شرح صحيح البخاري [8]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مِثْلُ المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله : ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة).

الإمام البخاري رحمه الله يحتج بهذا الحديث على إثبات أن صيغ السماع واحدة، وفي أول الباب قال: باب قول المحدث: حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا) وذكر عدة معلقات ذكرنا من وصلها في المرة الماضية، فالإمام البخاري رحمه الله قال بعد أن ذكر الباب السابق: (وقال لنا الحميدي : -الذي هو عبد الله بن الزبير- كان عند ابن عيينة : حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت شيئاً واحداً).

فلما ابتدأ الإمام بذكر كلام ابن عيينة في ذلك، علمنا أنه يذهب هذا المذهب وهو: أن الراوي إذا تحمل من شيخه كلاماً فنقله عنه بأي صيغة من صيغ السماع، كأن يقول: حدثني أو حدثنا، أخبرني أخبرنا، أنبأني أنبأنا، سمعت، أن هذه الصيغ كلها بمعنى واحد، ولا فرق بينها، وقد تكلمنا في المرة الماضية عن مذاهب أهل العلم في التفريق.

فالبخاري رحمه الله يأتي بحديث ابن عمر المسند، ليؤيد به وجهة نظره، فأورد في هذا الحديث من طريق إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار لفظ التحديث، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فحدثوني ما هي؟).

لا يتم الانتصار لرأي البخاري إلا بجمع طرق الحديث، فقد وقع في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أن الرواة نقلوا عنه أنه قال مرة: حدثوني، ومرة: أنبئوني، ومرة: أخبروني، وأبو جعفر الطحاوي رحمه الله ألَّف في هذه المسألة جزءاً سماه: جزء التسوية بين حدثنا وأخبرنا، وأورد فيه هذا الحديث محتجاً به لمذهب البخاري .

فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (حدثوني.. أنبئوني.. أخبروني) وقد وقع لفظ حدثوني وأخبروني في الصحيح، وعند الإسماعيلي في: المستخرج على صحيح البخاري أتى بلفظ: أنبئوني، وكلها من حديث عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

متابعة أئمة الحديث للإمام البخاري

وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر وساق الإسناد كـالبخاري.

فـمسلم تابع البخاري ، والمتابعة التامة: أن يتفق اثنان على الرواية عن شيخ واحد بالإسناد فصاعداً إلى الصحابي.

هذه يسميها العلماء: المتابعة التامة، أي: أن البخاري هنا يروي الحديث عن قتيبة بن سعيد، وهو إمام ثقة كبير، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .

ومسلم روى هذا الحديث عن نفس الشيخ الذي هو قتيبة ، فـمسلم تابع البخاري على نفس الرواية، إذاً الاثنان يتفقان في الرواية عن نفس الشيخ بذات الإسناد فصاعداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه الإمام مسلم والنسائي في كتاب التفسير، وابن خزيمة من حديث علي بن حُجْر ، والبغوي في كتاب: شرح السنة، من طريق أحمد بن علي الإسفراييني ، قال أربعتهم: حدثنا علي بن حُجْر ، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، من هم الأربعة؟ هم مسلم والنسائي وابن خزيمة، ومن؟ البغوي؟ لو قلنا: نعم، لصارت غلطة؛ لأن هذا أبا الحسين البغوي متأخر، ألم أقل: والبغوي من طريق أحمد بن علي الإسفراييني .

إذاً الأربعة هم مسلم ، والنسائي ، وابن خزيمة ، وأحمد بن علي الإسفراييني ، أليس كذلك؟ أنا قلت: البغوي من طريق أحمد بن علي الإسفراييني ، قال هؤلاء الأربعة: حدثنا علي بن حُجْر ، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر. أين المتابعة التامة والمتابعة الناقصة؟!

البخاري رحمه الله يقول: حدثنا قتيبة ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .

مسلم يقول: حدثنا قتيبة ، فاتفق البخاري مع مسلم في رواية هذا الحديث عن نفس الشيخ بذات الإسناد فصاعداً إلى عبد الله بن عمر ، فهكذا يكون مسلم تابَعَ البخاري ، والبخاري تابَعَ مسلماً .

متابعة الرواة لمشايخ البخاري

ثم رواه مسلم رحمه الله قال: حدثنا علي بن حُجْر ، ها هو مسلم والنسائي وابن خزيمة في حديث علي بن حُجْر .. ثلاثتهم قالوا: حدثنا علي بن حُجْر، عن إسماعيل بن جعفر بذات الإسناد، يعني عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر، فسيكون الإمام مسلم والنسائي وابن خزيمة، كل واحد منهم تابع صاحبيه في الرواية عن علي بن حُجْر.

حسناً! علي بن حُجْر تابع من؟ تابع قتيبة أنا واضع الطبقات مرتبة) علي بن حُجْر تابع قتيبة بن سعيد ، فيكون علي بن حُجْر تابع قتيبة متابعة تامة، لماذا؟ لأن علي بن حُجْر وقتيبة رووا عن نفس الشيخ وأخذوا الإسناد فصاعداً إلى منتهاه.

إذا رجعنا هكذا سنقول أن النسائي تابع البخاري متابعة ناقصة، لأنهم اختلفوا في الشيخ واتفقوا في شيخ الشيخ، أليس كذلك؟!

إذاً النسائي تابع البخاري لكن اختلفا في الشيخ، النسائي يرويه عن علي بن حُجْر ، والبخاري يرويه عن قتيبة، ثم اتفقا في شيخ الشيخ فصاعداً إلى الصحابي.. انتهينا، فهذه الأشياء تعتبر متابعات، لكن هناك متابعة تامة، ومتابعة ناقصة.

نحن قلنا: إن هناك أربعة رووا هذا الحديث عن علي بن حُجْر. مسلم في صحيحه، والنسائي في كتاب التفسير من السنن الكبرى، وابن خزيمة في كتاب اسمه: حديث علي بن حُجْر عن إسماعيل بن جعفر ، يعني: هذا الحديث في صحيح ابن خزيمة ، وابن خزيمة ذكره في أكثر من كتاب.

فهذا الحديث وقع في هذا الكتاب لـابن خزيمة، هؤلاء الثلاثة يروون الحديث عن علي بن حُجْر بالإسناد.

ثم رواه مسلم رحمه الله، وابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن أيوب المقابري ، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر وساق الإسناد بمثله سواء، إذاً يحيى بن أيوب تابع من؟ تابع علي بن حُجْر ، وتابع قتيبة بن سعيد ، إذاً صار هناك ثلاثة من الرواة يروون هذا الحديث عن إسماعيل بن جعفر ، هذه كلها اسمها: متابعات تامة، والمعروف أن المتابعات التامة من أقوى أنواع المتابعات.

المتابعة التامة: أن يتفق الراوي مع أخيه في الرواية عن نفس الشيخ بشرط أن يتفق الإسناد إلى منتهاه. لكن لو نفترض أن مسلماً يروي الحديث عن قتيبة ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن نافع ، عن ابن عمر.

والبخاري روى عن قتيبة عن إسماعيل عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر .

هنا اتفقوا في الشيخ وشيخه واختلفوا في الراوي عن ابن عمر ، هذه اسمها: متابعة ناقصة، وتسمى مخالفة. نوضح المسألة أكثر.

مسألة المتابعات والمخالفات هذه مسألة دقيقة، وهي روح علم الحديث، ولا يُعلم الطالب إذا كان فاهماً لها في علم الحديث أم لا إلا إذا علم وجوه الترجيح، ليس معنى ذلك أن يأتي إلى الحديث ويخرِّجه من مائة مصدر عن رواة كلهم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة !! أي شخص يستطيع أن يفعل ذلك؛ لأن الفهارس سهلت المسألة، ولأن كل كتاب له فهارس، وكذلك كتب أطراف الحديث سهلت المسألة.

فمهما خرَّج الطالب وقال لك: عن فلان وعِلان، فإنه لا يفهم شيئاً في علم الحديث، إلا إذا دخل في باب المعلل والشاذ واستطاع أن يفصل بينهما، واستطاع أن يميز الأسانيد من بعضها ويرجِّح كترجيح أهل الحديث.

إذاً مسألة المتابعات والمخالفات مسألة مهمة، مثلاً هذا الحديث يرويه ابن عمر ويرويه عن ابن عمر ، عبد الله بن دينار ، وعنه إسماعيل بن جعفر . وسنزيد هنا مثلاً قتيبة وعلي بن حُجْر، أول إسناد عن قتيبة يروي الحديث عن إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، ونفترض أن علي بن حُجْر يروي الإسناد عن إسماعيل بن جعفر عن نافع عن ابن عمر.

من الراوي المشترك؟ إسماعيل، ننظر فوق إسماعيل بن جعفر، كم شيوخه واحد أم اثنان؟ اثنان، الأول: عبد الله بن دينار ، والثاني: نافع وهذان الاثنان يرويان عن ابن عمر ، يعني: هذان الاثنان رجعا إلى واحد، بهذا نعرف أن هناك اختلافاً في الإسناد، هذا الاختلاف قادح أم غير قادح؟ ننزل تحت الراوي المشترك، ننظر من الذي رواه على هذا الوجه، ومن الذي رواه على هذا الوجه؟!

إذاً الخطوة الأولى ننظر في هذا الراوي المشترك، إذا وجدنا شيوخه أكثر من شيخ؛ نعرف أن هناك اختلاف في الإسناد، الاختلاف هذا قد يكون قادحاً وقد يكون غير قادح.

بمعنى: أن هناك اختلافَ تضادٍ، واختلافَ تنوعٍ، اختلاف التضاد هو الذي لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، ولا ينفع فيه غير الترجيح، واختلاف التنوع يُحمل على الوجهين، وأن إسماعيل سمعه مرة من عبد الله بن دينار ، وسمعه مرة من نافع ، إنما اختلاف التضاد لا بد أن يكون واحداً أو اثنين، الأول صحيح والثاني ضعيف. اختلاف التضاد لا يصلح فيه إلا الترجيح، إنما اختلاف التنوع يحمل على الوجهين معاً، يعني: كلاهما صحيح.

لكن نحن إذا أردنا أن نعرف هل هو اختلاف تضاد أو تنوع ماذا نفعل؟ ننظر من الذي روى الوجه الأول عن إسماعيل ، ومن الذي روى الوجه الثاني عن إسماعيل، نظرنا فوجدنا أن قتيبة بن سعيد -وهو من هو ثقة وجلالة وحفظاً- هو الذي روى الوجه الأول عن إسماعيل ، وأن علي بن حُجْر هو كـقتيبة في الثقة والجلالة والحفظ، هو الذي روى الوجه الثاني عن إسماعيل، إذاً العلماء هنا ماذا يقولون؟ يقولون: صح الطريقان جميعاً.

لأنك أنت عندما تروي الحديث عن راوٍ مهما تعددت طرقه وهو ثقة ثبت، فإن العلماء يقولون: لأن يُحْمل هذا على التنوع أولى لثقة الذين رووا الوجهين جميعاً، إذاً هذه تسمى: مخالفة، لكن مخالفة غير قادحة. وهذا في الصحيحين كثير، إذاً لا تقل: إنه حصل اختلاف، لا، الذي سيرجح لك المسألة ويحل لك الإشكال هم الرواة الذي رووا الوجهين عن الراوي المشترك، الذي هو إسماعيل بن جعفر ، ننظر إلى قدر كل واحد منهما من حيث الضبط والإتقان والعدالة والحفظ.

إذاً كل هذه اسمها ماذا؟ اسمها: متابعات تامة، فالحديث الذي نقوم بشرحه الآن يرويه الإمام البخاري عن قتيبة بن سعيد ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، ومسلم وافقه في الرواية عن قتيبة ، عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإسناد، ثم رواه مسلم وابن خزيمة والنسائي والبغوي عن علي بن حُجْر عن إسماعيل بن جعفر بسنده سواء، ثم رواه مسلم وابن حبان عن يحيى بن أيوب المقابري قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، وساق الإسناد بمثله سواء، فهذه كلها اسمها ماذا؟ متابعات تامة، التي هي عن إسماعيل بن جعفر، إذا رجعنا للوراء فإننا قلنا: إن هناك متابعات تامة ومتابعات ناقصة.

متابعة الرواة لشيخ شيخ البخاري

هذا الحديث يرويه إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد تابَع إسماعيل بن جعفر جماعة آخرون، أنا كتبتهم لكم، منهم الإمام مالك ، عن عبد الله بن دينار ، فمالك تابع إسماعيل بن جعفر، ومتابعة الإمام مالك أخرجها الإمام البخاري في كتاب العلم، وستأتي هذه الرواية، قال: حدثنا إسماعيل شيخ البخاري ، الذي هو إسماعيل بن أبي أُويس ، وأخرجه الترمذي من طريق معن بن عيسى ، وهو أحد أصحاب مالك ، وأخرجه أحمد في مسنده قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو ، وأخرجه ابن مندة في كتاب: الإيمان، وابن عبد البر في كتاب: جامع بيان العلم وفضله، كلاهما من طريق القعنبي، كلهم قالوا: حدثنا مالك بهذا الإسناد، عندك مالك وإسماعيل عن عبد الله بن دينار ، هذه موافقة.

فالآن عندنا الإمام البخاري روى متابعة مالك التي رواها عن عبد الله بن دينار، في كتاب العلم قال: حدثنا إسماعيل ابن أبي أويس ، ورواها الترمذي من طريق معن بن عيسى ، صارا اثنين: إسماعيل بن أبي أويس ومعن بن عيسى ، ورواها أحمد في مسنده قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، فصاروا ثلاثة ورواها ابن مندة في كتاب: الإيمان، وابن عبد البر في: جامع العلم، من طريق القعنبي، ما اسم القعنبي؟

عبد الله بن مسلمة القعنبي، هؤلاء الأربعة قالوا جميعاً: حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر ، وساقوا الحديث بمثله سواء.

إذاً عندنا ابن أبي أويس ومعن وعبد الملك بن عمرو والقعنبي ، هذه اسمها متابعات ماذا؟ تامة، عن من؟ عن مالك .

هؤلاء الأربعة عندما يروون عن مالك عن عبد الله بن دينار، فهم تابع بعضهم بعضاً متابعة تامة.

فلو أردنا أن نرجع للإسناد الذي قلناه قبل قليل فسنقول: علي بن حُجْر، ويحيى بن أيوب المقابري، وقتيبة بن سعيد ، الثلاثة هؤلاء يروون الحديث عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، والأربعة الآخرون رووا الحديث عن مالك عن عبد الله بن دينار ، إذاً الثلاثة هؤلاء تابعوا الأربعة عن مالك متابعة ناقصة؛ لأنه اختلف الشيخ، الثلاثة الأوَل شيخهم من؟ إسماعيل بن جعفر، والأربعة الآخرون شيخهم مالك ، ثم مالك وإسماعيل بن جعفر شيخهم من؟ عبد الله بن دينار.

إذاً الثلاثة الأوَل شيخهم يختلف عن شيخ الأربعة الآخرين، الثلاثة الأُوَل شيخهم إسماعيل بن جعفر ، والأربعة الآخرون شيخهم مالك ، واتفقوا في شيخ الشيخ الذي هو عبد الله بن دينار ، فإذاً

وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر وساق الإسناد كـالبخاري.

فـمسلم تابع البخاري ، والمتابعة التامة: أن يتفق اثنان على الرواية عن شيخ واحد بالإسناد فصاعداً إلى الصحابي.

هذه يسميها العلماء: المتابعة التامة، أي: أن البخاري هنا يروي الحديث عن قتيبة بن سعيد، وهو إمام ثقة كبير، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .

ومسلم روى هذا الحديث عن نفس الشيخ الذي هو قتيبة ، فـمسلم تابع البخاري على نفس الرواية، إذاً الاثنان يتفقان في الرواية عن نفس الشيخ بذات الإسناد فصاعداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه الإمام مسلم والنسائي في كتاب التفسير، وابن خزيمة من حديث علي بن حُجْر ، والبغوي في كتاب: شرح السنة، من طريق أحمد بن علي الإسفراييني ، قال أربعتهم: حدثنا علي بن حُجْر ، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، من هم الأربعة؟ هم مسلم والنسائي وابن خزيمة، ومن؟ البغوي؟ لو قلنا: نعم، لصارت غلطة؛ لأن هذا أبا الحسين البغوي متأخر، ألم أقل: والبغوي من طريق أحمد بن علي الإسفراييني .

إذاً الأربعة هم مسلم ، والنسائي ، وابن خزيمة ، وأحمد بن علي الإسفراييني ، أليس كذلك؟ أنا قلت: البغوي من طريق أحمد بن علي الإسفراييني ، قال هؤلاء الأربعة: حدثنا علي بن حُجْر ، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر. أين المتابعة التامة والمتابعة الناقصة؟!

البخاري رحمه الله يقول: حدثنا قتيبة ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .

مسلم يقول: حدثنا قتيبة ، فاتفق البخاري مع مسلم في رواية هذا الحديث عن نفس الشيخ بذات الإسناد فصاعداً إلى عبد الله بن عمر ، فهكذا يكون مسلم تابَعَ البخاري ، والبخاري تابَعَ مسلماً .

ثم رواه مسلم رحمه الله قال: حدثنا علي بن حُجْر ، ها هو مسلم والنسائي وابن خزيمة في حديث علي بن حُجْر .. ثلاثتهم قالوا: حدثنا علي بن حُجْر، عن إسماعيل بن جعفر بذات الإسناد، يعني عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر، فسيكون الإمام مسلم والنسائي وابن خزيمة، كل واحد منهم تابع صاحبيه في الرواية عن علي بن حُجْر.

حسناً! علي بن حُجْر تابع من؟ تابع قتيبة أنا واضع الطبقات مرتبة) علي بن حُجْر تابع قتيبة بن سعيد ، فيكون علي بن حُجْر تابع قتيبة متابعة تامة، لماذا؟ لأن علي بن حُجْر وقتيبة رووا عن نفس الشيخ وأخذوا الإسناد فصاعداً إلى منتهاه.

إذا رجعنا هكذا سنقول أن النسائي تابع البخاري متابعة ناقصة، لأنهم اختلفوا في الشيخ واتفقوا في شيخ الشيخ، أليس كذلك؟!

إذاً النسائي تابع البخاري لكن اختلفا في الشيخ، النسائي يرويه عن علي بن حُجْر ، والبخاري يرويه عن قتيبة، ثم اتفقا في شيخ الشيخ فصاعداً إلى الصحابي.. انتهينا، فهذه الأشياء تعتبر متابعات، لكن هناك متابعة تامة، ومتابعة ناقصة.

نحن قلنا: إن هناك أربعة رووا هذا الحديث عن علي بن حُجْر. مسلم في صحيحه، والنسائي في كتاب التفسير من السنن الكبرى، وابن خزيمة في كتاب اسمه: حديث علي بن حُجْر عن إسماعيل بن جعفر ، يعني: هذا الحديث في صحيح ابن خزيمة ، وابن خزيمة ذكره في أكثر من كتاب.

فهذا الحديث وقع في هذا الكتاب لـابن خزيمة، هؤلاء الثلاثة يروون الحديث عن علي بن حُجْر بالإسناد.

ثم رواه مسلم رحمه الله، وابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن أيوب المقابري ، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر وساق الإسناد بمثله سواء، إذاً يحيى بن أيوب تابع من؟ تابع علي بن حُجْر ، وتابع قتيبة بن سعيد ، إذاً صار هناك ثلاثة من الرواة يروون هذا الحديث عن إسماعيل بن جعفر ، هذه كلها اسمها: متابعات تامة، والمعروف أن المتابعات التامة من أقوى أنواع المتابعات.

المتابعة التامة: أن يتفق الراوي مع أخيه في الرواية عن نفس الشيخ بشرط أن يتفق الإسناد إلى منتهاه. لكن لو نفترض أن مسلماً يروي الحديث عن قتيبة ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن نافع ، عن ابن عمر.

والبخاري روى عن قتيبة عن إسماعيل عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر .

هنا اتفقوا في الشيخ وشيخه واختلفوا في الراوي عن ابن عمر ، هذه اسمها: متابعة ناقصة، وتسمى مخالفة. نوضح المسألة أكثر.

مسألة المتابعات والمخالفات هذه مسألة دقيقة، وهي روح علم الحديث، ولا يُعلم الطالب إذا كان فاهماً لها في علم الحديث أم لا إلا إذا علم وجوه الترجيح، ليس معنى ذلك أن يأتي إلى الحديث ويخرِّجه من مائة مصدر عن رواة كلهم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة !! أي شخص يستطيع أن يفعل ذلك؛ لأن الفهارس سهلت المسألة، ولأن كل كتاب له فهارس، وكذلك كتب أطراف الحديث سهلت المسألة.

فمهما خرَّج الطالب وقال لك: عن فلان وعِلان، فإنه لا يفهم شيئاً في علم الحديث، إلا إذا دخل في باب المعلل والشاذ واستطاع أن يفصل بينهما، واستطاع أن يميز الأسانيد من بعضها ويرجِّح كترجيح أهل الحديث.

إذاً مسألة المتابعات والمخالفات مسألة مهمة، مثلاً هذا الحديث يرويه ابن عمر ويرويه عن ابن عمر ، عبد الله بن دينار ، وعنه إسماعيل بن جعفر . وسنزيد هنا مثلاً قتيبة وعلي بن حُجْر، أول إسناد عن قتيبة يروي الحديث عن إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، ونفترض أن علي بن حُجْر يروي الإسناد عن إسماعيل بن جعفر عن نافع عن ابن عمر.

من الراوي المشترك؟ إسماعيل، ننظر فوق إسماعيل بن جعفر، كم شيوخه واحد أم اثنان؟ اثنان، الأول: عبد الله بن دينار ، والثاني: نافع وهذان الاثنان يرويان عن ابن عمر ، يعني: هذان الاثنان رجعا إلى واحد، بهذا نعرف أن هناك اختلافاً في الإسناد، هذا الاختلاف قادح أم غير قادح؟ ننزل تحت الراوي المشترك، ننظر من الذي رواه على هذا الوجه، ومن الذي رواه على هذا الوجه؟!

إذاً الخطوة الأولى ننظر في هذا الراوي المشترك، إذا وجدنا شيوخه أكثر من شيخ؛ نعرف أن هناك اختلاف في الإسناد، الاختلاف هذا قد يكون قادحاً وقد يكون غير قادح.

بمعنى: أن هناك اختلافَ تضادٍ، واختلافَ تنوعٍ، اختلاف التضاد هو الذي لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، ولا ينفع فيه غير الترجيح، واختلاف التنوع يُحمل على الوجهين، وأن إسماعيل سمعه مرة من عبد الله بن دينار ، وسمعه مرة من نافع ، إنما اختلاف التضاد لا بد أن يكون واحداً أو اثنين، الأول صحيح والثاني ضعيف. اختلاف التضاد لا يصلح فيه إلا الترجيح، إنما اختلاف التنوع يحمل على الوجهين معاً، يعني: كلاهما صحيح.

لكن نحن إذا أردنا أن نعرف هل هو اختلاف تضاد أو تنوع ماذا نفعل؟ ننظر من الذي روى الوجه الأول عن إسماعيل ، ومن الذي روى الوجه الثاني عن إسماعيل، نظرنا فوجدنا أن قتيبة بن سعيد -وهو من هو ثقة وجلالة وحفظاً- هو الذي روى الوجه الأول عن إسماعيل ، وأن علي بن حُجْر هو كـقتيبة في الثقة والجلالة والحفظ، هو الذي روى الوجه الثاني عن إسماعيل، إذاً العلماء هنا ماذا يقولون؟ يقولون: صح الطريقان جميعاً.

لأنك أنت عندما تروي الحديث عن راوٍ مهما تعددت طرقه وهو ثقة ثبت، فإن العلماء يقولون: لأن يُحْمل هذا على التنوع أولى لثقة الذين رووا الوجهين جميعاً، إذاً هذه تسمى: مخالفة، لكن مخالفة غير قادحة. وهذا في الصحيحين كثير، إذاً لا تقل: إنه حصل اختلاف، لا، الذي سيرجح لك المسألة ويحل لك الإشكال هم الرواة الذي رووا الوجهين عن الراوي المشترك، الذي هو إسماعيل بن جعفر ، ننظر إلى قدر كل واحد منهما من حيث الضبط والإتقان والعدالة والحفظ.

إذاً كل هذه اسمها ماذا؟ اسمها: متابعات تامة، فالحديث الذي نقوم بشرحه الآن يرويه الإمام البخاري عن قتيبة بن سعيد ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، ومسلم وافقه في الرواية عن قتيبة ، عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإسناد، ثم رواه مسلم وابن خزيمة والنسائي والبغوي عن علي بن حُجْر عن إسماعيل بن جعفر بسنده سواء، ثم رواه مسلم وابن حبان عن يحيى بن أيوب المقابري قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، وساق الإسناد بمثله سواء، فهذه كلها اسمها ماذا؟ متابعات تامة، التي هي عن إسماعيل بن جعفر، إذا رجعنا للوراء فإننا قلنا: إن هناك متابعات تامة ومتابعات ناقصة.

هذا الحديث يرويه إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد تابَع إسماعيل بن جعفر جماعة آخرون، أنا كتبتهم لكم، منهم الإمام مالك ، عن عبد الله بن دينار ، فمالك تابع إسماعيل بن جعفر، ومتابعة الإمام مالك أخرجها الإمام البخاري في كتاب العلم، وستأتي هذه الرواية، قال: حدثنا إسماعيل شيخ البخاري ، الذي هو إسماعيل بن أبي أُويس ، وأخرجه الترمذي من طريق معن بن عيسى ، وهو أحد أصحاب مالك ، وأخرجه أحمد في مسنده قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو ، وأخرجه ابن مندة في كتاب: الإيمان، وابن عبد البر في كتاب: جامع بيان العلم وفضله، كلاهما من طريق القعنبي، كلهم قالوا: حدثنا مالك بهذا الإسناد، عندك مالك وإسماعيل عن عبد الله بن دينار ، هذه موافقة.

فالآن عندنا الإمام البخاري روى متابعة مالك التي رواها عن عبد الله بن دينار، في كتاب العلم قال: حدثنا إسماعيل ابن أبي أويس ، ورواها الترمذي من طريق معن بن عيسى ، صارا اثنين: إسماعيل بن أبي أويس ومعن بن عيسى ، ورواها أحمد في مسنده قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، فصاروا ثلاثة ورواها ابن مندة في كتاب: الإيمان، وابن عبد البر في: جامع العلم، من طريق القعنبي، ما اسم القعنبي؟

عبد الله بن مسلمة القعنبي، هؤلاء الأربعة قالوا جميعاً: حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر ، وساقوا الحديث بمثله سواء.

إذاً عندنا ابن أبي أويس ومعن وعبد الملك بن عمرو والقعنبي ، هذه اسمها متابعات ماذا؟ تامة، عن من؟ عن مالك .

هؤلاء الأربعة عندما يروون عن مالك عن عبد الله بن دينار، فهم تابع بعضهم بعضاً متابعة تامة.

فلو أردنا أن نرجع للإسناد الذي قلناه قبل قليل فسنقول: علي بن حُجْر، ويحيى بن أيوب المقابري، وقتيبة بن سعيد ، الثلاثة هؤلاء يروون الحديث عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، والأربعة الآخرون رووا الحديث عن مالك عن عبد الله بن دينار ، إذاً الثلاثة هؤلاء تابعوا الأربعة عن مالك متابعة ناقصة؛ لأنه اختلف الشيخ، الثلاثة الأوَل شيخهم من؟ إسماعيل بن جعفر، والأربعة الآخرون شيخهم مالك ، ثم مالك وإسماعيل بن جعفر شيخهم من؟ عبد الله بن دينار.

إذاً الثلاثة الأوَل شيخهم يختلف عن شيخ الأربعة الآخرين، الثلاثة الأُوَل شيخهم إسماعيل بن جعفر ، والأربعة الآخرون شيخهم مالك ، واتفقوا في شيخ الشيخ الذي هو عبد الله بن دينار ، فإذاً مالك تابَع إسماعيل متابعة تامة، والأربعة هؤلاء تابعوا الثلاثة هؤلاء متابعة ناقصة.

والمتابعة الثانية لـإسماعيل بن جعفر تابَعه سفيان بن سعيد الثوري ، وهذه المتابعة أخرجها الإمام عبد بن حميد في كتاب: المنتخب من المسند، عبد بن حميد كما نعرف له: المسند، وله: التفسير، ولكن المسند كله لم نظفر به ولا نعلم عنه شيئاً، إنما وصلنا المنتخب من هذا المسند، والتفسير أيضاً غير موجود، لكن بالنسبة للتفسير رأيت مختصراً أو منتخباً من تفسير عبد بن حميد مكتوباً على حاشية تفسير ابن أبي حاتم ، كأن الناسخ انتخب من تفسير عبد بن حميد آثاراً وأحاديث، وكتبها على حاشية تفسير ابن أبي حاتم .

عبد بن حميد روى هذه المتابعة أي: متابعة سفيان الثوري في كتاب: المنتخب من المسند، قال عبد بن حميد : حدثنا عمر بن سعد - وعمر بن سعد مشهور بكنيته أكثر من اسمه، كنيته أبو داود الحفري - قال: حدثنا سفيان ، نحن نعرف أنه سفيان الثوري وليس سفيان بن عيينة بالنظر إلى الراوي عن سفيان ، وقد قلت قبل ذلك: كيف نميز بين رواية السفيانين؟ قلنا: ننظر إلى أصحابه، فإذا رأينا أصحاب سفيان كباراً فهو الثوري ، وإذا وجدناهم صغاراً فهو ابن عيينة ، يعني: إذا نظرنا في الراوي عن سفيان فوجدنا مثلاً أن الراوي عنه: أبو داود الحفري أو عبيد الله بن موسى أو أبو نعيم الفضل بن دكين ، أو أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني ، أو يحيى بن سعيد القطان ، أو محمد بن يوسف الفريابي أو وكيع بن الجراح أو عبد الرحمن بن مهدي أو يزيد بن هارون ، كل هؤلاء حين يقولون: حدثنا سفيان ، في الغالب هو سفيان الثوري .

إنما إذا رأينا الذي يقول: حدثنا سفيان مثل: أحمد بن حنبل ، أو الحميدي ، أو قتيبة بن سعيد ، أو علي بن المديني ، أو أحمد بن منيع ، أو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ، أو محمد بن حاتم كل هؤلاء إذا قالوا: حدثنا سفيان ، فهو ابن عيينة .

والمجموعة الذين سميناهم قبل ذلك إذا قالوا: حدثنا سفيان فهو من؟ الثوري .

نحن نعرف كيف نميز بين الاثنين بمعرفة الطبقات، وقد روى هذا الحديث أيضاً سفيان بن عيينة، قال: حدثنا عبد الله بن دينار ، إذاً روى السفيانان هذا الحديث عن ابن دينار ، وهذه المتابعة لسفيان بن عيينة رواها الإمام الحميدي في مسنده مختصرة جداً، قال: حدثنا سفيان ، قال: حدثنا عبد الله بن دينار وساق الإسناد بمثله سواء.

أنا أحس أنني أثقل عليكم، أليس كذلك؟! ولكن إن شاء الله مع تتابع الدروس؛ ستصبح هذه المسائل واضحة بالنسبة لكم، لماذا؟ لأننا نعطيكم المفاتيح، فحتى تستطيع أن تدافع عن السنة وتكون فارساً حقاً، وكيف إذا جاء شخص يطعن في البخاري ، وتستطيع أن ترد عليه؟ فلا بد أن تعرف كيف صنف البخاري كتابه! وكيف رتب كتابه، وكيف تتم المتابعات! وهل هذا اختلاف تضاد أم اختلاف تنوع؟! إذا فهمت هذه المسائل فإنه لا يستطيع أحد أن يغلبك

.

وعلم الحديث علم غريب، فلا تغرك مئات الكتب والأجزاء التي تظهر الآن، كل هؤلاء الذين خرجوا فلان.. وفلان وفلان.. لا يمتون إلى علم الحديث إلا بصلة ضعيفة، علم الحديث لم يكن مجرد أن تقول: أخرجه فلان.. وفلان.. وفلان وما شابه ذلك، لا. علم الحديث هو علم النقد ومعرفة العلل. إذا عرف الشخص والطرق، وعرف كيف يميز الأحاديث المضطربة عن غيرها، واستطاع أن يرجِّح ترجيح العلماء، فهذا هو الذي نال شرف خدمة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويروي أيضاً هذا الحديث عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، كل هؤلاء طبقة واحدة أي: إسماعيل بن جعفر ، ومالك ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، هؤلاء أربعة إلى الآن تابع كل منهما أصحابه في الرواية عن من؟ عن عبد الله بن دينار .

هذه المتابعة لعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون أخرجها الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا هاشم - هاشم هو ابن القاسم ، كنيته أبو النضر - والإمام أحمد مرة يقول: حدثنا أبو النضر ، ومرة يقول: حدثنا هاشم ، وكلاهما واحد، وحجين بن المثنى ، فكم عندنا؟ اثنان: هاشم بن القاسم وحجين بن المثنى .

وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره من طريق يحيى بن حماد ، يعني: ثلاثة، الثلاثة هؤلاء قالوا: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر .

المتابعة الرابعة أو الخامسة: يرويها عبد العزيز بن مسلم القسملي

، وهذه المتابعة أخرجها ابن حبان في صحيحه من طريق أبي عمر الضرير، وأخرجها ابن جرير الطبري من طريق عاصم بن علي قالا: -الذين هم أبو عمر الضرير وعاصم بن علي- قالا: حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي

بقي أن نأتي بمتابعات لمن؟

للتابعي الذي هو عبد الله بن دينار ، فقد تابَع عبد الله بن دينار جماعة أيضاً منهم، الإمام نافع وهو مولى ابن عمر ومن أوثق الناس عن ابن عمر، حتى إن بعض أهل العلم كان يفضله في ابن عمر على سالم بن عبد الله بن عمر ولكن الصواب أن سالماً أوثق من نافع ، وقد اختلف سالم ونافع في أربعة أحاديث فقط، كان الظفر فيها لـسالم ، رجَّح أهل العلم رواية سالم بن عبد الله بن عمر على نافع ، فانظر مع كثرة ما روى نافع عن ابن عمر لم يخالف سالماً إلا في أربعة أحاديث فقط، ونافع لا نطنب في ذكر ثقته وفضله.

سنأتي بمتابعات لـعبد الله بن دينار :

فأول متابع له هو نافع ، وهذه المتابعة عن نافع أخرجها الإمام البخاري ومسلم ، كلاهما من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة .

وأخرجه البخاري وابن جرير وابن مندة في كتاب الإيمان والرامهرمزي في كتاب: الأمثال من طريق يحيى بن سعيد القطان ، فعندنا اثنان: الأول: أبو أسامة حماد بن أسامة ، والثاني: هو يحيى بن سعيد القطان. وأخرجه البزار ، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار صاحب: المسند الكبير الجليل المسمى: البحر الزخار، الذي طُبع منه تسعة مجلدات، وتوفي محققه الدكتور محفوظ الرحمن زين الله رحمة الله عليه -أظن أنه يقصد قبل أن يتم تحقيقه- وكان من خيار من عرفتهم خلقاً وديناً -رحمه الله- فطبع تسعة مجلدات من هذا المسند العظيم الكبير، مسند البزار.

وأخرجهالخطيب البغدادي في كتابه: الفقيه والمتفقه من طريق البزار ، والبزار من طريق وهيب بن خالد ، وابن جرير من طريق إسماعيل بن زكريا ، أربعتهم قالوا: حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر .

المتابعة الثانية لـإسماعيل بن جعفر عن محارب بن دثار عن ابن عمر وهذه المتابعة أخرجها الإمام البخاري في صحيحه وأحمد وابن مندة في كتاب: الإيمان، كلهم من طريق شعبة بن الحجاج ، عن محارب بن دثار ، عن عبد الله بن عمر .

المتابعة الثالثة لـعبد الله بن دينار هي لـحفص بن عاصم ، عن ابن عمر ، وهذه المتابعة أخرجها الإمام البخاري أيضاً، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس ، عن شعبة ، حدثنا خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، ثم المتابعة الرابعة لرجل لم يُسَم، وهذه المتابعة أخرجها ابن جرير في كتاب: التفسير.

فهذه جملة المتابعات التي وقفت عليها لعبد الله بن دينار .

وأخيراً يبقى معنا ابن عمر ، نقول: ليس لـابن عمر متابع في هذا السياق. أتينا بالمتابعات كلها لكل طبقة من طبقات الإسناد حتى وصلنا إلى ابن عمر ، فلم يرو هذا الحديث بهذا السياق إلا ابن عمر ، وإنما وافقه أبو هريرة على شطر من الحديث وهو قوله: (مثل المؤمن كمثل النخلة)، لكن لم يذكر بقية الحديث.

إذاً ابن عمر تفرد بهذا السياق، وبذلك جزم البزار بأن ابن عمر تفرد بهذا السياق.




استمع المزيد من الشيخ أبو إسحاق الحويني - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح صحيح البخاري [4] 2692 استماع
شرح صحيح البخاري [3] 1905 استماع
شرح صحيح البخاري [2] 1884 استماع
شرح صحيح البخاري [6] 1854 استماع
شرح صحيح البخاري [7] 1590 استماع
شرح صحيح البخاري [5] 1307 استماع
شرح صحيح البخاري [9] 1180 استماع
شرح صحيح البخاري [1] 860 استماع