خصائص المنهج الإسلامي


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أحمد الله تعالى على اللقاء بكم في هذا المكان المبارك، وفي هذا الشهر في أول هذه السنة وهو شهر الحرام، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا أجمعين من المتحابين فيه، المتجالسين فيه، المتزاورين فيه، الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

فقد أخرج الشيخان في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله؛ اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ).

وأخرج مالك في الموطأ ومسلم في الصحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ ).

وأخرج أيضاً عنه رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ).

نسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم وأن يجعلني وإياكم في قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا التمسك بسنته، وأن يحيينا عليها وأن يميتنا على ملته، وأن يحشرنا تحت لوائه وأن يبعثنا في زمرته.

الله سبحانه وتعالى هو الغني عن عباده أجمعين، خلق الجن والإنس لحكمة بينها في كتابه، فقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهو غني عنهم وعن عبادتهم، فلو شاء ما خلق إبليس، ولما خلق الكفر ولا الضلال.

ولو شاء لكان البشر والجن مثل الطير والجبال والشجر وغير ذلك من الخلائق التي تسجد لله طوعاً، والخلائق تنقسم إلى قسمين: إلى خلقٍ موحد خالص وهو أكثر الخلائق، وإلى خلقٍ ينقسم إلى قسمين: موحدٍ مطيع، وعاصٍ لمنهج الله مخالف له، وقد بين الله ذلك في قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ [الحج:18].

ولو شاء لجعل الناس كمن سبقهم من الخلق في هذه الآية موحدين طائعين جميعاً.

امتحان الناس بالمكاره

ولكنه جل وعلا شرع منهجه وبين طريق الاستقامة، وجعل هذا الطريق محفوفاً بالمكاره، وامتحن الناس بسلوكه، فجعل لهم صراطاً دنيوياً هو تمثيل للصراط الأخروي، والصراط الأخروي جسر منصوب على متن جهنم أدق من الشعر، وأحد من السيف، وعليه كلاليب كشوك السعدان يسقط بالكلوب الواحد سبعون ألفاً في قعر جهنم، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدواً، ومنهم من يزحف على مقعدته، فناجٍ مسلّم ومخدوش مرسل، ومكردس على وجهه في نار جهنم.

وبقدر استقامة الإنسان على الصراط الدنيوي يكون استقامته على الصراط الأخروي.

وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصراط والمنهج الدنيوي بلاحب بين سورين، وفي السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور، وفي كل بابٍ داعٍ يدعو إليه، وفوق السورين منادي الله: (يا عبد الله! لا تلج الباب فإنك إن تلجه لن تخرج منه)، وهذه الأبواب المفتحة التي عليها ستور هي بنيات الطريق تميل يميناً أو شمالاً، ومنها كبائر الإثم والفواحش، ومعاصي الله جل جلاله.

ومن سلك الطريق الوسط بين السورين ولم يدخل باباً من تلك الأبواب المغلقة، فإنه ناجٍ على هذا الصراط الدنيوي، ويكون ذلك سبباً لنجاته على الصراط الأخروي، ومن مال ذات اليمين أو ذات الشمال فانزلق في بنيات الطريق وفي تلك المهاوي التي هي مهاوي الردى، فلا يلومن إلا نفسه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى ).

ارتضاء الله منهج الإسلام لعباده

وهذا المنهج السوي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، والأديان التي قبله هي حق وهي من عند الله في وقت نزولها على الأنبياء، لكن علم الله أنها لا تصلح لتطبيق مستمر، ولذلك نسخها عندما تنتهي صلاحيتها، أما هذا الدين فقد جعله الله صالحاً لكل زمان ومكان، ولذلك قال فيه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، فما سواه من الديانات إنما كانت مؤقتة لفترة محددة، فبعد أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا المنهج السوي لا يقبل الله من أحد إلا أن يسلكه، ولذلك قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

وقد أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي إلا أدخله الله النار )، فقد قامت الحجة بمحمد صلى الله عليه وسلم على الثقلين الإنس والجن، وجاء بهذا الصراط المستقيم والمنهج القويم المعتدل الموافق للفطرة والعقل، الذي يضمن للناس جميع مصالحهم في الدنيا وفي البرزخ ويوم القيامة، ويقتضي تمام العدالة ويقتضي كل مصلحة، ويقتضي تجنب جميع المفاسد، فهو الخير المحضُ والمصلحة المحضة والعدل المحض والصراط السوي، وهو معصوم محفوظ بحفظ الله لكتابه، فقد قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وقال تعالى: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].

ولكنه جل وعلا شرع منهجه وبين طريق الاستقامة، وجعل هذا الطريق محفوفاً بالمكاره، وامتحن الناس بسلوكه، فجعل لهم صراطاً دنيوياً هو تمثيل للصراط الأخروي، والصراط الأخروي جسر منصوب على متن جهنم أدق من الشعر، وأحد من السيف، وعليه كلاليب كشوك السعدان يسقط بالكلوب الواحد سبعون ألفاً في قعر جهنم، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدواً، ومنهم من يزحف على مقعدته، فناجٍ مسلّم ومخدوش مرسل، ومكردس على وجهه في نار جهنم.

وبقدر استقامة الإنسان على الصراط الدنيوي يكون استقامته على الصراط الأخروي.

وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصراط والمنهج الدنيوي بلاحب بين سورين، وفي السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور، وفي كل بابٍ داعٍ يدعو إليه، وفوق السورين منادي الله: (يا عبد الله! لا تلج الباب فإنك إن تلجه لن تخرج منه)، وهذه الأبواب المفتحة التي عليها ستور هي بنيات الطريق تميل يميناً أو شمالاً، ومنها كبائر الإثم والفواحش، ومعاصي الله جل جلاله.

ومن سلك الطريق الوسط بين السورين ولم يدخل باباً من تلك الأبواب المغلقة، فإنه ناجٍ على هذا الصراط الدنيوي، ويكون ذلك سبباً لنجاته على الصراط الأخروي، ومن مال ذات اليمين أو ذات الشمال فانزلق في بنيات الطريق وفي تلك المهاوي التي هي مهاوي الردى، فلا يلومن إلا نفسه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى ).

وهذا المنهج السوي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، والأديان التي قبله هي حق وهي من عند الله في وقت نزولها على الأنبياء، لكن علم الله أنها لا تصلح لتطبيق مستمر، ولذلك نسخها عندما تنتهي صلاحيتها، أما هذا الدين فقد جعله الله صالحاً لكل زمان ومكان، ولذلك قال فيه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، فما سواه من الديانات إنما كانت مؤقتة لفترة محددة، فبعد أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا المنهج السوي لا يقبل الله من أحد إلا أن يسلكه، ولذلك قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

وقد أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي إلا أدخله الله النار )، فقد قامت الحجة بمحمد صلى الله عليه وسلم على الثقلين الإنس والجن، وجاء بهذا الصراط المستقيم والمنهج القويم المعتدل الموافق للفطرة والعقل، الذي يضمن للناس جميع مصالحهم في الدنيا وفي البرزخ ويوم القيامة، ويقتضي تمام العدالة ويقتضي كل مصلحة، ويقتضي تجنب جميع المفاسد، فهو الخير المحضُ والمصلحة المحضة والعدل المحض والصراط السوي، وهو معصوم محفوظ بحفظ الله لكتابه، فقد قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وقال تعالى: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].

ولا يزال هذا الدين كما أُنزل من عند الله، وكما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما تتفاوت الأفهام في فهم بعض نصوصه، وتتفاوت التطبيقات في تنزيله وتطبيق أوامره.

والخلاف فيه ينقسم إلى قسمين: إلى خلاف مقبول وخلاف مردود.

