واجبات حمل الأمانة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:69-71]

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:70] أما بعد:- أيها المسلمون! إن كل إنسان على طهر هذه الأرض قد حمل أمانة عجزت عن حملها السماوات والأرض كما قال تعالى: فأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإنْسَانُ [الأحزاب:70]

والأمانة أمانتان:

الأمانة العامة

الأمانة الأولى: هي أمانة عامة، وهي أن الله تعالى قد ائتمن كل عبد مكلف، على القيام بالدين وطاعة رب العالمين، واتباع الأنبياء والمرسلين.

فكل إنسان عاقل، رشيد، بالغ، قد حمل أمانة الدين، فعليه أن يقوم بالدين، باعتقاد العقيدة الصحيحة في الله تعالى وألوهيته وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، وفي معرفة الإيمان والإسلام، وفي العمل بما أوجب الله تبارك وتعالى والانتهاء عما نهى عنه، فهذه أمانة عامة قد حُمِّلها كل إنسان.

ولقد كان سلف الأمة -رضي الله عنهم وأرضاهم- يدركون قيمة هذه الأمانة وعظمتها، فيشفقون منها، ويتمنون أنهم لم يحملوها، حتى لقد روي عن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: [[وددت لو أني شجرة تعضد]] ونقل عن أبي عبيدة رضي الله عنه أنه تمنى أن يكون شاة يذبحها أهلها فيأكلوها ويستفيدوا من جلدها، وذلك لأنهم عرفوا قيمة هذه الأمانة وعظمتها، وأنهم مسئولون عنها بين يدي الله عز وجل فأشفقوا منها وفزعوا وخافوا، وهذا لا يعارض أنهم يشعرون أحياناً بتكريم الله تعالى لهم، حين جعلهم من البشر الذين اصطفاهم وكرمهم كما قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70].

وشعورهم بأن الله تعالى قد اختارهم حين جعلهم من أتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتكريم الله لهم حين بشر بعضهم بالجنة كما ثبت عن العشرة، ومنهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبو عبيدة، وغيرهم، فكانوا يشعرون بتكريم الله تعالى لهم بإنسانيتهم، وبإسلامهم، وباتباعهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، وببشارتهم بالجنة، ومع ذلك ففي بعض الأحيان يتذكر الواحد منهم هول يوم القيامة، والوقوف بين يدي الله جل وعلا، والصراط فيتمنى أنه لم يخلق، أو يتمنى أنه شجرة تعضد، أو يتمنى أنه شاة تذبح.

أيها الإخوة المؤمنون إن هذه هي الأمانة العامة التي هي على كتف كل واحد منا، بل هي على كتف كل إنسان بلغه هذا الدين قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] فالمسلم والكافر والطائع والعاصي مكلفون ومؤتمنون، ويوم القيامة عما عملوا مسئولون قال تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24] هذه هي الأمانة الأولى.

الأمانة الخاصة

أما الأمانة الثانية فهي الأمانة الخاصة، التي تكون على كل إنسان بحسب موقعه ومسئوليته، فالحاكم يحمل أمانة رعاية شئون الناس، والنصيحة لهم، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {ما من والٍ يسترعيه الله على رعية ثم لم يحطهم بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة} فالحاكم مؤتمن على رعيته التي تولاها، يجب عليه أن ينصح لهم، والنصيحة لفظ عام، أي أن يقوم هذا الحاكم بالعمل على كل ما يكون سبباً لخير الناس، في دينهم ودنياهم، ومن ذلك -مثلاً- أنه يجب على هذا الحاكم أن يرفق برعيته، فلا يحملهم من المسئوليات، أو الأنظمة، أو التكاليف، أو الضرائب، أو غيرها ما يشق عليهم ويثقل كواهلهم، ولذلك ورد عن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم رفق الله تعالى به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم شق الله تعالى عليه} فمن واجب الحاكم أن يرفق برعيته، فلا يحملهم مالا يطيقون.

الأمانة الأولى: هي أمانة عامة، وهي أن الله تعالى قد ائتمن كل عبد مكلف، على القيام بالدين وطاعة رب العالمين، واتباع الأنبياء والمرسلين.

فكل إنسان عاقل، رشيد، بالغ، قد حمل أمانة الدين، فعليه أن يقوم بالدين، باعتقاد العقيدة الصحيحة في الله تعالى وألوهيته وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، وفي معرفة الإيمان والإسلام، وفي العمل بما أوجب الله تبارك وتعالى والانتهاء عما نهى عنه، فهذه أمانة عامة قد حُمِّلها كل إنسان.

ولقد كان سلف الأمة -رضي الله عنهم وأرضاهم- يدركون قيمة هذه الأمانة وعظمتها، فيشفقون منها، ويتمنون أنهم لم يحملوها، حتى لقد روي عن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: [[وددت لو أني شجرة تعضد]] ونقل عن أبي عبيدة رضي الله عنه أنه تمنى أن يكون شاة يذبحها أهلها فيأكلوها ويستفيدوا من جلدها، وذلك لأنهم عرفوا قيمة هذه الأمانة وعظمتها، وأنهم مسئولون عنها بين يدي الله عز وجل فأشفقوا منها وفزعوا وخافوا، وهذا لا يعارض أنهم يشعرون أحياناً بتكريم الله تعالى لهم، حين جعلهم من البشر الذين اصطفاهم وكرمهم كما قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70].

وشعورهم بأن الله تعالى قد اختارهم حين جعلهم من أتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتكريم الله لهم حين بشر بعضهم بالجنة كما ثبت عن العشرة، ومنهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبو عبيدة، وغيرهم، فكانوا يشعرون بتكريم الله تعالى لهم بإنسانيتهم، وبإسلامهم، وباتباعهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، وببشارتهم بالجنة، ومع ذلك ففي بعض الأحيان يتذكر الواحد منهم هول يوم القيامة، والوقوف بين يدي الله جل وعلا، والصراط فيتمنى أنه لم يخلق، أو يتمنى أنه شجرة تعضد، أو يتمنى أنه شاة تذبح.

أيها الإخوة المؤمنون إن هذه هي الأمانة العامة التي هي على كتف كل واحد منا، بل هي على كتف كل إنسان بلغه هذا الدين قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] فالمسلم والكافر والطائع والعاصي مكلفون ومؤتمنون، ويوم القيامة عما عملوا مسئولون قال تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24] هذه هي الأمانة الأولى.

أما الأمانة الثانية فهي الأمانة الخاصة، التي تكون على كل إنسان بحسب موقعه ومسئوليته، فالحاكم يحمل أمانة رعاية شئون الناس، والنصيحة لهم، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {ما من والٍ يسترعيه الله على رعية ثم لم يحطهم بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة} فالحاكم مؤتمن على رعيته التي تولاها، يجب عليه أن ينصح لهم، والنصيحة لفظ عام، أي أن يقوم هذا الحاكم بالعمل على كل ما يكون سبباً لخير الناس، في دينهم ودنياهم، ومن ذلك -مثلاً- أنه يجب على هذا الحاكم أن يرفق برعيته، فلا يحملهم من المسئوليات، أو الأنظمة، أو التكاليف، أو الضرائب، أو غيرها ما يشق عليهم ويثقل كواهلهم، ولذلك ورد عن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم رفق الله تعالى به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم شق الله تعالى عليه} فمن واجب الحاكم أن يرفق برعيته، فلا يحملهم مالا يطيقون.

ومن مسئوليات الحاكم ومن الأمانات التي حملها المحافظة على حاجات الناس وضرورياتهم، فالناس بحاجة إلى من يحافظ على أموالهم من اللصوص، والسرّاق، وقطاع الطرق، والظلمة، وغيرهم.

فمن مهمات الحاكم أن يعمل على تأمين أموال الناس، بحيث لا يصيب أموالهم ما يضرهم، أو يجتاح هذه الأموال، أو يبخسها أو ينقصها، وهو إن عمل ذلك يكون قد عمل عملاً يرضي الله تعالى عنه، ويكون سبباً في نجاته يوم الحساب.

ولذلك شرع الإسلام الحدود، من قطع يد السارق، وإقامة حد الحرابة على قطاع الطرق، إلى غير ذلك من الحدود كل ذلك لتأمين الناس وردع المجرمين، ومنع من تسول له نفسه بالجريمة، فمنعه من ذلك لأنه يعرف ماذا ينتظره، أما إذا لم تقم هذه الحدود فحينئذ يأتي قول الناس: [[من أمن العقوبة أساء الأدب]].

الحفاظ على أموال الناس وأعراضهم وأبدانهم

وكما أن الحاكم مطالب بتأمين الناس على أموالهم فهو مطالب بتأمين الناس على أبدانهم، بمنع من يعتدي عليهم بالضرب، أو القتل، أو الجرح، أو ما أشبه ذلك، ولهذا شرع الإسلام القصاص؛ لمنع المعتدين والظالمين من الاعتداء على أبدان الناس.

ومن مهمة الحاكم وأمانته المحافظة على أعراض الناس، بمنع من يعتدي عليهم أو على زوجاتهم أو بناتهم، بالزنى أو باللواط، أو بالقذف، أو بالسب، أو بالشتم، أو بنحو ذلك، ولهذا أيضاً شرعت عقوبات معينة كعقوبة رجم الزاني إن كان محصناً، وجلده إن كان غير محصن، وجلد القاذف، وتعزير المعتدين على الأعراض أو غيرها فيما دون الحدود، لحماية هذه الأعراض.

وكما أن الحاكم مطالب بتأمين الناس على أبدانهم وأموالهم وأعراضهم، فهو مطالب أيضاً بصفة أكبر وأعظم بتأمين الناس على أديانهم، لماذا؟

لأن الإنسان لو اعتدي على بدنه بالقتل مثلاً، وكان شخصاً مؤمناً مسلماً، لكان مصيره إلى الجنة بإذن الله تعالى، لكن لو اعتدي عليه في دينه فصُدَّ عن الإسلام، وأثيرت أمامه الشبهات، حتى شك في الدين والعياذ بالله أو أثيرت أمامه الشهوات حتى وقع في الحرام فإن مصيره إلى النار إن لم يتجاوز الله تعالى عنه، ولذلك يقول الله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:191] يعني أن فتنة الناس عن دينهم بالشهوات أو بالشبهات أعظم من قتلهم، فالمقتول قد يكون شهيداً في سبيل الله، لكن الذي افتتن عن دينه وارتكب ما حرم الله، أو وقع في شبهة، فقد وقع في أمر عظيم لا نجاة له منه إلا بالتوبة، ولذلك كان الحاكم في الإسلام مطالباً بحماية أديان الناس، ومنع الذي يثيرون الشبهات، سواء أكانوا يثيرونها في أجهزة الإعلام: من إذاعة، وتلفزة، وصحافة، وغيرها، أم ينشرونها في كتب، أو يثيرونها في مجلات، أو في بيوتهم، أو في مجالسهم، أو يثيرونها بأي شكل من الأشكال.

فواجب على الحاكم المسلم متى علم أن شخصاً، أو مؤسسة، أو جريدة، أو جهة تقوم بفتنة الناس عن دينهم بإثارة الشبهات في الدين أو بدعوة الناس للشهوات، عن طريق عرض الصور الخليعة، والأغاني الماجنة، وعن طريق الإثارة، وتحريك الغرائز، وعن طريق إتاحة الفرصة للرذيلة، متى علم ذلك كان حقاً عليه أن يقوم بالأمانة التي ائتمنه الله عليها بأن يقوم على هؤلاء بمنعهم وردعهم عما يقومون به.

العدل بين الناس

ومن الأمانات الملقاة على كاهل الحاكم: أن يقوم بالعدل بين الناس، ورضي الله تعالى عن أمير المؤمنين عمر حين ظهر يوماً من الأيام على المنبر فقال: (أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، فقام إليه رجل من المسلمين وقال له: يا ابن الخطاب لا سمع لك ولا طاعة، قال ولم رحمك الله؟ قال لأنك قد أعطيتنا ثوباً ثوباً وأخذت أنت ثوبين، فلا نسمع لك ولا نطيع وقد استأثرت من دوننا بهذا المال الذي أفاءه الله على المسلمين -فلم يأمر به عمر بن الخطاب إلى السجن ولا إلى التعذيب، وإنما قال-: أين عبد الله بن عمر؟

فقال هأنذا يا أمير المؤمنين، قال: أنشدك بالله من أين لي هذا الثوب؟

قال: هو ثوبي قد أهديته لك يا أمير المؤمنين، فقال ذلك الرجل: أما الآن يا أمير المؤمنين فقل نسمع لك ونطيع).

وهو الذي كان يقول رضي الله عنه وأرضاه: (لو عثرت بغلة في العراق لعلمت أن الله سائلني عنها لم لمْ تسو لها الطريق يا عمر) فمهمة الحاكم إقامة العدالة بين الناس، من غير تمييز بينهم، لا بحسب ألوانهم، فلا فرق بين أبيض وأسود، ولا بحسب أنسابهم، فلا قيمة في الإسلام لكلمة هذا من قبيلة كذا وهذا من عائلة كذا، وهذا من أسرة كذا، وهذا قبيلي وهذا غير قبيلي، كل هذه الأشياء ما أنـزل الله بها من سلطان، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

إن بلالاً الحبشي، وصهيباً الرومي، وسلمان الفارسي، وأبا بكر القرشي كلهم يقفون على قدم المساواة في الإسلام، بل كان عمر رضي الله عنه يقول: (أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا) يعني بلال بن رباح، فهذه أمانة خاصة.

مسؤوليات الوزراء ونحوهم

وكذلك من الأمانات الخاصة الأمانة الملقاة على عاتق الوزير، والمسئول، والأمير، وغيرهم: القيام بأعمالهم، واختيار الأكفاء والصالحين، وتوليتهم للمناصب والمهمات، وكذلك مراقبتهم ومعرفة ما أخطئوا، ومحاسبتهم على ما يفعلون، بحيث لا يظلمون الناس، وعليهم أن يعرفوا بأنهم ما وضعوا على الناس ليضربوا أبشارهم، ولا ليأخذوا أموالهم، ولا ليستأثروا من دونهم، ولا ليسيئوا إليهم، ولكن كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (إني لم أبعث عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، وإنما بعثتهم إليكم ليعلموكم دينكم، وليقسموا فيكم فيئكم) هذه هي الولاية، وهذه هي المناصب في الإسلام، ليعلموكم دينكم وليقسموا فيكم فيئكم، وهو الأموال التي أفاءها الله تعالى على المسلمين.

وإذا حدث من مسئول -كَبُرَ أو صَغُر- خطأ ما، وجب محاسبته وردعه. عندما فتح المسلمون مصر كان الفاتح عمرو بن العاص رضي الله عنه وكان له ولد اسمه محمد، فتسابق محمد بن عمرو بن العاص أمير مصر، تسابق مع رجل من الأقباط فسبقه، فقام محمد بن عمرو بن العاص فضرب القبطي ضربة بيده أو بسوطه، فخرج هذا القبطي من مصر إلى المدينة المنورة حتى دخل على أمير المؤمنين، فشكى له الحال، فأرسل عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وأمره أن يأتي ويأتي ابنه معه وحاكمهم حتى ثبت الحق للقبطي، فأخذ عمر من محمد بن أمير مصر الحق لهذا القبطي، ووبخ عمرو بن العاص وقال له: [[يا بن العاص! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!]] لم يمنعه كون أبيه أميراً أن يأخذ الحق منه، فبالعدل والحق قامت السماوات والأرض.

وكذلك من الطرائف والقصص العجيبة، ما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ولى رجلاً على إحدى مدن العراق، فكان هذا الرجل شاعراً يحب الشعر، ففي أحد الأيام كان يتغنى بأبيات من الشعر ويقول:

ألا هل أتى سلمى بأن حليلها      بـنعمان يسقى في زجاج وحنتم

يعني زوجته، يقول: إن زوجها -وهو يعني نفسه- يُسقى الخمر في كئوس وقوارير.

إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني     ولا تسقني بالأصغر المتفلم

لعل أمير المؤمنين يسوءه     تنادمنا بالجوسق المتهدم

يعني: أنه يتغنى بشرب الخمر ويقول لعل عمر بن الخطاب لو علم بذلك لحزن وساءه ذلك، فوصلت الأبيات إلى عمر رضي الله عنه فهز رأسه وقال: [[نعم والله إنه ليسوئني ذلك، ثم قال للمسلمين: من رأى هذا الرجل فليخبره أني قد عزلته، فعزل الرجل وجاء إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وقال له: والله يا أمير المؤمنين ما شربت الخمر قط، ولكنها أبيات قلتها أتغنى بها، فقال له عمر: فإنا قد عزلناك، ووالله لا تلي لنا عملاً أبدا]] هكذا كان عمر رضي الله عنه يعامل ولاته ومن أقامهم على شئون المسلمين إذا حدث منهم من الفعل أو من القول ما يتنافى مع المهمة التي وكلوا إليها.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع