أرشيف المقالات

الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
الذهب بالذهب ربًا إلا هاءَ وهاء
 

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب ربًا إلا هاءَ وهاءَ، والفضة بالفضة ربًا إلا هاءَ وهاء، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء".
 
الربا حرام بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾ [آل عمران: 130].
 
قال مالك: عن زيد بن أسلم، كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل حق إلى أجل، فإذا حل قال: أتقضي أم تربي؟ فإن قضاه أخذ وإلا زاد في حقه وزاد الآخر في الأجل.
 
والربا مقصور وأصله في اللغة: الزيادة، يقال: ربا يربو: إذا ازداد وارتفع، وهو في الشرع: الزيادة في أشياء مخصوصة.
 
وأما الصرف، فهو دفع ذهب وأخذ فضة وعكسه، وله شرطان: منع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه، ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما.
 
وقوله: (الذهب بالذهب ربًا إلا هاء وهاء) الذي في البخاري: "الذهب بالورق"، ورواية مسلم: "الورق بالذهب"، ولفظه عن ابن شهاب عن مالك بن أوس: أخبره أنه التصق صرفًا بمائة دينار، فدعاني طلحة بن عبيدالله، فتراوضنا حتى اصطرف مني، فأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمر يسمع ذلك، فقال: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالورق ربًا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء".
 
ولمسلم: قال عمر: كلا والله لتعطينه ورقه أو لتَرُدَّنَّ إليه ذهبه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الورق بالذهب ربًا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء"، فذكره.
 
قال الحافظ: قوله: "الذهب بالورق ربًا"؛ قال ابن عبدالبر: لم يختلف على مالك فيه وحمله عنه الحفاظ، وكذلك رواه الحفاظ عن ابن عيينة، وشذ أبو نعيم عنه فقال: "الذهب بالذهب".
 
قال الحافظ: الذهب يطلق على جميع أنواعه المضروبة وغيرها، والورق الفضة، والمراد هنا جميع أنواع الفضة مضروبة وغير مضروبة؛ انتهى.
 
قوله: (إلا هاء وهاء)، والمعنى خذ وهات، وقال ابن الأثير: هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيعين هاء، فيعطيه ما في يده كالحديث الآخر إلا يدًا بيد يعني مقابضة في المجلس، وقيل: معناه خذ وأعط.
 
قال الحافظ: وحُكي هناك بزيادة كاف مكسورة، وقال الخليل: كلمة هاء تستعمل عند المناولة، والمقصود من قوله هاء وهاء أن يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه: هاء فيتقابضان في المجلس، قال ابن مالك: التقدير لا تبيعوا الذهب بالورق إلا مقولًا بين المتعاقدين هاء وهاء؛ انتهى، وفيه دليل على اشتراط التقابض في الصرف في المجلس)[1].
 
قوله: (والبر بالبر، والشعير بالشعير).
 
قال الحافظ: (واستدل به على أن البر والشعير صنفان، وهو قول الجمهور، وخالف في ذلك مالك والليث والأوزاعي، فقالوا: هما صنف واحد، قال ابن عبدالبر: في هذا الحديث أن الكبير يلي البيع والشراء لنفسه، وإن كان له وكلاء وأعوان يكفونه، وفيه الممارسة في البيع والمراوضة وتقليب السلعة، وفائدته الأمن من الغبن، وأن من العلم ما يخفى على الرجل الكبير القدر حتى يذكره غيره، وأن الإمام إذا سمع أو رأى شيئًا لا يجوز، ينهى عنه ويرشد إلى الحق، وأن من أفتى بحكم حسن أن يذكر دليله، وأن يتفقد أحوال رعيته، ويهتم بمصالحهم، وفيه اليمين لتأكيد الخبر، وفيه الحجة بخبر الواحد، وأن الحجة على من خالف في حكم من الأحكام التي في كتاب الله أو حديث رسوله، وفيه أن النسيئة لا تجوز في بيع الذهب بالورق، وإذا لم يجز فيهما مع تفاضلهما بالنسيئة، فأحرى ألا يجوز في الذهب بالذهب، وهو جنس واحد وكذا الورق بالورق، يعني إذا لم تكن رواية ابن إسحاق، ومَن تابَعه محفوظة، فيؤخَذ الحكم من دليل الخطاب، وقد نقل ابن عبدالبر وغيره الإجماع على هذا الحكم؛ أي: التسوية في المنع بين الذهب بالذهب وبين الذهب بالورق، فيستغنى حينها بذلك عن القياس؛ انتهى.
 
قوله: (والفضة بالفضة) لم أجد هذا اللفظ في الصحيحين في هذا الحديث.
 
قوله: (والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء) إلى آخره، وفي حديث عبادة بن الصامت عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد".
 
قوله صلى الله عليه وسلم: (يدًا بيد): حجة للعلماء كافة في وجوب التقابض وإن اختلف الجنس[2].



[1] فتح الباري: (4/ 378).


[2] فتح الباري: (4/ 379).

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن