قوة الروح، وقوة الجسد


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

وبعد:

أيها الإخوة في الله! القوة مطلوبة، والمؤمن مطالب بأن يكون قوياً؛ لأن الحياة لا تعترف إلا بالقوي، الضعيف يرفض ويداس بالأقدام؛ خصوصاً حينما تغيب شريعة الرحمن، وتسود شريعة الغاب، والله عز وجل يأمر بإعداد القوة فيقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير).

والقوة المطلوبة قوة شاملة، قوة في الإيمان والأبدان والعلوم والاقتصاد، وكل مناحي الحياة: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير).

وحينما تذكر القوة لا يتبادر إلى أذهان الناس إلا القوة المادية؛ لأن العقول تلوثت وحصلت فيها تصورات غريبة على الإسلام، حينما يعتمد الناس على قوة المادة وينسون قوة الله، فإذا ذكرت لهم (القوى) فلا تنصرف الأذهان إلا إلى قوى المادة، وينسون قوة الإيمان والأرواح، رغم أن أهمية قوة الروح والإيمان أعظم بملايين المرات من قوة الأبدان والسلاح، لماذا؟

لأن الله عز وجل ينصر بالإيمان ولا ينصر بقوة السلاح، والتاريخ أمامنا، وبالاستقراء نعرف كيف حصل هذا؟ ففي غزوة بدر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجموعة من أصحابه ليس فيهم إلا اثنان من الخيالة فقط، وما خرجوا لقتال، إنما خرجوا لاقتطاع القافلة التي كانت تأتي بالتجارة لقريش من الشام إلى مكة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في حرب مع قريش، ومن حقه أن يقطع عليهم الطريق، فلما علم أن القافلة قادمة من الشام خرج لقطعها، ولما علم أبو سفيان -وكان أمير القافلة- نجا بها عن طريق الساحل، وعلمت مكة بخروج النبي لاقتطاع القافلة فخرجت عن بكرة أبيها؛ بقضها وقضيضها، وحدها وحديدها، ورجالها ونسائها يبلغون ألف مقاتل، ولما بلغهم أن القافلة قد نجت اختلفوا، فقال قائل منهم: نحن خرجنا لإنقاذ القافلة وما دام أن القافلة قد نجت فلم نقاتل؟!

وقال الفريق الثاني: ما خرجنا للقافلة فقط، خرجنا لنستأصل شأفة الإسلام من أساسه، لنقضي على محمد، فإنه إن نجت القافلة اليوم لن تنجو غداً، ويقول أبو جهل : والله ما نرجع حتى نصل بدراً، ونشرب الخمر، ونضرب الطبول، وتعلم العرب أننا قد انتصرنا على محمد، وأيد هذا النداء في قلوبهم الشيطان، قال لهم: إني جار لكم، وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس، وقال: إني معكم، ولما حصلت المواجهة بين قوى الإيمان ممثلة بالصحابة وهم ثلاثمائة وبضعة عشر، بدون سلاح إلا سلاح الإيمان، وبين قوى الكفر الممثلة في قريش بجميع أسلحتها وعددها؛ كانت القوى غير متكافئة، فتدخلت قوة الله لتغليب جانب قوى الإيمان، وأرسل الله ملائكة، أمدهم الله بألف جندي من جنود السماء، وهذه أول معركة تشترك فيها الملائكة مواجهة بالإنس، وما كانت تعرف الملائكة كيف تقتل الناس؛ لأنها لا تعرف كيف تقاتلهم؟ فالله علم الملائكة فقال: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12] من أراد الله قتله ضربته الملائكة في رقبته، ومن أراد الله تعويقه دون قتلٍ ضربته الملائكة في أصابعه فتطيح الأسلحة من يده، تتقطع البنان وهي الأصابع: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12] وقتل الكفار، وانتصر الإسلام يوم الفرقان.

وتدور عجلة الزمن إلى أن يحصل الفتح ويدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة منتصراً، ثم يجهز الجيش على قبيلة ثقيف وهوازن، ويخرج اثنا عشر ألف مقاتل ثلاثمائة، ولكنهم اعتمدوا على قوتهم، وقال الله عز وجل: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25] وكانت ثقيف وهوازن قد استحكموا في رءوس الجبال، فأمطروهم بالنبال، وضربت النبال في وجوه الخيول ورءوس الجمال فانتكست ورجعت، ثم من أراد أن يقف لا يستطيع لأن الجيش كله يرجع إلى الخلف، فهرب كل الناس حتى قال قائلهم: والله ما يردهم إلا البحر، ولم يثبت في ذلك اليوم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ومائة صحابي فقط، كان ينادي عليه الصلاة والسلام: (يا أهل بيعة الرضوان! يا أهل سورة البقرة! أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) قال الله عز وجل: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا [التوبة:26] اثنا عشر ألفاً ما نفعوا لكن مائة مع الله نفعوا، فأقوى قوة يجب أن نعدها هي قوة الإيمان؛ لأننا منصورون بدون شك، وإذا قلت الإمكانات نصرنا الله عز وجل بجنود السماوات والأرض: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4] الريح جنود، الملائكة جنود، الأمطار جنود، التثبيت المعنوي جنود، كل هذه جنود إذا تدخلت في المعارك لا يستطيع أحد أن يغلبها؛ لأنها قوة الله، والله تعالى يقول: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160] لا يغلبك أحد إذا نصرك الله: وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] وتركيز الناس فقط على قوى المادة مع إهمال قوى الدين والإيمان والروحانيات دليل على خلل في تصوراتهم وأفكارهم، ينبغي تصحيح هذا الخلل.

حتى نجيب على هذا الأمر لا بد أن نسأل: ما هو الإنسان؟ وما تركيبه؟ وما أصل خلقته؟

الإنسان مخلوق من عنصرين ومركب من مادتين: قبضة من التراب، ونفخة من روح الله، وأما بقية الحيوانات فإنها مشكلة من عنصر واحد: قبضة من طين الأرض، أما الإنسان ففيه عنصر طيني وعنصر روحاني، يقول الله تعالى فيه: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:71-72] هل جاء السجود لآدم بعد التسوية من الطين؟

لا. بل بعد نفخ الروح؛ لأنه أكرم عنصريه.

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ يعني: من الطين: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:72] فجاء الأمر بالسجود بعد نفخ الروح دليلاً على أن أكرم عنصريك هي الروحانية التي فيك؛ لأنك تشارك بها الملائكة، وتشارك بالعنصر الطيني الحيوانات، فإذا تجردت من الروحانيات عشت حياة الحيوانات بل أضل؛ لأن الحيوان يعرف مصلحته، وهذا ما نص الله عليه في القرآن الكريم، يقول عز وجل: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] سبحان الله!! بغير الدين ما أنت؟ حمار؟ لا. ألعن من الحمار! ليت الواحد حماراً نركب على ظهره، لكن ماذا نعمل فيه إذا لم يكن عنده دين؟

لأن الحمار يعرف مصلحته، والثور يعرف مصلحته، لكن الذي ليس عنده دين لا يعرف مصلحته، له عقل لا يعقل به، وله عين لا ينظر بها، وله أذن لا يسمع بها، عطلها الله حيث يقول: وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأحقاف:26] .. وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78] فالإنسان إذا لم يكن معه إيمان ودين يسقط وينزل درجة أقل من درجة الحيوانية، يقول الله عز وجل: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] قدم للحيوان شيئاً ضاراً يرفضه، ادفع الحيوان إلى حفرة فيها نار يصرخ، مع أنه يضرب به المثل في البلادة، فقد ضرب الله به مثلاً في القرآن الكريم، وشبه به اليهود الذين عندهم علم ما عملوا به، رفضوه واعتمدوا على نسبهم وقالوا: هم شعب الله المختار، قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] وهم في حقيقتهم يقولون:هم شعب الله المختار، والناس هم الحمير، والله سماهم الحمير حقيقة! الحمار وهو أبلد الحيوانات إذا حفرت أمامه حفرة ثم أخذته بعنانه وسحبته إليها يرفض، وتحاول تجره فيثبت يديه، يقول: أين عقلك أنت؟! لكن أكثر الناس أضل من الحمار، يرى النار بعينه ويقتحمها، أجل هو أضل! فالإنسان مكرم لأكرم عنصريه وهو عنصر الروح، عنصر الإيمان، وكما أن للجسد ضرورات فإن للروح أيضاً ضرورات، لا يستطيع الجسد ولا تستطيع الروح أن تعيش إلا بضروراتها.

الهواء من ضرورات حياة الجسد

الجسد لا يستطيع أن يعيش إلا بالهواء، أليس كذلك؟ هل يستطيع أحد أن يعيش بغير الأوكسجين؟ أهم شيء عند الناس في الدنيا كلها وأغلى شيء الهواء؛ لأن الإنسان لا يستغني عنه لحظة، ولذا جعل الله عز وجل الهواء مما لا سلطة لأحد فيه، ويكون معك في كل مكان، ففي المسجد هواء، وفي الخارج هواء، وعندما تركب السيارة يلحقك الهواء، أو تدخل بيتك تجد الهواء، وتدخل دورة المياه فتجد الهواء، وتركب في الطيارة يلحقك الهواء .. وتمشي في أي مكان والهواء معك، وبعد ذلك تشتريه، ما رأيك؟ لو أن الهواء بنقود لكان كل واحد فوق ظهره قربة وجالون وعيار، متى يغلق؟ لكنه مجاناً يا إخواني!

أهم شيء وأغلى شيء موجود هو الهواء، وبالرغم من هذا يجعله الله بالمجان وفي كل مكان.

الماء من ضرورات حياة الجسد

شيء آخر أقل أهمية من الهواء، لكن إذا لم يكن موجوداً مات الناس!

الماء تحتاج إليه في أوقات وتستغني عنه في أوقات، فما جعل الله الماء ملازماً لك بحيث تمشي والماء يمطر عليك ليل نهار؛ ولو كان ذلك لغرقت وانتهيت، لكن جعل الله الماء في إمكانك الحصول عليه بأبسط التكاليف، تحفر الأرض فتخرج لك عين أو بئر، يجري الله الأنهار، وينزل الأمطار، فتحمل الأرض هذه المياه وتختزنها إلى مستوى قريب ثم تحفرها وتلقاها، لو أن الله عز وجل أخذ ماء المطر وتركها فوق الأرض لأسنت الأرض وتعفنت وانتشرت فيها الملاريا والحمى وكل الأمراض، ولو أن الله عز وجل فتح الأرض ونزل الماء إلى أسفل السافلين لم نجد قطرة، لكن لماذا الله عز وجل نزله إلى عدة أمتار وأبقاه؟ يقول الله عز وجل: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:18] وقال: وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22] تأتي على البئر مملوءة بالماء لا تذهب، بينما الماء إذا وجد أي فرصة للنفاذ ينفذ، والأرض عبارة عن طين وحجر وفيها شقوق لكنها أقوى من الحديد، فلا تسمح بنفاذ قطرة واحدة، ولو فتح في الأرض في أسفل البئر شق صغير لذهب الماء كله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك:30] الله رب العالمين.

فلما كان الماء ذا أهمية -ولكن أهميته تقل عن أهمية الهواء- وجد الماء لكن بنوعٍ من الكلفة؛ تحفر لك بئراً أو تمشي إلى النهر وتأخذ لك ماءً، المهم أنه موجود، لكن لا تستطيع أن تصبر عن الماء طويلاً، وفي البلاد الحارة يقول الأطباء والعلماء: يمكن أن يعيش الشخص مدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام أو أسبوع إلى أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع بدون ماء، لكن بعدها تجف عروقه ويموت، وفي البلاد الباردة يمكن أن يعيش إلى شهرين بدون ماء؛ لأن الجو يرطب جسده ويعطيه قدرة على العيش بدون الماء.

الغذاء من ضرورات حياة الجسد

شيء ثالث من الضروريات للجسد: الغذاء.

الطعام ضروري جداً للإنسان، ولا يعيش الإنسان إلا بالهواء والماء والغذاء، ولكنه ليس مهماً كالماء، فيستطيع الإنسان أن يصبر عن الطعام مدة طويلة، تعرفون بعض الناس يضربون عن الطعام أشهراً ولا يموتون، ولذا كان خروج الطعام للإنسان من الأرض بكلفة أشد، وبتعبٍ أكثر، لماذا؟

لأنه يستطيع أن يصبر عليه، هذه ضرورات الحياة: هواء وماءٌ وغذاء، هذه ضروريات لا يستطيع الإنسان أن يعيش بغيرها، وإذا فقد الجسد هذه الضروريات الثلاث مات.

وكما أن للجسد ضرورات لا يستطيع أن يعيش إلا بها كذلك للروح ضرورات لا يستطيع الإنسان أن يعيش إلا بها، وإذا قصر في هذه الضرورات ماتت روحه، والناس في غفلة من هذا الأمر، وهذه مهمة -أيها الإخوة- ويجب أن نركز على هذا الموضوع جداً، فإذا كنا نعرف أننا مخلوقون من هذين العنصرين وأن لكل عنصرٍ غذاءه المناسب له، فلما كانت الروح من السماء كان غذاؤها من السماء، ولما كانت الجسد مخلوقة من الأرض والطين كان غذاؤها من الأرض والطين، ويوم أن نقصر في أي مادة من مواد الروح أو مادة من مواد الجسد تموت.

