خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36180"> سلسلة شرح صحيح البخاري
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح صحيح البخاري [9]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
قال البخاري رحمه الله: (باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم)
حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان ، حدثنا عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مَثَلُ المسلم، حدثوني ما هي؟ قال: فوقع الناس في شجر البوادي، قال
وسليمان في هذا الحديث هو سليمان بن بلال .
قال الإمام البخاري : (باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم).
يستفاد من هذا الحديث أن هذا لونٌ من ألوان التعليم والتهذيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعنى بتربية أصحابه تربية علمية أدبية، وكما أشرت إلى هذا المعنى قبل ذلك: أن التربية الأدبية في غاية الأهمية، إذ لا يحصل العلم إلا بأدب. والآن تجد أن التربية الكمِّية غطت على التربية النوعية.
هذا الكم الكبير الهائل الذي يتبع هذه الصحوة المباركة، مع الأسف لا يصحبه كبير أدب، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتعلمون الأدب من النظر إلى سمت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عليه الصلاة والسلام يتعاهدهم في ذلك، وكان يترك لهم الفرصة أن يناظر بعضهم بعضاً أمامه، ثم هو يصوِّب أو يسكت، فسكوته دالٌ على استقامة الأمر على الجهتين، أو إذا أخطأ أحدهم كان يعقِّب عليه.
فمثلاً في حديث أبي هريرة الذي رواه الشيخان وابن حبان وغيرهم، قال صلى الله عليه وسلم: (تسلف رجلٌ من رجلٍ ألف دينار، فقال: ائتني بكفيلٍ قال: كفى بالله كفيلاً، فقال: ائتني بشهيد. قال: كفى بالله شهيداً، قال: صدقت، فأعطاه الألف دينار، يتاجر بها في البحر على أجل -يعني مدة زمنية-، فلما حان موعد الوفاء، وجاء الرجل المدين بالألف دينار حتى يؤديها إلى صاحبه، وكان بينهما بحراً، فحيل بينهما، ثم إن الرجل وضع الألف دينارٍ في خشبة وقذف بها في البحر، وذلك لما عجز أن يصل إلى صاحبه، وقال: ربّ جعلتك كفيلاً ووكيلاً فأوصل هذا الدَّين إلى صاحبه، ورمى بالخشبة في البحر، وصاحبه على الشاطئ الآخر ينتظر أي مركب، فلما لم يجد ووجد خشبةً تتأرجح أمامه في البحر قال: آخذها استدفئ بها أنا وعيالي، فأخذها وانطلق إلى داره، فلما وصل إلى الدار ضربها بقدومٍ، فإذا بالصرة تنزل من الخشبة، ففتحها فإذا برسالة من المدين إلى صاحبه: إنني عجزت عن الوصول إليك. وبعد ذلك انتظر الرجل مركباً حتى وجدها، فركب وذهب إلى صاحبه بألف دينارٍ أخرى، فقال: ما منعني أن آتي إليك في الموعد إلا أنني لم أجد مركباً، وهذا أول مركبٍ أجده، قال: هل أرسلت إلي شيئاً، قال: أقول لك هذا أول مركب، فقال: ارجع راشداً فقد أدى الله عنك -وفي رواية ابن حبان- قال: فقد أدى عنك وكيلك).
الشاهد من الحديث قال أبو هريرة: (قد رأيتنا تتعالى أصواتنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما آمن من صاحبه)، هم يتناظرون فيما بينهم من أكثر إيماناً من الآخر؟ هل هو الذي رمى بالألف دينارٍ في البحر، وهي ليست وسيلة معهودة لإيصال المال، لاسيما في بحر أمواجه كالجبال، رمى خشبة في بحرٍ لجي، يعني: كان معهوداً بالأمواج أن تبتلع هذه الخشبة، لكن قوة قلبه ويقينه جعلته يرمي بالألف دينار في البحر فهل هو أقوى إيماناً أم صاحبه الذي أعطاه الألف دينار بلا مستند لمجرد أنه قال: كفى بالله وكيلا، كفى بالله شهيداً، فعظّم أمر الله عز وجل، وعظم اسمه، وأعطى الألف دينار بلا مستند، وقال له: صدقت. أيهما آمن؟ أهذا الذي أعطى بلا مستند، لمجرد أنه قال: كفى بالله كفيلا، أم الذي رمى بالألف دينارٍ في البحر؟
لم أقف في طريق من طرق الحديث على تصوير النبي صلى الله عليه وسلم أيهما آمن من صاحبه: هذا أو ذاك؟ لكن الشاهد أن الصحابة كانوا يتناظرون في وجود النبي عليه الصلاة والسلام، وكان هو يصوّب، كمثل حديث: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة).
فجماعة قالوا: لا، لا بد أن نصلي الصلاة على وقتها، وقال الآخرون: لا نصلي العصر إلا في بني قريظة، فلما رجعوا، وقصوا ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، تبسم ولم يخطّئ أو لم يعاتب أحداً من الفريقين جميعاً، فدل ذلك على أن كلا الفريقين مأجور -يعني: يدور ما بين أجرين، وما بين أجرٍ واحد- فالرسول عليه الصلاة والسلام إنما طرح المسألة كما ذكرنا في الدرس الماضي؛ ليختبر ما عندهم من العلم.
