أرشيف المقالات

تنبيه الهمام فيمن لهم أجران (3)

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
تنبيه الهمام فيمن لهم أجران (3)

لكن هناك مسألة، وهي: هل تتضاعف السيِّئات في العدد كما تتضاعف الحسناتُ؟

قلت: قال ابنُ باز - رحمه الله - في "الفتاوى":
أمَّا السيئات، فالذي عليه المحقِّقون من أهل العلم أنَّها لا تتضاعف من جهة العددِ، ولكن تتضاعفُ من جهة الكيفيَّة؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 160].
 
والسيِّئات لا تتضاعف من جهة العدد، لا في رمضانَ، ولا في المحرَّم، ولا في غيره، بل السيِّئة بواحدة؛ وإنما هذا من فضلِه - سبحانه وتعالى - وإحسانه.
 
ولكنَّ سيِّئة الحرَم، وسيِّئة رمضانَ، وسيِّئة العشْرِ من ذي الحجة - أعظمُ إثمًا من السيِّئة فيما سواهما، ومما يدل على شدة الوعيد في سيِّئات الحرم أنها عظيمةٌ وشديدةٌ قولُه - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].
 
فهذا حال مَنْ هَمَّ بالسيئة في الحرَم، فكيف بحالِ من فعل السيِّئة؟![1]
وتارة تتفاضلُ الأعمال بتعدِّيها للخلق؛ كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110] قال: ((خيرُ النَّاس للنَّاس، تأتون بهم في السَّلاسل في أعناقهم؛ حتى يدخلوا في الإسلام))[2].
 
وكما عند مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثلُ أجور مَن تبِعه، لا ينقُص ذلك من أجورِهم شيئًا))[3].
 
وكما في حديث عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُ الأصحاب عند الله خيرُهم لصاحبه، وخيرُ الجيران عند الله خيرُهم لجارِه))[4].
 
وتارةً تتفاضل الأعمال على حسَب الأحوال المصاحِبة لها؛ كالعبادة في وقت فسادِ الناس وظهور الفِتَن؛ كما في حديث معقِل بن يَسار أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((العبادةُ في الهَرْجِ كهجرةٍ إليَّ))[5].
 
قال النووي - رحمه الله -:
فجعل للعاملِ في الهَرْجِ - وهي الفتن واختلاطُ أمور الناس - أجرَ المهاجر إليه[6].
 
وتارة تتفاضل الأعمال في نفسِها؛ أي: في ذاتِها؛ نعني بهذا: وقتَ تزاحم الأعمال، وإلا فالأَوْلى أن تضرب بسهمِك في كل أعمال الخير، حيث تقدِّم الواجباتِ على النوافل؛ كما في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله قال: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمْعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطِش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه تردُّدي عن نفس المؤمن، يكرهُ الموت، وأنا أكره مَساءَتَه))[7].
 
سئل ابن تيمية - رحمه الله -: طلبُ القرآن أو طلب العلم أفضلُ؟
فقال: أمَّا العلم الذي يجب على الإنسان عينًا، كعلم ما أمر الله به، وما نهى الله عنه، فهو مقدَّمٌ على حفظِ ما لا يجبُ من القرآن؛ فإنَّ طلب العلم الأوَّلِ واجبٌ، وطلب الثاني مستحبٌّ، والواجب مقدَّم على المستحبِّ[8].



[1] من كتاب "فتاوى إسلامية" 2/693، تحقيق محمد بن عبدالعزيز المسند.


[2] البخاري [4557].


[3] مسلم [2674].


[4] "صحيح" الترمذي [1944]، وصحَّحه الألباني في "الصحيحة" [1030].


[5] مسلم [7588].


[6] "شرح مسلم" 18/88.


[7] البخاري [6502].


[8] "مجموع الفتاوى" [23/54].

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