الهجرة الأولى إلى الحبشة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الأحبة في الله! هذه المحاضرة تلقى في جامع الشربتلي بحي الربوة بمدينة جدة ، بعد مغرب يوم السبت الموافق 13/شعبان/1418هـ على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام.

وقد جرى تقديم الموعد عن المعتاد في آخر كل شهر، وذلك لظروف الامتحانات، فإن السبت الأخير من هذا الشهر والموافق 27 يأتي في وسط الامتحانات، فرأى الإخوة في مركز الدعوة والإرشاد أن ييسروا على الناس حتى لا ينشغلوا، وحتى لا يحصل لهم حرج بين ضياع الدرس، أو ضياع متابعة أبنائهم، أو أداء امتحاناتهم إذا كانوا هم ملتحقين بإحدى المدارس، وكان هذا الرأي مناسباً إن شاء الله، ولكن ربما يفوت على بعض الإخوة الذين لم يطلعوا على الإعلان؛ لأننا لم نعلن في الدرس الماضي عن هذا الأمر نظراً لعدم التذكر.

يأتي هذا الدرس ضمن السلسلة الشهرية المعنونة بتأملات في السيرة النبوية، وعنوان هذه المحاضرة بالذات: من أحداث الهجرة الأولى إلى الحبشة .

وقد جاءت الهجرة في بداية الاضطهاد والحرب الضروس التي كان يشنها كفار قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أتباعه من المؤمنين، وكان هذا في بداية السنة الرابعة من البعثة، حيث اشتدت الوطأة، ولم تزل تزداد يوماً بعد يوم حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، وضاق الأمر بالصحابة، وفكروا في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم، وفي هذا الوقت الحرج نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم سورة الكهف رداً على أسئلة طرحها المشركون على الرسول صلى الله عليه وسلم للتثبت من مصداقيته؛ لأنهم أرسلوا وفداً من مكة إلى يهود المدينة وقالوا: أنتم أهل كتاب، وهذا الرجل يدعي أنه نبي فارجعوا إلى كتبكم، فإن كان نبياً اتبعناه، وإن كان متقولاً كذاباً حاربناه، فنظر اليهود في كتبهم وعلموا أنه زمان نبي؛ لأن اليهود كانوا يعرفون صفات النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ [الأنعام:20] ليس عندهم أي شك، لهذا قال الله تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89] قالوا لوفد قريش: اسألوه عن ثلاثة أمور فإن عرفها فإنه نبي، وإن لم يعرفها فإنه متقول؛ سلوه عن فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وسلوه عن رجل صالح يحكم الأرض، وسلوه عن الروح، هذه الأسئلة الثلاثة لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق الوحي، فرجع المشركون وقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وعرضوا عليه هذه الأسئلة، والرسول صلى الله عليه وسلم: مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

أهمية تعليق الوعد بمشيئة الله

من كمال ثقته صلى الله عليه وسلم بربه أن الله لن يتخلى عنه، قال لهم: غداً آتيكم بالجواب، ونسي صلى الله عليه وسلم أن يقول: إن شاء الله؛ لأن مشيئة الله مطلوبة في الأمور المستقبلية؛ ولأن الحكم والمشيئة والإرادة له، ولا يوجد أحد في الدنيا يملي على الدنيا شيئاً، حتى ولو كان رسوله.

فلما نسي أن يقول: إن شاء الله، وذهب الكفار، وجاء اليوم الثاني ولم يأتِ الوحي في الليل، وكان الوحي لا ينقطع لحظة، ففي كل حدث يأتي الوحي، لكن في أحرج المواقف وفي موقف مصيري يترتب عليه إسلام مكة أو كفرها ما جاء الوحي. فلما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: أين الإجابة، قال: ما أتاني شيء من السماء، قالوا: بطل سحر ابن أبي كبشة.

أبو كبشة هذا زوج حليمة السعدية ، من بني سعد، فكانوا ينسبون الرسول إليه من باب الاستضعاف والاحتقار له، قالوا: بطل سحره، يعني: ليس بنبي، إذ لو كان نبياً لجاءه الوحي، وضاق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صادق ويحتاج إلى هذا الموقف لكي يثبت صدقه، وينصر دين الله، لكن الوحي تخلى عنه، قال: غداً، ونسي أن يقول: إن شاء الله، وجاء اليوم الثاني ولم يأتِ الوحي .. الثالث .. الرابع .. الخامس .. ومرت على النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة وانقطع الوحي من السماء -لا إله إلا الله!!- وهذا من باب التربية؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو المربي والمؤدب للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول في حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبـي) فغلطة مثل هذه جاء فيها تأديب بقطع الوحي خمسة عشر يوماً، يقول الله سبحانه وتعالى بعدها: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24].

مهما كان الأمر في يدك، ومهما كان في قدرتك، فإن الأمور التي في قدرتك ومشيئتك مقيدة بقدرة الله ومشيئة الله، فقد تشاء أنت ولكن الله لا يشاء، وقد تريد شيئاً أنت ولكن الله لا يريد، فمن تغلب إرادته، ومن تغلب مشيئته، أنت أم الله؟ الله. ويكون هذا في الأمور المستقبلية التي سوف تأتي، أما الأمور الماضية فلا ينبغي أن تقول: إن شاء الله، لماذا؟ لأن الله قد شاء، فلو أن شخصاً سألك: هل حضرت بالأمس درس الشيخ الفلاني؟ وأنت حضرته، تقول: نعم. لا تقل: إن شاء الله، لماذا؟ لأنك قد حضرت الدرس وقد شاء الله، ولكن لو سألك: ستحضر الدرس الليلة؟ لا تقل: نعم. قل: إن شاء الله؛ لأنك قد لا تحضر، وربما تخرج وفي الطريق يصيبك حادث أو عارض أو مانع! فلا تقولن لشيء مضى وانتهى: إن شاء الله، لكن في المستقبل لا تجزم على أي أمر، وهذا أدب نبوي من الله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:23-24].

يقال: إن رجلاً نزل السوق ومعه دراهم يريد أن يشتري له دابة، فلقيه صاحبه، قال: إلى أين؟ قال: أريد السوق، قال: ولم؟ قال: أشتري دابة -يركب عليها- قال: قل: إن شاء الله، قال: ولماذا أقول: إن شاء الله؟ النقود في جيبي والحمير ملء السوق، فلا داعي للمشيئة، فأنا سوف أنزل وأشتري، قال: حسناً، فنزل الرجل إلى السوق وسلَّط الله عليه لصاً فسرق النقود من جيبه! ولما جاء إلى مكان بيع المواشي واشترى له دابة وفاصل وانتهى، أدخل يده ليخرج الدراهم فلم يجد شيئاً -قد أخذها الرجل- فترك البيعة ورجع بدون دابة، وصاحبه كان يراقبه على الطريق يريد أن يرى ماذا اشترى، ولما مر قال: أين الدابة؟ أما اشتريتها؟ قال: سرقت الفلوس إن شاء الله، لكن الآن لا تنفع كلمة إن شاء الله -لا تنفع في الماضي- فكان لا يتكلم إلا بإن شاء الله، لماذا؟ لأنه وقع على قلبه، وأخذ درساً قوياً، بحيث لا يفعل شيئاً حتى في الماضي إلا ويقولون له: تغد! قال: تغديت إن شاء الله، لماذا؟ لأنه أخذ درساً.

سؤال قريش عن أصحاب الكهف

النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الدرس الرباني نزلت عليه سورة الكهف، وجزء من سورة الإسراء المتضمنة للجواب على هذه الأسئلة الثلاثة:

1/ يسألونك عن الروح.

2/ وعن أصحاب الكهف.

3/ وعن ذي القرنين.

وهذه السورة تضمنت ثلاثة أحداث -أو ثلاث قصص- وفيها إشارات بليغة وتربية عظيمة للمؤمنين، وقصة أهل الكهف تحكي إيمان فتية من الشباب، وفي هذا لفت نظر للشباب على أنه ليس أنتم أول من يهتدي ويلتزم؛ لأن القضية سلسلة من الصالحين منذ بعثة الأنبياء إلى يوم القيامة، يقول الله تعالى: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13] ترشد هذه القصة -قصة أصحاب الكهف- إلى أن الهجرة وترك مواطن الكفر والعدوان حين يخاف المسلم من الفتنة على دينه أنه أمر مشروع متوكل على الله عز وجل، فأصحاب الكهف لما حوربوا وأوذوا اعتزلوا قومهم، وهجروا ديارهم، وخرجوا إلى الكهف، يقول الله عز وجل: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً [الكهف:16] فهذه القصة فيها دلالة على مشروعية الهجرة، وكأن السورة وهي تنزل في هذا الوقت الحرج تلفت أنظار الناس إلى أنه ما دامت الأرض قد ضاقت بكم في مكة ولم يكن عندكم قدرة على مواجهة هذا الباطل .. حسناً.. غيروا الموقع، اخرجوا إلى أرض الله! أرض الله واسعة .. كما خرج هؤلاء الذين هم: فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

قصة الخضر وموسى عليه السلام

القصة الثانية: قصة الخضر وموسى عليه السلام، التي أوحت بأن الأمور لا تجري على حسب الظاهر منها، بل ربما يكون الأمر خلاف الأمر الظاهر، وفيها إشارة لطيفة إلى أن الحرب القائمة بين المستضعفين من المسلمين وبين الأقوياء والكبراء والعظماء من المشركين ستنعكس تماماً، وستكون النتيجة بخلاف الظاهر .. ستكون الغلبة في النهاية لأهل الإيمان وستكون الهزيمة على أهل الكفر كما حصل في قصة موسى مع الخضر؛ لأن موسى وقف خطيباً في بني إسرائيل، وقال: ليس على الأرض من هو أعلم مني -ولم يستثن- ولم يقل: إن شاء الله، فالله سبحانه وتعالى أوحى إليه، قال له: يوجد في الأرض من هو أعلم منك، قال: أين هو يارب؟ قال: في مجمع البحرين؛ ومجمع البحرين منطقة يلتقي فيها البحر الأبيض المتوسط بـالمحيط الأطلسي في مضيق يسمى: مضيق جبل طارق - طارق بن زياد - وأين هذا الموقع؟ أتدرون أين؟ في جنوب أسبانيا وشمال المغرب ، هذا الجبل جبل طارق ، لكن أين هو اليوم؟!! -الله المستعان- كيف ضعفت الأمة، قال له ربه: هذا العبد الصالح في مجمع البحرين، وأين كان يعيش موسى؟ كان يعيش موسى في فلسطين ، فكانت رحلة شاقة؛ يقطع فيها هذه المنطقة من طرف آسيا إلى غرب إفريقيا؛ يقطع مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب .. كلها، قال: رب: أريد أن أطلب العلم عنده، قال: اذهب، فخرج موسى عليه السلام -والقصة في الصحيحين- وذكرها المفسرون عند ذكر الله عز وجل لأصحاب الكهف في سورة الكهف: خرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ، وسأل الله أمارة، قال: رب: إذا لقيته فكيف أعرف أنه هو؟ قال: العلامة أن تعود الحياة إلى هذا الحوت، وكان معهم حوت مملح مقدد جاهز للأكل -ميت من زمان- قال: إذا عادت الحياة إلى هذا الحوت ستجد هذا العبد الصالح الذي هو أعلم منك.

ومشى وقطع الرحلة الطويلة سيراً على الأقدام، حتى إذا وصلوا إلى مجمع البحرين، قال لغلامه: قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً [الكهف:62] يقول: تعبنا، وفعلاً سفر متعب، قال: قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً [الكهف:63] يقول: في ذلك المكان اتخذ الحوت سبيله في البحر قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ [الكهف:64] يقول: هذا الكلام الذي نريد، يقول موسى: هذه هي الأمارة، أي: عودة الحياة للحوت -أو الدخول في الماء- نريدها: فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً * فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:64-65] وهو الخضر عليه السلام، والخضر ليس نبياً كما يزعم بعض الناس، لا. ليس نبياً، وإنما هو عبد صالح من عباد الله، آتاه الله عز وجل علماً لدني، أي: من لدن الله سبحانه وتعالى وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65] فعرض عليه موسى أن يستصحبه، قال: هَلْ أَتَّبِعُكَ [الكهف:66] من أجل أن يطلب العلم على يده، فقال له الخضر : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:67]؛ العلم يحتاج إلى صبر، وفي هذا إشارة لطلبة العلم الذين يستعجلون في نيل العلوم والمدارك والمعارف ويريدون أن يكونوا علماء في أسبوع أو في جلسة، لا. العلم يحتاج إلى نفس طويل، وإلى ممارسة وصبر، وإلى جلوس في حلق الذكر، وإلى قراءة للكتب، وإلى المواصلة والبحث .. ثم في النهاية يأتيك العلم.

ومثل طلب العلم كمثل النحلة إذا دخلت البستان، فهل مباشرة تضع عسلاً؟ لا. بل تذهب وتبحث عنه في الأوراق والشجر والأزهار إلى أن تأتي بشيء بسيط، ثم تذهب وتبني .. وهكذا .. حتى يصير عسلاً، وكذلك العلم: يأتي بالطلب وبالممارسة وبالصبر وبالاحتكاك، وبإيجاد الحس العلمي عندك، أي: يكون عندك حس مرهف للعلم، وشغف، ورغبة، ولا تريد أن تجلس أي وقت إلا للعلم، فإذا دخلت بيتك، لابد من كتاب، وإذا خرجت لتتمشى لابد من كتاب، وإذا جلست لابد أن تفتح إذاعة القرآن؛ لأنك تريد علماً، ولا يمكن أن تضيع دقيقة من دقائق وقتك، فعندما يكون عندك حس علمي فسوف تصبح عالماً بهذا الموضوع، أما أن يكون العلم على هامش حياتك إن جاء وإلا تقضي أوقاتك أكثرها في سهر وكلام فارغ ولعب، ثم تريد أن تصبح عالماً! العلم لا يأتي إلا مع التعب.

فهذا موسى عليه السلام يقول له الخضر عليه السلام: قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:67] فقال له موسى: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً [الكهف:69] إن شاء الله أكون جاداً؛ لأنه بعد مشوار طويل وبعد سفر من طور سيناء إلى المغرب، قال: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً [الكهف:69] فقال له الخضر: بشرط: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً [الكهف:70] لا تسألني! وبعض طلبة العلم بمجرد أن يحضر المحاضرة يقدم السؤال! اصبر حتى تنتهي المحاضرة، فربما يأتي جوابك على لسان المحاضر أثناء الكلام، فأنت لا تستعجل.

فمشى معه على هذا الشرط. ومروا وهم يريدون البحر، فاستأجروا سفينة وركبوا، وبينما هم جالسين، قام الخضر وأخرج مسماراً من حقيبته ومطرقة وخرق السفينة، وبدأ الماء يدخل، فاستغرب موسى، وهذا العمل لا يُسكت عليه؛ لأن هذا عمل تخريبـي، قال له: أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا [الكهف:71] فذكره: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:75] ألم أخبرك من قبل أنك لن تستطيع أن تصبر: قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً [الكهف:73-74] ثم مروا بقرية عندما نزلوا من السفينة وإذا بأطفال يلعبون في الساحة، فعمد الخضر إلى واحد من الأطفال وأمسكه من رقبته ونزع رأسه من رقبته -قطع رأسه- فما صبر موسى على هذا العمل، فموسى نبي ومصلح، وهذا قتل، ولهذا قال له: قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً [الكهف:74] زكية: يعني معصومة صغيرة لم تفعل شيئاً، ففي الأولى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً [الكهف:71] (إمرا) يعني: يبعث على المرية وعلى التفكر، كيف تخرق السفينة؟ لكن هنا لا توجد مرية، فهنا قتل واضح، فقال له الخضر: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:75] وقال في الأولى: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:72] لكن هنا أظهر الضمير قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:75] ألم أقل (لك) أي: من أول طلبك لصحبتي؟ فقال له موسى: قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي [الكهف:76] يقول: هذه آخر مرة: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً [الكهف:76].

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا [الكهف:77] كانوا بخلاء؛ لم يضيفوا حتى هؤلاء الغرباء، فرجعوا جائعين متعبين مسافرين، ليس عندهم أكل، فرأى الخضر جداراً آيلاً للسقوط، فقام الخضر وشمر عن ساعده وهدم الجدار وبدأ يعيده من جديد، فاستغرب موسى! أناس لا يضيفونا ونبني لهم الجدار بغير مقابل: قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [الكهف:77] أي: قاول عليه مقاولة وخذ عليه أجراً، لكي نأكل ونشرب، أما أن يطردونا ونحن نبني جدرانهم بدون مقابل فهذا شيء لا يقبله العقل، فقال له الخضر: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف:78] يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي موسى لو صبر لأرانا من عجائب علم الله ما لا نتصور) ثم قال لموسى؛ لأنه مستعجل: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الكهف:78-79] وظاهر الأمر أن خرق السفينة يؤدي إلى إغراقها، لكن حقيقة الأمر أن خرق السفينة يؤدي إلى النجاة بها؛ لأن هذا الملك الظالم الذي كان يأخذ السفن عندما جاء يريد أن يأخذها وجد الماء يدخلها، وأهلها ينزفون الماء، قال: دعها. هذه لا تصلح، فهو خرقها لينجو بها لا ليغرقها، فالأمر ليس على ظاهره، فظاهر الأمر تدمير وإفساد، ولكنه في حقيقته نجاة .. هذا الأول.

وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً [الكهف:80-81] كان بعلم الله أن هذا الولد الذي يعتبر زهرة من زهرات الحياة لوالديه وفلذة كبدهما، يعلم الله أن هذا الولد سيكون ابن سوء، وأبوه وأمه صالحين طيبين، فسيرهقهما إذا كبر طغياناً ويردهما إلى الكفر، أجل. والمصلحة أن يموت أم يبقى حياً؟ لو بقي حياً ماذا يفعل؟ يؤدي إلى كفر أمه وأبيه، فالله عز وجل أطلعه على علمه فكان في قتله رحمة لوالديه: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً [الكهف:81].

وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82] والأب هنا: يقول في التفسير: إنه الجد السابع، لكنه صالح، فحفظ الله عقبه وذريته من ضياع الكنز عليهم، فأوحى الله وأعلم الله الخضر بأن يبني هذا الجدار ليبقى هذا الجدار علماً دالاً على وجود الكنز فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الكهف:82].

ثم ودعه، وقبل الوداع قال لموسى وهم يقفون على طرف المحيط الأطلسي الذي يعتبر من أكبر المحيطات في العالم، والذي يفصل ما بين أوروبا وأفريقيا وبين الأمريكيتين ، والذي يذهب الآن إلى أمريكا فإنه يقطع هذا المحيط خلال ست ساعات في الطائرة على البحر -ست ساعات بسرعة 1200 كم في الساعة- يعني أكثر من 7000كم عرض هذا البحر. وقف موسى والخضر على طرف البحر، وإذا بطائر من طيور البحر ذات الأعناق الطويلة يقف على طرف البحر ليشرب، يرخي رأسه ويأخذ قطرة، ثم يرفعه لتنحدر القطرة إلى جوفه، فقال الخضر لموسى: أرأيت هذا الطائر؟ قال: نعم. قال: هل ينقص من البحر ما يشربه؟ قال: لا. قال: والذي نفسي بيده للعلم الذي عندك وعندي بالنسبة لعلم الله مثلما ينقص هذا العصفور من هذا البحر.

علم الله لا حدود له! يقول الله تعالى في علمه: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27] يمده أي: يسعفه بمداد: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] هذا القليل الذي نحن الآن نشمخ به، ونتظاهر به على أنه عصر العلم، وعصر الذرة، وأنه عصر انفجار المعلومات، عصر انفجار الفضاء .. هذا كله بالنسبة لعلم الله شيء قليل! قليل مما عند الله سبحانه وتعالى من العلم.

فهذه القصص الثلاث التي جاءت في سورة الكهف -أو قصة الخضر وموسى- فيها إيحاء إلى أن الأمور لا يحكم عليها بظواهرها، فقد ترى الآن أن دولة مهيمنة مسيطرة، ولكن الله قادر على أن يجعلها لا تصنع شيئاً، من كان يتصور أن الاتحاد السوفيتي الروسي سوف يتلاشى ويذهب وينتهي؟ أبداً. ما كان أحد يتصور، حتى كبار الساسة في العالم، لكن الله دمرهم؛ لأنهم واجهوا وصادموا سنن الله سبحانه وتعالى فأفشلهم.

وكذلك كل من يحارب الله ويحارب دين الله؛ فإن الله قادر عليه، وسوف يزيله، رغم أن الظواهر قد تكون غير صحيحة، لكن أمر الله فوق الظواهر الكونية. هذه القصة الثانية.

سؤال قريش عن ذي القرنين

أما القصة الثالثة التي تضمنتها سورة الكهف فهي: قصة ذي القرنين، وهي تفيد أن الله سبحانه وتعالى هو الذي له الملك من قبل ومن بعد، وأنه يورث الأرض من يشاء من عباده، وأن الفلاح إنما هو في سبيل الإيمان لا في سبيل الكفر، وأن الله لا يزال يبعث من عباده بين آونة وأخرى من يقوم بإنجاء الضعفاء، وإهلاك الطغاة من الكفار والمشركين وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً [الكهف:83-84] مكن الله سبحانه وتعالى لذي القرنين في الأرض وجعله يحكم الأرض كلها؛ كان يأتي إلى مغرب الشمس وإلى مطلعها، وكان له ملك لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

هذه القصص -أيها الإخوة- بدأت تعطي أثرها في الصحابة في قضية تهيئتهم وتجهيزهم لمفارقة مكة والخروج منها فراراً بدينهم، خصوصاً بعدما نزلت سورة الزمر وفيها قول الله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ [الزمر:10] ولما نزلت قال الصحابة: حسناً.. للذين أحسنوا بالإيمان لهم في هذه الدنيا حسنة، أين الحسنة التي للصحابة، وهم يعذبون، ويقتلون، ويضربون، ويسجنون، ويسحبون -كما سمعتم في الدرس الماضي- أين الحسنة؟ قال الله تعالى بعدها: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

من كمال ثقته صلى الله عليه وسلم بربه أن الله لن يتخلى عنه، قال لهم: غداً آتيكم بالجواب، ونسي صلى الله عليه وسلم أن يقول: إن شاء الله؛ لأن مشيئة الله مطلوبة في الأمور المستقبلية؛ ولأن الحكم والمشيئة والإرادة له، ولا يوجد أحد في الدنيا يملي على الدنيا شيئاً، حتى ولو كان رسوله.

فلما نسي أن يقول: إن شاء الله، وذهب الكفار، وجاء اليوم الثاني ولم يأتِ الوحي في الليل، وكان الوحي لا ينقطع لحظة، ففي كل حدث يأتي الوحي، لكن في أحرج المواقف وفي موقف مصيري يترتب عليه إسلام مكة أو كفرها ما جاء الوحي. فلما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: أين الإجابة، قال: ما أتاني شيء من السماء، قالوا: بطل سحر ابن أبي كبشة.

أبو كبشة هذا زوج حليمة السعدية ، من بني سعد، فكانوا ينسبون الرسول إليه من باب الاستضعاف والاحتقار له، قالوا: بطل سحره، يعني: ليس بنبي، إذ لو كان نبياً لجاءه الوحي، وضاق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صادق ويحتاج إلى هذا الموقف لكي يثبت صدقه، وينصر دين الله، لكن الوحي تخلى عنه، قال: غداً، ونسي أن يقول: إن شاء الله، وجاء اليوم الثاني ولم يأتِ الوحي .. الثالث .. الرابع .. الخامس .. ومرت على النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة وانقطع الوحي من السماء -لا إله إلا الله!!- وهذا من باب التربية؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو المربي والمؤدب للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول في حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبـي) فغلطة مثل هذه جاء فيها تأديب بقطع الوحي خمسة عشر يوماً، يقول الله سبحانه وتعالى بعدها: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24].

مهما كان الأمر في يدك، ومهما كان في قدرتك، فإن الأمور التي في قدرتك ومشيئتك مقيدة بقدرة الله ومشيئة الله، فقد تشاء أنت ولكن الله لا يشاء، وقد تريد شيئاً أنت ولكن الله لا يريد، فمن تغلب إرادته، ومن تغلب مشيئته، أنت أم الله؟ الله. ويكون هذا في الأمور المستقبلية التي سوف تأتي، أما الأمور الماضية فلا ينبغي أن تقول: إن شاء الله، لماذا؟ لأن الله قد شاء، فلو أن شخصاً سألك: هل حضرت بالأمس درس الشيخ الفلاني؟ وأنت حضرته، تقول: نعم. لا تقل: إن شاء الله، لماذا؟ لأنك قد حضرت الدرس وقد شاء الله، ولكن لو سألك: ستحضر الدرس الليلة؟ لا تقل: نعم. قل: إن شاء الله؛ لأنك قد لا تحضر، وربما تخرج وفي الطريق يصيبك حادث أو عارض أو مانع! فلا تقولن لشيء مضى وانتهى: إن شاء الله، لكن في المستقبل لا تجزم على أي أمر، وهذا أدب نبوي من الله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:23-24].

يقال: إن رجلاً نزل السوق ومعه دراهم يريد أن يشتري له دابة، فلقيه صاحبه، قال: إلى أين؟ قال: أريد السوق، قال: ولم؟ قال: أشتري دابة -يركب عليها- قال: قل: إن شاء الله، قال: ولماذا أقول: إن شاء الله؟ النقود في جيبي والحمير ملء السوق، فلا داعي للمشيئة، فأنا سوف أنزل وأشتري، قال: حسناً، فنزل الرجل إلى السوق وسلَّط الله عليه لصاً فسرق النقود من جيبه! ولما جاء إلى مكان بيع المواشي واشترى له دابة وفاصل وانتهى، أدخل يده ليخرج الدراهم فلم يجد شيئاً -قد أخذها الرجل- فترك البيعة ورجع بدون دابة، وصاحبه كان يراقبه على الطريق يريد أن يرى ماذا اشترى، ولما مر قال: أين الدابة؟ أما اشتريتها؟ قال: سرقت الفلوس إن شاء الله، لكن الآن لا تنفع كلمة إن شاء الله -لا تنفع في الماضي- فكان لا يتكلم إلا بإن شاء الله، لماذا؟ لأنه وقع على قلبه، وأخذ درساً قوياً، بحيث لا يفعل شيئاً حتى في الماضي إلا ويقولون له: تغد! قال: تغديت إن شاء الله، لماذا؟ لأنه أخذ درساً.

النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الدرس الرباني نزلت عليه سورة الكهف، وجزء من سورة الإسراء المتضمنة للجواب على هذه الأسئلة الثلاثة:

1/ يسألونك عن الروح.

2/ وعن أصحاب الكهف.

3/ وعن ذي القرنين.

وهذه السورة تضمنت ثلاثة أحداث -أو ثلاث قصص- وفيها إشارات بليغة وتربية عظيمة للمؤمنين، وقصة أهل الكهف تحكي إيمان فتية من الشباب، وفي هذا لفت نظر للشباب على أنه ليس أنتم أول من يهتدي ويلتزم؛ لأن القضية سلسلة من الصالحين منذ بعثة الأنبياء إلى يوم القيامة، يقول الله تعالى: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13] ترشد هذه القصة -قصة أصحاب الكهف- إلى أن الهجرة وترك مواطن الكفر والعدوان حين يخاف المسلم من الفتنة على دينه أنه أمر مشروع متوكل على الله عز وجل، فأصحاب الكهف لما حوربوا وأوذوا اعتزلوا قومهم، وهجروا ديارهم، وخرجوا إلى الكهف، يقول الله عز وجل: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً [الكهف:16] فهذه القصة فيها دلالة على مشروعية الهجرة، وكأن السورة وهي تنزل في هذا الوقت الحرج تلفت أنظار الناس إلى أنه ما دامت الأرض قد ضاقت بكم في مكة ولم يكن عندكم قدرة على مواجهة هذا الباطل .. حسناً.. غيروا الموقع، اخرجوا إلى أرض الله! أرض الله واسعة .. كما خرج هؤلاء الذين هم: فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

القصة الثانية: قصة الخضر وموسى عليه السلام، التي أوحت بأن الأمور لا تجري على حسب الظاهر منها، بل ربما يكون الأمر خلاف الأمر الظاهر، وفيها إشارة لطيفة إلى أن الحرب القائمة بين المستضعفين من المسلمين وبين الأقوياء والكبراء والعظماء من المشركين ستنعكس تماماً، وستكون النتيجة بخلاف الظاهر .. ستكون الغلبة في النهاية لأهل الإيمان وستكون الهزيمة على أهل الكفر كما حصل في قصة موسى مع الخضر؛ لأن موسى وقف خطيباً في بني إسرائيل، وقال: ليس على الأرض من هو أعلم مني -ولم يستثن- ولم يقل: إن شاء الله، فالله سبحانه وتعالى أوحى إليه، قال له: يوجد في الأرض من هو أعلم منك، قال: أين هو يارب؟ قال: في مجمع البحرين؛ ومجمع البحرين منطقة يلتقي فيها البحر الأبيض المتوسط بـالمحيط الأطلسي في مضيق يسمى: مضيق جبل طارق - طارق بن زياد - وأين هذا الموقع؟ أتدرون أين؟ في جنوب أسبانيا وشمال المغرب ، هذا الجبل جبل طارق ، لكن أين هو اليوم؟!! -الله المستعان- كيف ضعفت الأمة، قال له ربه: هذا العبد الصالح في مجمع البحرين، وأين كان يعيش موسى؟ كان يعيش موسى في فلسطين ، فكانت رحلة شاقة؛ يقطع فيها هذه المنطقة من طرف آسيا إلى غرب إفريقيا؛ يقطع مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب .. كلها، قال: رب: أريد أن أطلب العلم عنده، قال: اذهب، فخرج موسى عليه السلام -والقصة في الصحيحين- وذكرها المفسرون عند ذكر الله عز وجل لأصحاب الكهف في سورة الكهف: خرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ، وسأل الله أمارة، قال: رب: إذا لقيته فكيف أعرف أنه هو؟ قال: العلامة أن تعود الحياة إلى هذا الحوت، وكان معهم حوت مملح مقدد جاهز للأكل -ميت من زمان- قال: إذا عادت الحياة إلى هذا الحوت ستجد هذا العبد الصالح الذي هو أعلم منك.

ومشى وقطع الرحلة الطويلة سيراً على الأقدام، حتى إذا وصلوا إلى مجمع البحرين، قال لغلامه: قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً [الكهف:62] يقول: تعبنا، وفعلاً سفر متعب، قال: قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً [الكهف:63] يقول: في ذلك المكان اتخذ الحوت سبيله في البحر قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ [الكهف:64] يقول: هذا الكلام الذي نريد، يقول موسى: هذه هي الأمارة، أي: عودة الحياة للحوت -أو الدخول في الماء- نريدها: فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً * فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:64-65] وهو الخضر عليه السلام، والخضر ليس نبياً كما يزعم بعض الناس، لا. ليس نبياً، وإنما هو عبد صالح من عباد الله، آتاه الله عز وجل علماً لدني، أي: من لدن الله سبحانه وتعالى وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65] فعرض عليه موسى أن يستصحبه، قال: هَلْ أَتَّبِعُكَ [الكهف:66] من أجل أن يطلب العلم على يده، فقال له الخضر : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:67]؛ العلم يحتاج إلى صبر، وفي هذا إشارة لطلبة العلم الذين يستعجلون في نيل العلوم والمدارك والمعارف ويريدون أن يكونوا علماء في أسبوع أو في جلسة، لا. العلم يحتاج إلى نفس طويل، وإلى ممارسة وصبر، وإلى جلوس في حلق الذكر، وإلى قراءة للكتب، وإلى المواصلة والبحث .. ثم في النهاية يأتيك العلم.

ومثل طلب العلم كمثل النحلة إذا دخلت البستان، فهل مباشرة تضع عسلاً؟ لا. بل تذهب وتبحث عنه في الأوراق والشجر والأزهار إلى أن تأتي بشيء بسيط، ثم تذهب وتبني .. وهكذا .. حتى يصير عسلاً، وكذلك العلم: يأتي بالطلب وبالممارسة وبالصبر وبالاحتكاك، وبإيجاد الحس العلمي عندك، أي: يكون عندك حس مرهف للعلم، وشغف، ورغبة، ولا تريد أن تجلس أي وقت إلا للعلم، فإذا دخلت بيتك، لابد من كتاب، وإذا خرجت لتتمشى لابد من كتاب، وإذا جلست لابد أن تفتح إذاعة القرآن؛ لأنك تريد علماً، ولا يمكن أن تضيع دقيقة من دقائق وقتك، فعندما يكون عندك حس علمي فسوف تصبح عالماً بهذا الموضوع، أما أن يكون العلم على هامش حياتك إن جاء وإلا تقضي أوقاتك أكثرها في سهر وكلام فارغ ولعب، ثم تريد أن تصبح عالماً! العلم لا يأتي إلا مع التعب.

فهذا موسى عليه السلام يقول له الخضر عليه السلام: قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:67] فقال له موسى: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً [الكهف:69] إن شاء الله أكون جاداً؛ لأنه بعد مشوار طويل وبعد سفر من طور سيناء إلى المغرب، قال: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً [الكهف:69] فقال له الخضر: بشرط: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً [الكهف:70] لا تسألني! وبعض طلبة العلم بمجرد أن يحضر المحاضرة يقدم السؤال! اصبر حتى تنتهي المحاضرة، فربما يأتي جوابك على لسان المحاضر أثناء الكلام، فأنت لا تستعجل.

فمشى معه على هذا الشرط. ومروا وهم يريدون البحر، فاستأجروا سفينة وركبوا، وبينما هم جالسين، قام الخضر وأخرج مسماراً من حقيبته ومطرقة وخرق السفينة، وبدأ الماء يدخل، فاستغرب موسى، وهذا العمل لا يُسكت عليه؛ لأن هذا عمل تخريبـي، قال له: أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا [الكهف:71] فذكره: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:75] ألم أخبرك من قبل أنك لن تستطيع أن تصبر: قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً [الكهف:73-74] ثم مروا بقرية عندما نزلوا من السفينة وإذا بأطفال يلعبون في الساحة، فعمد الخضر إلى واحد من الأطفال وأمسكه من رقبته ونزع رأسه من رقبته -قطع رأسه- فما صبر موسى على هذا العمل، فموسى نبي ومصلح، وهذا قتل، ولهذا قال له: قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً [الكهف:74] زكية: يعني معصومة صغيرة لم تفعل شيئاً، ففي الأولى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً [الكهف:71] (إمرا) يعني: يبعث على المرية وعلى التفكر، كيف تخرق السفينة؟ لكن هنا لا توجد مرية، فهنا قتل واضح، فقال له الخضر: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:75] وقال في الأولى: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:72] لكن هنا أظهر الضمير قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف:75] ألم أقل (لك) أي: من أول طلبك لصحبتي؟ فقال له موسى: قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي [الكهف:76] يقول: هذه آخر مرة: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً [الكهف:76].

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا [الكهف:77] كانوا بخلاء؛ لم يضيفوا حتى هؤلاء الغرباء، فرجعوا جائعين متعبين مسافرين، ليس عندهم أكل، فرأى الخضر جداراً آيلاً للسقوط، فقام الخضر وشمر عن ساعده وهدم الجدار وبدأ يعيده من جديد، فاستغرب موسى! أناس لا يضيفونا ونبني لهم الجدار بغير مقابل: قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [الكهف:77] أي: قاول عليه مقاولة وخذ عليه أجراً، لكي نأكل ونشرب، أما أن يطردونا ونحن نبني جدرانهم بدون مقابل فهذا شيء لا يقبله العقل، فقال له الخضر: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف:78] يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي موسى لو صبر لأرانا من عجائب علم الله ما لا نتصور) ثم قال لموسى؛ لأنه مستعجل: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الكهف:78-79] وظاهر الأمر أن خرق السفينة يؤدي إلى إغراقها، لكن حقيقة الأمر أن خرق السفينة يؤدي إلى النجاة بها؛ لأن هذا الملك الظالم الذي كان يأخذ السفن عندما جاء يريد أن يأخذها وجد الماء يدخلها، وأهلها ينزفون الماء، قال: دعها. هذه لا تصلح، فهو خرقها لينجو بها لا ليغرقها، فالأمر ليس على ظاهره، فظاهر الأمر تدمير وإفساد، ولكنه في حقيقته نجاة .. هذا الأول.

وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً [الكهف:80-81] كان بعلم الله أن هذا الولد الذي يعتبر زهرة من زهرات الحياة لوالديه وفلذة كبدهما، يعلم الله أن هذا الولد سيكون ابن سوء، وأبوه وأمه صالحين طيبين، فسيرهقهما إذا كبر طغياناً ويردهما إلى الكفر، أجل. والمصلحة أن يموت أم يبقى حياً؟ لو بقي حياً ماذا يفعل؟ يؤدي إلى كفر أمه وأبيه، فالله عز وجل أطلعه على علمه فكان في قتله رحمة لوالديه: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً [الكهف:81].

وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82] والأب هنا: يقول في التفسير: إنه الجد السابع، لكنه صالح، فحفظ الله عقبه وذريته من ضياع الكنز عليهم، فأوحى الله وأعلم الله الخضر بأن يبني هذا الجدار ليبقى هذا الجدار علماً دالاً على وجود الكنز فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الكهف:82].

ثم ودعه، وقبل الوداع قال لموسى وهم يقفون على طرف المحيط الأطلسي الذي يعتبر من أكبر المحيطات في العالم، والذي يفصل ما بين أوروبا وأفريقيا وبين الأمريكيتين ، والذي يذهب الآن إلى أمريكا فإنه يقطع هذا المحيط خلال ست ساعات في الطائرة على البحر -ست ساعات بسرعة 1200 كم في الساعة- يعني أكثر من 7000كم عرض هذا البحر. وقف موسى والخضر على طرف البحر، وإذا بطائر من طيور البحر ذات الأعناق الطويلة يقف على طرف البحر ليشرب، يرخي رأسه ويأخذ قطرة، ثم يرفعه لتنحدر القطرة إلى جوفه، فقال الخضر لموسى: أرأيت هذا الطائر؟ قال: نعم. قال: هل ينقص من البحر ما يشربه؟ قال: لا. قال: والذي نفسي بيده للعلم الذي عندك وعندي بالنسبة لعلم الله مثلما ينقص هذا العصفور من هذا البحر.

علم الله لا حدود له! يقول الله تعالى في علمه: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27] يمده أي: يسعفه بمداد: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] هذا القليل الذي نحن الآن نشمخ به، ونتظاهر به على أنه عصر العلم، وعصر الذرة، وأنه عصر انفجار المعلومات، عصر انفجار الفضاء .. هذا كله بالنسبة لعلم الله شيء قليل! قليل مما عند الله سبحانه وتعالى من العلم.

فهذه القصص الثلاث التي جاءت في سورة الكهف -أو قصة الخضر وموسى- فيها إيحاء إلى أن الأمور لا يحكم عليها بظواهرها، فقد ترى الآن أن دولة مهيمنة مسيطرة، ولكن الله قادر على أن يجعلها لا تصنع شيئاً، من كان يتصور أن الاتحاد السوفيتي الروسي سوف يتلاشى ويذهب وينتهي؟ أبداً. ما كان أحد يتصور، حتى كبار الساسة في العالم، لكن الله دمرهم؛ لأنهم واجهوا وصادموا سنن الله سبحانه وتعالى فأفشلهم.

وكذلك كل من يحارب الله ويحارب دين الله؛ فإن الله قادر عليه، وسوف يزيله، رغم أن الظواهر قد تكون غير صحيحة، لكن أمر الله فوق الظواهر الكونية. هذه القصة الثانية.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2930 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2805 استماع
أمن وإيمان 2678 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2468 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع