غمرات الموت


الحلقة مفرغة

الكرامات لأولياء الله تعالى ثابتة بالكتاب والسنة، وذلك لبيان منزلتهم ومكانتهم في دين الله تعالى، فقد أكرم الله تعالى أنبياءه بأمور خارقة للعادة لبيان صدقهم وصدق رسالاتهم، وهذه هي المعجزات، كما أكرم الله تعالى كثيراً من عباده الصالحين بكرامات عظيمة ورد ذكرها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان بها، ولا يجوز إنكارها أو ردها أو رد شيء منها لشبهة أو هوى؛ فإن ذلك ضلال وانحراف، ورد لنصوص القرآن والسنة.

هذا اليوم الموافق للرابع والعشرين من شهر رجب، سنة 1406هـ، وهو ضمن سلسلة دروس تأملات قرآنية، وتأملاتنا هذه الليلة ستكون بعنوان: (غمرات الموت) وهذا العنوان مأخوذ من آية قرآنية من سورة الأنعام، التي لا تزال تأملاتنا في آياتها، يقول الله عز وجل: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93] هذه الآية الكريمة توضح مشهداً مفزعاً مرعباً للظالم لنفسه، وللظالم لربه، وللظالم لغيره الذي تجاوز حدود الله، وانتهك محارم الله، وضيع شريعة الله، ثم حانت فرصة القبض عليه في محبس يقال له: الموت، لا يستطيع أحد أن يفلت من قبضة الله عند الموت.

وَلَوْ تَرَى [الأنعام:93] لو ترى يا محمد! والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لو ترى يا محمد! ولو ترى يا مسلم! لو ترى الظرف والمناسبة والمشهد المفزع للرجل الظالم وهو في لحظات الموت، الظلم ثلاثة أقسام:

ظلم العبد لربه سبحانه وتعالى

الظلم الأول: ظلم العبد لربه: وهو بأن يشرك به، قال عز وجل حكاية عن لقمان وهو يعظ ابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

وهو في تعريفه اللغوي: وضع الشيء في غير موضعه. فالعبادة الموضع الشرعي لها أن تكون لله؛ لأنه المعبود بحق، وهو الذي يستحق العبادة؛ لأنه هو الخالق، وما دام هو الخالق لوحده فيجب أن يكون هو المعبود لوحده، فإذا قدمت عبادة لغير الله فإن هذا ظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه، ولهذا يقول لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

والشرك ثلاثة أقسام باختصار:

أولاً: شرك أكبر مخرج من الملة، مخلد لصاحبه في النار، يقول الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] ولو صلى .. وصام .. وتصدق .. وحج .. وعمل عملاً كالجبال لكنه أشرك، قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23]، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].

وتعريف الشرك الأكبر: هو أن تصرف نوعاً من أنواع العبادة مما لا يصرف إلا لله لغير الله، مثل: الدعاء، والدعاء هو العبادة، وفي الحديث الصحيح: (الدعاء مخ العبادة) ولا يدعى إلا الله، لا تدع نبياً، ولا تدع ولياً، ولا تدع صالحاً، ولا تدع ملكاً، ولا تدع جنياً، ولا تدع إنسياً، ولا تدع إلا الله، يقول الله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجـن:18].. وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر:60] أي: عن دعائي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

ولهذا يصرف بعض الناس الآن الدعاء لغير الله، وهو لا يدري، فيقول: يا نبي! المدد، يا نبي، يا ولي!، يا جني! وبعض الألفاظ الشائعة على بعض ألسنة الجهلة يقول: خذوه يا عفاريت! يا جن! ويقول: هذه لهجة، لكنها شركية، إذا اعتقدها صاحبها وتوجه بالدعاء إلى غير الله أشرك بالله، ولم ينتفع بعد ذلك بعبادة.

النذر يجب ألا ينذر إلا لله، الذبح لغير الله شرك، والطواف بالقبور، فلا يوجد طواف إلا ببيت الله، فمن طاف بقبر أو ضريح أو بأي شيء فإنه شرك.

فالطواف عبادة، وإذا طيف بهذا القبر عُبد من غير الله، أجل شرك.

كذلك التوكل .. الرغبة .. الرهبة .. الخشية .. الخشوع .. الخضوع .. الاستعانة .. الاستغاثة، كل أنواع العبادة هذه لا تصرف إلا لله وحده، فمن صرفها لغير الله فقد كفر أو أشرك.

ثانياً: شرك أصغر لا يخرج من الملة، ولكنه من أكبر الكبائر، وإذا استمر عليه الإنسان نقله إلى الأكبر، لا يستمر صغيراً لا يوجد صغير دائم، هل رأيتم إنساناً يعيش صغيراً دائماً؟ لا. حتى الذنوب التي هي صغار مع الزمن تصبح كباراً، يقول الشاعر:

لا تحقرن من الـذنوب صغيرا     إن الصغير غداً يصير كبيرا

إن الصغير وإن تقادم عـهده     عند الإله مسطر تسطيرا

الشرك الأصغر مثل الرياء وهو: أن يعمل الإنسان عملاً لله في أصله، لكن يدخل عليه تحسينات من أجل أناس، يعني: شخص دخل المسجد وهو ما أتى يصلي إلا لله، ما عندنا شك أنه ما أتى يصلي للناس، لكن لما أخذ يصلي جعل ينظر وإذا هناك شخص ينظر إليه وله عنده مصلحة؛ فضبط الصلاة لكي يراه الشخص فيقول: والله فلان ما شاء الله! هذه الصلاة عنده! فأصل العمل لله لكن خالطه بعمل لغير الله فهو شرك لكنه أصغر.