الخلاف المقبول

القسم الأول: الخلاف المقبول، وهو الخلاف في الاجتهاد حيث يسوغ للإنسان أن يجتهد إما في تصحيح النص وإما في فهمه، فالله تعالى أقام العدل في الأرض بنوعين من أنواع علمه، أحدهما: القدر النافذ وهو سر الله المكتوم الذي لم يعلمنا إياه ولم يتعبدنا به، والعلم الثاني: هو الشرع، وهذا قد علمنا الله إياه وتعبدنا به، فيجب علينا أن نتعلم شرعه وأن نعمل به.

وهذا الشرع الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله مظروف في هذين الوحيين: الكتاب والسنة، وهذان الوحيان يتكاملان ولا يتناقضان أبداً ولا يختلفان، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].

والسنة العملية هي بيان للقرآن؛ لأن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في تطبيقه وفعله، فحيث خفيت دلالة اللفظ، أي: لم يصح، أو كان قابلاً للتصحيح والتضعيف، فهنالك الخلاف سائغ؛ لأنه خلاف في مكان أذن الله بالاختلاف فيه، والله قادر على أن يحسم الخلاف من الأصل، وكان بالإمكان أن ينزل إلينا الشرع مرقماً في مواد كالقوانين، لكنه أراد أن يأتي به بهذا الأسلوب المعجز، فيأتي منه ما يفهمه الصحابة، وما يفهمه بعدهم التابعون وما يفهمه أتباع التابعين، وأهل كل عصرٍ يفهمون منه ما لم يفهمه من سبقه، ويبقى القرآن جديداً على ذلك، لا تنقضي عجائبه، ولا تذهب جدته، وكل أهل عصرٍ يفهمون منه ما لم يفهمه من سبق.

ولو كانت عجائبه تنقضي أو لو كانت علومه تنتهي، لكان الأولون قد سبقونا إلى تفسيره وشرحه، وكان كلامنا في منهج الله سبحانه وتعالى كلاماً مكرراً، لكن الواقع أن أهل كل زمان يفتح الله لهم فيه ما لم يفتحه لمن سبقهم، وذلك تابع لتقسيم الأرزاق، كما أن الله جعل الرزق في الأرض يوم خلقها في الأيام الأربع الأول من خلق العالم، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ [فصلت:10]، ومنذ ذلك الوقت وهو يخرج منه في كل فترة لأهل الأرض أرزاقاً، تارة يعيشون في المناجم، فإذا نضبت أو نقص سعرها أخرج لهم السمك، فإذا قل سعره عالمياً خرج لهم النفط، وإذا قل سعر النفط أو نضب خرج لهم شيء آخر، وكل ذلك من الأرزاق التي كانت في الأرض منذ خلقها من الأيام الأربعة الأول، لكن هذا تدبير الملك الديان جل جلاله.

وكذلك قسم بينهم العلم والفهم كما قسم بينم الأرزاق، ولهذا قال ابن مالك رحمه الله في مقدمة التفسير: وإذا كانت العلوم منحاً إلهية ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين.

ويقول أحد علمائنا رحمه الله:

وقسمة الحظوظ فيها يدخلُ فهم المسائل التي تنعقلُ

فيحرم الذكي من فهم الجلي إن لم يكن من حظه في الأزلِ

وكل ذلك بقدر الله جل جلاله وتقسيمه، ولا يمكن الاعتراض عليه أصلاً، فكل ما يوزعه فهو على العدل تماماً، إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44].

ومن هنا فهذا النوع من الخلاف خلاف سائغ، وقد أحال الله عند وجوده إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجتهاد الراسخين في العلم، قال الله تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ [الشورى:10]، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ [النساء:59]، فيحصل الخلاف وهو مقبول، ولكن الفيصل فيه والحكم العدل الذي لا يُعزل ولا يُبدل، والشاهد المعدل الذي لا يُطعن فيه هو هذا الوحي المعصوم، فإذا لم يجزم الوحي بترجيح أحد القولين فيه، فمعنى ذلك أن الأمر ولله الحمد من رحمة الله الواسعة، وأن ذلك مما سكت عنه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه، فحينئذٍ ينبغي أن يتناصف المختلفان فيه، وأن يعذر كل واحد منهما الآخر؛ لأن الوحي لم يحسم هذا الأمر، والله سبحانه وتعالى أحاله إلى اجتهاد الراسخين فيه.

الخلاف المردود

القسم الثاني: الخلاف المردود، وهو الذي لا يُقبل أصلاً، والخلاف المردود معناه في ما حسنه النص، فأي أمرٍ جاء فيه الوحي الصحيح الصريح من عند الله، فلا مجال للرد فيه ولا للخلاف؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، ويقول: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، فيقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، فما حسمه الوحي صحيح صريح لا مجال للخلاف فيه، ومن خالف فيه لا بد أن يرد عليه قوله.

ولذلك قال أئمتنا المجتهدون ما قالوا، فهذا أبو حنيفة يقول: إذا جاء الوحي في كتاب الله فعلى الرأس والعين، وإذا جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين رباهم فعلى الرأس والعين، فإذا كان اجتهاداً من عبيدة وزر بن حبيش وأضرابهم فهم رجال ونحن رجال، ويقصد التابعين. وقال مالك: ما منا أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي: حيث صح الحديث فذلك مذهبي. وقال أحمد بن حنبل: إذا وجدتم قولي خالف شيئاً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط.

فلا يمكن أن يكون أحد من الناس نداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مخالفاً لأمره، ولا يُقبل من أحدٍ أن يقول: نعم هذا الحديث صحيح وهذا معناه لكنني أرده، هذا ما يمكن أن يقع من مسلم.

القسم الأول: الخلاف المقبول، وهو الخلاف في الاجتهاد حيث يسوغ للإنسان أن يجتهد إما في تصحيح النص وإما في فهمه، فالله تعالى أقام العدل في الأرض بنوعين من أنواع علمه، أحدهما: القدر النافذ وهو سر الله المكتوم الذي لم يعلمنا إياه ولم يتعبدنا به، والعلم الثاني: هو الشرع، وهذا قد علمنا الله إياه وتعبدنا به، فيجب علينا أن نتعلم شرعه وأن نعمل به.

وهذا الشرع الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله مظروف في هذين الوحيين: الكتاب والسنة، وهذان الوحيان يتكاملان ولا يتناقضان أبداً ولا يختلفان، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].

والسنة العملية هي بيان للقرآن؛ لأن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في تطبيقه وفعله، فحيث خفيت دلالة اللفظ، أي: لم يصح، أو كان قابلاً للتصحيح والتضعيف، فهنالك الخلاف سائغ؛ لأنه خلاف في مكان أذن الله بالاختلاف فيه، والله قادر على أن يحسم الخلاف من الأصل، وكان بالإمكان أن ينزل إلينا الشرع مرقماً في مواد كالقوانين، لكنه أراد أن يأتي به بهذا الأسلوب المعجز، فيأتي منه ما يفهمه الصحابة، وما يفهمه بعدهم التابعون وما يفهمه أتباع التابعين، وأهل كل عصرٍ يفهمون منه ما لم يفهمه من سبقه، ويبقى القرآن جديداً على ذلك، لا تنقضي عجائبه، ولا تذهب جدته، وكل أهل عصرٍ يفهمون منه ما لم يفهمه من سبق.

ولو كانت عجائبه تنقضي أو لو كانت علومه تنتهي، لكان الأولون قد سبقونا إلى تفسيره وشرحه، وكان كلامنا في منهج الله سبحانه وتعالى كلاماً مكرراً، لكن الواقع أن أهل كل زمان يفتح الله لهم فيه ما لم يفتحه لمن سبقهم، وذلك تابع لتقسيم الأرزاق، كما أن الله جعل الرزق في الأرض يوم خلقها في الأيام الأربع الأول من خلق العالم، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ [فصلت:10]، ومنذ ذلك الوقت وهو يخرج منه في كل فترة لأهل الأرض أرزاقاً، تارة يعيشون في المناجم، فإذا نضبت أو نقص سعرها أخرج لهم السمك، فإذا قل سعره عالمياً خرج لهم النفط، وإذا قل سعر النفط أو نضب خرج لهم شيء آخر، وكل ذلك من الأرزاق التي كانت في الأرض منذ خلقها من الأيام الأربعة الأول، لكن هذا تدبير الملك الديان جل جلاله.

وكذلك قسم بينهم العلم والفهم كما قسم بينم الأرزاق، ولهذا قال ابن مالك رحمه الله في مقدمة التفسير: وإذا كانت العلوم منحاً إلهية ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين.

ويقول أحد علمائنا رحمه الله:

وقسمة الحظوظ فيها يدخلُ فهم المسائل التي تنعقلُ

فيحرم الذكي من فهم الجلي إن لم يكن من حظه في الأزلِ

وكل ذلك بقدر الله جل جلاله وتقسيمه، ولا يمكن الاعتراض عليه أصلاً، فكل ما يوزعه فهو على العدل تماماً، إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44].

ومن هنا فهذا النوع من الخلاف خلاف سائغ، وقد أحال الله عند وجوده إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجتهاد الراسخين في العلم، قال الله تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ [الشورى:10]، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ [النساء:59]، فيحصل الخلاف وهو مقبول، ولكن الفيصل فيه والحكم العدل الذي لا يُعزل ولا يُبدل، والشاهد المعدل الذي لا يُطعن فيه هو هذا الوحي المعصوم، فإذا لم يجزم الوحي بترجيح أحد القولين فيه، فمعنى ذلك أن الأمر ولله الحمد من رحمة الله الواسعة، وأن ذلك مما سكت عنه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه، فحينئذٍ ينبغي أن يتناصف المختلفان فيه، وأن يعذر كل واحد منهما الآخر؛ لأن الوحي لم يحسم هذا الأمر، والله سبحانه وتعالى أحاله إلى اجتهاد الراسخين فيه.

القسم الثاني: الخلاف المردود، وهو الذي لا يُقبل أصلاً، والخلاف المردود معناه في ما حسنه النص، فأي أمرٍ جاء فيه الوحي الصحيح الصريح من عند الله، فلا مجال للرد فيه ولا للخلاف؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، ويقول: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، فيقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، فما حسمه الوحي صحيح صريح لا مجال للخلاف فيه، ومن خالف فيه لا بد أن يرد عليه قوله.

ولذلك قال أئمتنا المجتهدون ما قالوا، فهذا أبو حنيفة يقول: إذا جاء الوحي في كتاب الله فعلى الرأس والعين، وإذا جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين رباهم فعلى الرأس والعين، فإذا كان اجتهاداً من عبيدة وزر بن حبيش وأضرابهم فهم رجال ونحن رجال، ويقصد التابعين. وقال مالك: ما منا أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي: حيث صح الحديث فذلك مذهبي. وقال أحمد بن حنبل: إذا وجدتم قولي خالف شيئاً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط.

فلا يمكن أن يكون أحد من الناس نداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مخالفاً لأمره، ولا يُقبل من أحدٍ أن يقول: نعم هذا الحديث صحيح وهذا معناه لكنني أرده، هذا ما يمكن أن يقع من مسلم.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4779 استماع
بشائر النصر 4275 استماع
أسئلة عامة [2] 4118 استماع
المسؤولية في الإسلام 4042 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3981 استماع
نواقض الإيمان [2] 3937 استماع
اللغة العربية 3919 استماع
عداوة الشيطان 3919 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3892 استماع
القضاء في الإسلام 3882 استماع