لماذا؟ لأنه قد يكتشف موهبة،كما يقول عبد الله بن المعتز : كما أن الشمس لا يخفى ضوءها، وإن كان تحتها سحاب، كذلك الصبي لا تخفى غريزة عقله وإن كانت مغمورةً بأطمار الحداثة. يعني هو حدث وصغير، لكنه قد يكون ذكياً عاقلاً
في الحديث السابق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما برغم صغر سنة، يقول: كنت عاشر عشرة فيهم أبو بكر وعمر . فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم السؤال؛ قال: فنظرت فإذا أنا أصغر القوم. أي: هاب أن يتكلم وفي القوم أبو بكر وعمر ، وهذا الحياء أصله محمود، وأصل الحياء محمود: لأن الحياء غريزة تمنع صاحبها من مقارفة القبائح، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعاتب أخاه في الحياء حتى كأنه قال له: إنه أضر بك. لماذا؟ من شدة حيائه. يمنعه ذلك أن يستوفي حقه من الناس، وبعض الناس عنده جرأة، يقول: يا أخي! المبلغ الذي علي لك دعه لي، أنت تملك مالاً كثيراً فدع لي المبلغ هذا، اعتبره هدية، فيُحرِجه، فيسكت ولا يستطيع أن يتكلم، فمن كثرة الناس الذين يتعاملون بهذه الطريقة ضاعت الحقوق، وبعض الناس يقول لك: قال صلى الله عليه وسلم: (ما أخذ بوجه الحياء فهو حرام)، والحرام أن يروي هذا الحديث؛ لأنه كذب ولا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا الرجل من كثرة حيائه ضاعت حقوقه، فصاحبه يعاتبه، يقول له: لا تستحي؛ لأنه أضر بك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه فإن الحياء من الإيمان)، أي: دعه على هذا الخلق الحسن المحمود؛ فإن الحياء من الإيمان، لماذا من الإيمان؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، -وفي رواية البخاري - : (بضع وستون)، وبضعٌ وسبعون أقوى وأصح، بضع وسبعون شبعة، أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، أي ما بين أعلى وأدنى، فنص على الحياء للدلالة على أهميته وخطورته، وإنما اختصّه بالذكر دون سائر الشعب لأهميته البالغة.
والإنسان إذا استحيا حتى ضاع حقه من كثرة الحياء؛ لا يمكن أن يقارف حدود الله أبداً، إذا وصل حياءه إلى هذا الحد، الذي يضر به، ويمنعه من استيفاء حقوقه، فهذا لا يجرؤ على مقارفة ما حرم الله سبحانه وتعالى فاتركه.
وأنا أعرف شخصاً كان شديد الحياء، وكان رجلاً عنده أرض كثيرة، وكان يزرع قطناً، فوجد شخصاً يسرق القطن، ويجمعه في كيس، وصاحب القطن هذا كان يمشي في مصرف في الأرض، والآخر ما زال يسرق من أرضه، فلما رآه، جلس في المصرف حتى ينتهي السارق من تعبئة الكيس ويذهب، يعني: أنه استحيا منه بالرغم أنه سارق، لماذا؟ لا يريد أن يوقعه في الحرج.
هذه فضيلة، الرجل سُرِق القطن من أرضه ومع ذلك استحيا، لكن هذه فضيلة برغم ضياع هذا القطن. كلما تدرب شخصاً على أنه يكون قليل الحياء، شيئاً فشيئاً فشيئاً يعتدى على حقوق الناس، ويكون بلا حياء مثل الذي يقول: المال الذي عندي لك اجعله لي هدية. فلا يزال يقل حياؤه حتى يتجرأ على حدود الله. أما صاحب الحياء فاتركه؛ لأنه في هذه الحالة سيكون بينه وبين حدود الله عز وجل مسافةٌ طويلة، فأصل الحياء محمود. وجاء في حديث أبي سعيد في الصحيحين: (كان النبي أشد حياءً من العذراء في خدرها)، وما قال قط: لا. أبداً، يعني في حياته المباركة هذه ما قال: لا. أبداً، لأي واحد يطلب منه أي طلب، حتى إنه ذات مرة أعطى رجل النبي صلى الله عليه وسلم بُردة، فآخر أول ما رأى البردة قال: أعطنيها يا رسول الله؟! فأعطاها إياه فلاموه، قالوا: أنت تعلم أنه لا يقول: لا، أبداً، وأنت تعلم حاجته إليها، فكيف طابت نفسك أن تأخذ منه ما هو محتاج إليه، وأنت تعلم أنه لا يقول: لا؟ فقال: والله ما رغبت فيها لألبسها، ولكن أردت أن أُكفَّن فيها.
فهذا أيضاً يلتقي مع حديث ابن عمر الذي يُعَاتب فيه صاحبه فيقول له: إنه أضر بك الحياء. كذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان محتاجاً إلى البردة، ومع ذلك لما قال: أعطنيها يا رسول الله: فأعطاها إياه.
إذاً: الحياء أصله محمود؛ لكن هناك نوعٌ من الحياء لا يُحمد، وهو: الحياء في العلم وفي الفقه؛ بحيث يفوت عليك الحكم الشرعي، فأنت عندما تسأل إنما تسأل عن مراد الله تعالى، وكلما فعلت مراد الله فعلت محبوباً إلى الله سبحانه وتعالى، وكلما استحييت ضيعت على نفسك أن تتقرب إلى ربك، فالذنب إنما هو بسبب تفويت محبوب الله تبارك وتعالى؛ فهذا النوع من الحياء لا يُحمد، ولذلك صح عن مجاهد بن جبر رحمه الله، أنه قال: لا يتعلم اثنان، مستحيٍ ومتكبر. فالمستحيي لا يريد أن يظهر بين إخوانه أنه قليل الفهم، يقال لهم وهو معهم هل أنتم فاهمين؟ فيقولون: فاهمون جداً، وتراه يهز رأسه للدلالة على أنه فاهم ومنشرح مع أنه قد يكون غير فاهم، فهذا ضيع على نفسه فرصة الفهم، لماذا؟ بسبب الحياء، والمستكبر أيضاً لا يتعلم، يقول لك: ابن من هذا الذي يريد أن آتي إليه؟ أنا ابن فلان، وأبي فلان، وعندي المال الفلاني، وعندي العمارة الفلانية، وجد جدي كان المفتي، فيزدري أهل العلم.
وكم في الزوايا خبايا! وكم في الناس بقايا! كم من ضعيف متضعِّف أعزه الله بالعلم! فأنت لا تعرف أقدار الناس، فسبحان من لا يعلم أقدار خلقه إلا هو!!
الشافعي رحمه الله لما دخل بغداد، دخل الرصافة -مدينة في العراق- وكان الشافعي في العراق مشهوراً قبل أن يأتي إلى مصر، فعندما دخل الرصافة هذه فلم يُفطن إليه، والإمام الشافعي لم يكن من الذين يعتنون بهيئته ولبسه، بينما كان الإمام مالك صاحب هِندام، والشافعي لم يكن كذلك.
المهم: أن الشافعي دخل المسجد وكان غريباً، فما دعاه أحد، والكل يصلي ويخرج، وتركوه، فأنشد بيتين من الشعر يعزي نفسه بها فقال:
علي ثيابٌ لو يباع جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثرا
وفيهن نفسٌ لو يقاس ببعضها نفوس الورى كانت أجل وأكبرا
فأنت لا تنظر إلى هذه الأطمار البالية، فقد يكون بداخل هذه الأطمار نفس نفيسة وثمينة وغالية، فإياك أن تزدري أحداً بنظرك، وتخترقه هكذا بنظرك فتتصور أنه لا يعرف شيئاً! لا، قد يكون هذا من الصنف الذي لو أقسم على الله لأبرّه، فلا يمنعنك الكبر والحياء أن تستفيد من كل إنسان.
أقص عليكم تجربة حدثت لي.
كنت حين لا يكون عندي خطبة جمعة، وأذهب أبحث عن أي مسجد أصلي فيه، وأصلي، ولكن كنت أصلي بنفس ناقد، فأدخل لكي أسمع بأُذُن ناقد لا بأُذُن مستفيد، فأقول: لا يعجبني هذا الرجل، الخطبة لم تعجبني اليوم، إنه لا يعرف أن يتكلم، فكان هناك رجل خطيب في كل مرة يقابلني يقص لي الخطبة التي خطبها، وقد أكون مستعجلاً وهو يوقفني لأسمعه، ويمنعني الحياء أن أقول له: إنني مشغول، فكنت أقف متبرماً منه، وحين أراه أعرف أنني لن أعود اليوم، لماذا؟ سيسرد لي الخطبة التي فاتت، وممكن يقول لي: فهرس الخطبة القادمة كذا وكذا، فالمهم كنت أذهب إلى المساجد، ومساجد متنوعة، وكنت كلما ذهبت إلى مسجد أجد ذلك الرجل أمامي فيراني فأعرف أني لن أستطيع أن أفلت منه، فقلت لنفسي في ذات يوم: لماذا لا أقف واستفيد منه؟ لماذا أنا متململ دائماً ولا أريد أن أسمع؟ وفي يوم من الأيام قابلني في المسجد، فقلت في نفسي: سأقف وأستفيد وأَسمع. والله إن الكلام المختصر الذي قاله كتبت منه حوالي أربع خطب، فقد فتّح لي أبواباً من العلم.
إذا كنا نبحث عن التمكين، فلابد أن نبني جيلاً بعمل بالإسلام ويطبقه في الواقع، ولابد له من مواصفات، لكن .. ماهي مواصفات جيل التمكين؟
من أجل جيل يسعى إلى التمكين
وسنذكر مواصفات الأب الذي يمكن أن ينشئ ولداً محترماً، والأم التي تنجب ولداً محترماً، والولد المحترم هذا له مواصفات. فمن ضمن الأمور التي أتكلم عنها: استشارة إبراهيم عليه السلام لولده، فهذا خلق من الأخلاق التي ينبغي أن يربي الأبُ ابنه عليها، وهو أن يستشيره وهو صغير، (يعامله معاملة الكبار)، لا أنه مجرد أن يأتي ليتكلم يقول له: اسكت أنت صغير ولا تفهم شيئاً، بهذا يظل ابنك لا يفهم شيئاً حتى ينهي الجامعة، وما زال لا يفهم شيئاً، فيكون الولد هذا ليس لديه ثقة في نفسه، لأنه لا يعرف من أبيه إلا أنه لا يفهم شيئاً، فهو قد يحصل له أزمة وانتكاسة في أنه فعلاً لا يفهم شيئاً.
يا أخي! اجعل منه كبيراً، هذا ابنك، إذا أصاب لا بد أنك تشيد به وتقول له: أحسنت يا ولدي لقد أصبت، وإذا أخطأ تقول له: أنت لو كنت عملت هكذا لما أخطأت، إذاً: لا بد أن تربي ابنك.
فهذا إبراهيم عليه السلام، يقول لابنه إسماعيل عليه السلام: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102]، ما رأيك في هذا الموضوع؟ يأخذ رأيه في الموضوع مع أن المسألة لا تقدم ولا تؤخر، لأنه سيذبحه، فكانت إجابة إسماعيل عليه السلام عالية جداً قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات:102]، كلمة: تؤمر، تدل على أن إبراهيم له آمر. يعني: المسألة لم تأت من تلقاء نفسه، لأن هذا ابنه الوحيد فبعد ما بلغ معه السعي -يعني: الكسب والمشي- كان إسماعيل عليه السلام صغيراً، ومعلوم أن الولد في هذا السن يشفق عليه والده جداً، وإذا كان الأب يحب ابنه، فأحسن سن يحب فيها الأب ابنه حين يبدأ الولد يكلمه ويتعلق به. وهذا مذكور في قصة إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ *قَدْ صَدَّقْتَ [الصافات:103-105]، لاحظ ما قال له: (صدّقت) إلا بعدما شرع في الأسباب، أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ، وأحضر السكينة وبدأ يذبح. أي: باشر العمل فيكون التصديق عملاً، وهذه فتحت ذهني إلى دليل في الرد على المرجئة ، الذين يقولون: إن الإيمان قولٌ بلا عمل، وأن الإيمان هو التصديق، فنحن نقول: إن التصديق لا بد أن يكون معه عمل، لأنه قال له: قَدْ صَدَّقْتَ [الصافات:105] هو آمن أولاً ثم بدأ يتخذ الأسباب: (تله للجبين، وأحضر السكين، وبدأ يذبح) فهذا عمل بعد الإيمان، وتسليمه لله فيما قضى ولو كان مراً عليه هذا عمل، وقد سبقه إيمان. إذاً: هذا هو التصديق.
فبدأت أستفيد منه، وكلما دخلت أصلي الجمعة وأسمعه يخطب، فلا أجعل سماعي له نقداً، بل للاستفادة.
لذلك الشيخ حين يسمح للتلاميذ بالمناظرة أمامه؛ يعرف من هو أقوى ومن هو أقوم، ومن الذي استطاع أن يناظر مناظرة صحيحة .. بأن يؤصل بحيث يأتي بالقاعدة، ثم يأتي بالفرع للقاعدة، وكثير من الناس يبدأ بالفرع، ولذلك لا يستطيعون أن يصلوا إلى القاعدة، وقديماً حين كانت جماعة التكفير في أول مدها، عندما كنا نتناظر معهم يكون أول سؤال نبدأ به في المناظرة: ما رأيك في الحكام؟ مع أن مسألة الحكام فرع، وكان الأولى أن نبدأ بالأصل: ما هو الكفر وما هو الإيمان وما هو الإسلام؟ لأن هذا هو الأصل الذي سنرد إليه الفرع، ونحن أصلاً مختلفون في الفرع، فإذا اختلفنا فإلى أي أصلٍ سنرد هذا الفرع؟ فلا بد من وضع أصلٍ ابتداءً، وإذا اختلفنا في الأصول، فكل واحد يبقى كما هو؛ لأننا لن نلتقي في فرع أبداً، إذا اختلفنا في الأصل فغير ممكن أن نلتقي في فرع.
فنحن عندما نتناظر يجب أن نعمل بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، هو يقول: نعم نعمل بالكتاب والسنة، ثم لا يكون فهمه للكتاب والسنة موافقاً للسلف، يقول: كيف تلزموننا بفهم السلف الصالح، وأبو حنيفة يقول: كيف أسلم لأقوام لو كنت بينهم لناظرتهم ولعارضتهم؟! فنحن رجال، وهم رجال. وإذا اختلفنا في هذا الضابط الثالث، فكل واحد يرجع من حيث أتى؛ لأن كثيراً من النصوص لا نفهمها إلا بفهم السلف الصالح، وتواترهم على هذا الفهم.
ولا يستقيم الظل والعود أعوج، فالعود هو الأصل، والظل فرعٌ عن هذا الأصل.
إذاً: من الأشياء الذي ينبغي أن يعتني بها الشيخ: مسألة النظر إلى التلاميذ، ولأنه قد يرى تلميذاً عنده حياء، وهذا الحياء لا يبلغه، فيقوم ويجرِّئُه في باب المناظرة، ويعرفه أن هذا النوع من الحياء ليس بمحمود، فإن الحياء الذي يجعلك لا تعرف مراد الله تبارك وتعالى ليس بمحمود.
إن جيل التمكين يدور على ثلاثة أركان: الأب، والأم، والولد.
وسنذكر مواصفات الأب الذي يمكن أن ينشئ ولداً محترماً، والأم التي تنجب ولداً محترماً، والولد المحترم هذا له مواصفات. فمن ضمن الأمور التي أتكلم عنها: استشارة إبراهيم عليه السلام لولده، فهذا خلق من الأخلاق التي ينبغي أن يربي الأبُ ابنه عليها، وهو أن يستشيره وهو صغير، (يعامله معاملة الكبار)، لا أنه مجرد أن يأتي ليتكلم يقول له: اسكت أنت صغير ولا تفهم شيئاً، بهذا يظل ابنك لا يفهم شيئاً حتى ينهي الجامعة، وما زال لا يفهم شيئاً، فيكون الولد هذا ليس لديه ثقة في نفسه، لأنه لا يعرف من أبيه إلا أنه لا يفهم شيئاً، فهو قد يحصل له أزمة وانتكاسة في أنه فعلاً لا يفهم شيئاً.
يا أخي! اجعل منه كبيراً، هذا ابنك، إذا أصاب لا بد أنك تشيد به وتقول له: أحسنت يا ولدي لقد أصبت، وإذا أخطأ تقول له: أنت لو كنت عملت هكذا لما أخطأت، إذاً: لا بد أن تربي ابنك.
فهذا إبراهيم عليه السلام، يقول لابنه إسماعيل عليه السلام: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102]، ما رأيك في هذا الموضوع؟ يأخذ رأيه في الموضوع مع أن المسألة لا تقدم ولا تؤخر، لأنه سيذبحه، فكانت إجابة إسماعيل عليه السلام عالية جداً قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات:102]، كلمة: تؤمر، تدل على أن إبراهيم له آمر. يعني: المسألة لم تأت من تلقاء نفسه، لأن هذا ابنه الوحيد فبعد ما بلغ معه السعي -يعني: الكسب والمشي- كان إسماعيل عليه السلام صغيراً، ومعلوم أن الولد في هذا السن يشفق عليه والده جداً، وإذا كان الأب يحب ابنه، فأحسن سن يحب فيها الأب ابنه حين يبدأ الولد يكلمه ويتعلق به. وهذا مذكور في قصة إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ *قَدْ صَدَّقْتَ [الصافات:103-105]، لاحظ ما قال له: (صدّقت) إلا بعدما شرع في الأسباب، أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ، وأحضر السكينة وبدأ يذبح. أي: باشر العمل فيكون التصديق عملاً، وهذه فتحت ذهني إلى دليل في الرد على المرجئة ، الذين يقولون: إن الإيمان قولٌ بلا عمل، وأن الإيمان هو التصديق، فنحن نقول: إن التصديق لا بد أن يكون معه عمل، لأنه قال له: قَدْ صَدَّقْتَ [الصافات:105] هو آمن أولاً ثم بدأ يتخذ الأسباب: (تله للجبين، وأحضر السكين، وبدأ يذبح) فهذا عمل بعد الإيمان، وتسليمه لله فيما قضى ولو كان مراً عليه هذا عمل، وقد سبقه إيمان. إذاً: هذا هو التصديق.
فبدأت أستفيد منه، وكلما دخلت أصلي الجمعة وأسمعه يخطب، فلا أجعل سماعي له نقداً، بل للاستفادة.
لذلك الشيخ حين يسمح للتلاميذ بالمناظرة أمامه؛ يعرف من هو أقوى ومن هو أقوم، ومن الذي استطاع أن يناظر مناظرة صحيحة .. بأن يؤصل بحيث يأتي بالقاعدة، ثم يأتي بالفرع للقاعدة، وكثير من الناس يبدأ بالفرع، ولذلك لا يستطيعون أن يصلوا إلى القاعدة، وقديماً حين كانت جماعة التكفير في أول مدها، عندما كنا نتناظر معهم يكون أول سؤال نبدأ به في المناظرة: ما رأيك في الحكام؟ مع أن مسألة الحكام فرع، وكان الأولى أن نبدأ بالأصل: ما هو الكفر وما هو الإيمان وما هو الإسلام؟ لأن هذا هو الأصل الذي سنرد إليه الفرع، ونحن أصلاً مختلفون في الفرع، فإذا اختلفنا فإلى أي أصلٍ سنرد هذا الفرع؟ فلا بد من وضع أصلٍ ابتداءً، وإذا اختلفنا في الأصول، فكل واحد يبقى كما هو؛ لأننا لن نلتقي في فرع أبداً، إذا اختلفنا في الأصل فغير ممكن أن نلتقي في فرع.
فنحن عندما نتناظر يجب أن نعمل بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، هو يقول: نعم نعمل بالكتاب والسنة، ثم لا يكون فهمه للكتاب والسنة موافقاً للسلف، يقول: كيف تلزموننا بفهم السلف الصالح، وأبو حنيفة يقول: كيف أسلم لأقوام لو كنت بينهم لناظرتهم ولعارضتهم؟! فنحن رجال، وهم رجال. وإذا اختلفنا في هذا الضابط الثالث، فكل واحد يرجع من حيث أتى؛ لأن كثيراً من النصوص لا نفهمها إلا بفهم السلف الصالح، وتواترهم على هذا الفهم.
ولا يستقيم الظل والعود أعوج، فالعود هو الأصل، والظل فرعٌ عن هذا الأصل.
إذاً: من الأشياء الذي ينبغي أن يعتني بها الشيخ: مسألة النظر إلى التلاميذ، ولأنه قد يرى تلميذاً عنده حياء، وهذا الحياء لا يبلغه، فيقوم ويجرِّئُه في باب المناظرة، ويعرفه أن هذا النوع من الحياء ليس بمحمود، فإن الحياء الذي يجعلك لا تعرف مراد الله تبارك وتعالى ليس بمحمود.
يقولالبخاري رحمه الله في الصحيح: (باب ما لا يستحيا منه في الفقه في الدين)، وذكر حديث أم سليم ، لما قالت: (يا رسول الله! هل على المرأة من غسل إن هي احتلمت؟ قال:: (نعم إذا رأت الماء) ، وفي رواية أخرى: قالت عائشة: (فضحت النساء يا أم سليم، أوتحتلم المرأة؟)، وقد أخذ بعض العلماء من هذا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن لا يحتلمن؛ لأنهن تحت النبي عليه الصلاة والسلام، والاحتلام من الشيطان، قالوا: إنها عندما قالت: (أوتحتلم المرأة؟) دلالة على أنها لا تحتلم، ولا تعرف الاحتلام، وإلا لما أنكرت عليها ولما قالت لها: (فضحت النساء يا أم سليم )، فقالت أم سليم : (حتى أعلم أفي حلال أنا أم في حرام).
والمرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن غسلها من المحيض، قال: (خذي فرصة ممسكةً فتطهري بها)، (الفرصة الممسكة): قطعة من القطن فيها مسك، فقالت: المرأة: كيف أتطهر بها يا رسول الله؟ فقال: (سبحان الله! تطهري بها)، تقول له: كيف أتطهر بها يا رسول الله؟! ففطنت عائشة رضي الله عنها للمسألة، قالت: (فأخذتها فعلمتها).
المقصود: أن الحياء المذموم هو الذي يصدك عن معرفة أحكام الله تبارك وتعالى، أما فيما دون ذلك، فإن الحياء محمود وقد حدث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحياء كله خير)، فقال بشير بن كعب : يا أبا نجيد! إننا نقرأ في الكتب أن منه ضعفاً، فغضب عمران غضباً شديداً، وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن كتبك، وأبى أن يحدثهم، فما زالوا يقولون: يا أبا نجيد! ، إنه طيب الهوى، إنه كذا وكذا، حتى سكن ورضي.
في بعض الروايات فقال: إن منه وقاراً وإن منه حكمة، فغضب عمران . فإذا كان الحياء منه وقارا ومنه حكمة؛ فما الذي يُغضِب عمران في المسألة؟ القول الذي ورد في الطريق الآخر: إن منه ضعفاً. والحياء فعلاً منه ضعف، كالرجل الذي يستحيي حتى تضيع حقوقه، فهذا نوع من الضعف، إذاً ما الذي أغضب عمران رضي الله عنه؟ أغضبه أن هذا المتكلم جعل هذا معارضةً لكلام النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي أغضب عمران رضي الله عنه. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحياء كله خير،) و(كل) من صيغ العموم، ومن أقوى صيغ العموم، فإذا جاء أحد وقال: إن منه ضعفاً. فكأنه يستدرك على النبي عليه الصلاة والسلام، الذي قال: كله. فقال هذا: ليس كله، بل منه ضعف، فهذا هو الذي أغضب عمران ، أنه جعل قول الناس في مقابل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهما كان كلامه صحيحا.
إذاً: (الحياء كله خير)، أما قوله: وإن منه ضعفاً، فإنه يمكن أن يكون منه ضعف ولكن ليس في مقابل الحديث، فقد يكون منه ضعف في حالة ما إذا كان هناك رجل يستحيي أن يسأل عن حكم الله عز وجل في مسألة من المسائل، حتى يضيع عليه هذا الحكم، فهذا ضعف بلا شك، وهذا هو النوع المذموم من الحياء، فـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما نظر إلى أسنان الناس استحيا، فقال لأبيه عمر بعد ذلك: (وقع في نفسي أنها النخلة، فلما نظرت إلى أسنان القوم استحييت، قال: أما لو قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا) أو (أحب إلي من حمر النعم)، كما عند ابن حبان. قول عمر : (أما لو قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا) لأن ابنه عبد الله لو تكلم بهذا مع صغر سنه في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ربما حصّل دعوةً صالحة، وربما قال النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله فهماً، وكانت هذه شهادة من النبي عليه الصلاة والسلام، وهي شهادة عظيمة.
وابن عمر نفسه سعى لمثلها، كما عند البخاري وغيره عن ابن عمر قال: (كنت شاباً عزباً أبيت في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الناس يرون رؤى فيقصونها على النبي صلى الله عليه وسلم، فيؤولها لهم)، وكما حصل لـعبد الله بن سلام ، قال قيس بن عباد: (كنت في حلقة فيها
فهي بشارة عظيمة، ولما رأى نفسه على فسطاط (خيمة) في مكان مزروع أو نحوه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت تموت على الإسلام)، فيا لها من بشارة من النبي عليه الصلاة والسلام يقولها لـعبد الله بن سلام! وانظر إلى ورع الصحابة وخوفهم، فرغم أنه قال له: (أنت على الإسلام حتى تموت)، إلا أنه كان خائفاً جداً أن لا يدخل الجنة ، فقد كان عبد الله بن سلام غنياً، وكان عنده أعبد، أي: خدم كثير، فرأوه مرةً في السوق يحمل شيئاً على كتفه، فقالوا له: أنت لديك خدم كثير وأعبد، فلماذا تحمل هكذا؟ قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)، فكأنه وجد في نفسه شيئاً، فقام يحمل على ظهره.
إذاً: نحن محتاجون ما بين الفينة والأخرى أن نفعل كما فعل هذا الصحابي الجليل، وأن نتواضع، فـعبد الله بن سلام عندما حدّث نفسه بشيء قام وحمل الكيس على أكتافه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أنت تموت على الإسلام).
وكان عبد الله بن عمر يسمع مثل هذه الشهادات النبوية ويتمنى أن تكون هناك له بشارة. ففي يوم من الأيام قال: لو كان فيَّ خير لرأيت رؤيا، فنام في تلك الليلة ورأى رؤيا، لكنها مزعجة، رأى أن ملكين يأخذانه إلى النار، وسحباه وأوقفاه على شفير النار، قال: فإذا هي مطويةٌ كالبئر، وفيها أناس عرفتهم معلقون من أرجلهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فجاء ملكٌ فأخذني منهما وقال: لم ترع -أي لا تخف-. فاستيقظ عند هذا القدر من الرؤيا، فاستحيا أن يقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقصها على أخته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقصتها حفصة على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: (
النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءته فاطمة رضي الله عنها، وكانت فاطمة رضي الله عنها تدق النوى، أما نساؤنا في هذه الأيام فتقول: اشتروا غسالة آلية ... وكذا، ولا ينقصهن إلا أن نأتي لهن بتمثال آلي يقطِّع (الكوسة) ويطبخ لهن وغير ذلك، ويأتي الواحد من خارج المنزل ومع ذلك يجد الأكل غير جاهز .. ماذا تعمل طوال النهار وعندها كل شيء؟! ومع ذلك تشتكي، وتقول: أنا متعبة، وأعمل طوال النهار ..!
فهذه فاطمة رضي الله عنها والتي هي ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمرأة الوفية المجدة المطيعة، كانت تدق النوى لفرس علي ، وفم الفرس يستغرق ثلاثة كيلو في اللقمة الواحدة، فكم ستدق لكي يأكل الفرس؟ ستدق عشرة إلى خمسة عشر كيلو، وهذا يحتاج إلى جهد، حتى إن يديها تشققت من كثرة دق النوى، واستعمال الرحا، فلما جاء عبيد من البحرين، قال لها علي بن أبي طالب : لقد وصل أعْبُد من البحرين، فذهبي إلى أبيك، وقولي له: نريد خادماً. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها جداً جداً، ولذلك قال: (إن
فالمؤمن عندما يأوي إلى فراشه بعد تعب النهار ويقول هذه الأذكار، فإن الله عز وجل يذهب التعب عن بدنه ويقوم وهو نشيط، والإنسان عندما يعمل بنفسه أفضل من أن يأمر غيره وإن كان مطيعاً؛ لأن الحاجة إلى الناس ذل، فمهما كان من تأمره مطيعاً، فإن هذا لونٌ من ألوان الذل، فأنت عندما تباشر حاجتك بنفسك وأنت مستغن عن الناس أفضل، وهو خيرٌ لك من خادم.
فالقصد من هذا: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان حريصاً على أن يصل إلى هذه المرتبة، أن يأخذ شهادة من النبي عليه الصلاة والسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أمره أن يقوم الليل كله، إنما قال: (لو كان يقوم من الليل)، أي: بعض الليل، فـعبد الله رضي الله عنه كان لا ينام من الليل إلا قليلاً.
فلا تحرم نفسك أي عمل من أعمال البر، مثل قيام الليل، فقيام الليل عمل مبارك، ولو بركعتين، ولو بالمعوذتين،وحين يصير قيام الليل سجيةً لك، فستطيل قيام الليل دون مشقة، فقد تقرأ في الركعتين ربعاً، وقد تصلي أربع ركعات أو أكثر، حتى يصير أمراً مألوفاً عندك.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه تمنى أن تظهر نجابة ابنه أمام النبي عليه الصلاة والسلام؛ لعله يظفر بدعوةٍ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقول عمر رضي الله عنه: (لو كنت قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا)، فيه إشارةٌ إلى أن الآباء يحبون لأبنائهم أكثر مما يحبونه لأنفسهم، وهذه مسألة واضحة عند الناس، ومعلوم أن الأب دائماً يتمنى لابنه الأفضل والأحسن والأجمل.
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في الحديث الذي أوله: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)، فمن ضمن هؤلاء الثلاثة : (وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة)، قديماً لم يكن هناك سيارات، فالرجل كان يركب فرساً، وتحيط به قليل من الحمير عند الزفة، فهذا الذي له شارة أي: رجل له مكانه وقدر عند الناس، فقالت الأم: (اللهم اجعل ابني مثل هذا)، فترك الولد ثديها وقال: (اللهم لا تجعلني مثله)، ثم أقبل على الثدي يرضع. قال أبو هريرة: (كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه)، وضع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعه هكذا في فمه ورضع، مع أن الصحابة كانوا يعرفون كيف يرضع الولد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم برغم وضوح الصورة إلا أنه أراد أن يمثلها حتى لو كان أمراً بدهياً، فإن هذا يساعد على استحضار المعنى، حتى لو كنت عالماً. فالنبي عليه الصلاة والسلام أخذ أصبعه يمصه كما يمص الصبي، فقالت الأم: (مه)، أي: ما الذي تقوله يا بني؟ (ثم مروا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها...). إلى آخر الحديث.
فالقصد من هذا الاستطراد: أن هذا الغلام الذي أنطقه الله تبارك وتعالى، علَّم أمه.
لذلك نقول للآباء دائماً: لا تجبر ولدك على الابتعاد عن طريق الله عز وجل، فإن كثيراً من الشباب يشتكي أن أباه يجبره على أن يقبل عملاً في المكان الفلاني، والعمل فيه حرام، ومع ذلك يجبره أبوه أن يدخل في ذلك العمل، هذا أب يضيع ابنه، مع أن المفروض أن الأب يحرص على نجاة ولده.
وسأذكر شيئاً مما حدث لي، حتى أقوي قلب الذي تورط في مثل ما كنت سأتورط فيه قبل ذلك.
عندما تخرجت من كلية الألسن، وضغط عليَّ الأهل أن أعمل مرشداً سياحياً، لأن المرشد السياحي في تلك الأيام كان مرتبه كبيراً، قد يصل إلى أربعة ألاف جنيه، وهذا كان سنة تسعة وسبعين، أيام كان الجنية اسمه: (لحلوح)، والأربعة الآلاف تساوي أربعين ألفاً هذه الأيام؛ لأن المكتب يعطيك تسعمائة جنيه، ثم المجموعة التي ترافقها وتحدثهم عن (خفرع) و(خوفوا)، وخاصة عندما تكون ظريفاً وخفيفاً، فإنهم يعطونك من تلقاء أنفسهم، كل واحد يعطيك عدداً من الدولارات، والرجل الذي هو رأسهم يشكرك في آخر الجولة، ويقول لك: خذ هذا المبلغ شكراً منا على الجهود التي بذلتها معنا، وعلى حسب المجموعة التي تذهب معهم، فإن كانوا ذا مال كثير، فسيكون حظك جيداً، ثم بعد ذلك تأخذهم إلى خان الخليلي -حيث الخيانة!ٍ- وتحصل على خمسة وعشرين في المائة من المبيعات أو أكثر؛ لأن القارورة العطر التي بخمسة عشر جنيهاً يتم بيعها بثلاثمائة جنيه، بحجة أن (خوفوا) كان يتعطر بها، و(منقرع) كان يحبها، وأنت تتحدث وتوافقهم أن (خوفوا) مثلاً كان يتعطر بها، وهؤلاء أناس جاءوا ليتسلوا، فمسألة الحقائق والكلام هذا لا تهمهم.
فتصور عندما يشترون بأربعة آلاف أو بخمسة آلاف جنيه، وأنت معك خمسة وعشرون في المائة، فكل هذا حين يُجَمَع يصير مبلغاً كبيراً محترماً.
فهي مرة واحدة فقط التي ذهبتها، وأول ما رأيت ذلك المنظر تركت العمل مباشرة، فقال الأهل: هذه كارثة؛ لأننا علمناك ونريدك أن تؤدي الدَّين الذي عليك، وتصرف على إخوانك الصغار، وتبني كذا، فكيف تأتي أنت بعد أن سُهِّلت أمورك وتتخلى عن العمل، هذه قلة وفاء، وكان المفروض أن تقوم بالدور ... وما إلى ذلك، لكنهم لم يستطيعوا، وكنت دائماً أدعو الله تبارك وتعالى أن يجبرني ويرفع خسيستي، ويعلي كعبي، ويوسع عليَّ في الدنيا؛ حتى أريهم أن الذي يعتمد على الله لا يخيبه، فالدعاء هذا كان دائماً على لساني، وكنت أقوله بحرارة؛ لأنه كان هناك ضغوط كثيرة، وكان هناك كارثة قبل هذه الكارثة، فقد كنت أعمل في الكلية معيداً وفُصِلت، ثم مذيعاً في الإذاعة، ثم تركتها، ثم في الإرشاد السياحي، ثم تركته .. فشل ذريع، وعلى حسب كلامهم: ما تدخل في مكان إلا وتثبت فشلك فيه، وجاءت قاصمة الظهر -كما يقول العلماء- وهي أنني عُيِّنت في آخر الأمر في وظيفة القوى العاملة، عيِّنت مترجماً فورياً في مكتب محافظ كفر الشيخ. أنور السادات في سبعة وسبعين أعطي المحافظون سلطة رئيس الجمهورية في التعاقد مع الدول، ضرباً للروتين؛ لأن المحافظ الآن عندما يريد أن يعمل حاجة فإنه يرفع تلك الحاجة إلى مجلس الوزراء، كأنه يريد الآلات الفلانية من البلد الفلانية، ومجلس الوزراء سيبُت في المسألة ....إلخ.
فقالوا: حتى نضرب هذا الروتين، كل محافظة لها ميزانيتها، والمحافظ يعتبر مثل رئيس الجمهورية فيما يتعلق بالميزانية الخاصة بالمحافظة، فهم يحتاجون إلى مترجم لكل لغة من اللغات الحية في مكتب كل محافظ، فما ذهبت إلى هناك حتى قُضي الأمر، وقد كنت اشتغلت في هذا المجال الذي أنا أشتغل فيه الآن، وما استطعت تركه، فقد كنت مجبراً، وأحببت هذا الطريق جداً وصرت مثل المسحور، لا أستطيع أن أتراجع ولا خطوة، ثم أكرمني ربي سبحانه وتعالى، ووسّع علي في الدنيا توسعة أسأل الله أن يعينني على شكره تبارك وتعالى وعلى حمده.
لقد تركت أشياء كان بالإمكان بعد عشرين سنة في المهنة أن أكون الآن رئيس شبكة الإذاعة مثلاً، أو أن أكون وزيراً للإعلام، أو غير ذلك، ومع ذلك منَّ الله عز وجل عليَّ وله الحمد في الأولى والآخرة، فأنا عندما أذكر هذا تحدثاً بنعمة الله تبارك وتعالى، وحتى أقوي قلوب الآباء، وأقوي الأبناء على أن يتخذوا القرار في أن يختاروا ما يرضي الله تبارك وتعالى، وإن أَغضب أهل الأرض جميعاً، وسينصرك الله ويعلي كعبك، ويرفع قدرك.
فيا أيها الآباء! لا ينبغي لكم إن كنتم تحبون أبناءكم أن تحيدوا بأبنائكم عن طريق الله سبحانه وتعال؛ لأن على الآباء بما أنهم مفطورون على محبة الولد، أن يحبوا لأبنائهم أكثر مما يحبونه لأنفسهم.
فنحن نرجع الآباء إلى هذا الأصل، في كون الأبوين يحبان الابن أكثر من محبتهما لأنفسهما، فهل من تمام هذه المحبة أن يدخله النار؟ أو أن يعرضه لسخط الله عز وجل؟ لا .. فطالما أنك تحب ابنك فلا تعرضه لسخط الله، واعلم أنك لن تزيد من قدرك، ولن تخرج مما قدره الله لك، فليكن قلبك قوياً، وضع في حسابك أنك لن تموت إلا وقد استوفيت رزقك وأجلك، فنريد أن نترجم هذا الكلام النظري إلى واقع عملي، أول ما ينشرح صدرك لهذا الكلام ترى الدنيا على حقيقتها، ولا يضرك ما فاتك منها.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استحيا ابنه عبد الله بن عمر عن أن يقول هذا في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، تمنى أن يقولها ويخسر الدنيا كلها .. انظر إلى حقارة الدنيا! هي في نظر عمر لا تساوي إجابة مسألة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ولو خير عمر رضي الله عنه بين أن تكون الدنيا جميعاً في كفّه، وبين أن يجيب عبد الله بن عمر أمام النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو له بالبركة أو يثني عليه في كفة؛ لاختار أن يجيب ابنه، لأن الصحابة كانت حياتهم كلها إيمانية، أعينهم دائماً تطل على الآخرة، ليس عندهم النظر الموجود عند المسلمين الآن.