أما إذا قصد الإنسان بالعمل أصلاً غير الله فهو شرك أكبر، مثل: الحلف بغير الله كالذي يحلف بالطلاق، أو يحلف بالنبي، أو يحلف بالأمانة، أو يحلف بأي شيء من غير الله، هذا شرك أصغر، لكن يقول العلماء: إن قصد به تعظيم المحلوف به صار شركاً أكبر، إذا كان يعتقد أنه لو حلف بالله يرى أنها يمين بسيطة، لكن لو حلف بالطلاق يرى أنه أعظم، وهذا عند كثير من الناس -خاصة الجهلة منهم- إذا أراد أن يقسم على قضية: إما على ضيوف، أو يريد أن يؤكد موضوعاً، أو يقول صدقاً، ويعلم أنه لو حلف بالله أن الناس لن يصدقوه فيطلق لكي يثبت للناس أنه صادق، هذا عدل عن الحلف بالله لتعظيم المحلوف الآخر وهو الطلاق، والناس لو حلف لهم بالله جعلوه يحنث، وإذا حلف عليهم بالطلاق يصدق، يعني: لو يأتيه ضيوف ويقول لهم: والله ما تذهبون، قالوا: جزاك الله خيراً، وخرجوا وتركوه، لكن لو قال: عليَّ الطلاق ما تذهبوا، فهل سيذهبون أو يجلسون؟ يقولون: لا تحرموه أولاده، لكن احرموه دينه، عرض عليهم وجه المرأة فأطاعوه، وعرض عليهم الله عز وجل فرفضوه، هذا ينقلب إلى شرك أكبر.

ثالثاً: الشرك الخفي، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم وبين درجة خفائه وقال: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء) وتصوروا نملة سوداء، في ليلة ظلماء، على صخرة صماء، من يراها؟ الشرك أخفى منها وهو قول العبد: ما لي إلا الله وأنت، أنا متكل على الله وعليك، ومثل هذه الألفاظ، ولذلك شرع الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وعلمهم دعاء يكفرون به مثل هذه الأمور وهو قول العبد: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) هذا الظلم الأول: الشرك.

ظلم العبد لنفسه

الظلم الثاني: ظلم العبد لنفسه.

وهذا يكون باقتحام محارم الله وترك أوامره، يقول الله عز وجل: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]، لمَّا تنظر إلى الحرام من ظلمت؟ نفسك، لماذا؟ لأنك سببت لنفسك عذاباً بأن تمتلئ أذنك وعينك هذه من جمر جهنم، إذاً أنت ظالم، أنت تتصور بنظرك للنساء والحرام أنك ترتاح، وهذا ظلم لنفسك، إذا استمعت إلى أغنية فقد ظلمت نفسك؛ لأنك سببت لنفسك بسماعك لهذه النعمة عذاباً: (من استمع إلى مغنٍ أو مغنية صب الله في أذنه يوم القيامة الرصاص المذاب) إذا وقع العبد في الزنا فقد ظلم نفسه؛ لأنه جر على نفسه فاحشة وفضيحة تدمره في الدنيا والآخرة: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها في فرج لا يحل له)، (ومن زنا بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة)، (ووالذي نفس محمد بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار) ويأتي الزاني يوم القيامة ويوقف بين يدي الله فتسقط فروة وجهه بين قدميه خجلاً من الله، فضيحة، لا حول ولا قوة إلا بالله! فعندما يزني العبد ماذا يحصل له؟

ظلم لنفسه.

عندما تأكل حراماً: ربا .. رشوة .. مخدرات .. سرقة .. خيانة .. غش، من تظن أنك ظلمت؟ تتصور أنك ظلمت الناس؟ لا. ظلمت نفسك؛ لأنك تأكل حراماً، لأن كل المسلم على المسلم حرام، ولا يجوز أن تأكل درهماً ولا (ريالاً) ولا (هللة) على مسلم، كيف تأكل حراماً؟! فتظلم أخاك وتظلم نفسك.

من ظلم العبد لنفسه: ترك أوامر الله، عندما يسمع الأذان وينام ولا يقوم ليصلي هذا ظالم لنفسه؛ لأن الله دعاه إلى إنقاذ نفسه فظلمها، الذي يهجر القرآن ولا يقرؤه ظالم لنفسه؛ لأنه فوت على نفسه أرباحاً طائلة من الحسنات لا يعلمها إلا الله.

الذي لا يذكر الله في الصباح ولا في المساء ولا في سائر الأحوال ظالم لنفسه، الذي لا يدعو الله ولا يهتم بأمر المسلمين ولا يهتم بهذا الدين ظالم لنفسه: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1].

ظلم العبد لغيره

الظلم الثالث: ظلم العبد لغيره.

وهذا من أشد أنواع الظلم، ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفره الله وهو الشرك، وديوان لا يغادر منه شيء وهو هذا الظلم؛ لأنه حقوق عباد، وحقوق العباد قائمة على المشاحاة، وديوان يغفره الله إذا تاب العبد وهو الذي بينك وبين الله؛ لأن حقوق الله قائمة على المسامحة، وإذا تبت تاب الله عليك.

