ميزانية نهاية العام


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الإخوة في الله: في هذا اليوم الثلاثاء: الموافق للثاني من شهر محرم من عام: (1411هـ) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وفي جامع الذياب بحي السُلَي بمدينة الرياض ، وبالأمس ودَّعنا عاماً من أعمارنا، وطَوَينا صفحةً من صفحات حياتنا، ودَّعناه بما استودعناه من عمل، وكما مر هذا العام والأعوام التي قبله ستمُر بقية الأعوام من أعمارنا، وسيجد الإنسان نفسه يوماً من الأيام، وهو يقف في المحطة الأخيرة من رحلة هذه الحياة، وسينزل نزولاً إجبارياً، وسيتم التعامل معه على ضوء تعامله هنا، فمن أحسن هنا لقي إحسانه هناك، ومن أساء هنا لقي إساءته هناك، يقول عز وجل: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31] ويقـول عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90] ماذا تتوقع أن تُجْزى عليه إلا عملك؟! هل تتوقع أن يعطيك الله عملَ غيرِك؟! أو أن يضع الله سيئاتك في موازين غيرك؟! لا والله، لا يظلم ربك مثقال ذرة، يقول عز وجل: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] تنكشف أوراق الإنسان وحساباته، ويجد كل شيء، والله لا يظلمك الله شيئاً.

يقول الله عز وجل: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُـوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30] هذا تحذير في ذلك تتمنى أن يجعل الله بينك وبين سيئاتك أمداً بعيداً، لكن من الآن اجعل بينك وبينها أمداً بعيداً، أما أن تجعلها ملازمة لك، وملاصقة لك، فتعايش المعاصي والسيئات بالليل والنهار فسوف تعايشك السيئات في النار، أما إذا جعلت بينك وبينها الآن حجاباً مستوراً من طاعة الله، وجعلت بينك وبينها عوازل وموانع من تقوى الله؛ جَعَلَ الله بينك وبين النار عوازل وموانع وأسكنك الجنة.

وبين عامٍ يمضي وآخر يحل فترةٌ من الزمان نطويها اسمها: العمر، وتنقص أعمارنا بمقدار ما يمر من أعوامنا، أنت مجموعة أيام، وكل يوم يمشي ينقص بعضك إلى أن تنتهي، مَثَلُك مَثَلُ التقويم المعلَّق على الجدار، في أول العام الدراسي أو العام الهجري تجده سميناً مليئاً بالأوراق، ثلاثمائة وستين ورقة؛ ولكن في مغرب كل يوم تنزع ورقة، وتمشي الأيام، ولا ننتبه إلا والتقويم لم يبق منه إلا اللوح فقط.

وكذلك أنت! كل يوم تنزع ورقة من عمرك، وسيأتي عليك يوم لا يبقى منك إلا اللوح، ما هو اللوح؟! جثتك، واللوح ماذا يُفْعَل به فيما بعد؟! يُرْمَى ويهمل، وأنت يوم أن تنتهي أيامك وتنتهي ساعاتك ولحظاتك في هذه الحياة، تُرْمى وتقذف في المقبرة، وترتفع روحُك إما إلى علِّيِّين، أو تُسْقَط وتُهْبَط وتُدَنَّس وتُسَجن في سجِّين.

يقول عز وجل: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18] -جعلنا الله وإياكم من الأبرار- كلمة أبرار تحمل معاني البر والصفاء، وتحمل معاني القرب من الله، رجلٌ بارٌّ، رجلٌ برٌّ: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ [المطففين:18-19] تعظيم وتفخيم لعلِّيِّين: كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:20-21] كتابٌ مرقومٌ يشهدُه المقربون مِن الملائكة، وماذا في هذا الكتاب؟! يقول الله:

إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [المطففين:22] هذا هو المكتوب في الكتاب: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين:22-24] كما كانت في وجوههم نضرة الإيمان، ونضرة البهاء والصلاح، ونضرة الخوف والمراقبة، فأيضاً يوم القيامة: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين:24].

أما أولئك -والعياذ بالله- الذين غفلوا، ومرت الأعمار عليهم هكذا سراعاً وراء بعضها دون تأمل ولا مراجعة، ولا وقفة ولا محاسبة، فيقول الله فيهم: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ [المطففين:7-9] ماذا في الكتاب؟! وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المطففين:10] نعوذ بالله وإياكم من ويل، ومن عذاب الله عز وجل.

فنحن نمتطي مطايا الليل والنهار، فهذه الأيام مطايا ونحن ركوب على ظهورها، وننزل من مطية الليل إلى مطية النهار، ونفرح بدوران الشهر من أجل أن نستلم الراتب، أحب الأيام إلينا أيام: (28) و(29) و(30)، وأسوأ الأيام إلينا أيام: (4) و(5) و(6)، نبيع أعمارنا برواتبنا، والأيام والليالي تسير بنا ونحن لا ندري، لا نستطيع أن نقف على عجلة الزمان أو نوقفها عند نقطة معينة، بل تسير بنا الأيام ونحن لا ندري، ولا مجال للتريُّث، ولا معنى للانتظار، فإن الزمان لا ينتظر أحداً، ولا يتريَّث لأحد، يروي الإمام مسلم حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ضرورة السرعة في العمل الصالح مع الله، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل)، وبسط اليد بالليل والنهار دليلُ استعجال، أي: بسرعة تُبْ إلى الله، ما دمتَ أسأت في الليل فإن الله بسط يده لك من أجل أن تتوب؛ لأنك مسيء؛ هذا فيه عملية حث، عملية شحذ للهمم وأنك تسير ولا تدري ما المصير الذي تصير إليه، فلا بد أن تتنبه وأن تكون عاقلاً، لا تسِرْ مع الذين يعيشون بعقلية البهائم، ولا همَّ لهم إلا هذه الدنيا، ولا ينتبهون إلا وهم يَقْتَحِمون ويُقْذَفون ويُدَعُّون على رءوسهم إلى النار وهناك يقولون:

يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66].. يَا وَيْلَتَى [الفرقان:28].. لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:25-27].

يقول الظالم: رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] لماذا؟ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ... [المؤمنون:100] حسناً! لماذا كنت غافلاً؟! من الذي أخرك؟! يقول الله: ... كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100].

فكل تأخير -يا أخي في الله- في إنقاذ نفسك وتصحيح مسارك لا يعني إلا تعريضك لمزيد من الخسارة، وتعريضك لنهاية المصير والانحدار والدمار، وما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم وضعه مع الله بين الحين والحين! وأن يُرْسِل نظرات ناقدة في جوانب نفسه ليتعرف على عيوبها وأخطائها، ويرسم السياسات القصيرة والعاجلة للتخلص من الأخطاء والخطايا!

يا أيها الإخوة في الله: في كل بضعة أيام ينظر أحدنا إلى مكتبه، ويعيد ترتيب أوراقه، فيقضي على الفوضى التي حلت على المكتب من قصاصات متناثرة، وسِجِلات مبعثرة، وأوراق أدت غرضها، ويقوم بترتيب كل شيء، ويضع كل شيء في وضعه الصحيح؛ فالمعاملات القابلة للحفظ تُحْفَظ، والمعاملات اللازم تحويلها تُحَوَّل، والأوراق التي لا غرض لها تُمَزَّق وتُهْمَل.

وفي البيت تصبح الغرف والحجرات غير مرتبة ومتناثرة، فإذا بأيدي الإصلاح تتدخل من الزوجة أو الخادمة وتجول هنا وهناك، وتنظف الأثاث المُغْبَر، وتطرد القمامة الزائدة، وتعيد كل شيء إلى مكانه ونظامه.

بل ثوبك الذي على جلدك تراجعه كل ثلاثة أيام؛ لتزيل ما عَلِق به من أوساخ وأقذار، ولتلبس ثوباً جديداً تستطيع أن تعيش به بين الناس.

أيها الإخوة في الله: ألا تستحق حياة الإنسان منا مثل هذا الجهد؟!

ألا تستحق نفسك أن تتعهدها بين الحين والحين؛ لترى ما لحق بها من اضطراب فتزيله، وما تعرضت له من إثم فتنفيه، مثلما تنفي القمامة من ساحات منزلك وبيتك؟!

ألا تستحق النفس أيها الإخوة! -بعد كل مرحلة تقطعها من مراحل الحياة- أن نعيد النظر فيما أصابها من غُنْم أو خسارة، وأن نرجع إليها، وأن نعيد إليها توازنها، وأن نعيد بناءها وترتيبها. فالنفس تحتاج إلى توازن مثل السيارة؛ فالسيارة تمشي في الطرق المعبَّدة والعادية سليمة؛ لكن إذا مشيت بها على مَطَبٍّ فإنها تَرتجُّ، وبالتالي تحتاج إلى ميزان، فتذهب بها إلى الجهاز من أجل أن توزن عجلات السيارة.

أنت الآن تعيش وتقع في مطبات، ونفسك ترتج بالأزمات، وتهتز بالفتن والمشكلات، وهي في عراك دائب على ظهر هذه الحياة.

إجراء الإصلاحات ومعالجة العلل والآفات

إن الإنسان -أيها الإخوة والله الذي لا إله إلا هو- لَهُو أحوج ما يكون إلى التنقيب والتفتيش في أرجاء نفسه، وتَعَهُّد حياته، وإجراء الصيانات لها من العلل والأمراض والآفات. ما السبب؟!

السبب أن الإنسان قلَّما يبقى متماسكاً، فلا بد له من تثبيت، السيارة التي تمشي دائماً في المطبات تتخلخل وتتحلل مساميرها (وصواميلها) وتحتاج منك أن تجري لها بين فترة وأخرى إعادة تثبيت وتوازن وفحص دوري لتَفَقُّد أجزائها، ونحن واقعيون مع سياراتنا، فلا يمكنك أن تجدد الاستمارة حتى تفحص السيارة.

لكن هل فحصنا قلوبنا؟!

هل فحصنا جوارحنا؟!

هل أعدنا التدقيق مع أنفسنا؟!

نفحص أجسادنا، ونجري فحصاً كاملاً للجسم: فحصٌ للعينين؛ وهل هي سليمة!

فحصٌ للرئتين؛ ومدى قوة التهوية فيهما!

فحصٌ للكبد.

فحصٌ للأمعاء.

لكن القلوب التي في الصدور لم نجرِ لها فحصاً!

إن حِدَّة الاحتكاك، وضغط الشبهات، وضروب الشهوات تؤثر في النفس، فإذا غفل الإنسان عن نفسه، وترك عوامل الهدم تنال منها، فسوف تقضي عليه لا محالة، وينفرط عليه أمره، ويكون شأنه كمن قال الله فيه: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] فكثير من الناس الآن أمره فُرُطٌ؛ لماذا؟! لأنه غافل عن الله، والله يقول قبل هذا: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] ينفرط عليه دينه فلا يجمعه، يضيع صلاته، يضيع عقيدته، يضيع الزكاة، وإذا قلت له: الصلاة!

قال: يا شيخ، نحن مشغولون!

- الزكاة!

- يا رجل -الله يهديك- أنت ما زلت تريد زكاةً، الناس عندهم (مليارات)، ونحن ماذا عندنا؟ نحن ليس معنا شيء!

- والحج!

يقول: الحج زحمة، وحَرٌّ هذه السنة.

- والعمرة!

يقول: العمرة، نحن قد أدينا، العمرة تكفي مرة.

- والصوم!

- الله المستعان!

- ويذهب ليصوم في ( كازابلانكا )، أو في ( تايلاند )، ويحج، ويأتي بعمرة! لا إله إلا الله! فهذا مفرط!

اليوم وأنا في الفندق نائم ضرب الجرس عليَّ شخص، وأنا في ساعة استغراق النوم، الساعة الثالثة، وهو أحسن وقت، وإذا بالهاتف يدق، قال: ألوه.

قلت: نعم.

قال: طائرة (بومباي) متى تقلع؟

قلت: من تريد أنت؟!

قال: الخطوط السعودية؟!

قلت: لا يا رجل، أنا في الفندق، أين تريد أنت؟!

قال: أريد ( بومباي ) .

قلت: لماذا؟! ماذا في ( بومباي )؟! تريد عمرة؟! تحج؟!

قال: لا. فقط نوسِّع الخاطر.

قلت: والله تضيِّق الخاطر أيها الأخ! والله يضِيْق فكرك وبالك بمعصية الله، وغضب الله وسخطه، هناك ذنوبٌ وآثامٌ حماك الله منها، وتحجز بالطائرة من أجل أن تذهب لتتمتع وتراها وتوسِّع البال.

الله أكبر! كيف يتَّسع فكر مسلمي هذا الزمان بمعصية الله؟!

إن القلوب تنعكس، والنفوس تنقلب حين ترى أن معصية الله توسيعٌ للبال! إنا لله وإنا إليه راجعون!

فرح الله بتوبة عبده

يا أخي المسلم: يا أخي في الله! وقفةٌ مع النفس مع بداية هذا العام الجديد، وقفةٌ صادقة جادة تصحح المسار، وتزيل الأخطاء، وترجع إلى الطريق الصحيح، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولا تعتذر يا أخي بكثرة خطاياك، فلو كانت كزبد البحر ما بالى الله بها، إذا اتجهت إليه قصداً، وإذا انطلقت إليه ركضاً، إن الخطأ القديم لا يجوز أن يكون عائقاً أمام التوبة الصادقة، يقول ربنا عز وجل -وهو يخاطب أصحاب الأخطاء الكبيرة، المسرفين على أنفسهم، يقول فيهم ويدعوهم بدعاء وبنداء العبودية ويتحبب لهم- في سورة الزمر: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ... [الزمر:53] أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والخطايا. ... لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] إذاً: ماذا نعمل؟ قال: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر:54-55] ما هو العذاب الذي يأتيك بغتة إذا كنت عاصياً؟

إنه الموت، هل يرسل الموت إنذارات قبل أن يأتي؟!

لا. بل يركب الرجل منا سيارته ولا ينزلونه منها إلا ميتاً.

