ما هي رسالتك أيها الإنسان؟


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الضيوف الأعزاء: أنتم ضيوف على الجميع، ليس على المعهد فقط، وإنما على المنطقة بأسرها، حياكم الله ومرحباً بكم.

أيها الإخوة الأفاضل من المدرسين، وأيها الأبناء الكرام من الطلبة: أشكر بالدرجة الأولى الشيخ محمد بن أحمد بارك الله فيه، والإخوة المشرفين على برنامج التوعية الإسلامية في المعهد المبارك، أشكرهم على إتاحة هذه الفرصة التي ألتقي فيها بكم، وإن كنتُ حقيقةً لا أقول هذا تواضعاً، وإنما هي الحقيقة التي أعرفها من نفسي، قد أنفع في مجالات في بعض المساجد وأمام بعض المستويات التعليمية، ولكن أمام طلاب العلم في المستويات المتقدمة، في الثانوية، وفي المعاهد العلمية، وأمام العلماء، لا أجد لديَّ شيئاً أستطيع أن أقوله، وليس لدي بضاعة أستطيع بيعها؛ لأن بضاعتي مزجاة، وباعي قصير، ومتاعي قليل، ولكن قد أرغمت على النزول في هذا الميدان، فكان لا بد من النزول عند رغبة الإخوة، رغم علمي -مقدماً- بأن الفائدة محدودة، ولكن نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل البركة فيما نقول ونسمع.

أيها الإخوة: ما هذه الحياة؟ من الذي ألبسنا ثوبها؟ ومتى سنخلع هذا الثوب؟ ولماذا جئنا إليها؟ هذه الحياة سرٌ غامض، ولغزٌ محير، حارت في فهمه العقول والألباب في القديم والحديث، ولم تجد الإجابة الصحيحة عليه، وظلت البشرية حائرة، وستظل حائرة إلى أن تجد الجواب الصحيح الذي يجيب على تساؤلاتها، تلك التساؤلات التي تتردد في ذهن كل إنسان.. من أين جئت؟ وإلى أين سأذهب بعد أن يتم دوري على مسرح الحياة؟ ولماذا جئت؟ وما هي رسالتي؟ وما هي مسئوليتي؟ وما هو دوري؟

هذه الأسئلة -أيها الإخوة- أسئلة محيرة في الحقيقة، وحينما يطلب من البشرية أن تجيب عليها من ذاتها فإنما يُطلب منها المستحيل؛ لأنه لا يمكن أن تجد الإجابة الصحيحة من عندياتها ومن ذاتها، إلا بتلقٍ آخر من عند الذي خلق هذه الحياة وأوجد هذا الإنسان، وهو الله الذي لا إله إلا هو.

وكما يقول العلماء: العقل لوحده ليس كافياً لإدراك العلوم والمعارف. العقل والذكاء والعبقرية والتفرد والنجابة، هذه لا تكفي فقط لإدراك العلوم والمعارف إلا عن طريق معلم، فلو جئنا بطفلٍ صغير، أو شابٍ من الصحراء، أو من أغوار تهامة ، أو من شعث الجبال، وهو لا يعرف مفردات اللغة العربية، وطلبنا منه أن يقرأ رسالة بعقله وبذكائه وعبقريته، هل يستطيع؟ لا يستطيع ولو كان ذكياً، لا بد أن يتعلم الحروف الأبجدية، ولا بد أن يتعلم كيف يفك الكلمة، وكيف يحللها إلى مفرداتها، ثم بعد ذلك سوف يقرأ.

وعلى هذا قس كل العلوم، إذا أتيت بمسألة رياضية من المعادلات ذات المجهول أو المجهولين، وطلبت من إنسان لا قرأ الرياضيات ولا درسها أن يحلها بذكائه، فلن يستطيع، وإذا أتيت برسالة باللغة الإنجليزية، وطلبت من مدرس اللغة العربية الذي يعرف أسرار اللغة العربية كلها وقواعدها ومشتقاتها، وقلت له: اقرأ لي هذه الرسالة باللغة الإنجليزية، لقال لك: لا أستطيع، وإذا قلت له: أنت أستاذ في اللغة العربية، أنت ذكي وتفهم، اقرأها، لقال: لا أعرف؛ لأني ما درست هذا العلم! أجل، نصل إلى نتيجة وهي: أن العلوم لا تدرك بالعقل لوحده، بل لا بد من معلم، وما هذه المنجزات الحضارية التي تعيشها البشرية اليوم إلا وليدة مراحل متعددة من التجارب، مر بها الإنسان من بدايته إلى يومنا هذا، وأدخل بعض التحسينات على هذه المراحل، حتى وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من العلوم والمنجزات والمخترعات، لكن علم الآخرة؛ علم ما بعد هذه الحياة، علم لماذا جئت أنت لهذه الحياة؟ رسالتك ووظيفتك، هل يمكن أن تهتدي إليها بالعقل لوحده؟

لا. لا بد من وجود معلم يعلمك ويقول لك: أيها الإنسان! أنت جئت لغرضٍ هو هذا، وأنت بعد هذه الحياة سيحصل لك شيء هو هذا، ومن الذي يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة؟ لا يستطيع أن يجيب عليها إلا الذي أوجد الحياة، والذي خلق الإنسان وأرسل الرسل، وبين للإنسان مهمته ووظيفته على هذه الحياة، وبين له ما سيكون بعد هذه الحياة في الدار الآخرة.

وإذا أرغم إنسان على أن يجيب إجابةً على علمٍ لا يعلمه، فإن الإجابة بالطبع ستكون خطأ، أليس كذلك؟ إذا أرغم إنسان على الإجابة على شيء لا يعرفه وعبر هو عن عجزه وقال: والله لا أعرف أن أقرأ الإنجليزي، قلنا: إما أن تقرأ وإلا ذبحناك، لا بد أن تقرأ الإنجليزي، فماذا سيكون الجواب؟ سيقرأ، لكن هل سيقرأ إنجليزي؟ سيأتي برطانة من عند نفسه، ويشعر فيها السامع أنها ليست عربية ولا هي أي نوع آخر، وإنما كلام ملفق، وستكون الإجابة خطأ، والنتائج تبعاً لذلك ستكون غلطاً وخطأ، وهذا هو الذي حدث للبشرية يوم أن طلب منها أن تجيب على أسرار هذه الحياة: ما هذه الحياة؟ من أين جاء الإنسان؟ وإلى أين سيكون بعد أن يموت؟ ولماذا جاء؟ لا تدري البشرية لماذا، ولكن لما أرغمت على الإجابة أجابت من عندياتها بإجاباتٍ خاطئة؛ وترتب على هذه الأخطاء أن بقيت النتائج كلها خطأ، وأصبحت البشرية تئن من ويلات تلك الأخطاء، وتعاني منها رغم تطورها المادي، فإنها وإن استطاعت أن تسبح في الفضاء، وأن تخوض في غمار العلم، وتغوص في الماء، وتخترع كل هذه الإنجازات، إلا أنها لم تستطع أن تسير شبراً واحداً أو خطوة واحدة في طريق الخير والنفع العام والصالح للبشرية، بل كل خطواتها من أجل تدمير البشرية، أجل. كيف حصلت الإجابات الخاطئة؟

نظرية ماركس في الحياة والرد عليها

سئل شخص من البشر عن هذه الحياة واسمه ماركس ، وهو زعيم الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا ، أصله يهودي وابن زنا ليس له أب، دعيّ، نشأ في الملاجئ وفي ظل الحرمان، وتولدت في نفسه عقد نفسية نتيجة الظروف التي عاشها من الحرمان والفقر؛ ترتب على هذه الظروف أن أحس بإحباط وبحقد وبحرمان شديد مما في أيدي الناس، فلما كبر انعكست هذه الظروف على فكرته، ونادى في الجماهير الكادحة من أمثاله من المحرومين ومن الأدعياء وأبناء الزنا، نادى بأنه: لا إله والحياة مادة.

هذه نظرته، أن الحياة كلها في تصوره مادة، لماذا مادة؟ لأنه يشعر بالفقر تجاه المادة، يشعر بالحرمان تجاه المادة، ولذا نادى بدعوته الشيوعية ، وألغى الملكية الفردية، وقال: الناس شركاء في كل شيء، حتى في الأعراض، ولما برزت هذه النظرية إلى حيز التطبيق أفرزت الفشل، وأعلنت أنها غير صالحة؛ لأنها لباس لا يليق بالبشرية.

الملكية الفردية هي غريزة عند كل إنسان، لا يستطيع ماركس أن يلغيها بجرة قلم؛ لأنها سنة من سنن الله في خلق الإنسان؛ لتعمير هذه الأرض، الله أوجد في كل نفس رغبة في التملك للشيء، إذا كان عندك إخوان في البيت أو أبناء وليكونوا مثلاً اثنان، واشتريت لهم لعبة مشتركة، فإنه سيحصل على هذه اللعبة شجار، كل واحد يمسكها من جانب، هات وفك، قال: فك، هذه لي، والله لآخذنها، المهم تشاجرا، وإذا وجدها أحدهما كسرها، حتى لا يأخذها الآخر وهي ما زالت سليمة، وإذا أخذها ذاك قال: أعطل فيها شيئاً، لأنها ليست ملكه وحده، لكن لو اشتريت لهم من السوق لعبتين وسلمت لكل واحد منهما لعبة، وقلت: أنت لك هذه اللعبة الحمراء، وأنت لك هذه اللعبة البيضاء، ماذا سوف يحصل؟ يحافظ عليها أم لا؟ يحافظ عليها ولن يحطمها، وتعيش معه مدة طويلة؛ لأنها له، ويشعر بأنها له.

فالملكية الفردية غريزة في النفس، وماركس لما قال: ليست هناك ملكية فردية، ومورست هذه الفكرة في المجتمع الشيوعي، والذي حصل أن الإنسان الروسي ما أصبح يحس بأهمية للعمل، ولا بأهمية للآلة، ولا بأهمية للنظام؛ لأنه مسمار في آلة الدولة، ولذا نتج عن هذا انخفاض في الإنتاج، وفساد في الإدارة؛ حتى إن روسيا التي كانت في الماضي سلة خبز العالم، أصبحت أفقر دولة تعيش على الهبات والمعاونات من أمريكا ، وبدءوا ينقضون أفكارهم، ويلغون بعض أسس دعوة ماركس ؛ لأنها دعوةٌ ليست حقيقية، وإنما هي جوابٌ خاطئ لعلم لا يعلمه ماركس ، وألغيت النظرية التطبيقية الشيوعية في نفس الدول الشيوعية، التي ما زالت تتبناها وإلى الآن لم تلغ فيها.

هذا مثال على أن الإنسان إذا طُلب منه أن يجيب على علمٍ لا يعلمه أجاب بالخطأ.

نظرية فرويد في الحياة والرد عليها

وهناك شخص كان اسمه فرويد ؛ وهو عالم من علماء النفس، وكما يقول أحد الإخوة: إنهم علماء العفس والرفس. الرفس أي: الرمح -تعرفون من هو الذي يرمح- هؤلاء العلماء يقولون: إنهم علماء نفس، علم النفس حقيقةً لا يعلمه إلا خالق هذه النفس، وكل العلوم التي تقدم لتفسير أسرار النفس من غير الكتاب والسنة، كلها هراء وكذب ولا تصح؛ لأن الله يعلم ما في نفوس هؤلاء العباد، وهو خالق النفس، وعارف أسرارها، وهذا جهاز مكبر الصوت، أصدق إنسان يتحدث عن أسرار هذا الجهاز هو صانعه، وإذا تعطل هذا الجهاز عند من نصلحه؟ عند صانعه، وإذا تعطل الجهاز ولم نذهب به عند صانعه ماذا يفعل به؟ يخربه، الآن هذا مسجل صغير خرب وذهبت به عند صاحب البنشر، وقلت: يا بنشري! من فضلك أصلح هذا المسجل، قال: هاته. وعبأه زيتاً وشحَّمه.. ما رأيكم! أيصلح هذا الجهاز أم يخرب؟ وإذا خربت ساعتك في يدك، العقل يقول: اذهب بها إلى مهندس الساعات ليصلحها، لكن لو ذهبت بها إلى النجار، وقلت له: أمسك، لا صديق إلا وقت الضيق، الساعة وقفت ونريدك أن تصلحها، قال: ما عندي علم، ما أعرفها، قلت: كيف ما عندك علم؟ عندك المطارق وعندك المناشير والمسامير، مهندس ولا يستطيع أن يصلح ساعة!! تصلح باباً ولا تعرف إصلاح ساعة!! قال: أبشر، هات، وضربها بمسمار في وسطها، ونشرها ودقها بالفأس، أتصلح أم تخرب الساعة؟ تخرب.

هذا الإنسان، وهذه النفس البشرية الله خالقها وصانعها وبارئها: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62].. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:2].. هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:1-3].

الله خالق هذه النفس فهو أعلم بأسرارها، أما النفس نفسها فلا تعرف أسرار النفس، جاء فرويد وهو من علماء (العفس والرفس)، فقيل له: يا فرويد ! ما الحياة هذه؟ وكان عالماً كبيراً من علماء النفس، وكان الرجل معروفاً عنه في تاريخه وسيرته أنه إنسان شهواني من عبدة الجنس -أي: حمار شهوة- فقال: الحياة جنس.

يريد أن يفسر الحياة من منظاره الأسود، ومن منطلقه النجس، إنسانٌ هابط وشهواني، يعيش في أوحال الشهوات، ويريد أن يحول حياة البشر كلهم من الطهر والعفاف، والنقاء والكرامة، إلى حياة القردة والكلاب، والحمير والخنازير.

ويقول: لا توجد قيود على الجنس، يجب أن يعيش الناس ويمارسوا الجنس بإباحية كاملة.

قيل له: كيف؟! إن هذه حياة الكلاب، من يمارس الجنس الآن بإباحية كاملة إلا الحيوانات الهابطة؛ القردة والكلاب والخنازير والحمير.. وجميع الحيوانات، أما الإنسان فله قيود على الجنس؛ لأن الجنس في حياة الناس وسيلة لغاية وليس غاية، الجنس وسيلة لغاية بقاء الجنس البشري، إذ لو لم يجعل الله عز وجل ميلاً في قلب الرجل إلى المرأة، وميلاً في قلب المرأة إلى الرجل؛ لانقرض الجنس البشري، وما بقي خلافة في الأرض تتحقق بها عمارة الأرض بطاعة الله عز وجل، فالله تعالى من حكمته عز وجل أن أوجد ميلاً في الرجل والمرأة، كل منهما تجاه الآخر؛ من أجل أن يلتقوا عند الزواج، ويحصل من هذا اللقاء أولاد شرعيون؛ يحققون الرسالة والخلافة في هذه الأرض، ولكن فرويد يريدهم أن يلتقوا كما تلتقي الحمير.

والجنس حينما أوجده الله عز وجل في الإنسان ضبطه، وحدَّد مساراً له، ما تركه فوضى؛ لأنه لو ترك فوضى فهي حياة الحمير والكلاب والحيوانات، إنما جعل الله له مساراً؛ هذا المسار هو مسار الزواج، يتحقق به الغرض الذي من أجله أوجد هذه الغريزة، ولا يترتب على هذا مفاسد من تحلل الروابط، وانفكاك الأسر، واختلاط الأنساب، وانعدام الثقة؛ فهذه كلها وليدة الإباحية الجنسية الموجودة في أوروبا والشرق، ودول الإلحاد والكفر.

أما الإسلام فقد أباح الزواج وشرعه، وندب إليه، وضبطه بمسار معين؛ من أجل أن تحصل فائدته، ولا يحصل له أي سلبيات أخرى، وكل شيء غير محكوم بنظام فإنه يتحول إلى فوضى، أليس كذلك؟ حتى اللعب الذي هو لعب وليس فيه نظام ولا هو جد، اللعب إذا لم ينضبط بنظام يصير فوضى كذلك؛ فكرة القدم مجرد لعبة رغم أنها تعيش في دواخل قلوبنا الآن، هذه اللعبة محكومة بنظام يسمونه قانون كرة القدم، وهذا القانون مكون من أكثر من مائة وعشرين مادة، ويشرف على تنفيذ هذا القانون الحكم، ويسمون الحكم سيد الملعب، ينزل الملعب كأنه يقطع الرءوس، وهو يحكم على جلد حمار منفوخ، ويساعده في تحكيم المباراة حكم رجال الخط، وشخص من هنا يغير معها، والآخر يغير معها من هنا، وحكم احتياطي جالس هناك؛ يمكن أن يموت الحكم أو يمرض أو يتعب فيدخل مكانه، ومائة وعشرون مادة من مواد تطبيق هذه اللعبة تبين لك أطوال الملعب، الطول مائة وعشرة، وعرض الملعب: سبعون، وطول القوائم -مثلاً- متران ونصف، وعرض العارضة التي فوقها ثمانية أمتار ونصف، ومنطقة الستة ياردة، ومنطقة الثمانية عشرة ياردة، ونقطة البلنتي تبعد عن الحارس باثنتي عشرة ياردة، وخط النصف، و(السنتر هاف) و(الباك فورد)، و(الونجلفت)؛ هذه كلها اسمها: قانون كرة القدم.

بالله لو قيل لأحد عشر لاعباً: تعالوا أنتم يا فريق أحد عشر هنا، وأنتم هنا، وهذه الكرة بينكم، ونريد منكم من يحرز هدفاً بدون حكم وقانون، إلى ماذا تتحول هذا المباراة؟ إلى معركة فعلاً؛ لأن أول واحد يمسك الكرة يريد هدفاً، وذاك أمسكه برجله، وذاك ركب عليه، وبعد قليل تجد اثنين وعشرين لاعباً كلهم فوق بعض والكرة تحت، ويحصل قتل ولا يخرج منها سالماً.

فإذا كان اللعب نفسه مضبوطاً بنظام، ولا يمكن أن يصير أبداً لعباً إلا بنظام، فكيف نريد أن يتصل الإنسان بالمرأة مثل ما يريد فرويد -هذا الملعون- عن طريق الإباحية الجنسية، وبغير نظام ولا تتدمر البشرية؟! لا يمكن أبداً، وما هو الآن واقع ومشاهد في أوروبا هو نتيجة دعوة فرويد .

الآن في أوروبا وفي أمريكا سلط الله عليهم جندياً من جنوده اسمه: الإيدز، جندي بسيط من جنود الله، والله تعالى يقول: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4] جندي لا يرى بالعين المجردة، لا تستطيع أن تراه إلا إذا أدخلته في عدسة أو أدخلته في ميكروسكوب إلكتروني يكبر الحجم ثلاثة ملايين مرة، أي: يجعل الملي الذي هو واحد من عشرة من السنتيمتر، يجعله ثلاثة كيلو، يمكن أن ترى هذا الفيروس بالمجهر، هذا الجندي أقلق أمريكا وأوروبا ودمرها الآن، وشبحه يبرز في كل ميدان وشارع وملهى، وفي كل مكان؛ لأنه من جنود الله المسلطين الذين فيهم شدة الله وبأسه، وغضب الله عز وجل، هذا جاء نتيجة الإباحية الجنسية، حتى إن وزير الصحة السويدي ورئيس الصليب الأحمر عندهم، نادى نداءً عظيماً جداً قرأته بعيني في جريدة الشرق الأوسط، لما عملت إحصائية عن المصابين بالإيدز في العالم، وجد أنهم أكثر من اثنين وستين ألف مصاب والزيادة مستمرة! وأن أمريكا لوحدها فيها أكثر من أربعين ألفاً والبقية في أوروبا ، وفي السويد وحدها ألف وستمائة واثنان وعشرون مصاباً بالإيدز، والسويد هذه من الدول الإباحية في العالم، وهي من الدول الاسكندنافية المتطورة جداً كـالدنمارك والنرويج ، لقد قال: إن علينا أن ننادي الشعب السويدي بتنظيم علاقته الجنسية، يقول: فهذا لا يجدي في محاربة الإيدز، ولكن علينا أن ننادي بقوة وبحزمٍ إلى أن يكون لكل رجلٍ سويدي امرأة واحدة فقط، يعني الإسلام، أي: أن تبقى علاقة الرجل بالسويد مع امرأة واحدة -أي: زوجة- لأن عندهم الزوجة واحدة في العرف والصديقات مائة في التطبيق العملي، وليس عندهم طلاق، لكن بإمكانها أن تأخذ لها مائة عشيق، وهو يأخذ له مائة صديقة، وهذا شيء يبيحه عندهم النظام.

هذا فرويد الخبيث قال مقولته هذه وثبت فشلها؛ لأنها جاءت من إنسان شهواني لا يعرف هذه الحياة إلا من منظاره، ولا يريد أن يفسرها إلا من شهواته. وجاء غيره من العلماء، وليسوا بعلماء بل هم أجهل الناس بحقائق الكون، وحقائق هذه الحياة، بل بأنفسهم.

نظرية داروين في الحياة والرد عليها

جاء شخص ثالث واسمه دارون، ينقل عنه المؤرخون أن شكله شكل قرد، وقال: إن الإنسان تطور عبر سلسلة من المراحل حتى صار إنساناً، وأنه في الأصل كان قرداً. كيف كان قرداً؟ ما دام أن القضية تطورات، والإنسان كان قرداً وصار إنساناً، فلماذا لم يتطور الإنسان ويصير جملاً، أو ثوراً، أو وعلاً، أو يصير أي شيء؟ لماذا بقي عند الإنسانية؟ ما دامت القضية تطورية! لأن الشيء الذي يقبل التطور لا يقف بمنطق العقل.

ورُدَّ عليه وثبت بطلان نظريته ونسفت من أساسها؛ لأن الإنسان إنسانٌ منذ خلقه الله، نعرف ذلك من كلام الله الذي خلق الإنسان، وهو قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

نظرية فروبل في حقيقة الحياة والرد عليها

جاءت كثير من النظريات التي لا مجال لتعدادها، منهم شخص اسمه فروبل، يقول: إن نظريته قائمة على اللعب، وإن الله خلقنا في هذه الحياة من أجل أن نلعب. هذا مطرب يحب اللعب! ويقول: إن الناس ما خلقوا إلا للعب، ولما سئل: لِمَ يا فروبل ؟

قال: ألا ترون الطفل الصغير لا يجلس إلا للعب دائماً باستمرار، يقول: لو أردت أن تجلس في مجلس وتلاحظ حركة طفل في السنة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة أو السادسة، فإنك تلاحظ فيه أنه لا يمكن أن يجلس خمس دقائق على نفس الجلسة، ثم يقوم يجلس ويتوقف ويقوم، لا بد أن يتحرك، فقال: هذا اللعب عند الإنسان دليل على أن الحياة كلها لعب.

قيل له: يا فروبل! لا، اللعب في حياة الطفل لغرض؛ وهو أن الطفل ينمو، وما من يومٍ يمر عليه إلا وهو في زيادة في النمو، هذا النمو يجب أن يقابل بحركة من الإنسان، فإذا توقف الإنسان عن الحركة، توقف النمو، فحتى ينمو لا بد أن يتحرك، فإذا اكتمل بنيان الإنسان فلن يتحرك حركة إلا حركة إرادية؛ عندما يكون عمره عشرين سنة لو تحرك كيف ما تحرك لن يطول، ولذلك إذا فصَّل ثوباً وعمره عشرون سنة فلن يطول سنتيمتراً واحداً، انتهى، لكن من عمر سنة إلى أن يبلغ الإنسان وهو ينمو وينمو، فيجد أنه يتحرك حتى تنمو فيه العضلات، وتساعد على نمو جسمه، لكن لو توقف نموه عند سن معين يتوقف، ولو وقفت حركته لتوقف نموه، وهكذا.

أجل! من الذي يجيب على هذه الأسئلة؟ ومن الذي يخبرنا عن حقيقة هذه الحياة؟ ومن الذي يخبرنا عن سر وجودنا في هذه الحياة؟ ولماذا جئنا؟

إن الجواب الصحيح لا يمكن أن يوجد إلا من خالق هذه الحياة، وموجد هذا الإنسان، ألا وهو الله الذي لا إله إلا هو.

أما هذه الحياة فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنها دار عمل، وأنها سوق ونحن نخوض غماره؛ فلنعمل فيه صالحاً، أو لنعمل فيه سيئاً، وأن الجزاء في الآخرة على ضوء السلوك في هذه الدنيا؛ قال عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90]، وقال عز وجل: أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20].

حقيقة وجودنا في الحياة الدنيا

أما لماذا جئنا؟ فقد أخبرنا الله عز وجل بقوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] هذا هو الهدف.

هناك عالمٌ من علماء أوروبا ، وهو بروفيسور، لكن في علم الآخرة لا يعرف شيئاً، أجهل من ثور أهله، قيل له: لماذا خلقت؟ قال: لآكل، ولماذا تأكل؟ قال: لأعيش؛ لأنه لو لم يأكل سيموت، قيل له: أنت تأكل لتعيش، لكن لماذا تعيش؟ لا بد لعيشك هذا من هدف، قال: لآكل، ولماذا تأكل؟ قال: لأعيش، وإذا به من آكل لأعيش، وأعيش لآكل، قال: وبعدما تأكل وتعيش، وتعيش وتأكل، وتصبح وتمسي من أجل أن تعيش وتأكل، وفي النهاية أين تذهب؟ قال: أموت. تموت!! الله خلقك لأجل أن تموت؟ لو أن الهدف من أن الله خلقك من أجل أن تموت، فإنك كنت ميتاً، وليس هناك حاجة ليوجدك وتمر عبر هذه المرحلة في بطن أمك، وبعدها ولادة وطفل ودراسة .. من أجل أن تموت؟! أجل كل موجود هنا فهو ميت، ولكن أنت وجدت لهدف: ما هو؟ قال: لا أدري، يعرف كل شيء في علم الدنيا، لكنه لا يعرف شيئاً في علم الآخرة، لا يدري! حتى قال شاعرهم:

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت؟

كيف سرت؟

كيف أبصرت طريقي؟

لست أدري

ولماذا لست أدري؟

لست أدري

هذا منتهى الضلال والضياع، لا يدري لماذا جاء، ولو أنك وقفت مرة -مثلاً- على العقبة المتجهة إلى جيزان، ووقفت مع العسكري وهو يسمح للسيارات بالصعود والهبوط، وجاء صاحب سيارة وأوقفه العسكري، قال له: أين ذاهب؟ قال: لا أدري. من أين جئت؟ قال: لا أدري والله. ولماذا نازل؟ قال: والله لا أدري. ما رأيكم في هذا العسكري أيوفقه أم يتركه؟ يوقفه مباشرةً، ويقول: هذا أخبل ومجنون، لا يعرف إلى أين هو ذاهب، ولا من أين جاء، ولا يعرف لماذا نازل، هذا سكران سيعمل كارثة أو مجنون! ولا يسمح له بقيادة سيارة في رحلة مدتها ساعتان إلى جيزان أو ثلاث ساعات.

لكن البشرية اليوم العاقل الكبير لا يدري من أين أتى، ولا يدري إلى أين هو ذاهب، في رحلة طويلة، ستون أو سبعون سنة يعيشها على ظهر هذه الأرض وهو لا يدري، ونقول: إنهم عقلاء ومفكرون، وإنهم أصحاب حضارة وإنجاز، وهم مفلسون، والله تعالى يقول: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] غفلوا عن الحقائق الأزلية التي من أجلها خلقوا، ولا يعرفون إلا ظاهراً من هذه الحياة، قال الله تعالى قبلها: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:6]، ثم أثبت لهم علماً ظاهراً لا يغني عنهم شيئاً إذا قدموا على الله عز وجل.

فالإيمان أيها الإخوة! هو الذي يجيب على هذه التساؤلات.

سئل شخص من البشر عن هذه الحياة واسمه ماركس ، وهو زعيم الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا ، أصله يهودي وابن زنا ليس له أب، دعيّ، نشأ في الملاجئ وفي ظل الحرمان، وتولدت في نفسه عقد نفسية نتيجة الظروف التي عاشها من الحرمان والفقر؛ ترتب على هذه الظروف أن أحس بإحباط وبحقد وبحرمان شديد مما في أيدي الناس، فلما كبر انعكست هذه الظروف على فكرته، ونادى في الجماهير الكادحة من أمثاله من المحرومين ومن الأدعياء وأبناء الزنا، نادى بأنه: لا إله والحياة مادة.

هذه نظرته، أن الحياة كلها في تصوره مادة، لماذا مادة؟ لأنه يشعر بالفقر تجاه المادة، يشعر بالحرمان تجاه المادة، ولذا نادى بدعوته الشيوعية ، وألغى الملكية الفردية، وقال: الناس شركاء في كل شيء، حتى في الأعراض، ولما برزت هذه النظرية إلى حيز التطبيق أفرزت الفشل، وأعلنت أنها غير صالحة؛ لأنها لباس لا يليق بالبشرية.

الملكية الفردية هي غريزة عند كل إنسان، لا يستطيع ماركس أن يلغيها بجرة قلم؛ لأنها سنة من سنن الله في خلق الإنسان؛ لتعمير هذه الأرض، الله أوجد في كل نفس رغبة في التملك للشيء، إذا كان عندك إخوان في البيت أو أبناء وليكونوا مثلاً اثنان، واشتريت لهم لعبة مشتركة، فإنه سيحصل على هذه اللعبة شجار، كل واحد يمسكها من جانب، هات وفك، قال: فك، هذه لي، والله لآخذنها، المهم تشاجرا، وإذا وجدها أحدهما كسرها، حتى لا يأخذها الآخر وهي ما زالت سليمة، وإذا أخذها ذاك قال: أعطل فيها شيئاً، لأنها ليست ملكه وحده، لكن لو اشتريت لهم من السوق لعبتين وسلمت لكل واحد منهما لعبة، وقلت: أنت لك هذه اللعبة الحمراء، وأنت لك هذه اللعبة البيضاء، ماذا سوف يحصل؟ يحافظ عليها أم لا؟ يحافظ عليها ولن يحطمها، وتعيش معه مدة طويلة؛ لأنها له، ويشعر بأنها له.

فالملكية الفردية غريزة في النفس، وماركس لما قال: ليست هناك ملكية فردية، ومورست هذه الفكرة في المجتمع الشيوعي، والذي حصل أن الإنسان الروسي ما أصبح يحس بأهمية للعمل، ولا بأهمية للآلة، ولا بأهمية للنظام؛ لأنه مسمار في آلة الدولة، ولذا نتج عن هذا انخفاض في الإنتاج، وفساد في الإدارة؛ حتى إن روسيا التي كانت في الماضي سلة خبز العالم، أصبحت أفقر دولة تعيش على الهبات والمعاونات من أمريكا ، وبدءوا ينقضون أفكارهم، ويلغون بعض أسس دعوة ماركس ؛ لأنها دعوةٌ ليست حقيقية، وإنما هي جوابٌ خاطئ لعلم لا يعلمه ماركس ، وألغيت النظرية التطبيقية الشيوعية في نفس الدول الشيوعية، التي ما زالت تتبناها وإلى الآن لم تلغ فيها.

هذا مثال على أن الإنسان إذا طُلب منه أن يجيب على علمٍ لا يعلمه أجاب بالخطأ.

وهناك شخص كان اسمه فرويد ؛ وهو عالم من علماء النفس، وكما يقول أحد الإخوة: إنهم علماء العفس والرفس. الرفس أي: الرمح -تعرفون من هو الذي يرمح- هؤلاء العلماء يقولون: إنهم علماء نفس، علم النفس حقيقةً لا يعلمه إلا خالق هذه النفس، وكل العلوم التي تقدم لتفسير أسرار النفس من غير الكتاب والسنة، كلها هراء وكذب ولا تصح؛ لأن الله يعلم ما في نفوس هؤلاء العباد، وهو خالق النفس، وعارف أسرارها، وهذا جهاز مكبر الصوت، أصدق إنسان يتحدث عن أسرار هذا الجهاز هو صانعه، وإذا تعطل هذا الجهاز عند من نصلحه؟ عند صانعه، وإذا تعطل الجهاز ولم نذهب به عند صانعه ماذا يفعل به؟ يخربه، الآن هذا مسجل صغير خرب وذهبت به عند صاحب البنشر، وقلت: يا بنشري! من فضلك أصلح هذا المسجل، قال: هاته. وعبأه زيتاً وشحَّمه.. ما رأيكم! أيصلح هذا الجهاز أم يخرب؟ وإذا خربت ساعتك في يدك، العقل يقول: اذهب بها إلى مهندس الساعات ليصلحها، لكن لو ذهبت بها إلى النجار، وقلت له: أمسك، لا صديق إلا وقت الضيق، الساعة وقفت ونريدك أن تصلحها، قال: ما عندي علم، ما أعرفها، قلت: كيف ما عندك علم؟ عندك المطارق وعندك المناشير والمسامير، مهندس ولا يستطيع أن يصلح ساعة!! تصلح باباً ولا تعرف إصلاح ساعة!! قال: أبشر، هات، وضربها بمسمار في وسطها، ونشرها ودقها بالفأس، أتصلح أم تخرب الساعة؟ تخرب.

هذا الإنسان، وهذه النفس البشرية الله خالقها وصانعها وبارئها: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62].. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:2].. هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:1-3].

الله خالق هذه النفس فهو أعلم بأسرارها، أما النفس نفسها فلا تعرف أسرار النفس، جاء فرويد وهو من علماء (العفس والرفس)، فقيل له: يا فرويد ! ما الحياة هذه؟ وكان عالماً كبيراً من علماء النفس، وكان الرجل معروفاً عنه في تاريخه وسيرته أنه إنسان شهواني من عبدة الجنس -أي: حمار شهوة- فقال: الحياة جنس.

يريد أن يفسر الحياة من منظاره الأسود، ومن منطلقه النجس، إنسانٌ هابط وشهواني، يعيش في أوحال الشهوات، ويريد أن يحول حياة البشر كلهم من الطهر والعفاف، والنقاء والكرامة، إلى حياة القردة والكلاب، والحمير والخنازير.

ويقول: لا توجد قيود على الجنس، يجب أن يعيش الناس ويمارسوا الجنس بإباحية كاملة.

قيل له: كيف؟! إن هذه حياة الكلاب، من يمارس الجنس الآن بإباحية كاملة إلا الحيوانات الهابطة؛ القردة والكلاب والخنازير والحمير.. وجميع الحيوانات، أما الإنسان فله قيود على الجنس؛ لأن الجنس في حياة الناس وسيلة لغاية وليس غاية، الجنس وسيلة لغاية بقاء الجنس البشري، إذ لو لم يجعل الله عز وجل ميلاً في قلب الرجل إلى المرأة، وميلاً في قلب المرأة إلى الرجل؛ لانقرض الجنس البشري، وما بقي خلافة في الأرض تتحقق بها عمارة الأرض بطاعة الله عز وجل، فالله تعالى من حكمته عز وجل أن أوجد ميلاً في الرجل والمرأة، كل منهما تجاه الآخر؛ من أجل أن يلتقوا عند الزواج، ويحصل من هذا اللقاء أولاد شرعيون؛ يحققون الرسالة والخلافة في هذه الأرض، ولكن فرويد يريدهم أن يلتقوا كما تلتقي الحمير.

والجنس حينما أوجده الله عز وجل في الإنسان ضبطه، وحدَّد مساراً له، ما تركه فوضى؛ لأنه لو ترك فوضى فهي حياة الحمير والكلاب والحيوانات، إنما جعل الله له مساراً؛ هذا المسار هو مسار الزواج، يتحقق به الغرض الذي من أجله أوجد هذه الغريزة، ولا يترتب على هذا مفاسد من تحلل الروابط، وانفكاك الأسر، واختلاط الأنساب، وانعدام الثقة؛ فهذه كلها وليدة الإباحية الجنسية الموجودة في أوروبا والشرق، ودول الإلحاد والكفر.

أما الإسلام فقد أباح الزواج وشرعه، وندب إليه، وضبطه بمسار معين؛ من أجل أن تحصل فائدته، ولا يحصل له أي سلبيات أخرى، وكل شيء غير محكوم بنظام فإنه يتحول إلى فوضى، أليس كذلك؟ حتى اللعب الذي هو لعب وليس فيه نظام ولا هو جد، اللعب إذا لم ينضبط بنظام يصير فوضى كذلك؛ فكرة القدم مجرد لعبة رغم أنها تعيش في دواخل قلوبنا الآن، هذه اللعبة محكومة بنظام يسمونه قانون كرة القدم، وهذا القانون مكون من أكثر من مائة وعشرين مادة، ويشرف على تنفيذ هذا القانون الحكم، ويسمون الحكم سيد الملعب، ينزل الملعب كأنه يقطع الرءوس، وهو يحكم على جلد حمار منفوخ، ويساعده في تحكيم المباراة حكم رجال الخط، وشخص من هنا يغير معها، والآخر يغير معها من هنا، وحكم احتياطي جالس هناك؛ يمكن أن يموت الحكم أو يمرض أو يتعب فيدخل مكانه، ومائة وعشرون مادة من مواد تطبيق هذه اللعبة تبين لك أطوال الملعب، الطول مائة وعشرة، وعرض الملعب: سبعون، وطول القوائم -مثلاً- متران ونصف، وعرض العارضة التي فوقها ثمانية أمتار ونصف، ومنطقة الستة ياردة، ومنطقة الثمانية عشرة ياردة، ونقطة البلنتي تبعد عن الحارس باثنتي عشرة ياردة، وخط النصف، و(السنتر هاف) و(الباك فورد)، و(الونجلفت)؛ هذه كلها اسمها: قانون كرة القدم.

بالله لو قيل لأحد عشر لاعباً: تعالوا أنتم يا فريق أحد عشر هنا، وأنتم هنا، وهذه الكرة بينكم، ونريد منكم من يحرز هدفاً بدون حكم وقانون، إلى ماذا تتحول هذا المباراة؟ إلى معركة فعلاً؛ لأن أول واحد يمسك الكرة يريد هدفاً، وذاك أمسكه برجله، وذاك ركب عليه، وبعد قليل تجد اثنين وعشرين لاعباً كلهم فوق بعض والكرة تحت، ويحصل قتل ولا يخرج منها سالماً.

فإذا كان اللعب نفسه مضبوطاً بنظام، ولا يمكن أن يصير أبداً لعباً إلا بنظام، فكيف نريد أن يتصل الإنسان بالمرأة مثل ما يريد فرويد -هذا الملعون- عن طريق الإباحية الجنسية، وبغير نظام ولا تتدمر البشرية؟! لا يمكن أبداً، وما هو الآن واقع ومشاهد في أوروبا هو نتيجة دعوة فرويد .

الآن في أوروبا وفي أمريكا سلط الله عليهم جندياً من جنوده اسمه: الإيدز، جندي بسيط من جنود الله، والله تعالى يقول: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4] جندي لا يرى بالعين المجردة، لا تستطيع أن تراه إلا إذا أدخلته في عدسة أو أدخلته في ميكروسكوب إلكتروني يكبر الحجم ثلاثة ملايين مرة، أي: يجعل الملي الذي هو واحد من عشرة من السنتيمتر، يجعله ثلاثة كيلو، يمكن أن ترى هذا الفيروس بالمجهر، هذا الجندي أقلق أمريكا وأوروبا ودمرها الآن، وشبحه يبرز في كل ميدان وشارع وملهى، وفي كل مكان؛ لأنه من جنود الله المسلطين الذين فيهم شدة الله وبأسه، وغضب الله عز وجل، هذا جاء نتيجة الإباحية الجنسية، حتى إن وزير الصحة السويدي ورئيس الصليب الأحمر عندهم، نادى نداءً عظيماً جداً قرأته بعيني في جريدة الشرق الأوسط، لما عملت إحصائية عن المصابين بالإيدز في العالم، وجد أنهم أكثر من اثنين وستين ألف مصاب والزيادة مستمرة! وأن أمريكا لوحدها فيها أكثر من أربعين ألفاً والبقية في أوروبا ، وفي السويد وحدها ألف وستمائة واثنان وعشرون مصاباً بالإيدز، والسويد هذه من الدول الإباحية في العالم، وهي من الدول الاسكندنافية المتطورة جداً كـالدنمارك والنرويج ، لقد قال: إن علينا أن ننادي الشعب السويدي بتنظيم علاقته الجنسية، يقول: فهذا لا يجدي في محاربة الإيدز، ولكن علينا أن ننادي بقوة وبحزمٍ إلى أن يكون لكل رجلٍ سويدي امرأة واحدة فقط، يعني الإسلام، أي: أن تبقى علاقة الرجل بالسويد مع امرأة واحدة -أي: زوجة- لأن عندهم الزوجة واحدة في العرف والصديقات مائة في التطبيق العملي، وليس عندهم طلاق، لكن بإمكانها أن تأخذ لها مائة عشيق، وهو يأخذ له مائة صديقة، وهذا شيء يبيحه عندهم النظام.

هذا فرويد الخبيث قال مقولته هذه وثبت فشلها؛ لأنها جاءت من إنسان شهواني لا يعرف هذه الحياة إلا من منظاره، ولا يريد أن يفسرها إلا من شهواته. وجاء غيره من العلماء، وليسوا بعلماء بل هم أجهل الناس بحقائق الكون، وحقائق هذه الحياة، بل بأنفسهم.

جاء شخص ثالث واسمه دارون، ينقل عنه المؤرخون أن شكله شكل قرد، وقال: إن الإنسان تطور عبر سلسلة من المراحل حتى صار إنساناً، وأنه في الأصل كان قرداً. كيف كان قرداً؟ ما دام أن القضية تطورات، والإنسان كان قرداً وصار إنساناً، فلماذا لم يتطور الإنسان ويصير جملاً، أو ثوراً، أو وعلاً، أو يصير أي شيء؟ لماذا بقي عند الإنسانية؟ ما دامت القضية تطورية! لأن الشيء الذي يقبل التطور لا يقف بمنطق العقل.

ورُدَّ عليه وثبت بطلان نظريته ونسفت من أساسها؛ لأن الإنسان إنسانٌ منذ خلقه الله، نعرف ذلك من كلام الله الذي خلق الإنسان، وهو قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2927 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2927 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2803 استماع
أمن وإيمان 2679 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2603 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2476 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2470 استماع
مرحباً شهر الصيام 2399 استماع