أما حقوق الناس فلا. فظلم الغير ظلم، إما بهتك عرض، أو بسرقة مال، أو بإراقة دم، أو بغيبة، أو بعدوان، أو بأي نوع من أنواع الظلم، والظلم قد حرمه الله، والحديث في مسلم، حديث قدسي يقول الله عز وجل: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، (الظلم ظلمات يوم القيامة) خصوصاً من لا يجد عليك ناصراً إلا الله، وهذا دائماً هو الذي يظلم.

أما الكبير فلا أحد يقدر على ظلمه، لكن يقع الظلم غالباً على الطبقات السفلى، العامل يظلمه سيده: يظلمه بعمل شاق، يظلمه بتأخير إيجار، يظلمه بإساءة التعامل، يظلمه باحتقار وامتهان، لا، هذا يصبر على الظلم، لكنه عليك يرفع برقيات في الليل يدعو عليك، والله عز وجل يفتح أبواب السماء لدعوة المظلوم، يقول عليه الصلاة والسلام: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) تفتح لها أبواب السماء تسري بليل، لا تظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله؛ لأنك إذا ظلمت شخصاً ضعيفاً ثم دعا عليك دعا عليك قوياً، وأنت لا تستطيع أن تمتنع من الله عز وجل.

ظلم الزوجة، بعض الناس يمارس ضغطاً وظلماً على زوجته في التعامل السيئ، تجده طيباً وخلوقاً ومبتسماً ومنشرحاً مع الناس، فإذا دخل البيت غَيَّرَ الموجة: الابتسامة للناس، والنكتة للناس، والمزح للناس، لكن مع الزوجة القهر، والشدة في التعامل، والأوامر، والتسلط، والعنف، لماذا؟ من أخبرك أن هذا دين؟! بعضهم يقول: أريد أن أثبت شخصيتي، يقول: المرأة إذا ضحكت لها وكنت طيباً معها ركبت عليَّ، فأنا أريد أكون أعلى دائماً، من قال لك هذا الكلام؟ هذا الكلام غير صحيح، الصحيح أن تكون طيباً معها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً مع أهله، كان يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) والله سبحانه في القرآن يوصي الأمة ويقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يودع الأمة في مرض وفاته: (الله الله في الصلاة -ثم قال:- ألا فاتقوا الدنيا، ثم أمر بالنساء قال: استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان) يعني: أسيرات، المرأة مسكينة أسيرة؛ فيجب أن تحسن معاملتها، وتحسن التعامل معها، وتبتسم في وجهها، وترفق بها، وأيضاً في نفس الوقت تتحملها، حتى لو تكلمت؛ لأنها لا تملك إلا الدفاع عن نفسها بالكلام، ليس بيدها شيء، بيدك أنت أن تطلق، وبيدك أن تضرب، وبيدك أن تهجر، وبيدك أن تتكلم، لكن هي لا تقدر على تطليقك، أو ضربك، أو هجرك؛ لأنها ضعيفة، فإذا أنت أحرقت أعصابها وسخنتها مرة واحدة، ودافعت عن نفسها بكلمة: اسكت، لكن بعض الرجال يريد آخر كلمة له ويريد أن تسكت هي، لماذا؟ أليست إنساناً؟! لا يجوز هذا.

هذا رجل جاء يشتكي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سلاطة لسان زوجته، فلما وقف بالباب يطرقه وإذا به يسمع زوجة أمير المؤمنين تتكلم على عمر بن الخطاب ؛ الذي تهابه الجن والإنس! الجن لا يمشون في طريقه، والإنس تهتز له كراسي كسرى وقيصر، ولكن زوجته تتكلم عليه، فلما سمع الرجل المرأة تتكلم وعمر ساكت مشى قال: لستُ بأحسن من عمر، ففتح عمر الباب وإذا بالرجل قد ولى، فدعاه، قال: مالك؟

قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: عندك شيء ماذا تريد؟ قال: جئت أشكو زوجتي إليك؛ لأنها تتسلط عليَّ بلسانها، فسمعت زوجتك تتسلط عليك بأكثر من تسلط زوجتي عليَّ فسكت وقلت: لي فيك قدوة، فقال له: تعال يا أخي، ثم قال له: ألا يكفي أنها طاهية لطعامي، ومربية ولدي، وغاسلة ثوبي، وقاضية حاجتي؟!

من يعمل لك هذه الأربعة: تربي ولدك، وتغسل ثوبك، وتطهو طعامك، وتقضي حاجتك!! تتحملك في كل شيء، ولا تتحملها في كلمة، إذا قالت كلمة فقل: حسناً، واخرج، وارجع ومن يوم ترجع ابتسم وهي تبتسم وانتهت المسألة، لكن بعضهم يجلس شهراً غضبان من أجل كلمة قالتها له، وربما يصل الأمر به إلى الطلاق، وإلى تشتيت شمل الأسرة؛ لسوء تصرفه، ولرعونته في أخلاقه؛ ولأنه ظالم، يريد كل شيء له ولا أن يريد يعطي المرأة شيئاً.

فظلم المرأة حرام، والمرأة التي تظلم من قبل زوجها ثم تدعو عليه فإن الله عز وجل ينتقم منه إما في الدنيا وإما في الآخرة.

فظلم الغير هذا نوع من أنواع الظلم وهو حرام.

الظلم الأول: ظلم العبد لربه: وهو بأن يشرك به، قال عز وجل حكاية عن لقمان وهو يعظ ابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

وهو في تعريفه اللغوي: وضع الشيء في غير موضعه. فالعبادة الموضع الشرعي لها أن تكون لله؛ لأنه المعبود بحق، وهو الذي يستحق العبادة؛ لأنه هو الخالق، وما دام هو الخالق لوحده فيجب أن يكون هو المعبود لوحده، فإذا قدمت عبادة لغير الله فإن هذا ظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه، ولهذا يقول لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

والشرك ثلاثة أقسام باختصار:

أولاً: شرك أكبر مخرج من الملة، مخلد لصاحبه في النار، يقول الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] ولو صلى .. وصام .. وتصدق .. وحج .. وعمل عملاً كالجبال لكنه أشرك، قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23]، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].

وتعريف الشرك الأكبر: هو أن تصرف نوعاً من أنواع العبادة مما لا يصرف إلا لله لغير الله، مثل: الدعاء، والدعاء هو العبادة، وفي الحديث الصحيح: (الدعاء مخ العبادة) ولا يدعى إلا الله، لا تدع نبياً، ولا تدع ولياً، ولا تدع صالحاً، ولا تدع ملكاً، ولا تدع جنياً، ولا تدع إنسياً، ولا تدع إلا الله، يقول الله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجـن:18].. وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر:60] أي: عن دعائي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

ولهذا يصرف بعض الناس الآن الدعاء لغير الله، وهو لا يدري، فيقول: يا نبي! المدد، يا نبي، يا ولي!، يا جني! وبعض الألفاظ الشائعة على بعض ألسنة الجهلة يقول: خذوه يا عفاريت! يا جن! ويقول: هذه لهجة، لكنها شركية، إذا اعتقدها صاحبها وتوجه بالدعاء إلى غير الله أشرك بالله، ولم ينتفع بعد ذلك بعبادة.

النذر يجب ألا ينذر إلا لله، الذبح لغير الله شرك، والطواف بالقبور، فلا يوجد طواف إلا ببيت الله، فمن طاف بقبر أو ضريح أو بأي شيء فإنه شرك.

فالطواف عبادة، وإذا طيف بهذا القبر عُبد من غير الله، أجل شرك.

كذلك التوكل .. الرغبة .. الرهبة .. الخشية .. الخشوع .. الخضوع .. الاستعانة .. الاستغاثة، كل أنواع العبادة هذه لا تصرف إلا لله وحده، فمن صرفها لغير الله فقد كفر أو أشرك.

ثانياً: شرك أصغر لا يخرج من الملة، ولكنه من أكبر الكبائر، وإذا استمر عليه الإنسان نقله إلى الأكبر، لا يستمر صغيراً لا يوجد صغير دائم، هل رأيتم إنساناً يعيش صغيراً دائماً؟ لا. حتى الذنوب التي هي صغار مع الزمن تصبح كباراً، يقول الشاعر:

لا تحقرن من الـذنوب صغيرا     إن الصغير غداً يصير كبيرا

إن الصغير وإن تقادم عـهده     عند الإله مسطر تسطيرا

الشرك الأصغر مثل الرياء وهو: أن يعمل الإنسان عملاً لله في أصله، لكن يدخل عليه تحسينات من أجل أناس، يعني: شخص دخل المسجد وهو ما أتى يصلي إلا لله، ما عندنا شك أنه ما أتى يصلي للناس، لكن لما أخذ يصلي جعل ينظر وإذا هناك شخص ينظر إليه وله عنده مصلحة؛ فضبط الصلاة لكي يراه الشخص فيقول: والله فلان ما شاء الله! هذه الصلاة عنده! فأصل العمل لله لكن خالطه بعمل لغير الله فهو شرك لكنه أصغر.

أما إذا قصد الإنسان بالعمل أصلاً غير الله فهو شرك أكبر، مثل: الحلف بغير الله كالذي يحلف بالطلاق، أو يحلف بالنبي، أو يحلف بالأمانة، أو يحلف بأي شيء من غير الله، هذا شرك أصغر، لكن يقول العلماء: إن قصد به تعظيم المحلوف به صار شركاً أكبر، إذا كان يعتقد أنه لو حلف بالله يرى أنها يمين بسيطة، لكن لو حلف بالطلاق يرى أنه أعظم، وهذا عند كثير من الناس -خاصة الجهلة منهم- إذا أراد أن يقسم على قضية: إما على ضيوف، أو يريد أن يؤكد موضوعاً، أو يقول صدقاً، ويعلم أنه لو حلف بالله أن الناس لن يصدقوه فيطلق لكي يثبت للناس أنه صادق، هذا عدل عن الحلف بالله لتعظيم المحلوف الآخر وهو الطلاق، والناس لو حلف لهم بالله جعلوه يحنث، وإذا حلف عليهم بالطلاق يصدق، يعني: لو يأتيه ضيوف ويقول لهم: والله ما تذهبون، قالوا: جزاك الله خيراً، وخرجوا وتركوه، لكن لو قال: عليَّ الطلاق ما تذهبوا، فهل سيذهبون أو يجلسون؟ يقولون: لا تحرموه أولاده، لكن احرموه دينه، عرض عليهم وجه المرأة فأطاعوه، وعرض عليهم الله عز وجل فرفضوه، هذا ينقلب إلى شرك أكبر.

ثالثاً: الشرك الخفي، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم وبين درجة خفائه وقال: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء) وتصوروا نملة سوداء، في ليلة ظلماء، على صخرة صماء، من يراها؟ الشرك أخفى منها وهو قول العبد: ما لي إلا الله وأنت، أنا متكل على الله وعليك، ومثل هذه الألفاظ، ولذلك شرع الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وعلمهم دعاء يكفرون به مثل هذه الأمور وهو قول العبد: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) هذا الظلم الأول: الشرك.

الظلم الثاني: ظلم العبد لنفسه.

وهذا يكون باقتحام محارم الله وترك أوامره، يقول الله عز وجل: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]، لمَّا تنظر إلى الحرام من ظلمت؟ نفسك، لماذا؟ لأنك سببت لنفسك عذاباً بأن تمتلئ أذنك وعينك هذه من جمر جهنم، إذاً أنت ظالم، أنت تتصور بنظرك للنساء والحرام أنك ترتاح، وهذا ظلم لنفسك، إذا استمعت إلى أغنية فقد ظلمت نفسك؛ لأنك سببت لنفسك بسماعك لهذه النعمة عذاباً: (من استمع إلى مغنٍ أو مغنية صب الله في أذنه يوم القيامة الرصاص المذاب) إذا وقع العبد في الزنا فقد ظلم نفسه؛ لأنه جر على نفسه فاحشة وفضيحة تدمره في الدنيا والآخرة: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها في فرج لا يحل له)، (ومن زنا بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة)، (ووالذي نفس محمد بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار) ويأتي الزاني يوم القيامة ويوقف بين يدي الله فتسقط فروة وجهه بين قدميه خجلاً من الله، فضيحة، لا حول ولا قوة إلا بالله! فعندما يزني العبد ماذا يحصل له؟

ظلم لنفسه.

عندما تأكل حراماً: ربا .. رشوة .. مخدرات .. سرقة .. خيانة .. غش، من تظن أنك ظلمت؟ تتصور أنك ظلمت الناس؟ لا. ظلمت نفسك؛ لأنك تأكل حراماً، لأن كل المسلم على المسلم حرام، ولا يجوز أن تأكل درهماً ولا (ريالاً) ولا (هللة) على مسلم، كيف تأكل حراماً؟! فتظلم أخاك وتظلم نفسك.

من ظلم العبد لنفسه: ترك أوامر الله، عندما يسمع الأذان وينام ولا يقوم ليصلي هذا ظالم لنفسه؛ لأن الله دعاه إلى إنقاذ نفسه فظلمها، الذي يهجر القرآن ولا يقرؤه ظالم لنفسه؛ لأنه فوت على نفسه أرباحاً طائلة من الحسنات لا يعلمها إلا الله.

الذي لا يذكر الله في الصباح ولا في المساء ولا في سائر الأحوال ظالم لنفسه، الذي لا يدعو الله ولا يهتم بأمر المسلمين ولا يهتم بهذا الدين ظالم لنفسه: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1].

الظلم الثالث: ظلم العبد لغيره.

وهذا من أشد أنواع الظلم، ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفره الله وهو الشرك، وديوان لا يغادر منه شيء وهو هذا الظلم؛ لأنه حقوق عباد، وحقوق العباد قائمة على المشاحاة، وديوان يغفره الله إذا تاب العبد وهو الذي بينك وبين الله؛ لأن حقوق الله قائمة على المسامحة، وإذا تبت تاب الله عليك.

أما حقوق الناس فلا. فظلم الغير ظلم، إما بهتك عرض، أو بسرقة مال، أو بإراقة دم، أو بغيبة، أو بعدوان، أو بأي نوع من أنواع الظلم، والظلم قد حرمه الله، والحديث في مسلم، حديث قدسي يقول الله عز وجل: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، (الظلم ظلمات يوم القيامة) خصوصاً من لا يجد عليك ناصراً إلا الله، وهذا دائماً هو الذي يظلم.

أما الكبير فلا أحد يقدر على ظلمه، لكن يقع الظلم غالباً على الطبقات السفلى، العامل يظلمه سيده: يظلمه بعمل شاق، يظلمه بتأخير إيجار، يظلمه بإساءة التعامل، يظلمه باحتقار وامتهان، لا، هذا يصبر على الظلم، لكنه عليك يرفع برقيات في الليل يدعو عليك، والله عز وجل يفتح أبواب السماء لدعوة المظلوم، يقول عليه الصلاة والسلام: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) تفتح لها أبواب السماء تسري بليل، لا تظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله؛ لأنك إذا ظلمت شخصاً ضعيفاً ثم دعا عليك دعا عليك قوياً، وأنت لا تستطيع أن تمتنع من الله عز وجل.

ظلم الزوجة، بعض الناس يمارس ضغطاً وظلماً على زوجته في التعامل السيئ، تجده طيباً وخلوقاً ومبتسماً ومنشرحاً مع الناس، فإذا دخل البيت غَيَّرَ الموجة: الابتسامة للناس، والنكتة للناس، والمزح للناس، لكن مع الزوجة القهر، والشدة في التعامل، والأوامر، والتسلط، والعنف، لماذا؟ من أخبرك أن هذا دين؟! بعضهم يقول: أريد أن أثبت شخصيتي، يقول: المرأة إذا ضحكت لها وكنت طيباً معها ركبت عليَّ، فأنا أريد أكون أعلى دائماً، من قال لك هذا الكلام؟ هذا الكلام غير صحيح، الصحيح أن تكون طيباً معها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً مع أهله، كان يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) والله سبحانه في القرآن يوصي الأمة ويقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يودع الأمة في مرض وفاته: (الله الله في الصلاة -ثم قال:- ألا فاتقوا الدنيا، ثم أمر بالنساء قال: استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان) يعني: أسيرات، المرأة مسكينة أسيرة؛ فيجب أن تحسن معاملتها، وتحسن التعامل معها، وتبتسم في وجهها، وترفق بها، وأيضاً في نفس الوقت تتحملها، حتى لو تكلمت؛ لأنها لا تملك إلا الدفاع عن نفسها بالكلام، ليس بيدها شيء، بيدك أنت أن تطلق، وبيدك أن تضرب، وبيدك أن تهجر، وبيدك أن تتكلم، لكن هي لا تقدر على تطليقك، أو ضربك، أو هجرك؛ لأنها ضعيفة، فإذا أنت أحرقت أعصابها وسخنتها مرة واحدة، ودافعت عن نفسها بكلمة: اسكت، لكن بعض الرجال يريد آخر كلمة له ويريد أن تسكت هي، لماذا؟ أليست إنساناً؟! لا يجوز هذا.

هذا رجل جاء يشتكي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سلاطة لسان زوجته، فلما وقف بالباب يطرقه وإذا به يسمع زوجة أمير المؤمنين تتكلم على عمر بن الخطاب ؛ الذي تهابه الجن والإنس! الجن لا يمشون في طريقه، والإنس تهتز له كراسي كسرى وقيصر، ولكن زوجته تتكلم عليه، فلما سمع الرجل المرأة تتكلم وعمر ساكت مشى قال: لستُ بأحسن من عمر، ففتح عمر الباب وإذا بالرجل قد ولى، فدعاه، قال: مالك؟

قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: عندك شيء ماذا تريد؟ قال: جئت أشكو زوجتي إليك؛ لأنها تتسلط عليَّ بلسانها، فسمعت زوجتك تتسلط عليك بأكثر من تسلط زوجتي عليَّ فسكت وقلت: لي فيك قدوة، فقال له: تعال يا أخي، ثم قال له: ألا يكفي أنها طاهية لطعامي، ومربية ولدي، وغاسلة ثوبي، وقاضية حاجتي؟!

من يعمل لك هذه الأربعة: تربي ولدك، وتغسل ثوبك، وتطهو طعامك، وتقضي حاجتك!! تتحملك في كل شيء، ولا تتحملها في كلمة، إذا قالت كلمة فقل: حسناً، واخرج، وارجع ومن يوم ترجع ابتسم وهي تبتسم وانتهت المسألة، لكن بعضهم يجلس شهراً غضبان من أجل كلمة قالتها له، وربما يصل الأمر به إلى الطلاق، وإلى تشتيت شمل الأسرة؛ لسوء تصرفه، ولرعونته في أخلاقه؛ ولأنه ظالم، يريد كل شيء له ولا أن يريد يعطي المرأة شيئاً.

فظلم المرأة حرام، والمرأة التي تظلم من قبل زوجها ثم تدعو عليه فإن الله عز وجل ينتقم منه إما في الدنيا وإما في الآخرة.

فظلم الغير هذا نوع من أنواع الظلم وهو حرام.

هؤلاء الظالمون لهم وضع عند الموت، وفي غمرات الموت، والله عز وجل سمى تلك اللحظات غمرات، والعلماء يقولون: معناها أن الآلام والمصائب والأحزان والشعور بالخوف والرعب والرهبة تغمر الإنسان غمراً فلا يستطيع أن يعرف شيئاً في تلك اللحظات، ولا يتصور العقل البشري مقدار آلام الإنسان في لحظات الموت، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر سيد ولد آدم أفضل خلق الله ما سلم من تلك السكرات، كان عند الموت يدخل يده في ركوة عنده فيمسح بها جبينه ويقول: (إن للموت لسكرات، إن للموت لسكرات، إن للموت لسكرات) إذا كان هذا خير خلق الله فكيف بي وبك وكيف بنا أيها الإخوان؟!

ويقول العلماء: إن آلام وسكرات وغمرات الموت لا تعلم إلا بطريقين:

إما بطريق سمعي يعني: دليل شرعي.

أو بطريق عقلي.

الدليل العقلي على سكرات الموت

قالوا: أما العقلي فمتعذر؛ لأنه لا يوجد شخص مات وذاق ألم الموت ثم رجع وأخبر الناس بآلام الموت، لا يوجد كل واحد يأخذها ويذهب ولا يرجع مرة ثانية، ولكن قالوا: عقلي عن طريق القياس، قالوا: كيف؟ قالوا: نقيس، ما معنى الموت أصلاً؟ الموت: هو مفارقة الروح وإيذاء الروح في كامل أجزاء الجسد فيحصل للإنسان ألم، حسناً إذا أخذت سكيناً وقطعت في إصبعك قطعة بالسكين أو أخذت إبرة ووخزت بها جلدك أو أخذت قطعة نار أو عود ثقاب وأشعلت به إصبعك، ماذا يحصل؟ يحصل ألم، لماذا؟ لأن الروح أوذيت في هذا الجزء فيترتب على هذا ألم، فإذا أوذيت الروح ليس في الإصبع بل في كل جزئية، في كل شعرة، في كل بشرة، في كل عظم، في كل قطرة دم، في كل خلية من خلايا جسمك تنـزع الروح منها كيف يكون الألم؟

لا يتصوره العقل، الآن لما آخذ عشر إبر وأدقها في ظهر شخص هل ألمها مثل ألم إبرة أم عشرة أمثال؟ عشر إبر، فإذا أخذت مائة إبرة كيف يكون ألمها؟ كألم الإبرة مائة مرة، والموت مثلها؛ لأن الروح تخرج من كل شعرة وبشرة، ومن كل ظفر وعظم، ومن كل مفصل وقطرة دم، ولهذا تنزع الروح، وهذا يجده البر والفاجر .. الطيب والخبيث .. المؤمن والكافر الكل يحس بألم سكرة الموت؛ لأنك الآن لو جئت إلى مسلم طيب بر دين تقي، وآخر فاجر خبيث، ودقيت هذا بإبرة وهذا بإبرة ألا يجدون الألم كلهم سواء؟ سيجد هذا الألم الطيب والفاجر سواء، ففي الحياة الآلام تقع على الطيب والفاجر سواء، لكن المؤمن يخفف عنه، فتخرج روحه كما جاء في الحديث بسهولة، الحديث صحيح في مسند أحمد في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه والحديث طويل قال: (إن المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، نزلت ملائكة من الجنة، ومعها مسوح من الجنة، وحنوط من الجنة، وكفن من الجنة، فيجلسون له على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها الريح الطيبة! كانت في الجسد الطيب اخرجي إلى روح وريحان، وإلى رب غير غضبان، قال: فتخرج روحه) تخرج بلطف كما تخرج القطرة من فم القربة، الله عز وجل يجمع الروح وتخرج مرة واحدة، هذه سكرة الموت، لها ألم لكنه خفيف. (فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في ذلك الحنوط والكفن ويصعدون بها إلى السماء، ولها ريح كأطيب ريح وجد على ظهر الأرض ...) إلى آخر الحديث.

قال: (وأما العبد الفاجر أو الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، جاءت ملائكة من النار معها مسوح من النار، وكفن من النار، فيجلسون له مد البصر، ويأتي ملك الموت ويقول: يا أيتها الروح الخبيثة! كانت في الجسد الخبيث اخرجي إلى عذاب من الله وغضب، قال: فتتفرق -تهرب الروح ما دام أنه دعاها إلى غضب وإلى لعنة أين تذهب؟- قال: فتتفرق وتتشبث -تقعد في كل أجزاء الجسم- قال: ثم يجذبها -وشبه الجذب- كما يجذب السفود من الصوف المبلول) السفود: الحديدة ذات الشعب المتطرفة، تدخلها في صوف، والصوف مبلول أو القطن المبلول، ثم تطلعها، كيف تعمل فيه؟ تمزعه من كل جهة، كذلك الروح تخرج من جسد الفاسق والكافر على هذا الوضع فلا يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ويضعوها في ذلك المسوح من النار، ثم يصعدون بها إلى السماء، ولها ريح كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض، ثم في السماء الروح الطيبة تفتح لها أبواب السماء، والروح الخبيثة تغلق عليها أبواب السماء، وترمى إلى النار كما جاء في القرآن الكريم يقول الله عز وجل: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] إذا دخل البعير في خرق الإبرة أدخلهم الجنة، علقهم على المستحيل، يعني: أنهم لن يدخلوا الجنة.

هذه أيها الإخوة! هي مختصرة من قضية غمرات الموت من الدليل العقلي.

الدليل السمعي على سكرات الموت

أما الدليل السمعي الشرعي فقد جاء، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في ساعة الاحتضار: (إن للموت لسكرات) فدل هذا الكلام على أن هناك آلام لم يسلم منها حتى خير خلق الله وأفضل من عبد الله وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دام أنه تعرض لها هو صلى الله عليه وسلم فنحن سنكون عرضة لها من باب أولى، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يخفف عنا وعنكم تلك اللحظات.

وحتى نستعد لها سوف نناقش القضية بنوع من المساءلات والوقفات الجادة مع النفس.

أخي المسلم: -أنا وأنت- ماذا تفعل لو جاءك الموت الآن؟

الآن أنت تقابل الله، والروح في تغرغرها، وقد بلغت الحلقوم، فكيف يكون حالك؟ إنهم الآن يقفون عندك وبجوارك، هذا يبكي.. وذاك يصيح.. وذاك يتلوى.. وذاك يتألم.. وبعد لحظة خرجت الروح، وبدءوا يغسلونك، وفي الأكفان يضعونك، وفي القبر بعد أن صلوا عليك يتركونك، وبالحصى والطين يغطونك، فهل فكرت واستعددت لهذا العمل؟

هذا الكلام عندما نقوله للناس كأنه على الناس الآخرين!! أما نحن لا لن نموت ولن ندخل القبور! نحن سنرجع بعد إلى (الفيلا) والقصر وإلى العمارة وإلى الزوج، ومتأخر؟ لا، ليس متأخراً، ممكن يكون هذه الليلة، ممكن يكون غداً، ممكن بعد سنة، وهب أنه بعد عشر سنوات، وهب أنه بعد أربعين سنة ألست ستموت؟

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته     يوماً على آلة حدباء محمول

قالوا: أما العقلي فمتعذر؛ لأنه لا يوجد شخص مات وذاق ألم الموت ثم رجع وأخبر الناس بآلام الموت، لا يوجد كل واحد يأخذها ويذهب ولا يرجع مرة ثانية، ولكن قالوا: عقلي عن طريق القياس، قالوا: كيف؟ قالوا: نقيس، ما معنى الموت أصلاً؟ الموت: هو مفارقة الروح وإيذاء الروح في كامل أجزاء الجسد فيحصل للإنسان ألم، حسناً إذا أخذت سكيناً وقطعت في إصبعك قطعة بالسكين أو أخذت إبرة ووخزت بها جلدك أو أخذت قطعة نار أو عود ثقاب وأشعلت به إصبعك، ماذا يحصل؟ يحصل ألم، لماذا؟ لأن الروح أوذيت في هذا الجزء فيترتب على هذا ألم، فإذا أوذيت الروح ليس في الإصبع بل في كل جزئية، في كل شعرة، في كل بشرة، في كل عظم، في كل قطرة دم، في كل خلية من خلايا جسمك تنـزع الروح منها كيف يكون الألم؟

لا يتصوره العقل، الآن لما آخذ عشر إبر وأدقها في ظهر شخص هل ألمها مثل ألم إبرة أم عشرة أمثال؟ عشر إبر، فإذا أخذت مائة إبرة كيف يكون ألمها؟ كألم الإبرة مائة مرة، والموت مثلها؛ لأن الروح تخرج من كل شعرة وبشرة، ومن كل ظفر وعظم، ومن كل مفصل وقطرة دم، ولهذا تنزع الروح، وهذا يجده البر والفاجر .. الطيب والخبيث .. المؤمن والكافر الكل يحس بألم سكرة الموت؛ لأنك الآن لو جئت إلى مسلم طيب بر دين تقي، وآخر فاجر خبيث، ودقيت هذا بإبرة وهذا بإبرة ألا يجدون الألم كلهم سواء؟ سيجد هذا الألم الطيب والفاجر سواء، ففي الحياة الآلام تقع على الطيب والفاجر سواء، لكن المؤمن يخفف عنه، فتخرج روحه كما جاء في الحديث بسهولة، الحديث صحيح في مسند أحمد في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه والحديث طويل قال: (إن المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، نزلت ملائكة من الجنة، ومعها مسوح من الجنة، وحنوط من الجنة، وكفن من الجنة، فيجلسون له على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها الريح الطيبة! كانت في الجسد الطيب اخرجي إلى روح وريحان، وإلى رب غير غضبان، قال: فتخرج روحه) تخرج بلطف كما تخرج القطرة من فم القربة، الله عز وجل يجمع الروح وتخرج مرة واحدة، هذه سكرة الموت، لها ألم لكنه خفيف. (فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في ذلك الحنوط والكفن ويصعدون بها إلى السماء، ولها ريح كأطيب ريح وجد على ظهر الأرض ...) إلى آخر الحديث.

قال: (وأما العبد الفاجر أو الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، جاءت ملائكة من النار معها مسوح من النار، وكفن من النار، فيجلسون له مد البصر، ويأتي ملك الموت ويقول: يا أيتها الروح الخبيثة! كانت في الجسد الخبيث اخرجي إلى عذاب من الله وغضب، قال: فتتفرق -تهرب الروح ما دام أنه دعاها إلى غضب وإلى لعنة أين تذهب؟- قال: فتتفرق وتتشبث -تقعد في كل أجزاء الجسم- قال: ثم يجذبها -وشبه الجذب- كما يجذب السفود من الصوف المبلول) السفود: الحديدة ذات الشعب المتطرفة، تدخلها في صوف، والصوف مبلول أو القطن المبلول، ثم تطلعها، كيف تعمل فيه؟ تمزعه من كل جهة، كذلك الروح تخرج من جسد الفاسق والكافر على هذا الوضع فلا يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ويضعوها في ذلك المسوح من النار، ثم يصعدون بها إلى السماء، ولها ريح كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض، ثم في السماء الروح الطيبة تفتح لها أبواب السماء، والروح الخبيثة تغلق عليها أبواب السماء، وترمى إلى النار كما جاء في القرآن الكريم يقول الله عز وجل: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] إذا دخل البعير في خرق الإبرة أدخلهم الجنة، علقهم على المستحيل، يعني: أنهم لن يدخلوا الجنة.

هذه أيها الإخوة! هي مختصرة من قضية غمرات الموت من الدليل العقلي.

أما الدليل السمعي الشرعي فقد جاء، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في ساعة الاحتضار: (إن للموت لسكرات) فدل هذا الكلام على أن هناك آلام لم يسلم منها حتى خير خلق الله وأفضل من عبد الله وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دام أنه تعرض لها هو صلى الله عليه وسلم فنحن سنكون عرضة لها من باب أولى، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يخفف عنا وعنكم تلك اللحظات.

وحتى نستعد لها سوف نناقش القضية بنوع من المساءلات والوقفات الجادة مع النفس.

أخي المسلم: -أنا وأنت- ماذا تفعل لو جاءك الموت الآن؟

الآن أنت تقابل الله، والروح في تغرغرها، وقد بلغت الحلقوم، فكيف يكون حالك؟ إنهم الآن يقفون عندك وبجوارك، هذا يبكي.. وذاك يصيح.. وذاك يتلوى.. وذاك يتألم.. وبعد لحظة خرجت الروح، وبدءوا يغسلونك، وفي الأكفان يضعونك، وفي القبر بعد أن صلوا عليك يتركونك، وبالحصى والطين يغطونك، فهل فكرت واستعددت لهذا العمل؟

هذا الكلام عندما نقوله للناس كأنه على الناس الآخرين!! أما نحن لا لن نموت ولن ندخل القبور! نحن سنرجع بعد إلى (الفيلا) والقصر وإلى العمارة وإلى الزوج، ومتأخر؟ لا، ليس متأخراً، ممكن يكون هذه الليلة، ممكن يكون غداً، ممكن بعد سنة، وهب أنه بعد عشر سنوات، وهب أنه بعد أربعين سنة ألست ستموت؟

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته     يوماً على آلة حدباء محمول


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2930 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2805 استماع
أمن وإيمان 2678 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2468 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع