عقوبات الذنوب والمعاصي


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة:

هذا الدرس يلقى في مسجد (الأمير متعب) بمدينة جدة بعد مغرب يوم السبت الموافق للتاسع والعشرين من شهر رجب عام (1415هـ) وهو ضمن السلسلة المعلن عنها بعنوان: تأملات قرآنية من سورة الأنعام.

وتأملات هذه الليلة ستقف بنا عند وقفةٍ بعنوان: (عقوبات الذنوب والمعاصي) الذنوب التي تدمِّر أصحابها، والمعاصي التي تهلك مقترفيها، وبيان سنّة الله التي لا تتبدل، والتي يجريها الله عز وجل في كل زمان ومكان، ومع أي جنس من البشر، إذ لا يربط الناس بالله غير العبودية، فليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب ولا سبب إلا سبب العبودية، فمن كان طائعاً لله أعزه الله في الدنيا، وأنجاه من العذاب في الآخرة، ومن كان عاصياً لله أذله الله في الدنيا وأخزاه بالعذاب في النار في الدار الآخرة، فهذه سنة الله في خلقه.

إن الله خلق النار لمن عصاه وإن كان حراً قرشياً، وخلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً، واقرءوا قول الله عز وجل: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ [المؤمنون:101-105] يخاطبهم الله على سبيل التبكيت والاستهزاء، وإلا فالله يعلم أنه قد أنزل عليهم القرآن وتليت عليهم آياته، وأنهم رفضوها: أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [المؤمنون:105] أي: ألم تكن آيات الله التي جاءت من عنده ومنزلة في كتابه تتلى عليكم؟!

وما معنى أنها من الله؟ يعني ذلك: الانصياع والانقياد والإذعان، ومن يرفض ويعاند ويستمر في مخالفة أمره عز وجل رغم علمه؛ يذله الله ولا يهديه أبداً، لماذا؟

لأن الله أراه الطريق الصحيح فتعامى عنه، يقول الله عز وجل: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثـية:23] من يهديه من بعد الله؟ ما دام أن الله أضله وختم على سمعه وقلبه، فلا يسمع كلام الله ولا يفقهه وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً [الجاثـية:23] فلا يرى طريق الله، فمن يهديه من بعد الله؟!

ولماذا أضله الله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة؟

لأنه اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثـية:23] لو اتخذ إلهه مولاه لهدي، ولكن لما اتخذ إلهه هواه أضله الله، حتى لا يأتي شخص فيقول: إن الله هو الذي ختم على قلبه وسمعه وقدر عليه الغواية، فنقول: لا. إنما ختم الله على قلبه وسمعه وبصره حين اتخذ إله هواه.

في البداية يحسن بنا أن نربط الآيات التي تحدثنا عنها فيما سبق مع الآيات الجديدة حتى يكون النسق مترابطاً.

قبسات من نور الربوبية في سورة الأنعام

يقول الله عز وجل في أول السورة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:1-3].

تبدأ السورة بـ(الحمد لله)، أي: الثناء المطلق على الله؛ لأنه هو الذي يستحق الحمد والثناء على ألوهيته المتحققة والمتجلية في خلق السماوات والأرض، وما دام أنه الخالق للسماوات والأرض وما بينهما إذاً فهو المحمود وحده الْحَمْدُ لِلَّهِ [الأنعام:1] لماذا؟!

لأنه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1] ثم تتصل الألوهية بالخصيصة الأولى من خصائص الربوبية وهي الخلق؛ فإنه لا خالق إلا الله.

فمن خصائص الله وصفاته: أنه الخالق، وليس هناك من يخلق غير الله سبحانه وتعالى، ولهذا تحدى الله البشر بأن يخلقوا ذبابة -والذباب أضعف شيء في الدنيا- يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73] فالطالب الإنسان، والمطلوب الذباب، ضَعُف الإنسان والذباب، ولكن الذباب أقوى؛ لأنه يسلب، بينما الإنسان يطارد الذباب فلا يستطيع أن يأخذ الذي أخذه منه.

قال العلماء: كل الحشرات والبهائم والمخلوقات إذا أكلت الطعام فإنها تنزله إلى المعدة ثم تجري عليه عمليات الهضم، ثم يتوزع بواسطة الدم إلا الذباب، لأنه ليس لديه معدة، فينتقل الطعام من فمه إلى الدم مباشرة، ويتحلل كيماوياً، ولهذا إذا أخذ السكر، أو قطعة الحلوى، أو أي شيء من الطعام وأدخله في فمه فإنه يذوب ويتحلل بحيث لو أمسكت بالذباب وأردت أن تُخرج منه شيئاً لا تستطيع إخراجه؛ لأنه قد تحول إلى شيء آخر ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73].

ولو اجتمع من في الأرض كلهم على أن يخلقوا ذبابة ما استطاعوا، بل ولا حتى شعيرة، لماذا؟ لأن الخلق من خصائص الرب سبحانه تبارك وتعالى.

ثم تحدث الله في سورة الأنعام عن أضخم الظواهر الكونية الناشئة عن خلق السماوات والأرض وهي: جعل الظلمات والنور، الظلمات الحسية والنور الحسي، والظلمات المعنوية والنور المعنوي، وكما ذكرت لكم في الدرس الماضي: أن النور هو نور الله، وأن هناك -كما يقول العلماء- نوران وظلمتان، لا يتم الاستفادة من أحدهما إلا بوجود الثاني، النور الأول: نور معنوي، والنور الثاني: نور مادي، وزيادة في الإيضاح: الشمس والمصباح لهما نور، لكن لا يتم الاستفادة من نور الشمس أو المصباح إلا بنور البصر.

إذاً لا تتم الاستفادة من نور الكهرباء أو الشمس أو المصباح إلا إذا وجد نور العين الذي هو نور الإبصار.

فإذا لم يكن الإنسان مبصراً فهل يرى الإنسان النور؟ لا. أو وُجدت العين الصحيحة السليمة لكن ليس هناك نور هل يرى الإنسان في الظلام؟

لا. لا يرى.

إذاً لا بد من النورين: نور البصر ونور الضوء.

وكذلك في الناحية المعنوية لا بد من نورين: نور القرآن ونور البصيرة، فالذي عنده نور القرآن والإيمان نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35] فإنه يستفيد من هذا النور، وأما من عنده نور القرآن ولكن ليس عنده نور الإيمان فإنه لن يستفيد، مثله مثل المنافقين الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يرون الرسول بأعينهم، ويعايشون نزول الوحي من السماء حسب الوقائع والأحداث، لكن لما انعدم نور القلوب كفروا بالله سبحانه وتعالى، لذلك يقول الله عز وجل: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125].

فإذا وجد في قلبك نور الإيمان؛ استفدت من نور القرآن ونور السنة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والإسلام والصلاة.

وإذا لم يكن في قلب العبد نور الإيمان فلن يستفيد من نور القرآن، لماذا؟ لأن مثله كمثل الذي عنده شمس لكن ليس عنده بصر فلا يستفيد من الشمس؛ لأنه ليس لديه بصر، وكذلك لا يستفيد من نور الدين إلا من كان عنده نور بصيرة إيمانية تملأ قلبه.

إذاً: تلك وقفة مع قوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1].

ثم قال عز وجل بعد هذا: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1] يا لها من مفارقات بين دلائل ناطقة في الكون بخلق الله للسماوات والأرض وبين انحراف وميل الكافر عن المنهج السوي! مفارقات تعدل الأجرام الضخمة، والمسافات الواسعة بين تلك الأجرام، وتعدل الظواهر المتنقلة.

نظرة إلى أصل الوجود الإنساني تقرر وجود الخالق

يقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2] هذه نظرة إلى أصل الوجود الإنساني، وأنه مخلوق من طين، وفي هذا لمسة وإشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي له أن يتكبر، أو يتعاظم، أو يفخر وأصله من طين، بل عليه أن يعرف أصله وأساسه، كما قال الله عز وجل: فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7].

قيل: إن الحسن البصري قال للمهلب : أنت الذي خرجت من موضع البول مرتين: الأولى من ذكر أبيك، والثانية من رحم أمك، خرجت من ذكر أبيك وأنت نطفة، ثم خرجت من رحم أمك وأنت طفل صغير، ثم رباك الله بالنعم، وزودك بكل هذه الإمكانيات فلا تنس أصلك.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ [الأنعام:2].

الأجل الأول: أجل الحياة، أجل الإنسان الذي يعيشه ثم يموت، والأجل المسمى عنده: الأجل العام، أجل تدمير الحياة كلها، وقيام الناس من قبورهم للبعث وللحساب يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6].

ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2] وصف الله سبحانه الكافر في الآية الأولى بقوله يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، وهنا قال الله سبحانه: تَمْتَرُونَ ، والمرية هي: الشك، أي: تشكون في الله أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم:10].

ويقول الله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] أيبقى مجال للشك أو المرية بعد كل هذه الدلائل؟!

خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وخلقكم من طين، وقدَّر آجالاً مسماة عنده، وآجالاً معروفة مكشوفة للناس في عالم الحياة ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2]؟!

ثم يقول الله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام:3] لا تغيبون عنه، إنه مالك الملك .. عالم الغيب والشهادة يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3] أي: يعلم ما تقترفون، وما تعملون من عمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

إن الذي خلق السماوات والأرض هو الله المتفرد بالألوهية، وكل مقتضيات الألوهية متحققة فيه ولا ينازعه فيها أحد، ومقتضيات الألوهية: الخلق .. الرزق .. التدبير .. الإحياء .. الإماتة .. النفع .. الضر .. تعاقب الليل والنهار .. الرفع .. الخفض .. البسط .. القبض .. الإعطاء .. المنع .. كل هذه من الله ولا ينازعه فيها أحد؛ لذا فهو الإله الحق المستحق للألوهية والعبودية.

لقد خلق الله عز وجل الإنسان كما خلق السماوات والأرض وهو في تكوينه من الطين، وما رزقه الله من خصائص فهي بنعمة منه وفضل، والأليق للإنسان وهو يعرف أصله: أن يتبع سنّة الله عز وجل فيما يعتقده من عقيدة، ويتصوره من تصورات، ويعيشه من حياة؛ لتستقيم حياته مع سنن الله عز وجل، ومع الحياة التي سنها الله في الكون حين تحكمها شريعة الله، ولكي لا يناقض بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً، ولا يمزق بعضها بعضاً.

إن هذه الآيات -أيها الإخوة- إنما تخاطب العقل البشري بدليل الخلق، فإن العقل يقف عند هذه الدلائل موقف المسلِّم ولا يستطيع أن يناقش أو يجادل بدليل الإحياء: الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2] ثم بدليل الإيحاءات التي تقذفها هذه الآيات في النفس، فتوقظ الفطرة وتحركها في صورة التقرير لا في صورة الجدل، وبسلطان اليقين المنبعث من تقرير النفس البشرية من داخلها، ومن شهادة الفطرة الداخلية بصدق هذا التقرير الذي تراه مبثوثاً في كل معالم الكون.

فوجود السماوات والأرض وتدبيرها على هذا النسق وعلى هذا النظام، ونشأة الحياة، وحياة الإنسان كلها تواجه الفطرة بالحق وتوقع فيها اليقين بوحدانية الله، والوحدانية هي القضية التي استهدفتها السورة من أولها إلى آخرها.

إن مشركي العرب ما كانوا يجحدون وجود الله، ولهذا ليس هناك من نبي بعثه الله إلا وهو يقول للناس: أن آمنوا بوجود الله كما قال الله عز وجل في القرآن: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [المائدة:117] لأن قضية وجود الله فطرة في النفس لا تستطيع أن تغالطها، والذين كانوا يغالطونها تركوا المغالطة، فالدهريون الذين يقولون: (لا إله والحياة مادة) -وهم الشيوعيون في الأزمنة الماضية- رجعوا، والشعوب التي مورس ضدها الاضطهاد عن طريق قصرها على الإلحاد خرجت بعد سبعين سنة من النظام الشيوعي لتعلن أنه لا بد من إله، لأن معنى أن الإله غير موجود: أنك أنت لست موجوداً أيها الإنسان؛ لأن وجودك دليل على وجود الله، من أوجدك؟!

فالبعرة تدل على البعير، وأثر القدم يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، أفلا تدل على السميع البصير!

إن عدم إيمان الإنسان بوجود الله معناه: أنه لا يؤمن بوجود نفسه، وهل هناك إنسان عاقل يلغي وجود نفسه؟!

أبداً. فقضية وجود الله لا جدال فيها بين العقول أبداً في القديم والحديث، إنما المشكلة في قضية وحدانية الله؛ لأن النفس البشرية اتخذت آلهة، فعبدوا الحجر، والشجر، والشمس والقمر، والبقر، اتخذوا أصناماً وآلهة متعددة، فجاء الإسلام ليلغي ويبطل هذه الآلهة المزعومة، ويبين ويثبت أن الله هو الإله الحق, ولهذا كل نبي يقول لقومه: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:3] اعبدوا الله واتقوه وخافوه وحده، وأطيعوني في الشرع الذي بعثني الله عز وجل به.

تكفير الله لمنكري الألوهية

إن مشركي العرب -كما قلت- ما كانوا يجحدون وجود الله، بل كانوا يؤمنون بوجوده، ويعترفون بأنه الخالق والرازق والمحيي والمميت، يقول الله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38].

وهؤلاء المشركون في مكة ، لو قلت للمشرك منهم: من خلق السماوات والأرض؟ يقول: الله، فإذا قلت له: إذا كنت مقراً بأن الله هو الذي خلق الخلق وحده فيجب أن تعبده وحده، يقول: لا. هذا فيه نظر، أعبده وأعبد آلهة معه، ولماذا تعبد آلهة معه؟ قال: كي توصلني إليه، ولذا قال عز وجل: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

هذه شبهتهم في العبادة، يقولون: نحن لا نستطيع أن نصل إلى الله مباشرةً، فلا بد من وسيط وشفيع يقربنا ويزلِّفنا إلى الله: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] فجاءت العقيدة لتبطل هذا الزعم، ولتبين أن الله يُعبد من غير واسطة، ويمكن الوصول إليه من غير شفيع، وإذا دعوته فإنه قريب: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

ولذا وصمهم الله عز وجل بالشرك والكفر مع إقرارهم بوجوده سبحانه وتعالى، فلم ينفعهم هذا الإقرار، إذ لم يوحدوا الله بتوحيد الألوهية.

فدليل الخلق والحياة هي من دلائل وجود الله عز وجل وألوهيته، كما أنهما صالحان لمواجهة المشركين وتقرير وحدانيته أيضاً، وهما كذلك صالحان لمواجهة اللوثات الجاهلية الحديثة التي تنكر وجود الله، فهي لوثة دخيلة ومسحة تريد أن تجحد وجود الله، فنواجهها بما واجه الله عز وجل به كفار قريش بدليل الخلق، فدليل الخلق قاطع ومقنع على وجود الله تبارك وتعالى.

حرص الملاحدة على عزل الدين من حياة المسلمين

لئن فشل أعداء الله من اليهود والنصارى والصليبيين والوثنيين والملاحدة في إقناع البشر بعدم وجود الله -لأن ذلك مفطور في فطر الناس- إلا أنهم قد أفلحوا إلى حد بعيد في إقناع كثير من المسلمين بإمكانية تنحية هذا الدين من واقع حياتهم، وإيهامهم بأنه يمكن لهم أن يظلوا مؤمنين بالله حتى مع وجود أرباب أخرى تشرع لهم من دون الله؛ ويصلون بذلك إلى تدمير الإسلام، وعزل الدين عن حياة الناس، مع إيهام الناس أنهم لا يزالون على الدين.

وهذا هو غاية الخبث والشر! أن يعتقد الإنسان أنه على دين وهو ليس على دين، أنه مسلم وهو ليس بمسلم، مسلم فقط بالوراثة .. بالتبعية .. بالهوية .. بالمزاج .. أما بالاستسلام لله، وبالخضوع لشرعه وبتحكيم أحكام الله، فلا!!

هذا ما حرص عليه أعداء الله عز وجل من زحزحة المسلمين عن هذا المفهوم، وإقناعهم وإيهامهم أنه بالإمكان أن يبقى الإنسان مسلماً ولو لم يصل أو يزكِ .. بل ولو ارتكب جميع المحرمات، واقترف جميع الذنوب والمعاصي والسيئات.

هذا هو الذي استطاع أعداء الله عز وجل أن يوقعوا الناس فيه؛ لأنهم يئسوا من أن يحولوا الناس إلى ملاحدة أو إلى ديانات أخرى، فلا يستطيع مسلم أن يتحول إلى يهودي أو نصراني أبداً.

نعم. الآن عمليات التنصير منية بالفشل، ولكن عملية الدعوة إلى الإسلام ناجحة، فمئات البشر الآن بل الآلاف في كل دول الأرض يتركون دياناتهم اليهودية والنصرانية والهندوسية ويسلمون بجهود بسيطة.

إن الدعوة إلى الله نور يمشي في الأرض، وتحمله ثلة قليلة، وتدعمه إمكانيات محدودة، ومع هذا ينتشر، بينما التنصير تدعمه دول، وتوظف له إمكانيات ضخمة: قنوات فضائية، إذاعات، صحف، إرساليات، كتب، أموال طائلة .. ومع ذلك لا يدخل في دين النصارى إلا أحد رجلين: جائع أو مريض، فإذا شبع قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإذا تعافى قال: الحمد لله الذي عافاني ورد علي عافيتي، يعني بعد عشرين سنة من التنصير يقول: اللهم صلِّ على محمد؛ لأنه مسلم، فكيف يمكن أن تمسخ فطرته؟! لا يمكن. هو أطاعك يوم أن كان جائعاً يحتاج إلى الأكل، ولما أكل وشبع رجع إلى أصله وفطرته، وأطاعك يوم أن كان مريضاً يحتاج إلى العلاج.

لكن الآن الذين يدخلون في الدين الإسلامي هل يجدون نتائج طيبة وطريقاً مفروشاً بالورود عند دخولهم في الدين الإسلامي؟

لا. بل إنهم يقدمون التضحيات.

حياة المؤمن هي بحياة روحه

الإنسان عندما يُسلم تتكالب عليه الدنيا كلها، ويضايق في رزقه، ويحارب في حياته، ولكن مع كل ذلك يصبر، ويثبت على دين الله عز وجل ولا يبالي ولو مات، ولو قطع قطعة قطعة؛ لأنه وجد الدين الحق.

قابلني أحد المسلمين الجدد -من مسلمي أمريكا - في الحج، قلت له: كم عمرك؟ -وعمره أظن أنه خمس وثلاثون سنة.

قال: عمري ست سنوات.

قلت: كيف ست سنوات؟! عمرك أقل شيء خمسين أو أربعين سنة.

قال: تريد عمري الحقيقي أم عمري الوهمي؟!

قلت: بل عمرك الحقيقي.

قال: عمري الحقيقي ست سنوات.

قلت: كيف ذلك؟!

قال: أسلمت منذ ست سنوات، فأنا حي منذ ست سنوات، لكن قبل ست سنوات ما كنت حياً، كانت حياتي حياة بهيمية.

ثم قال لي: أنتم إذا جاءكم عجل أو جحش أو أي حيوان هل تسجلون تاريخ ميلاده؟

قلت: لا.

قال: وإذا مات هل تعملون له شهادة وفاة؟

قلت: لا.

قال: حياتنا كانت هكذا، نحن كنا كالبهائم، لا نستحق أن نُسجَل في تاريخ ميلاد أو وفاة؛ لأنه لا حياة لنا، ولكن في ظل الدين والإيمان بالله عز وجل ولدت قبل ست سنوات.

ثم قال: الحمد لله الذي أحياني قبل أن يميتني.

يقول: الحمد لله الذي أحياني حياة الإيمان قبل أن أموت فألقى الله وأنا على غير الإيمان.

فذكرت قول الله عز وجل: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122] وذكرت قول الله عز وجل: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ [فاطر:19-22]

من هو الأعمى ومن البصير؟

الأعمى هو الكافر، والبصير المؤمن.

من الذي في الظل ومن الذي في الحرور؟

الذي في الظل المؤمن، والذي في الحرور الكافر.

ومن الذي في الظلمات ومن الذي في النور؟

الذي في الظلمات الكافر، والذي في النور المؤمن.

من الحي وهو الميت؟

الحي: هو المؤمن، والميت: هو الكافر، وإن كان الكافر حياً لكنه يعيش حياة الصراصير والكلاب والقردة والخنازير، وهذه ليست الحياة الحقيقية، إنما الحياة الحقيقية هي التي تنبع من استجابتك لله، ولهذا يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24].

ما الذي يحيينا؟ إنه الدين .. إن ما يحيي الماديين الآن الهواء والغذاء والماء، لكن هذا يحييك ويحيي الحمير والبقر معك، لكن الذي يحييك أنت كإنسان هو الدين والإيمان، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] ثم قال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24] يَحُولُ بينك وبين قلبك، متى؟ إذا لم تستجب، فإذا استجبت لله عز وجل أصبحت حياً، وإذا لم تستجب حال بينك وبين قلبك.

وتصور من يعيش وبينه وبين قلبه حائل هل يعرف مصالحه أو حياته أو سعادته؟!

لا. هناك موانع بينه وبين قلبه، يعيش في وادٍ وقلبه في وادٍ آخر، عدو نفسه، تصرفاته كلها وبال عليه، يسمع ما يغضب الله فيصب في أذنيه الرصاص المذاب يوم القيامة، ينظر إلى ما حرم الله فتملئ العينات من جمر جهنم، يأكل الربا فيأكل النار -والعياذ بالله- يقع في الزنا فيعذب في النار، يمارس الجرائم وفي نفس الوقت يظن أنه في نعمة وعلى خير، لماذا؟

قال العلماء: لأن الله قد حال بينه وبين قلبه، وإلا لو كان معه قلب ما حدث هذا، ولهذا يقول الله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37] وليس المقصود بالقلب هنا هذه العضلة التي تضخ الدم؛ لأن هاذ الجهاز مع الثور مثله عشر مرات تجد أن قلبه يعمل وهو أبلد حيوان، ليس هذا هو المعني، إنما المقصود هو القلب الذي يفقه عن الله، ويعي أوامر الله، ونوَّره الله بالدين، هذا هو القلب، أما العضلة التي في الجسم ما هي إلا عضلة.

بل الآن يعالجون بنقل الأعضاء، إذا مات شخص يأخذون قلبه ويضعونه لمريض آخر، ثم بعد أن يتعافى تسأله: ما اسمك؟ يقول: أنا محمد، وكم عندك من الأولاد؟ قال: أربعة أولاد، كل حياته موجودة رغم أن القلب غير القلب، إذاً هذا ليس هو القلب، هذا اسمه عضلة ضخ الدم، تعارف الناس على أن اسمها قلب، مثل عضلة الكبد أو عضلة الرئة، أو أي عضلة في جسمك، إنما القلب هو الذي تسمع به القرآن، وتفقه به الدين، فالقلب سيد الجوارح (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).

وترون الآن في عالم المشاهدة لو أن هناك شخصاً كان ضالاً، منحرفاً، قاطعاً للصلاة، مرتكباً للجرائم، ثم منَّ الله عليه بالهداية وأصلح الله قلبه وهداه، وإذا بالرجل يعزم على إصلاح حاله، أول ما يصلح في هذا الرجل قلبه، هو الذي يصمم من القلب أن يتوب، فَيَصلُحُ مع قلبه جميع جوارحه: وعينه، وأذنه، ويده، وفرجه، ورجله وبطنه ... وحياته كلها تصلح، لماذا صلحت حياته كلها؟ لأن القلب صلُح، لكن إذا فسد القلب فسدت العين فنظرت إلى الحرام، وفسدت الأذن فسمعت الحرام، وفسدت اللسان فتكلم بالحرام، وفسد الفرج فوقع في الحرام، وفسدت البطن فأكلت الحرام، وفسدت اليد فامتدت إلى الحرام، فتفسد الحياة كلها، لماذا؟ لأن القلب خرب ميت، لكن عندما يُنَوُر بنور الإيمان، يصلح الإنسان في هذه الدنيا والآخرة.

إن أعداء الله عز وجل لما يئسوا من إدخال الناس في الإلحاد أو الديانات الباطلة، نجحوا إلى حد بعيد في تمرير هذه الخدعة على بعض المسلمين، فحالوا بينهم وبين العمل بهذا الدين، إلا أن الأمل في الله كبير، والثقة في هذا الدين عميقة: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] وهو الذي يقول: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:46-52].

يقول الله عز وجل في أول السورة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:1-3].

تبدأ السورة بـ(الحمد لله)، أي: الثناء المطلق على الله؛ لأنه هو الذي يستحق الحمد والثناء على ألوهيته المتحققة والمتجلية في خلق السماوات والأرض، وما دام أنه الخالق للسماوات والأرض وما بينهما إذاً فهو المحمود وحده الْحَمْدُ لِلَّهِ [الأنعام:1] لماذا؟!

لأنه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1] ثم تتصل الألوهية بالخصيصة الأولى من خصائص الربوبية وهي الخلق؛ فإنه لا خالق إلا الله.

فمن خصائص الله وصفاته: أنه الخالق، وليس هناك من يخلق غير الله سبحانه وتعالى، ولهذا تحدى الله البشر بأن يخلقوا ذبابة -والذباب أضعف شيء في الدنيا- يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73] فالطالب الإنسان، والمطلوب الذباب، ضَعُف الإنسان والذباب، ولكن الذباب أقوى؛ لأنه يسلب، بينما الإنسان يطارد الذباب فلا يستطيع أن يأخذ الذي أخذه منه.

قال العلماء: كل الحشرات والبهائم والمخلوقات إذا أكلت الطعام فإنها تنزله إلى المعدة ثم تجري عليه عمليات الهضم، ثم يتوزع بواسطة الدم إلا الذباب، لأنه ليس لديه معدة، فينتقل الطعام من فمه إلى الدم مباشرة، ويتحلل كيماوياً، ولهذا إذا أخذ السكر، أو قطعة الحلوى، أو أي شيء من الطعام وأدخله في فمه فإنه يذوب ويتحلل بحيث لو أمسكت بالذباب وأردت أن تُخرج منه شيئاً لا تستطيع إخراجه؛ لأنه قد تحول إلى شيء آخر ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73].

ولو اجتمع من في الأرض كلهم على أن يخلقوا ذبابة ما استطاعوا، بل ولا حتى شعيرة، لماذا؟ لأن الخلق من خصائص الرب سبحانه تبارك وتعالى.

ثم تحدث الله في سورة الأنعام عن أضخم الظواهر الكونية الناشئة عن خلق السماوات والأرض وهي: جعل الظلمات والنور، الظلمات الحسية والنور الحسي، والظلمات المعنوية والنور المعنوي، وكما ذكرت لكم في الدرس الماضي: أن النور هو نور الله، وأن هناك -كما يقول العلماء- نوران وظلمتان، لا يتم الاستفادة من أحدهما إلا بوجود الثاني، النور الأول: نور معنوي، والنور الثاني: نور مادي، وزيادة في الإيضاح: الشمس والمصباح لهما نور، لكن لا يتم الاستفادة من نور الشمس أو المصباح إلا بنور البصر.

إذاً لا تتم الاستفادة من نور الكهرباء أو الشمس أو المصباح إلا إذا وجد نور العين الذي هو نور الإبصار.

فإذا لم يكن الإنسان مبصراً فهل يرى الإنسان النور؟ لا. أو وُجدت العين الصحيحة السليمة لكن ليس هناك نور هل يرى الإنسان في الظلام؟

لا. لا يرى.

إذاً لا بد من النورين: نور البصر ونور الضوء.

وكذلك في الناحية المعنوية لا بد من نورين: نور القرآن ونور البصيرة، فالذي عنده نور القرآن والإيمان نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35] فإنه يستفيد من هذا النور، وأما من عنده نور القرآن ولكن ليس عنده نور الإيمان فإنه لن يستفيد، مثله مثل المنافقين الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يرون الرسول بأعينهم، ويعايشون نزول الوحي من السماء حسب الوقائع والأحداث، لكن لما انعدم نور القلوب كفروا بالله سبحانه وتعالى، لذلك يقول الله عز وجل: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125].

فإذا وجد في قلبك نور الإيمان؛ استفدت من نور القرآن ونور السنة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والإسلام والصلاة.

وإذا لم يكن في قلب العبد نور الإيمان فلن يستفيد من نور القرآن، لماذا؟ لأن مثله كمثل الذي عنده شمس لكن ليس عنده بصر فلا يستفيد من الشمس؛ لأنه ليس لديه بصر، وكذلك لا يستفيد من نور الدين إلا من كان عنده نور بصيرة إيمانية تملأ قلبه.

إذاً: تلك وقفة مع قوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1].

ثم قال عز وجل بعد هذا: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1] يا لها من مفارقات بين دلائل ناطقة في الكون بخلق الله للسماوات والأرض وبين انحراف وميل الكافر عن المنهج السوي! مفارقات تعدل الأجرام الضخمة، والمسافات الواسعة بين تلك الأجرام، وتعدل الظواهر المتنقلة.

يقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2] هذه نظرة إلى أصل الوجود الإنساني، وأنه مخلوق من طين، وفي هذا لمسة وإشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي له أن يتكبر، أو يتعاظم، أو يفخر وأصله من طين، بل عليه أن يعرف أصله وأساسه، كما قال الله عز وجل: فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7].

قيل: إن الحسن البصري قال للمهلب : أنت الذي خرجت من موضع البول مرتين: الأولى من ذكر أبيك، والثانية من رحم أمك، خرجت من ذكر أبيك وأنت نطفة، ثم خرجت من رحم أمك وأنت طفل صغير، ثم رباك الله بالنعم، وزودك بكل هذه الإمكانيات فلا تنس أصلك.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ [الأنعام:2].

الأجل الأول: أجل الحياة، أجل الإنسان الذي يعيشه ثم يموت، والأجل المسمى عنده: الأجل العام، أجل تدمير الحياة كلها، وقيام الناس من قبورهم للبعث وللحساب يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6].

ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2] وصف الله سبحانه الكافر في الآية الأولى بقوله يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، وهنا قال الله سبحانه: تَمْتَرُونَ ، والمرية هي: الشك، أي: تشكون في الله أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم:10].

ويقول الله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] أيبقى مجال للشك أو المرية بعد كل هذه الدلائل؟!

خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وخلقكم من طين، وقدَّر آجالاً مسماة عنده، وآجالاً معروفة مكشوفة للناس في عالم الحياة ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2]؟!

ثم يقول الله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام:3] لا تغيبون عنه، إنه مالك الملك .. عالم الغيب والشهادة يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3] أي: يعلم ما تقترفون، وما تعملون من عمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

إن الذي خلق السماوات والأرض هو الله المتفرد بالألوهية، وكل مقتضيات الألوهية متحققة فيه ولا ينازعه فيها أحد، ومقتضيات الألوهية: الخلق .. الرزق .. التدبير .. الإحياء .. الإماتة .. النفع .. الضر .. تعاقب الليل والنهار .. الرفع .. الخفض .. البسط .. القبض .. الإعطاء .. المنع .. كل هذه من الله ولا ينازعه فيها أحد؛ لذا فهو الإله الحق المستحق للألوهية والعبودية.

لقد خلق الله عز وجل الإنسان كما خلق السماوات والأرض وهو في تكوينه من الطين، وما رزقه الله من خصائص فهي بنعمة منه وفضل، والأليق للإنسان وهو يعرف أصله: أن يتبع سنّة الله عز وجل فيما يعتقده من عقيدة، ويتصوره من تصورات، ويعيشه من حياة؛ لتستقيم حياته مع سنن الله عز وجل، ومع الحياة التي سنها الله في الكون حين تحكمها شريعة الله، ولكي لا يناقض بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً، ولا يمزق بعضها بعضاً.

إن هذه الآيات -أيها الإخوة- إنما تخاطب العقل البشري بدليل الخلق، فإن العقل يقف عند هذه الدلائل موقف المسلِّم ولا يستطيع أن يناقش أو يجادل بدليل الإحياء: الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2] ثم بدليل الإيحاءات التي تقذفها هذه الآيات في النفس، فتوقظ الفطرة وتحركها في صورة التقرير لا في صورة الجدل، وبسلطان اليقين المنبعث من تقرير النفس البشرية من داخلها، ومن شهادة الفطرة الداخلية بصدق هذا التقرير الذي تراه مبثوثاً في كل معالم الكون.

فوجود السماوات والأرض وتدبيرها على هذا النسق وعلى هذا النظام، ونشأة الحياة، وحياة الإنسان كلها تواجه الفطرة بالحق وتوقع فيها اليقين بوحدانية الله، والوحدانية هي القضية التي استهدفتها السورة من أولها إلى آخرها.

إن مشركي العرب ما كانوا يجحدون وجود الله، ولهذا ليس هناك من نبي بعثه الله إلا وهو يقول للناس: أن آمنوا بوجود الله كما قال الله عز وجل في القرآن: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [المائدة:117] لأن قضية وجود الله فطرة في النفس لا تستطيع أن تغالطها، والذين كانوا يغالطونها تركوا المغالطة، فالدهريون الذين يقولون: (لا إله والحياة مادة) -وهم الشيوعيون في الأزمنة الماضية- رجعوا، والشعوب التي مورس ضدها الاضطهاد عن طريق قصرها على الإلحاد خرجت بعد سبعين سنة من النظام الشيوعي لتعلن أنه لا بد من إله، لأن معنى أن الإله غير موجود: أنك أنت لست موجوداً أيها الإنسان؛ لأن وجودك دليل على وجود الله، من أوجدك؟!

فالبعرة تدل على البعير، وأثر القدم يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، أفلا تدل على السميع البصير!

إن عدم إيمان الإنسان بوجود الله معناه: أنه لا يؤمن بوجود نفسه، وهل هناك إنسان عاقل يلغي وجود نفسه؟!

أبداً. فقضية وجود الله لا جدال فيها بين العقول أبداً في القديم والحديث، إنما المشكلة في قضية وحدانية الله؛ لأن النفس البشرية اتخذت آلهة، فعبدوا الحجر، والشجر، والشمس والقمر، والبقر، اتخذوا أصناماً وآلهة متعددة، فجاء الإسلام ليلغي ويبطل هذه الآلهة المزعومة، ويبين ويثبت أن الله هو الإله الحق, ولهذا كل نبي يقول لقومه: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:3] اعبدوا الله واتقوه وخافوه وحده، وأطيعوني في الشرع الذي بعثني الله عز وجل به.

إن مشركي العرب -كما قلت- ما كانوا يجحدون وجود الله، بل كانوا يؤمنون بوجوده، ويعترفون بأنه الخالق والرازق والمحيي والمميت، يقول الله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38].

وهؤلاء المشركون في مكة ، لو قلت للمشرك منهم: من خلق السماوات والأرض؟ يقول: الله، فإذا قلت له: إذا كنت مقراً بأن الله هو الذي خلق الخلق وحده فيجب أن تعبده وحده، يقول: لا. هذا فيه نظر، أعبده وأعبد آلهة معه، ولماذا تعبد آلهة معه؟ قال: كي توصلني إليه، ولذا قال عز وجل: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

هذه شبهتهم في العبادة، يقولون: نحن لا نستطيع أن نصل إلى الله مباشرةً، فلا بد من وسيط وشفيع يقربنا ويزلِّفنا إلى الله: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] فجاءت العقيدة لتبطل هذا الزعم، ولتبين أن الله يُعبد من غير واسطة، ويمكن الوصول إليه من غير شفيع، وإذا دعوته فإنه قريب: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

ولذا وصمهم الله عز وجل بالشرك والكفر مع إقرارهم بوجوده سبحانه وتعالى، فلم ينفعهم هذا الإقرار، إذ لم يوحدوا الله بتوحيد الألوهية.

فدليل الخلق والحياة هي من دلائل وجود الله عز وجل وألوهيته، كما أنهما صالحان لمواجهة المشركين وتقرير وحدانيته أيضاً، وهما كذلك صالحان لمواجهة اللوثات الجاهلية الحديثة التي تنكر وجود الله، فهي لوثة دخيلة ومسحة تريد أن تجحد وجود الله، فنواجهها بما واجه الله عز وجل به كفار قريش بدليل الخلق، فدليل الخلق قاطع ومقنع على وجود الله تبارك وتعالى.

لئن فشل أعداء الله من اليهود والنصارى والصليبيين والوثنيين والملاحدة في إقناع البشر بعدم وجود الله -لأن ذلك مفطور في فطر الناس- إلا أنهم قد أفلحوا إلى حد بعيد في إقناع كثير من المسلمين بإمكانية تنحية هذا الدين من واقع حياتهم، وإيهامهم بأنه يمكن لهم أن يظلوا مؤمنين بالله حتى مع وجود أرباب أخرى تشرع لهم من دون الله؛ ويصلون بذلك إلى تدمير الإسلام، وعزل الدين عن حياة الناس، مع إيهام الناس أنهم لا يزالون على الدين.

وهذا هو غاية الخبث والشر! أن يعتقد الإنسان أنه على دين وهو ليس على دين، أنه مسلم وهو ليس بمسلم، مسلم فقط بالوراثة .. بالتبعية .. بالهوية .. بالمزاج .. أما بالاستسلام لله، وبالخضوع لشرعه وبتحكيم أحكام الله، فلا!!

هذا ما حرص عليه أعداء الله عز وجل من زحزحة المسلمين عن هذا المفهوم، وإقناعهم وإيهامهم أنه بالإمكان أن يبقى الإنسان مسلماً ولو لم يصل أو يزكِ .. بل ولو ارتكب جميع المحرمات، واقترف جميع الذنوب والمعاصي والسيئات.

هذا هو الذي استطاع أعداء الله عز وجل أن يوقعوا الناس فيه؛ لأنهم يئسوا من أن يحولوا الناس إلى ملاحدة أو إلى ديانات أخرى، فلا يستطيع مسلم أن يتحول إلى يهودي أو نصراني أبداً.

نعم. الآن عمليات التنصير منية بالفشل، ولكن عملية الدعوة إلى الإسلام ناجحة، فمئات البشر الآن بل الآلاف في كل دول الأرض يتركون دياناتهم اليهودية والنصرانية والهندوسية ويسلمون بجهود بسيطة.

إن الدعوة إلى الله نور يمشي في الأرض، وتحمله ثلة قليلة، وتدعمه إمكانيات محدودة، ومع هذا ينتشر، بينما التنصير تدعمه دول، وتوظف له إمكانيات ضخمة: قنوات فضائية، إذاعات، صحف، إرساليات، كتب، أموال طائلة .. ومع ذلك لا يدخل في دين النصارى إلا أحد رجلين: جائع أو مريض، فإذا شبع قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإذا تعافى قال: الحمد لله الذي عافاني ورد علي عافيتي، يعني بعد عشرين سنة من التنصير يقول: اللهم صلِّ على محمد؛ لأنه مسلم، فكيف يمكن أن تمسخ فطرته؟! لا يمكن. هو أطاعك يوم أن كان جائعاً يحتاج إلى الأكل، ولما أكل وشبع رجع إلى أصله وفطرته، وأطاعك يوم أن كان مريضاً يحتاج إلى العلاج.

لكن الآن الذين يدخلون في الدين الإسلامي هل يجدون نتائج طيبة وطريقاً مفروشاً بالورود عند دخولهم في الدين الإسلامي؟

لا. بل إنهم يقدمون التضحيات.




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2924 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2921 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2800 استماع
أمن وإيمان 2672 استماع
حال الناس في القبور 2671 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2596 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2568 استماع
النهر الجاري 2472 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2464 استماع
مرحباً شهر الصيام 2394 استماع