شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [21]


الحلقة مفرغة

سبب نزول آية التيمم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب التيمم:

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي أخبرنا أبو معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة - المعنى واحد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير رضي الله عنه وأناساً معه في طلب قلادة أضلتها عائشة رضي الله عنها، فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فأنزلت آية التيمم).

زاد ابن نفيل فقال لها أسيد رضي الله عنه: (يرحمك الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً) ] .

تعريف التيمم لغة واصطلاحاً

التيمم في اللغة: هو القصد, وفي الشرع: القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بينة استباحة الصلاة وغيرها مما يشرع له الوضوء.

والتيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو خصيصة خص الله تعالى به هذه الأمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، وذكر منها: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) ، وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة .

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يرتحل، ولكنه أقام لأجل التماس قلادة عائشة فبعث رجالاً يطلبونه ويبحثون عنه.

وفيه: دليل على أن الإمام يراعي الرعية ويلاحظ حوائجهم، وفيه: أن المال لا يضاع؛ لأن المال عصب الحياة، وتقوم به مصالح الدنيا والآخرة، ولهذا قال الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، ولهذا فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم لالتماس عقد عائشة ، وأرسل رجالاً يطلبونه فلم يجدوه، وحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، وذلك قبل أن يشرع التيمم، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن من فقد الماء والتراب فإنه يصلي على حسب حاله، وصلاته صحيحه في أصح أقوال أهل العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بإعادة الصلاة وقد صلوا بغير ماء ولا تيمم.

فمن لم يجد الماء ولا التراب، فإنه يصلي وصلاته صحيحه، كالمحبوس في مكان ليس فيه تراب ولا ماء، والمصلوب على الخشبة، والمريض في المستشفى ليس عنده أحد ويخشى خروج الوقت فإنه يصلي على حسب حاله؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] .

ثم إنَّ الصحابة الذين بحثوا عن العقد لم يجدوه، ثم بعد ذلك لما أقاموا البعير وجدوا العقد تحته، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب ما أرسل جماعة يبحثون عنه وهو تحت البعير.

وفيه أن أسيد قال: (يرحمك الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلين ولك فيه فرجاً) وفي لفظ البخاري : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ، ففيه دليل على جواز القول لشخص: هذا من بركتك، أي: من البركة التي جعلها الله فيك، خاصة إذا كان شخصية مباركة، مثل آل أبي بكر فإنهم مباركون، أو مثلما يقول بعضهم: كلك بركة، أي: إذا كان الشخص معروف، وكان فيه خير ينفع الناس بشفاعته أو بماله أو ببدنه أو بتوجيهه.

الراجح في كيفية التيمم

وأحاديث التيمم كلها تدور على حديث عمار وأنه ضربة واحدة للوجه والكفين.

أما ما ورد في التيمم من أنه ضربتان كما سيأتي، وأنه تمسح بإحدهما اليدان إلى الآباط أو المرافق فهذا محمول على أنه اجتهاد من الصحابة، أو أن ذلك كان في أول الأمر، ثم نسخ بحديث عمار وأمثاله الدال على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح أخبرنا عبد الله بن وهب حدثني يونس عن ابن شهاب قال: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة

حدثه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: (أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا بوجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط، من بطون أيديهم) ] .

هذا الحديث أصله في الصحيحين كما سبق في حديث عمار ، أما كونهم مسحوا أيديهم إلى المناكب والآباط، وكونهم أيضاً ضربوا ضربتين ضربة للوجه وضربة للكفين، فهذا محمول على أنه من اجتهادهم، وقياسهم في أول الأمر، فلما بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم كيفية التيمم عملوا بها.

أو أنه مسوخ بحديث عمار في الصحيحين أن التيمم ضربة واحدة تمسح بها الوجه والكفين فقط، أما الصحابة الذين صلوا بغير وضوء، فالصواب أنه لا يجب عليهم إعادة الصلاة، وقال بعض أهل العلم: تجب عليهم إعادة الصلاة مرة أخرى .

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري وعبد الملك بن شعيب عن ابن وهب نحو هذا الحديث قال: قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب، ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فذكر نحوه ولم يذكر المناكب والآباط.

قال ابن الليث : إلى ما فوق المرفقين ] .

هذا حديث منقطع؛ لأن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة

لم يدرك عمار بن ياسر ، لكن أخرجه النسائي وابن ماجة مختصراً من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة

عن أبيه عن عمار ، فهو حديث موصول.

وعلى هذا فيكون لو صح حديث الضربتين فإنه من فعلهم.

وكذلك أيضاً قول ابن الليث : إلى ما فوق المرفقين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ومحمد بن يحيى النيسابوري في آخرين قالوا: أخبرنا يعقوب أخبرنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمار بن ياسر رضي الله عنهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ومعه عائشة رضي الله عنها، فانقطع عقد لها من جزع ظفار: فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر رضي الله عنه وقال: حبستِ الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله تعالى ذكره على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربوا بأيديهم إلى الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط) .

زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبر بهذا الناس ] .

وهذا الحديث ثابت وأصله في الصحيحين بدون زيادة مسح إلى المناكب والآباط.

والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة، والعقد الذي لـعائشة من جزع ظفار، وهو خرز فيه سواد وبياض، وظفار بلدة في سواحل اليمن تأتي منها هذه الخرزات.

وفي هذا الحديث أن الله تعالى أنزل آية التيمم في هذه القصة، والتيمم التطهر بالصعيد، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يأخذوا من التراب شيئاً؛ لأن المقصود ما يعلق باليدين من التراب، أما كونهم مسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب وإلى الآباط من بطون الأيدي، فهذا كما سبق إما من اجتهادهم، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه منسوخ، ولهذا قال ابن يحيى قال ابن شهاب في حديثه: لا يعتبر بهذا الناس، أيْ: لا يعتبرون بهذا الحديث ولا يأخذون به، ولم يذهب أحد إلى أنَّ التيمم إلى الآباط والمناكب؛ فلا يعمل بالتيمم إلى الآباط والمناكب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب التيمم:

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي أخبرنا أبو معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة - المعنى واحد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير رضي الله عنه وأناساً معه في طلب قلادة أضلتها عائشة رضي الله عنها، فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فأنزلت آية التيمم).

زاد ابن نفيل فقال لها أسيد رضي الله عنه: (يرحمك الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً) ] .


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [25] 2609 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [10] 2234 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [20] 2123 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [6] 1992 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [7] 1972 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [22] 1952 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [4] 1891 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [14] 1849 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [9] 1782 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [19] 1774 استماع