ويلبـس ثوبه ولا يَخْـلَعُ ثوبه هو، بل يُقَطَّع ثوبُه من عند أزراره، إي نعم هذا معناه: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى ... [الزمر:56-59] اسمعوا هنا! بلى للإضراب، بلى أنت كذاب أيها العبد: بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الزمر:59] لا تكن المعاصي عائقةً، فتقول: والله، أنا كثير الذنوب. فإذا كنتَ كثير الذنوب؟! إذاً: فالله كثير المغفرة. تقول: ذنوبي عظيمة؟! فالله مغفرته أعظم من ذنوبك، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم لقيت الله مستغفراً غفر الله لك، لو كانت ذنوبك كزبد البحر، أو كعدد الرمل، أو كعدد قطر السماء، فرحمة الله أوسع: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156] فقط حوِّل (الموجة)، هذا الذي نريده منك، الماضي هذا كله يغفره الله لك، بتبعاته ومسئولياته وما فيه من أخطاء، كلها يبدلها الله لك حسنات، فهل يوجد أعظم من هذا يا أخي؟! أي فضل أعظم من هذا! إذا غفر الله لك فهذه كرامة؛ لكن كونه يغفر لك وتكون عليك (مليون) سيئة، فيحولها الله لك (مليونَي) حسنة، فهذا فضلٌ لا يضيعه إلا خاسر لا خير فيه، والعياذ بالله.

وأيضاً: مع أن الله يغفر لك يفرح بك! ففي الحديث الذي في صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (لَلَّهُ أشد فَرَحاً بتوبة عبده من رجل كان في فلاة -مسافر- ومعه راحلته، وعليها زاده وماؤه، فضلت عنه، وبحث عنها فلم يجدها، فلما يئس منها استسلم للموت، وأتى إلى تحت شجرة، وانطرح تحتها ينتظر الموت -انتهى! ليس من وسيلة للنجاة!- وبينما هو نائم ينتظر الموت إذا بناقته تعود وتقف بين يديه، فلما فتح عينيه وجدها -ما معنى هذا؟! معناه أنه وجد الحياة- قام فَرِحاً وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، لم يعرف أن يتكلم؛ لأنه كان موقناً بالموت والهلاك، والآن أعاد الله له وسائل الحياة، فأخطأ من شدة الفرح.

فاللهُ يا أخي يفرح بتوبتك أعظم من فرحة هذا الرجل بعودة ناقته!

أفلا تُفْرِح ربك؟!

ألا تريد أن يفرح ربك بك يا أخي؟!

تريد الشيطانَ عدوك أن يفرح بك، لتكون عبداً وحماراً له، يركب على ظهرك ورقبتك، ويسوقك إلى جهنم، ثم يقذفك فيها، ثم يتخلى عنك في النار ويقول: وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إبراهيم:22] ما أخذتك بكتاب ولا بعصا: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22]* فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22] خزي والله أعظم خزي!

أيُّ مجد وأيُّ عَظَمَة أعظم من أن يفرح بك ربُّك، ويكرمك ويحفظك في الدنيا، ثم يدخلك الجنة في الآخرة؟

أخي في الله: ألا يُبْهِرك هذا الترحيب، وهذه الفرحة من ربك؟! أترى سروراً أو فرحةً تعدِل هذه البهجة الخالصة من الله عز وجل؟!

متطلبات العودة إلى الله

يا أخي في الله: إن تصحيح وضعك بعد إجراء المحاسبة، هو تجديد لحياتك، ونقلة حضارية حاسمة لتغير معالم نفسك، وذلك لا يعني أن تدخل أعمالاً صالحة وسط جملة ضخمة من العادات القبيحة، والتصرفات والأخلاق السيئة، فهذا خلط وتغشيش لا يصلح.

إن العودة تتطلب منك أن تعيد ترتيب حياتك كلها، وأن تستأنف مع ربك علاقةً كاملة أفضل، وعملاً أكمل، وعهداً، وعقيدةً، وهو يدعوك سبحانه وتعالى إلى هذا في سيد الاستغفار؛ ففي صحيح البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، خلقتَني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

إن العودة إلى الله تقتضي أن تعيد تنظيم حياتك كلها، وتُجْري تغييراً كاملاً:

تغييراً للشريط الذي كنت تسمعه!

وتغييراً للمجلة التي كنت تشتريها!

وتغييراً لطريقة النوم!

وتغييراً لوقت النوم!

وتغييراً لوقت الاستيقاظ!

وتغييراً للزملاء والأصدقاء!

وتغييراً لمواعيد الدوام؛ كنتَ تأتي الساعة التاسعة؛ لكن عندما التزمتَ لا تأتي السابعة والنصف إلا وأنت على المكتب؛ لأنك تريد أن تأكل حلالاً!

وتغييراً لأسلوب العمل؛ كنتَ تدخل وأنت تنفخ، وتصيح على الموظفين والمراجعين؛ لكن لما التزمتَ أصبحت تدخل مبتسماً؛ لأن تبسمك في وجه أخيك صدقة، ولأنك لا تحقر من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.

وتغييراً في أسلوب أدائك لعملك؛ كنت من قبل تتنصل عن المعاملات، وتمشِّي الأوراق، وتزيحها، وتمرِّرها، يعني: فقط تتخلص، لكن لَمَّا صرتَ ملتزماً ومسلماً لا تنهي معاملة إلا بعد ضبطها (100 %)، تبحثها من أول ورقة إلى آخر ورقة، لماذا؟! لأنك تغيرت تغيراً كاملاً!

وتغييراً لعينيك؛ إلى أين كانت تنظر؟!

وتغييراً لأذنيك؛ ماذا كانت تسمع؟!

وتغييراً للسانك؛ بِمَ كان يَهْرِف ولا يعرف؟!

وتغييراً لبطنك؛ ماذا كان يأكل؟!

وتغييراً لفرجك؛ أين كان يقع؟!

وتغييراً ليديك!

وتغييراً لقلبك!

وتغييراً لكل شيء في حياتك!

لماذا؟

لأنك راجعتَ نفسك، وجدَّدتَ حياتك.

إن الإنسان -أيها الإخوة والله الذي لا إله إلا هو- لَهُو أحوج ما يكون إلى التنقيب والتفتيش في أرجاء نفسه، وتَعَهُّد حياته، وإجراء الصيانات لها من العلل والأمراض والآفات. ما السبب؟!

السبب أن الإنسان قلَّما يبقى متماسكاً، فلا بد له من تثبيت، السيارة التي تمشي دائماً في المطبات تتخلخل وتتحلل مساميرها (وصواميلها) وتحتاج منك أن تجري لها بين فترة وأخرى إعادة تثبيت وتوازن وفحص دوري لتَفَقُّد أجزائها، ونحن واقعيون مع سياراتنا، فلا يمكنك أن تجدد الاستمارة حتى تفحص السيارة.

لكن هل فحصنا قلوبنا؟!

هل فحصنا جوارحنا؟!

هل أعدنا التدقيق مع أنفسنا؟!

نفحص أجسادنا، ونجري فحصاً كاملاً للجسم: فحصٌ للعينين؛ وهل هي سليمة!

فحصٌ للرئتين؛ ومدى قوة التهوية فيهما!

فحصٌ للكبد.

فحصٌ للأمعاء.

لكن القلوب التي في الصدور لم نجرِ لها فحصاً!

إن حِدَّة الاحتكاك، وضغط الشبهات، وضروب الشهوات تؤثر في النفس، فإذا غفل الإنسان عن نفسه، وترك عوامل الهدم تنال منها، فسوف تقضي عليه لا محالة، وينفرط عليه أمره، ويكون شأنه كمن قال الله فيه: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] فكثير من الناس الآن أمره فُرُطٌ؛ لماذا؟! لأنه غافل عن الله، والله يقول قبل هذا: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] ينفرط عليه دينه فلا يجمعه، يضيع صلاته، يضيع عقيدته، يضيع الزكاة، وإذا قلت له: الصلاة!

قال: يا شيخ، نحن مشغولون!

- الزكاة!

- يا رجل -الله يهديك- أنت ما زلت تريد زكاةً، الناس عندهم (مليارات)، ونحن ماذا عندنا؟ نحن ليس معنا شيء!

- والحج!

يقول: الحج زحمة، وحَرٌّ هذه السنة.

- والعمرة!

يقول: العمرة، نحن قد أدينا، العمرة تكفي مرة.

- والصوم!

- الله المستعان!

- ويذهب ليصوم في ( كازابلانكا )، أو في ( تايلاند )، ويحج، ويأتي بعمرة! لا إله إلا الله! فهذا مفرط!

اليوم وأنا في الفندق نائم ضرب الجرس عليَّ شخص، وأنا في ساعة استغراق النوم، الساعة الثالثة، وهو أحسن وقت، وإذا بالهاتف يدق، قال: ألوه.

قلت: نعم.

قال: طائرة (بومباي) متى تقلع؟

قلت: من تريد أنت؟!

قال: الخطوط السعودية؟!

قلت: لا يا رجل، أنا في الفندق، أين تريد أنت؟!

قال: أريد ( بومباي ) .

قلت: لماذا؟! ماذا في ( بومباي )؟! تريد عمرة؟! تحج؟!

قال: لا. فقط نوسِّع الخاطر.

قلت: والله تضيِّق الخاطر أيها الأخ! والله يضِيْق فكرك وبالك بمعصية الله، وغضب الله وسخطه، هناك ذنوبٌ وآثامٌ حماك الله منها، وتحجز بالطائرة من أجل أن تذهب لتتمتع وتراها وتوسِّع البال.

الله أكبر! كيف يتَّسع فكر مسلمي هذا الزمان بمعصية الله؟!

إن القلوب تنعكس، والنفوس تنقلب حين ترى أن معصية الله توسيعٌ للبال! إنا لله وإنا إليه راجعون!

يا أخي المسلم: يا أخي في الله! وقفةٌ مع النفس مع بداية هذا العام الجديد، وقفةٌ صادقة جادة تصحح المسار، وتزيل الأخطاء، وترجع إلى الطريق الصحيح، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولا تعتذر يا أخي بكثرة خطاياك، فلو كانت كزبد البحر ما بالى الله بها، إذا اتجهت إليه قصداً، وإذا انطلقت إليه ركضاً، إن الخطأ القديم لا يجوز أن يكون عائقاً أمام التوبة الصادقة، يقول ربنا عز وجل -وهو يخاطب أصحاب الأخطاء الكبيرة، المسرفين على أنفسهم، يقول فيهم ويدعوهم بدعاء وبنداء العبودية ويتحبب لهم- في سورة الزمر: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ... [الزمر:53] أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والخطايا. ... لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] إذاً: ماذا نعمل؟ قال: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر:54-55] ما هو العذاب الذي يأتيك بغتة إذا كنت عاصياً؟

إنه الموت، هل يرسل الموت إنذارات قبل أن يأتي؟!

لا. بل يركب الرجل منا سيارته ولا ينزلونه منها إلا ميتاً.

ويلبـس ثوبه ولا يَخْـلَعُ ثوبه هو، بل يُقَطَّع ثوبُه من عند أزراره، إي نعم هذا معناه: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى ... [الزمر:56-59] اسمعوا هنا! بلى للإضراب، بلى أنت كذاب أيها العبد: بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الزمر:59] لا تكن المعاصي عائقةً، فتقول: والله، أنا كثير الذنوب. فإذا كنتَ كثير الذنوب؟! إذاً: فالله كثير المغفرة. تقول: ذنوبي عظيمة؟! فالله مغفرته أعظم من ذنوبك، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم لقيت الله مستغفراً غفر الله لك، لو كانت ذنوبك كزبد البحر، أو كعدد الرمل، أو كعدد قطر السماء، فرحمة الله أوسع: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156] فقط حوِّل (الموجة)، هذا الذي نريده منك، الماضي هذا كله يغفره الله لك، بتبعاته ومسئولياته وما فيه من أخطاء، كلها يبدلها الله لك حسنات، فهل يوجد أعظم من هذا يا أخي؟! أي فضل أعظم من هذا! إذا غفر الله لك فهذه كرامة؛ لكن كونه يغفر لك وتكون عليك (مليون) سيئة، فيحولها الله لك (مليونَي) حسنة، فهذا فضلٌ لا يضيعه إلا خاسر لا خير فيه، والعياذ بالله.

وأيضاً: مع أن الله يغفر لك يفرح بك! ففي الحديث الذي في صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (لَلَّهُ أشد فَرَحاً بتوبة عبده من رجل كان في فلاة -مسافر- ومعه راحلته، وعليها زاده وماؤه، فضلت عنه، وبحث عنها فلم يجدها، فلما يئس منها استسلم للموت، وأتى إلى تحت شجرة، وانطرح تحتها ينتظر الموت -انتهى! ليس من وسيلة للنجاة!- وبينما هو نائم ينتظر الموت إذا بناقته تعود وتقف بين يديه، فلما فتح عينيه وجدها -ما معنى هذا؟! معناه أنه وجد الحياة- قام فَرِحاً وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، لم يعرف أن يتكلم؛ لأنه كان موقناً بالموت والهلاك، والآن أعاد الله له وسائل الحياة، فأخطأ من شدة الفرح.

فاللهُ يا أخي يفرح بتوبتك أعظم من فرحة هذا الرجل بعودة ناقته!

أفلا تُفْرِح ربك؟!

ألا تريد أن يفرح ربك بك يا أخي؟!

تريد الشيطانَ عدوك أن يفرح بك، لتكون عبداً وحماراً له، يركب على ظهرك ورقبتك، ويسوقك إلى جهنم، ثم يقذفك فيها، ثم يتخلى عنك في النار ويقول: وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [إبراهيم:22] ما أخذتك بكتاب ولا بعصا: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم:22]* فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم:22] خزي والله أعظم خزي!

أيُّ مجد وأيُّ عَظَمَة أعظم من أن يفرح بك ربُّك، ويكرمك ويحفظك في الدنيا، ثم يدخلك الجنة في الآخرة؟

أخي في الله: ألا يُبْهِرك هذا الترحيب، وهذه الفرحة من ربك؟! أترى سروراً أو فرحةً تعدِل هذه البهجة الخالصة من الله عز وجل؟!

يا أخي في الله: إن تصحيح وضعك بعد إجراء المحاسبة، هو تجديد لحياتك، ونقلة حضارية حاسمة لتغير معالم نفسك، وذلك لا يعني أن تدخل أعمالاً صالحة وسط جملة ضخمة من العادات القبيحة، والتصرفات والأخلاق السيئة، فهذا خلط وتغشيش لا يصلح.

إن العودة تتطلب منك أن تعيد ترتيب حياتك كلها، وأن تستأنف مع ربك علاقةً كاملة أفضل، وعملاً أكمل، وعهداً، وعقيدةً، وهو يدعوك سبحانه وتعالى إلى هذا في سيد الاستغفار؛ ففي صحيح البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، خلقتَني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

إن العودة إلى الله تقتضي أن تعيد تنظيم حياتك كلها، وتُجْري تغييراً كاملاً:

تغييراً للشريط الذي كنت تسمعه!

وتغييراً للمجلة التي كنت تشتريها!

وتغييراً لطريقة النوم!

وتغييراً لوقت النوم!

وتغييراً لوقت الاستيقاظ!

وتغييراً للزملاء والأصدقاء!

وتغييراً لمواعيد الدوام؛ كنتَ تأتي الساعة التاسعة؛ لكن عندما التزمتَ لا تأتي السابعة والنصف إلا وأنت على المكتب؛ لأنك تريد أن تأكل حلالاً!

وتغييراً لأسلوب العمل؛ كنتَ تدخل وأنت تنفخ، وتصيح على الموظفين والمراجعين؛ لكن لما التزمتَ أصبحت تدخل مبتسماً؛ لأن تبسمك في وجه أخيك صدقة، ولأنك لا تحقر من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.

وتغييراً في أسلوب أدائك لعملك؛ كنت من قبل تتنصل عن المعاملات، وتمشِّي الأوراق، وتزيحها، وتمرِّرها، يعني: فقط تتخلص، لكن لَمَّا صرتَ ملتزماً ومسلماً لا تنهي معاملة إلا بعد ضبطها (100 %)، تبحثها من أول ورقة إلى آخر ورقة، لماذا؟! لأنك تغيرت تغيراً كاملاً!

وتغييراً لعينيك؛ إلى أين كانت تنظر؟!

وتغييراً لأذنيك؛ ماذا كانت تسمع؟!

وتغييراً للسانك؛ بِمَ كان يَهْرِف ولا يعرف؟!

وتغييراً لبطنك؛ ماذا كان يأكل؟!

وتغييراً لفرجك؛ أين كان يقع؟!

وتغييراً ليديك!

وتغييراً لقلبك!

وتغييراً لكل شيء في حياتك!

لماذا؟

لأنك راجعتَ نفسك، وجدَّدتَ حياتك.

أيها الإخوة: إننا واقعيون مع كل شيء في حياتنا إلا مع أنفسنا، فما من عمل إلا وله حساب يتقنه، ويعرف مدخله ومخرجه، وربحه وخسارته، بدءاً بالفرد، ومروراً بالمؤسسة والإدارة والوزارة، وانتهاءً بالدولة؛ هناك ميزانيات سنوية، وسنة مالية، يعرف فيها كل إنسان مركزه المالي، وربحه وخسارته.

وكذلك لا بد من سنة مالية إيمانية لك أيها الأخ، تعرف فيها خسارتك وربحك مع الله عز وجل.

وموضوع المحاضرة هو: ميزانية نهاية العام، سوف نضع الآن ميزانية للمدخلات والمخرجات، للأرباح والخسائر، للمعاصي والطاعات؛ لنعرف مركزنا الإيماني:

أين نحن من الله؟!

أنحن من أهل البر؟! أم نحن من أهل الإثم؟!

أنحن من أهل الجنة؟! أم من أهل النار؟!

هل فكر أحدنا أن يمسك قلماً ودفتراً، ويسجل فيه ما يفعله، ويعرف بين الحين والآخر رصيده من الخير والشر، لو أننا نخبط في هذه الدنيا خبط عشواء، ونتصرف دون معقِّبٍ أو محاسِبٍ أو رقيب، لجاز لنا أن نبعثر حياتنا كما يبعثر السفيه ماله؛ ولكن كيف نبعثر أيامنا! وكيف نضيع شهورنا وأعوامنا! والله قد حفظ ودوَّن علينا مثاقيل الذر، وأعد قوائم الحساب الطويل؟!

يقول الله عز وجل: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49].

ويقول عز وجل: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29] كل شيء أنت تعمله تكتبه الملائكة، أنت تُملي وهي تكتب، وكل يوم يكتمل تكتمل معه صفحته، فإذا اكتملت السنة اكتمل السِّجِل، وإذا اكتمل العمر حوِّل إلى الآخرة بسِجِلَّاته، فتأتي فتحملها، قال الله: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31] ترد على الآخرة ومعك سجلاتك، إما بيضاء فيبيِّض الله وجهك، أو سوداء فيسوِّد الله وجه البعيد والعياذ بالله.

يقول ربنا عز وجل: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنِ اهْتَدَى ... [الإسراء:13-15] الهداية لِمَنْ؟ ... فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ ... [الإسراء:15] عندما تضل هل ستضل الناس؟! لا. بل تضل نفسك وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15].

أليس الأجدر بنا والأولى أن نستكشف نحن هذا الإحصاء والحساب؟!

إذا كان عندك رصيد في أي بنك أو في أي مكان، فإنك في كل يومين أو ثلاثة أيام تقول: أعطوني كشف الحساب

لماذا؟!

لأعرف كم ذَهَبَ! وكم بَقِي!

حسناً، وكشف حسابك مع الله:

ألا تريد أن تعرف كم ذَهَبَ، وكم بَقِي؟!

ألا تريد أن تعرف كم ربحك، وكم خسارتك؟!

تريد أن تعيش هكذا ضائعاً، حتى تفاجأ وإذا بالأرصدة كلها ديون على ظهرك!

مَن أكل ولم يدرِ افتقر وهو لا يدري، نحن نُجْري موازنة على شكل مبسط في بيوتنا، كل واحد منا يعمل موازنة شهرية، في يوميْ (28) و(29) ينظر فيهما كم بقي من الراتب، فإذا كان الذي بقي (20) أو (30)، أو (100) فإنها تكفيك حتى آخر اليوم.

ولكن ما هي المشروعات المستقبلية في الشهر الآتي؟! كم تصرف؟

الراتب (4000) ريال:

(1000) ريال تصرفه.

و(1000) ريال لقسط السيارة.

و(1000) ريال لقسط الأرضية.

و(1000) ريال توفره.

هذه المحاسبة تشبه هذه الميزانية؛ لكن بشكل مبسط.

إن الأجدر بنا أن نستكشف نحن حساباتنا، وأن نحصي على أنفسنا الذي يخصنا وحدنا، أما ينبغي أن تكون -يا أخي- على بصيرة بمقدار وحقيقة ما تفعل من خطأٍِ أو صواب؟!

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا

أيها الإخوة في الله: إن الانطلاق في هذه الحياة دون اكتراث، والاكتفاء ببعض الأعمال الباردة لهو نذيرُ هلاكٍ وعلامةُ خسارة.

وإن إهمال النفس، وعدم محاسبتها، والاستغراق في شهواتها، والانغماس في ملذات الحياة، والمنافسة على الحطام الفاني دليلٌ على ضعف الإيمان أو على انعدامه.

فمحاسبةُ النفس ضرورة تتمشى مع طبيعة هذا الدين، يقول عز وجل وهو ينادي أهل الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ... [الحشر:18] ما معنى هذه الآية؟ يعني: محاسبة وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] حتى لا تقول: أنا والله لم أعلم يا ربِّ، لا. بل اتقِ الله، فالله يعلم ماذا تعمل.

ثم يحذرك ويقول: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ ... [الحشر:19] هؤلاء هم الضائعون، نسوا الله، فماذا حصل؟! ... فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ... [الحشر:19] يعني: ما حاسبوا أنفسهم وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19].

ثم بين الله أن هؤلاء لا يستوون مع هؤلاء، فقال عز وجل: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ... [الحشر:20] مَن هم أصحاب الجنة؟! هم الذين حاسبوا أنفسهم، مَن هم أصحاب النار؟! هم الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم. ... أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20] بِمَ فازوا أيها الإخوة؟! بالمحاسبة.

ويروي الترمذي حديثاً في السنن وهو حسـن، قال عليـه الصـلاة والسـلام: (الكيِّـس -يعني: الفطن، اللبيب، العاقل، الأريب- من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت -هذا هو الكيِّس- والعاجز مَن أتبع نفسَه هواها، وتمنى على الله الأماني).

وهناك أثر لـعمر يقول فيه: [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على ربكم، وإن قوماً حاسبوا أنفسهم في الدنيا فسَهُل عليهم الحساب يوم القيامة، وإن قوماً أهملوا الحساب في الدنيا فشَقَّ عليهم الحساب يوم القيامة].

والذي يحاسب نفسه الآن في أنظمة المرور، فيراجع دائماً رخصة القيادة ومتى تنتهي، ويراجع رخصة (الاستمارة) ومتى تنتهي، فيجددها، ويراجع علامة (الفحص) الدوري ومتى تنتهي، فيجددها، هذا عندما يمر في الشارع ويجد نقطة مرور وفي هذه اللحظة تقوم بالتفتيش على السيارات، فبمجرد أن ينظر المرور في الرخصة وإذا بها مجدَّدة، والاستمارة مجدَّدة، (والفحص) جديد، ما رأيكم في هذا؟! هل هو مستريح أم غير مستريح، فعندما يرى الناس كلهم واقفين، يمضي ورأسه مرفوع في السماء، فلا يخاف من شيء، وإذا وقف عند العسكري:

- أين الرخصة؟

- خذ.

- أين (الاستمارة)؟

- تفضل.

- عجيب! أين الفحص؟

- انظر، أما تراه أنت؟!

- يتكلم ورأسه في السماء.

- لماذا؟!

- لأنه حاسب نفسه قبل أن يأتي إلى هذا المكان.

- فماذا يفعل به العسكري؟!

- غصباً عنه يقول: تفضل.

- لماذا؟

- لأنه محاسبٌ لنفسه، ماضٍ في الخط.

لكن ما ظنكم بشخص رخصته انتهت منذ ثلاث سنوات، (والاستمـارة) من يوم أن أخذها لم يجددها، (والفحـص) الدوري ما زال على ذلك اللون الأصفر من الـ(1408هـ)، قد جاء (1409هـ)، و(1410هـ)، و(1411هـ)، وهو ما زال في (1408هـ)؟! ما رأيكم؟!

وعندما مرَّ في الخط السريع، وإذا بنقطة المرور تقف هناك، فنظر وقال: أوه! ضرب الفأس في الرأس. بعضهم يقف جانباً وينزل ويذهب ويقول: سأقعد إلى ما بعد العشاء ثم آتي لآخذ السيارة؛ لكن أفراد المرور أذكياء يضعون له قيوداً يقيدون بها سيارته، وإذا رجع إليها فإذا بها مقيدة، فلا يأخذها إلا بأمرهم. وبعضهم يحول ويرجع إلى ورائه كيْلْوَيْن أو ثلاثة من أجل أن يبحث له عن مخرج يخرج منه؛ لكن أفراد المرور أذكياء، لا يقفون عند المكان الذي فيه مخرج، بل يقفون عند مخنق، حتى لا يستطيع أحد أن يفر من عندهم. وبعضهم يقول: والله ورطة؛ لكن الله يخلصنا، لعلنا نخرج من هذا المأزق، بأن يتركنا رجل المرور هذه المرة ويكون طيباً، ويواصل، فإذا وصل عند العسكري ترى السائق وجهه صغيراً، وصوته خافتاً:

- أين الرخصة؟!

- حاضر.

لا يريد أن يخرجها، يريد أن يلهيه قليلاً حتى يقول العسكري: خلفك أناس، هيا اذهب فقط، وفي المرة الأخرى حضِّرها وأخرجها بسرعة، عندما ترى النقطة حضِّر الرخصة.

ولكن العسكري يقول له: لِمَ لَمْ تحضِّرها؟! ألا تعرف أنا نطالب الناس بالرخص؟!

فيقول: دعني أَنْظُر.

فيبحث في جيبه فلا يجدها، فيفتح الدرج فلا يراها:

يا أخي ...!

أقول لك شيئاً؟! فيقول العسكري: قف جانباً، قف جانباً، دع غيرك يمشي، ما دام أنه لا رخصة معك فقف جانباً.

ثم يُضْطَرُّ إلى أن يُخْرِجَ الرخصةَ؛ لأن عدم وجود الرخصة مصيبة ثانية، فالذي ليس معه رخصة مصيبته أعظم من الذي معه رخصة ليست مجدَّدة، ثم يأتي بها إليه، ويقول له: والله أنا آسف يا شيخ، المعذرة، والله لم أستطع أن أجدد الرخصة، كان عندي ظروف.

لماذا إذاً تهين نفسك؟! لماذا تذل نفسك؟! لماذا لم تجدد رخصتك وتجعل رأسك في السماء؟!

أيها الإخوة! هذا في الدنيا.

فكيف بمن لا يراجع نفسه، ويأتي يوم القيامة وليس عنده رخصة سير إلى الله! بل كان يسير إلى النار، وليس عنده (استمارة) توصله إلى الجنة، وليس عنده بطاقة (فحص) دوري لقلبه وإيمانه؟!

يأتي عند الزبانية فلا يقف ربع ساعة ولا نصف ساعة، بل غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] يقول:

عِشْ ما بدا لك جاهداً     في ظل شاهقةِ القصورِ

يُغْدَى عليك بما اشتهيتَ     لدى الرواحِ إلى البكورِ

فإذا النفوس تَقَعْقَعَتْ     في ضيق حشرجة الصدورِ

فهناك تعلم موقناً     ما أنت إلا في غرورِ

إذا بلغت الروح وحَشْرَجَتْ ونَشِبَتْ، فهناك يعرف الإنسان أن هذه الدنيا كلها غرور ومكر وخداع ويقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ [الحاقة:25]* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ [الحاقة:26].

تعويد النفس على فعل الخير وإبعادها عن المؤثرات التي تصرفها عنه

أيها الإخوة: إن ترويض النفس على الخير وفطامها عن الضلال، يحتاج إلى طول رقابة ومحاسبة، وإن إقامة دار جديدة على أنقاض دار خربة، لا يتم إلا بصعوبة بالغة وجهد جهيد، فكيف ببناء نفس؟!

أترون ذلك يتم بالغفلة والإهمال والمكر؟!

كلا والله، لا بد من الحساب الدقيق، والمقارنة، والإحصاء، واليقظة.

إن علاج الأمور بمغالطة النفس، وتغطية العيوب، وتلميع النفس، والتطبيل لها، وتزيين المظاهر لها، لا جدوى منه ولا خير فيه، وكُلُّ ما يحرزه الإنسان من هذا العلاج، هو رواج كاذب لن يغير من الحقيقة شيئاً.

إن الإنسان يتجاوب مع المؤثرات التي تحيط به من الخير والشر، كما يتجاوب جهاز الاستقبال في المذياع مع الموجات التي تملأ الجو، كل شخص يتأثر، هناك موجات ومؤثرات عليك، خير وشر.. وقلبك يتأثر بالخير كما يتأثر بالشر، إذا جلست في مجلس علم فإنه يحيي قلبك، وإذا جلست في مجلس لغو ولهو وغيبة ونميمة وطرب ولعنة -والعياذ بالله- يتأثر قلبك، مثل المذياع، فالجو مملوء كله بالموجات، وأنت تختار الإذاعة التي تريدها، تريد إذاعة القرآن، هذا حسن! تريد صوت أمريكا! من الممكن أن تلقاها، وهكذا.

إن الإنسان يتأثر، وبحسب وضع قلبك وضبطه على جهة الاستقبال، تكون طبيعة الإذاعة التي تصدر عنك يا أخي في الله.

كذلك الإنسان إذا حاسب نفسه، وضبط المعايير، فيضبط عينَيه، لا يتركهما مفتوحتين على كل شيء، بل يضبطهما: يا عين! لا تنظري إلا الحق، ويا أذُن! لا تسمعي إلا الحق، ويا لسان! لا تتكلم إلا بالحق.

أما أن يفتح عينَيه على الحق والباطل، وأذُنَيه على الحق والباطل، ولسانه في الحق والباطل، وبطنه في الخير والشر، فمعنى هذا أنه مطلق، ليس عنده مسارات ولا قيود، ولا نظام محاسبة، ثم إن هذا المطلق، لا بد له من قبضة، يقول الله تبارك وتعالى: كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ [القيامة:11-12] مَن يفلته مِن قبضة الله؟! مَن يمنعه مِن أن يناديه الله؟! الله يقدر عليه ولا يمنعه مِن الله مانع، والله يمنعه فلا يقدر عليه أحد إذا منعه تبارك وتعالى.

حالات ضبط النفس وإهمالها

إن ضبط مسارات النفس -أيها الأخ في الله- إذا حاسبتها فإنها تطيب، وإذا أهملتها فإنها تخبث.

ففي الحالة الأولى: يحيا الإنسان في جو من الخير، فينحسر دونه، وتنحسر وتمتنع موجات الإثم والعصيان، وهو ما أشار الله إليه عز وجل بقوله في القرآن عن الشيطان: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99] فليس للشيطان سلطان عليك.

لماذا؟!

لأنك حددتَ اتجاهاتك، ضبطت موجات الاستقبال عندك، قال: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99] فعلى مَن سلطانُه؟!

قـال: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ ... [النحل:100] مَنْ هُمْ؟! ... يَتَوَلَّوْنَهُ [النحل:100] ضبطوا الموجات على استقبال الشيطان؛ الأغاني تضرب في أذن أحدهم كل يوم، ويريد من الله أن يهديه، والنظر المحرم كذلك، كل يوم يذهب إلى الأسواق والمعارض فينظر بعينيه في محارم المسلمين كالكلب، ويريد أن تأتيه الهداية، وبطنه مملوء بالربا والحرام والرشوة، ولسانه لا يكف عن الكلام طوال اليوم، في اللعن والسب والشتم والغيبة والنميمة!

قال عز وجل: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ... [النحل:100] تولوا الشيطان، ... وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:100].

وفي الحالة الثانية: الذي لا يستجيب لدواعي الإيمان ويستجيب لدواعي الشيطان ماذا يحصل له؟!

تؤزُّه الشياطين.

لماذا؟

لأنه أصبح مَركباً لها، يقول الله: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ ... [مريم:83] ماذا تصنع بهم؟! ... تَؤُزُّهُمْ أَزّاً * فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً [مريم:83-84] هم يغفلون والله لا يغفل، هم لا يحسبون والله يحسب: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ ... [المجادلة:6] وماذا؟! ... وَنَسُوهُ [المجادلة:6]، إذا نسيتَ فإن الله لم ينس، وإذا غفلت فإن الله لم يغفل، وإذا لم تحسب فإن الله يحسب عليك، أنت لست مغفولاً عنك، فإذا غفلتَ سلط الله عليك الشياطين، وأرسلها: تَؤُزُّهُمْ [مريم:83] قال العلماء: تؤزُّهم: تدفعهم إلى المعاصي، تدعوهم إلى المعاصي، تصدهم عن الهداية.

لماذا؟!

لأنهم أصبحوا حميراً للشيطان، أصبحوا مَراكب لإبليس. والعياذ بالله!

وقد طلب الله من عباده أن يتحصَّنوا من الداخل ضد كيد الشيطان باليقظة أولاً، وصدق التوجه، والاستعاذة، واللجوء إلى الله؛ للاحتماء بقوته، والاستجارة بعزته؛ ولكن لا بد مع الاستعاذة من عمل، فإذا قال الطالب في آخر الامتحان: أعوذ بالله من السقوط في الامتحان، فلا يغنيه هذا إلا إذا أقبل على دروسه، فيقبل على الدروس ويذاكر ويقول: أعوذ بالله من السقوط، أما أن ينام ويلعب طوال العام ويقول: أعوذ بالله من السقوط فإنه يسقط غصباً عنه.

وإذا قال التاجر: أعوذ بالله من الخسارة، فلا يُقْبَل منه ذلك حتى يعرف رأس ماله، وأرباحه، وخسائره، وإلا خسر.

فحين تستقر الحقائق الإيمانية في قلب المؤمن، ييئس الشيطان ويندحر، ولا يتمكن منك أيها المسلم؛ لأنك قوي.

انظر يا أخي إلى الرياح العاصفة، إذا هبت على الصحراء أثارت غبارها، وإذا مرت على المياه حركت لُجَجها؛ ولكن هذه الرياح العاتية، حينما تتناوش مع قمم الجبال الشمّاء، لا تنال منها منالاً، الريح العاصفة إذا جاءت في الصحراء تُحْدِث زوبعة، وتأخذ الرمال وترفعها إلى السماء، وإذا جاءت على البحر تُحَرِّك الأمواج؛ ولكن إذا جاءت إلى الجبال ماذا تفعل بها؟! هل تحرك الجبال؟! أبداً. الريح تعرض والجبل ثابت.

كذلك أنت يوم أن تكون جبلاً من جبال الإيمان، إذا مرت بك رياح المعاصي، وعواصف الشهوات؛ لا تكن سهلاً فتعصف بك، ولا تكن ماءً فتحركك، فكن جبلاً من جبال الإيمان والعقيدة، تمر بك العواصف فتتبخر وأنت ثابت، لا تنال منك منالاً لأن رأسك في السماء، وقمتك سامقة:

سأعيش رغم الداءِ والأعـداءِ     كالنسر فوق الهمة القعساءِ

ويقول الناظم:

ومن يتهيَّب صعود الجبالِ     يعش أبد الدهر بين الحُفَرْ

الذي يتهيَّب صعود جبال الإيمان يعيش في حُفَر ومستنقعات المعاصي، في حفرة الغناء، والزنا، والربا، والمنكرات، ومن عاش في الحُفَر سُلِّطت عليه الأقذار والأوبئة. (فالبيارة) تحفر في الوادي ليس في رأس الجبل، هل رأيت شخصاً يحفر (بيارته) في رأس الجبل؟!

وكذلك الشيطان لا يحفر (بياراته) في قمم جبال أهل الإيمان، وإنما يحفرها في صدور أهل الفسق والنفاق والعياذ بالله.

فالإنسان حينما يكون أمره فرطاً، وحياته غفلة، وأيامه لاهية، فإن الشيطان يستولي عليه، ويتحكم فيه، أما يوم أن يحزم أمره، وينظم شئونه، ويحاسب نفسه، فهيهات أن تنال منه الشياطين شيئاً.

أيها الإخوة في الله: إن الانطلاق في هذه الحياة دون اكتراث، والاكتفاء ببعض الأعمال الباردة لهو نذيرُ هلاكٍ وعلامةُ خسارة.

وإن إهمال النفس، وعدم محاسبتها، والاستغراق في شهواتها، والانغماس في ملذات الحياة، والمنافسة على الحطام الفاني دليلٌ على ضعف الإيمان أو على انعدامه.

فمحاسبةُ النفس ضرورة تتمشى مع طبيعة هذا الدين، يقول عز وجل وهو ينادي أهل الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ... [الحشر:18] ما معنى هذه الآية؟ يعني: محاسبة وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] حتى لا تقول: أنا والله لم أعلم يا ربِّ، لا. بل اتقِ الله، فالله يعلم ماذا تعمل.

ثم يحذرك ويقول: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ ... [الحشر:19] هؤلاء هم الضائعون، نسوا الله، فماذا حصل؟! ... فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ... [الحشر:19] يعني: ما حاسبوا أنفسهم وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19].

ثم بين الله أن هؤلاء لا يستوون مع هؤلاء، فقال عز وجل: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ... [الحشر:20] مَن هم أصحاب الجنة؟! هم الذين حاسبوا أنفسهم، مَن هم أصحاب النار؟! هم الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم. ... أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20] بِمَ فازوا أيها الإخوة؟! بالمحاسبة.

ويروي الترمذي حديثاً في السنن وهو حسـن، قال عليـه الصـلاة والسـلام: (الكيِّـس -يعني: الفطن، اللبيب، العاقل، الأريب- من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت -هذا هو الكيِّس- والعاجز مَن أتبع نفسَه هواها، وتمنى على الله الأماني).

وهناك أثر لـعمر يقول فيه: [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على ربكم، وإن قوماً حاسبوا أنفسهم في الدنيا فسَهُل عليهم الحساب يوم القيامة، وإن قوماً أهملوا الحساب في الدنيا فشَقَّ عليهم الحساب يوم القيامة].

والذي يحاسب نفسه الآن في أنظمة المرور، فيراجع دائماً رخصة القيادة ومتى تنتهي، ويراجع رخصة (الاستمارة) ومتى تنتهي، فيجددها، ويراجع علامة (الفحص) الدوري ومتى تنتهي، فيجددها، هذا عندما يمر في الشارع ويجد نقطة مرور وفي هذه اللحظة تقوم بالتفتيش على السيارات، فبمجرد أن ينظر المرور في الرخصة وإذا بها مجدَّدة، والاستمارة مجدَّدة، (والفحص) جديد، ما رأيكم في هذا؟! هل هو مستريح أم غير مستريح، فعندما يرى الناس كلهم واقفين، يمضي ورأسه مرفوع في السماء، فلا يخاف من شيء، وإذا وقف عند العسكري:

- أين الرخصة؟

- خذ.

- أين (الاستمارة)؟

- تفضل.

- عجيب! أين الفحص؟

- انظر، أما تراه أنت؟!

- يتكلم ورأسه في السماء.

- لماذا؟!

- لأنه حاسب نفسه قبل أن يأتي إلى هذا المكان.

- فماذا يفعل به العسكري؟!

- غصباً عنه يقول: تفضل.

- لماذا؟

- لأنه محاسبٌ لنفسه، ماضٍ في الخط.

لكن ما ظنكم بشخص رخصته انتهت منذ ثلاث سنوات، (والاستمـارة) من يوم أن أخذها لم يجددها، (والفحـص) الدوري ما زال على ذلك اللون الأصفر من الـ(1408هـ)، قد جاء (1409هـ)، و(1410هـ)، و(1411هـ)، وهو ما زال في (1408هـ)؟! ما رأيكم؟!

وعندما مرَّ في الخط السريع، وإذا بنقطة المرور تقف هناك، فنظر وقال: أوه! ضرب الفأس في الرأس. بعضهم يقف جانباً وينزل ويذهب ويقول: سأقعد إلى ما بعد العشاء ثم آتي لآخذ السيارة؛ لكن أفراد المرور أذكياء يضعون له قيوداً يقيدون بها سيارته، وإذا رجع إليها فإذا بها مقيدة، فلا يأخذها إلا بأمرهم. وبعضهم يحول ويرجع إلى ورائه كيْلْوَيْن أو ثلاثة من أجل أن يبحث له عن مخرج يخرج منه؛ لكن أفراد المرور أذكياء، لا يقفون عند المكان الذي فيه مخرج، بل يقفون عند مخنق، حتى لا يستطيع أحد أن يفر من عندهم. وبعضهم يقول: والله ورطة؛ لكن الله يخلصنا، لعلنا نخرج من هذا المأزق، بأن يتركنا رجل المرور هذه المرة ويكون طيباً، ويواصل، فإذا وصل عند العسكري ترى السائق وجهه صغيراً، وصوته خافتاً:

- أين الرخصة؟!

- حاضر.

لا يريد أن يخرجها، يريد أن يلهيه قليلاً حتى يقول العسكري: خلفك أناس، هيا اذهب فقط، وفي المرة الأخرى حضِّرها وأخرجها بسرعة، عندما ترى النقطة حضِّر الرخصة.

ولكن العسكري يقول له: لِمَ لَمْ تحضِّرها؟! ألا تعرف أنا نطالب الناس بالرخص؟!

فيقول: دعني أَنْظُر.

فيبحث في جيبه فلا يجدها، فيفتح الدرج فلا يراها:

يا أخي ...!

أقول لك شيئاً؟! فيقول العسكري: قف جانباً، قف جانباً، دع غيرك يمشي، ما دام أنه لا رخصة معك فقف جانباً.

ثم يُضْطَرُّ إلى أن يُخْرِجَ الرخصةَ؛ لأن عدم وجود الرخصة مصيبة ثانية، فالذي ليس معه رخصة مصيبته أعظم من الذي معه رخصة ليست مجدَّدة، ثم يأتي بها إليه، ويقول له: والله أنا آسف يا شيخ، المعذرة، والله لم أستطع أن أجدد الرخصة، كان عندي ظروف.

لماذا إذاً تهين نفسك؟! لماذا تذل نفسك؟! لماذا لم تجدد رخصتك وتجعل رأسك في السماء؟!

أيها الإخوة! هذا في الدنيا.

فكيف بمن لا يراجع نفسه، ويأتي يوم القيامة وليس عنده رخصة سير إلى الله! بل كان يسير إلى النار، وليس عنده (استمارة) توصله إلى الجنة، وليس عنده بطاقة (فحص) دوري لقلبه وإيمانه؟!

يأتي عند الزبانية فلا يقف ربع ساعة ولا نصف ساعة، بل غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] يقول:

عِشْ ما بدا لك جاهداً     في ظل شاهقةِ القصورِ

يُغْدَى عليك بما اشتهيتَ     لدى الرواحِ إلى البكورِ

فإذا النفوس تَقَعْقَعَتْ     في ضيق حشرجة الصدورِ

فهناك تعلم موقناً     ما أنت إلا في غرورِ

إذا بلغت الروح وحَشْرَجَتْ ونَشِبَتْ، فهناك يعرف الإنسان أن هذه الدنيا كلها غرور ومكر وخداع ويقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ [الحاقة:25]* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ [الحاقة:26].




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2924 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2921 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2800 استماع
أمن وإيمان 2672 استماع
حال الناس في القبور 2671 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2596 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2568 استماع
النهر الجاري 2472 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2464 استماع
مرحباً شهر الصيام 2394 استماع