الإسلام بين جهل أبنائه وكيد أعدائه [1]


الحلقة مفرغة

نحمد الله تعالى على ما يسر وبلغ وأنعم، ونسأله من فضله المزيد، نحمده سبحانه وتعالى على أن أعان على صيام رمضان وقيامه، وأن بلغنا رمضان، ونسأله أن يعيده علينا بالعافية والأمن والإيمان، وأن يبلغنا إياه أزمنة عديدة وسنوات مديدة.

أما بعد:

فإن الموضوع المقترح للتحدث فيه هو: الإسلام بين جهل أبنائه وكيد أعدائه، وليس كيد أعداء الإسلام جديداً؛ بل قد كادوه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنواع المكايد التي حدثناها عنه القرآن، وأخبر أنهم يكيدون كيداً، وأن الله تعالى يكيد كيداً، وبين أن كيدهم رغم كثرته وكثرة تنوعه إلا أنه وبال عليهم وعائد عليهم بالخسران الدنيوي والأخروي، لذلك فإن المستغرب في الأمر أو الجديد فيه هو جهل أبناء الإسلام لما يكاد لهم، لا وقوع الكيد، ولا تنوعه ولا قوته، وإنما جهل أبناء الإسلام به، فهذا الذي ينبغي الوقوف عليه والتحدث فيه.

أما كيد أعداء الإسلام له، فمن المسلَّم أن كل من يعادي أمراً سيبذل جهداً في سبيل تحطيمه وتقليصه وتحجيمه، وهو معذور بذلك؛ لأنه عمل بمقتضى قناعته.

وكذلك من المسلَّم أن الله عز وجل إذ أرسل هؤلاء الرسل إلى الناس؛ لإقامة الحجة عليهم، شاء أن يكون الناس على حزبين: حزب يتبعون الرسل وهم حزب الله، وحزب يتبعون الشيطان وهم حزب الشيطان، وأن يستمر الصراع بين هذين الحزبين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

موقف المسلمين وأصنافهم مع الأعداء

هذا الصراع له مقومات متعددة، ذكرت في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، فالله تعالى يقول: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253]، إذاً هذا قدر نافذ، ومشيئة ربانية أراد الله لها أن تدير هذا الصراع المستمر، الذي هو امتحان وابتلاء للناس، هل سيصمدون أمام هذه المكائد، ويقدمون التضحيات في سبيل نصرة دينهم ونشره، وإعلاء كلمة ربهم الذي خلقهم وسواهم، أو ينخرطون في صفوف المستضعفين والمستذلين، أو يتبعون كيد أعدائهم فيكونون من حزب الشيطان؟

كل هذه الاحتمالات واقعة في الناس، ومن الناس من سيثبت ويصبر يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، وهؤلاء هم الذين يكتب الله لهم العاقبة، ومن الناس من سينخدع وتنطلي عليه الحيل والمكايد، وهذا يعد في عداد المستضعفين الذين تقضى أمورهم في غيبتهم.

والقسم الثالث: قوم استطاع الحزب المعادي أن يسخرهم لضرب أبناء جلدتهم وإخوانهم في دينهم، فكانوا سلاحاً في أيدي أعدائهم، يضربون به إخوانهم.

صولة الباطل واضمحلاله

هذه الأقسام الثلاثة في صفوف المؤمنين موجودة، ومن حكمة الله تعالى أن يبقى وجودها وأن يستمر، لكن من حكمة الله تعالى أن يبقى الانتصار وعلو الشأن وعلو الدرجة في هذه المعركة القائمة دولاً، فيعلو كعب كل فئة من هذا الفئات في وقت من الأوقات، وكذلك للباطل صولة يشع خلالها ويشيع، ثم بعدها يتراجع ويضمحل، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن للباطل صولة فيضمحل )، وذلك من حكمة الله تعالى؛ لأن التضحية والجهاد والبذل في سبيل نصرة هذا الدين امتحان للناس، ومن عدل الله تعالى ألا يشدد الامتحان على أقوام ويسهله على آخرين، فهم جميعاً مصيرهم واحد، فإذا كان امتحن أولئك النفر الأولين الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاداهم ذووهم وأقربوهم، وأخرجوا مما كانوا فيه من زهرة هذه الدنيا، ومما يتنافس الناس فيه من معاشها، وأوذوا في الله عز وجل أبلغ أنواع الأذى، فامتحنهم الله بذلك فنجحوا في هذا الامتحان، وامتحن من بعدهم بامتحانٍ أسهل من هذا فنجحوا في الامتحان، وكان الجزاء واحداً، فإن هذا منافٍ للعدل الذي به أقام الله السموات والأرض.

لذلك كانت تضحية أولئك النفر الأولين تضحية بالغة، وعلى حجمها وقدرها قامت دولة الإسلام، فانتشار الدولة وارتفاع رايتها وعلوها ومكانتها، إنما كان بقدر جسامة تضحية أولئك النفر الذين حملوا هذا الدين وحملوا لواءه ونبراسه مضيء للناس.

هذا الصراع له مقومات متعددة، ذكرت في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، فالله تعالى يقول: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253]، إذاً هذا قدر نافذ، ومشيئة ربانية أراد الله لها أن تدير هذا الصراع المستمر، الذي هو امتحان وابتلاء للناس، هل سيصمدون أمام هذه المكائد، ويقدمون التضحيات في سبيل نصرة دينهم ونشره، وإعلاء كلمة ربهم الذي خلقهم وسواهم، أو ينخرطون في صفوف المستضعفين والمستذلين، أو يتبعون كيد أعدائهم فيكونون من حزب الشيطان؟

كل هذه الاحتمالات واقعة في الناس، ومن الناس من سيثبت ويصبر يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، وهؤلاء هم الذين يكتب الله لهم العاقبة، ومن الناس من سينخدع وتنطلي عليه الحيل والمكايد، وهذا يعد في عداد المستضعفين الذين تقضى أمورهم في غيبتهم.

والقسم الثالث: قوم استطاع الحزب المعادي أن يسخرهم لضرب أبناء جلدتهم وإخوانهم في دينهم، فكانوا سلاحاً في أيدي أعدائهم، يضربون به إخوانهم.

هذه الأقسام الثلاثة في صفوف المؤمنين موجودة، ومن حكمة الله تعالى أن يبقى وجودها وأن يستمر، لكن من حكمة الله تعالى أن يبقى الانتصار وعلو الشأن وعلو الدرجة في هذه المعركة القائمة دولاً، فيعلو كعب كل فئة من هذا الفئات في وقت من الأوقات، وكذلك للباطل صولة يشع خلالها ويشيع، ثم بعدها يتراجع ويضمحل، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن للباطل صولة فيضمحل )، وذلك من حكمة الله تعالى؛ لأن التضحية والجهاد والبذل في سبيل نصرة هذا الدين امتحان للناس، ومن عدل الله تعالى ألا يشدد الامتحان على أقوام ويسهله على آخرين، فهم جميعاً مصيرهم واحد، فإذا كان امتحن أولئك النفر الأولين الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاداهم ذووهم وأقربوهم، وأخرجوا مما كانوا فيه من زهرة هذه الدنيا، ومما يتنافس الناس فيه من معاشها، وأوذوا في الله عز وجل أبلغ أنواع الأذى، فامتحنهم الله بذلك فنجحوا في هذا الامتحان، وامتحن من بعدهم بامتحانٍ أسهل من هذا فنجحوا في الامتحان، وكان الجزاء واحداً، فإن هذا منافٍ للعدل الذي به أقام الله السموات والأرض.

لذلك كانت تضحية أولئك النفر الأولين تضحية بالغة، وعلى حجمها وقدرها قامت دولة الإسلام، فانتشار الدولة وارتفاع رايتها وعلوها ومكانتها، إنما كان بقدر جسامة تضحية أولئك النفر الذين حملوا هذا الدين وحملوا لواءه ونبراسه مضيء للناس.

ثم شاء الله تعالى أن تدول الدولة، وأن تتغير الأوضاع وأن تتبدل، كما بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم ذلك في كثير من الأحاديث، التي منها: ما أخرجه الإمام أحمد و الحاكم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تكون فيكم النبوة ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهج النبوة ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبريةً ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافةً على منهج النبوة وسكت )، فهذا التداول والتبادل ليس فقط تداولاً وتبادلاً في أسلوب الحكم المتبع، فنحن لا يهمنا بكثير من الاهتمام الذي يطغى على غيره أسلوب الحكم القائم بقدر ما يهمنا الاستقامة على أصل المحجة البيضاء التي تركنا عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الحديث يشير إلى أحوال الناس عموماً، فلن تكون الخلافة إلا عند صلاح الناس، ولن يكون الملك العاض إلا عند بقايا من الخير لعدم تنافس الناس في أمور الدنيا.

ثم يأتي الملك الآخر الجبرية، وذلك في حال ظهور الفساد وفشوه في الناس، ثم تعود الخلافة إذا صلح الناس.

إذاً ارتباط تنوع الحكم وتدوله إنما هو بصلاح الناس وفسادهم وبقدر اقترابهم من منهج النبوة.

ولهذا قال العلماء: كما تكونوا يولَ عليكم، وقالوا: الناس على دين ملوكهم، فلذلك بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المراتب التي ليست هي مراتب لمجرد السلطة العليا في الدولة بقدر ما هي مراتب لأحوال الناس أيضاً.

ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للرجل الذي سأله فقال: ما لك اتفق الناس على أبي بكر و عمر واختلفوا عليك وعلى عثمان ؟! فقال: اتفق الناس على أبي بكر و عمر حين كان الناس أنا و عثمان وأمثالنا، واختلف الناس علي وعلى عثمان حين كان الناس أنت وأمثالك. فعلى أساس هذا يتم الحكم، وعلى أساس ما يشيع بين الناس ويعلو بينهم من المفاهيم والقيم يحكمون.

ولذلك لما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، ورأى الفساد الشائع المنتشر في وقته، وإن كان لا يقارن بما سمعتم وبما رأيتم من أنواع الفساد في عصركم، أراد عمر أن يصلح أحوال الناس، فدعا رجلاً من كبار التابعين وأئمتهم هو رجاء بن حيوة ، فقال: يا رجاء ! إني أريد أن أصلح إصلاحاً، ولكني لا أجد رجاله، فقال: يا أمير المؤمنين! السلطان كالسوق يجلب إليها ما يروج فيها، فما يجد الثمن الكبير لدى السوق هو الذي يجلب إليها، فكذلك إذا صلح السلاطين جلب إليهم أهل الصلاح وأهل الخير، وإذا فسدوا احتف بهم أهل الشر والفساد، ولهذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما أرسل الله من نبي ولا خلف من خليفة إلا كان له بطانتان: بطانة خير تأمره بالخير وتعينه عليه، وبطانة شرٍ تصرفه عن الخير وتنسيه إياه، فلا تذكره إذا نسي )، فهاتان البطانتان اللتان تحفان أهل الحكم على أساسهما يتم توجه المؤسسة بكاملها.

ولذلك فإن الفساد الذي يستشري في الناس، ويشيع إذا أنكره الناس وكان ذليلاً بينهم فمعناه أن الدين قوي، أما إذا غفلوا عنه وأهملوه، وكان أهل الخير مغلوبين على أمرهم في أوساط الناس، فمعناه أن الدين ضعيف وأنه عاد إلى غربته.

ولذلك ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس )، وفي رواية: ( الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي )، وفي رواية: ( قوم صالحون في قوم سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ).

فإذاً هذه الغرابة التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم غرابة في المظهر والمخبر، وغرابة في الاعتقاد والعبادة والسلوك والأخلاق، وغرابة حتى في الرأي العام لدى الناس.

فالذي يحيي سنةً من السنن في وقت هذه الغربة يشار إليه بالبنان، ويزعم أنه مبتدع أو أنه مخالف لما كان عليه الناس، والذين يخالفونه يعلمون أن هذا إنما أحيا سنةً، وإنما استدل بوحي ثابت، ولكن الغرابة هي التي طمست أبصارهم عن ذلك الوحي، ونظير هذا كثير في حياة الناس، فالناس لا يمكن أن يغسلوا وتمسح من قلوبهم مسحات الخير كلها، بل لا بد من بقايا من الخير، وهذه البقايا لا شك أن كثيراً من الناس يستهجنها ويريد التخلص والتفسخ منها، فيريد أن يتجاهل كل ما كان موجوداً في المجتمع بزعمه أنه مجتمع متخلف، والتقدم لديه هو الانبهار بحضارة أعدائه وبما هم فيه، فبذلك يتخلصون من أوجه الخير التي كانت موجودةً، وكانت مسترةً على ما كان من أوجه النقص، وكان الله تعالى رافعاً بها العذاب عن أولئك القوم بما كان فيهم من الخير، فإذا محي ذلك الخير وعم الشر، جاء العذاب الماحق والقاضي على الجميع، لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح:25].

أما موضوع مكايد أعداء الدين، ومعلوم الكيد القديم الذي يتمثل في كيدٍ مادي، وكيدٍ معنوي، فالكيد المادي على رأسه محاولة قتل الأنبياء، ومحاولة قتل أجنادهم، ومحاولة التخلص منهم بأنواع الإيذاء، ولذلك أخبرنا الله تعالى عن مكايد الأمم السابقة لأنبيائهم، فمنهم أقوام قتلوا أنبياءهم بالسيف، ومنهم أقوام دسوهم في آبار، ومنهم أقوام حاولوا الاعتداء عليهم بأنواع الاعتداء، فحاولوا صلبهم وحاولوا تقطيع أعضائهم، ومنهم أقوام آخرون حاولوا تكذيبهم وتنفير الناس منهم، وأقوام آخرون آذوهم بالضرب والشتم بأنواع الشتائم التي بين الله تعالى في كتابه، وبين أيضاً جزاء أولئك الأقوام كلهم، وأن التجربة دائماً تعود وهي أن يكتب الله تعالى العاقبة للمتقين.

ثم الكيد الثاني: وهو كيد معنوي، بما يكيدونه لهذا الدين والحق الذي يأتي به الرسل، من الشبهات التي يقصد بها تشكيك الناس فيه أو تفريقهم عنه، بمختلف الوسائل، وهذا سماه الله وحياً، ولكنه ليس وحياً من عند الله، إنما هو وحي من الشيطان، وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121]، فالشياطين يوحون إلى أوليائهم هذا النوع من الوحي الذي يقصد به إثارة الشبهة وتشكيك الناس في الدين، ومحاولة شغلهم عنه، وصرف ولائهم عنه إلى أمور تافهة يتنافسون فيها، ونظائر هذا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة، فحين حرم الله تعالى أكل الميتات جاء المشركون، فأوحى إليهم أولياؤهم من الشياطين، فقالوا: عجباً لمحمدٍ يبيح أكل ذبيحته هو، ويحرم ما ذبحه الله تعالى بشبشار من ذهب، وكذلك جادلوه فقالوا: إنك تزعم أن ما نعبده من دون الله حصب جهنم، وأنت لا تبرأ من عيسى بن مريم وهو يعبد من دون الله؟ فرد الله تعالى عليهم في كتابه بهذه الشبهة وفندها، ونظير هذا كثير جداً من الشبهات التي هي من الكيد المعنوي.

كيد اليهود برسول الله

واستمرار هذا الكيد كثير، فمن المعلوم أن اليهود عليهم لعائن الله حاولوا التخلص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله عندما أصعدوا عمرو بن جحاش فوق الدار، وحمل صخرة عظيمة يريد أن يلقيها على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل فأخبره فانصرف وترك مكانه حتى سقطت فيه الصخرة بين أصحبه وهم حلقة عليه.

ونظير هذا من المكائد كثير، فقد وضعوا له السم في الشاة يوم خيبر، وحاولوا تفريق أصحابه، وحاولوا إثارة النعرة والقتال بين الأنصار بعد أن أصلحهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم وأصلح ذات بينهم.

