاب وغير الشاب هي أن يصرف بصره، بل أن يغض بصره عما حرم الله؛ لأن غض البصر يقطع الداء من أصله، لكن لو أطلق الإنسان بصره فنظر فوقعت هذه الصورة في قلبه، فيصبح والعياذ بالله في حال قد يصعب عليه علاجها، وكم نعرف في تاريخ هذه الأمة من الناس الذين أطلقوا العنان لأعينهم؛ فرأوا هذه المشاهد والمناظر المؤثرة فمرضت قلوبهم وأجسادهم والعياذ بالله، وخسروا دنياهم وربما خسروا أخراهم -أيضاً- بسبب نظرة واحدة، فالحذر من أن نستعمل هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا وهي نعمة البصر فيما حرم الله علينا.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5007 استماع
حديث الهجرة 4966 استماع
تلك الرسل 4144 استماع
الصومال الجريح 4140 استماع
مصير المترفين 4078 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4043 استماع
وقفات مع سورة ق 3969 استماع
مقياس الربح والخسارة 3922 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3862 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3821 استماع