وكذلك لم تزل مكائدهم للرسول صلى الله عليه وسلم مستمرةً حتى بعد موته، فقد حاولوا أن يصلوا إلى جسده الشريف في قبره صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوه إلى ديارهم فيستسقوا به ويكون عندهم، فعصمه الله تعالى منهم.

كيد النصارى برسول الله

وكذلك مكايد النصارى الذين عملوا من المكايد الظاهرة للإسلام الشيء الكثير، ففي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان النصارى العرب النجرانيين يحاولون مناظرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشته بالعلن، حتى يشيع أن أقواماً ليسوا خيرة أهل الكتاب ولا قادتهم أتوه فناظروه وناقشوه، فإن هزمهم فليسوا بالقادة، وإن هزموه على ما يزعمون فإنهم أقاموا الحجة عليه وأبدوا للناس أنه ليس رسولاً، فلما أتوه هزمهم الله تعالى، وأنزل سورة آل عمران التي فندت ما كان معهم من الشبه، وردت ما كانوا عليه، فرجعوا وأقروا بالجزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك مكايد نصارى العرب الذين كانوا في الشام، وقد حاولوا التخلص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاولوا إثارة الفتنة بين أصحابه حتى في الحوادث البسيطة.

فمثلاً: عندما تخلف الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك، وكان فيهم كعب بن مالك رضي الله عنه، وكان رجلاً مشهوراً بين العرب بأنه شاعر وخطيب، وتاجر مشهور، وعاقبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بتلك المقاطعة وذلك التأديب البالغ، وانقطع الوحي خمسين يوماً أرجأهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، حتى يأتيه الوحي فيهم، وعلم نصارى العرب بما حصل، فأرسلوا كتاباً إلى كعب بن مالك فيه: أنه بلغنا أن صاحبك قد جفاك، وإن الله لم يجعلك بدار هوان، فالحق بنا نكرمك. وهذا كيد وإن كان بمنظارنا هنا ضعيفاً؛ لأنه كيد لشخص واحد من بين المسلمين كلهم، إلا أنه إنما يقصد به تفريق أصحابه عنه، وتشويه سمعته، وهذا ما عصم الله كعب بن مالك منه، فأتاه الكتاب في حالٍ حدثنا الله تعالى عنه بقوله: حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، في هذا الحال يأتيه هذا الكتاب المغري من ملك نصارى العرب، فيوفق الله تعالى كعب بن مالك ليأخذه ويلقيه في النار بين يدي الرسول، ولا يجيبه ببنت شفة، مع أنه ممتحن ومبتلىً في أوساط المسلمين، فهم جميعاً قد أمروا باعتزاله وألا يردوا عليه السلام، وألا يكلموه، حتى زوجته أمرت أن تعتزله وألا تكلمه وألا ترد عليه السلام، ولما جاء إلى ابن عمه وأقرب الناس إليه وهو أبو قتادة بن ربعي رضي الله عنه وتسور عليه الباب، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، فقال: يا أبا قتادة ! أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت أبو قتادة طويلاً، ثم قال: الله ورسوله أعلم، فرجع كعب على أدراجه يبكي.

في مثل هذه الأزمة العجيبة، من المعلوم أن أبا قتادة يعلم أن كعب بن مالك يحب الله ورسوله، فهو من خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الذين بايعوا في العقبة، وإن كان لم يشهد بدراً، ولكن كانت بدر أذكر في الناس وكانت ذات ميزة عجيبة في أوساط الناس، وقد بايع كعب تحت الشجرة، فحل عليه رضا الله الأكبر الذي لا سخط بعده.

نظير هذا من المكائد كثير ولا يزال يتكرر.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4779 استماع
بشائر النصر 4275 استماع
أسئلة عامة [2] 4118 استماع
المسؤولية في الإسلام 4042 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3981 استماع
نواقض الإيمان [2] 3937 استماع
اللغة العربية 3919 استماع
عداوة الشيطان 3919 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3892 استماع
القضاء في الإسلام 3882 استماع