أجل! نحن لا بد أن نعيش حياتين متكاملتين في تنفيذٍ لمتطلبات الجسد والروح، والذي يحصل الآن في البشر أنهم يغلبون جانب الجسد ويهملون جانب الروح فتموت أرواحهم، ويعيشون بغير دين، ويوم أن يعيشوا بغير دين يحصل هناك هزة عنيفة لكيان الإنسان، ويحكم الإنسان على نفسه بأنه ليس إنساناً بل حيوان؛ لأن فيه الجانب الحيواني ممثل بجسده، والجانب الروحاني ملغى من قلبه، فهو من أجل هذا الجانب يركز عليه ومن أجل ذاك الجانب يهمله، وبالتالي يعيش حياةً مشطورة.

الجسد لا يستطيع أن يعيش إلا بالهواء، أليس كذلك؟ هل يستطيع أحد أن يعيش بغير الأوكسجين؟ أهم شيء عند الناس في الدنيا كلها وأغلى شيء الهواء؛ لأن الإنسان لا يستغني عنه لحظة، ولذا جعل الله عز وجل الهواء مما لا سلطة لأحد فيه، ويكون معك في كل مكان، ففي المسجد هواء، وفي الخارج هواء، وعندما تركب السيارة يلحقك الهواء، أو تدخل بيتك تجد الهواء، وتدخل دورة المياه فتجد الهواء، وتركب في الطيارة يلحقك الهواء .. وتمشي في أي مكان والهواء معك، وبعد ذلك تشتريه، ما رأيك؟ لو أن الهواء بنقود لكان كل واحد فوق ظهره قربة وجالون وعيار، متى يغلق؟ لكنه مجاناً يا إخواني!

أهم شيء وأغلى شيء موجود هو الهواء، وبالرغم من هذا يجعله الله بالمجان وفي كل مكان.

شيء آخر أقل أهمية من الهواء، لكن إذا لم يكن موجوداً مات الناس!

الماء تحتاج إليه في أوقات وتستغني عنه في أوقات، فما جعل الله الماء ملازماً لك بحيث تمشي والماء يمطر عليك ليل نهار؛ ولو كان ذلك لغرقت وانتهيت، لكن جعل الله الماء في إمكانك الحصول عليه بأبسط التكاليف، تحفر الأرض فتخرج لك عين أو بئر، يجري الله الأنهار، وينزل الأمطار، فتحمل الأرض هذه المياه وتختزنها إلى مستوى قريب ثم تحفرها وتلقاها، لو أن الله عز وجل أخذ ماء المطر وتركها فوق الأرض لأسنت الأرض وتعفنت وانتشرت فيها الملاريا والحمى وكل الأمراض، ولو أن الله عز وجل فتح الأرض ونزل الماء إلى أسفل السافلين لم نجد قطرة، لكن لماذا الله عز وجل نزله إلى عدة أمتار وأبقاه؟ يقول الله عز وجل: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:18] وقال: وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22] تأتي على البئر مملوءة بالماء لا تذهب، بينما الماء إذا وجد أي فرصة للنفاذ ينفذ، والأرض عبارة عن طين وحجر وفيها شقوق لكنها أقوى من الحديد، فلا تسمح بنفاذ قطرة واحدة، ولو فتح في الأرض في أسفل البئر شق صغير لذهب الماء كله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك:30] الله رب العالمين.

فلما كان الماء ذا أهمية -ولكن أهميته تقل عن أهمية الهواء- وجد الماء لكن بنوعٍ من الكلفة؛ تحفر لك بئراً أو تمشي إلى النهر وتأخذ لك ماءً، المهم أنه موجود، لكن لا تستطيع أن تصبر عن الماء طويلاً، وفي البلاد الحارة يقول الأطباء والعلماء: يمكن أن يعيش الشخص مدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام أو أسبوع إلى أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع بدون ماء، لكن بعدها تجف عروقه ويموت، وفي البلاد الباردة يمكن أن يعيش إلى شهرين بدون ماء؛ لأن الجو يرطب جسده ويعطيه قدرة على العيش بدون الماء.

شيء ثالث من الضروريات للجسد: الغذاء.

الطعام ضروري جداً للإنسان، ولا يعيش الإنسان إلا بالهواء والماء والغذاء، ولكنه ليس مهماً كالماء، فيستطيع الإنسان أن يصبر عن الطعام مدة طويلة، تعرفون بعض الناس يضربون عن الطعام أشهراً ولا يموتون، ولذا كان خروج الطعام للإنسان من الأرض بكلفة أشد، وبتعبٍ أكثر، لماذا؟

لأنه يستطيع أن يصبر عليه، هذه ضرورات الحياة: هواء وماءٌ وغذاء، هذه ضروريات لا يستطيع الإنسان أن يعيش بغيرها، وإذا فقد الجسد هذه الضروريات الثلاث مات.

وكما أن للجسد ضرورات لا يستطيع أن يعيش إلا بها كذلك للروح ضرورات لا يستطيع الإنسان أن يعيش إلا بها، وإذا قصر في هذه الضرورات ماتت روحه، والناس في غفلة من هذا الأمر، وهذه مهمة -أيها الإخوة- ويجب أن نركز على هذا الموضوع جداً، فإذا كنا نعرف أننا مخلوقون من هذين العنصرين وأن لكل عنصرٍ غذاءه المناسب له، فلما كانت الروح من السماء كان غذاؤها من السماء، ولما كانت الجسد مخلوقة من الأرض والطين كان غذاؤها من الأرض والطين، ويوم أن نقصر في أي مادة من مواد الروح أو مادة من مواد الجسد تموت.

أجل! نحن لا بد أن نعيش حياتين متكاملتين في تنفيذٍ لمتطلبات الجسد والروح، والذي يحصل الآن في البشر أنهم يغلبون جانب الجسد ويهملون جانب الروح فتموت أرواحهم، ويعيشون بغير دين، ويوم أن يعيشوا بغير دين يحصل هناك هزة عنيفة لكيان الإنسان، ويحكم الإنسان على نفسه بأنه ليس إنساناً بل حيوان؛ لأن فيه الجانب الحيواني ممثل بجسده، والجانب الروحاني ملغى من قلبه، فهو من أجل هذا الجانب يركز عليه ومن أجل ذاك الجانب يهمله، وبالتالي يعيش حياةً مشطورة.

كلامي السابق ينتج عنه سؤال: هل الإيمان والدين، والعفة والطهر والعفاف والنقاء، والأخلاق والقيم والمبادئ .. هل هي ضرورة للإنسان كضرورة الغذاء والشراب والهواء أم لا؟ هل يمكن أن يعيش الإنسان بغير هذه الأشياء؛ يأكل ويشرب ويتمتع ويعيش حياة سعيدة؟

الجواب هنا له شقان:

فالذين نظروا إلى هذا الإنسان على أنه إنسان مكرم، وسر التكريم له أربعة جوانب:

1- خلقه الله بيده.

2- نفخ الله فيه من روحه.

3- أسجد له ملائكته.

4- علمه الأسماء كلها.

هذا سر التكريم؛ وليس لأحد غير آدم، كل المخلوقات يقول لها: كوني؛ فتكون، إلا آدم فإنه مخلوق بيد الرحمن، ومنفوخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31] هذا تكريم لهذا الإنسان، وهذا معنى قول الله عز وجل: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] وهذا معنى قول الله عز وجل في سورة الحج: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18] من أهانه الله حينما ترك دينه فمن يكرمه؟ أجل الكرامة هنا في الدين، سر التكريم فيك أيها الإنسان في الإيمان، أجل ولا يمكن أن تعيش حياة كريمة سعيدة إلا بالإيمان، وإذا عشت بغير إيمان فإنها تعيش حياة هينة هابطة لا قيمة لها.

والذين نظروا على أن الإنسان حيوان قالوا: لا قيمة للدين ولا داعي له، لماذا؟

قالوا: نظرنا إلى الحيوانات وهي تعيش بلا دين، فلماذا نحن نحمل ديناً ونحن مثلها؟ حسناً .. من قال لكم: إن الإنسان حيوان؟ هذه هي فلسفة العصر الآن وعمدته قائمة على حيوانية الإنسان، من أين جاءت هذه؟ الذي لا يقرأ التاريخ ولا يعرف كيف تسلسلت الأحداث في العالم، ولا يراقب عجلة الزمن لا يدري، يظن الأمور جاءت صدفاً، والأمور وراءها مخططون، وراءها عقول تلعب بالبشر كالدمى.

في إبان الثورة الفرنسية سنة ألف وسبعمائة وتسعة وثمانين للميلاد كانت أوروبا تعيش في سبات وضلال وجهل لا يعلمه إلا الله، وكانت الكنيسة والإقطاع والإمبراطورية الموجودة تمارس ضغطاً وتعذيباً وقتلاً للعلماء وتحريقاً لهم، ومصادرة للفكر والحريات بدرجة لم تعهد البشرية لها مثيلاً، وكانت الشعوب تضيق بهذا القهر والتسلط عليها، فحصلت الثورات الفرنسية، وبعدها الثورة الصناعية في بريطانيا ، وتمرد الناس على سلطان الكنيسة، ورفضوا الدين المحرف الذي لعبت به أصابع البشر، والذي ليس من عند الله، الدين الموجود في أوروبا وهو الكنيسة والديانة النصرانية ديانة محرفة وليس دين الله؛ لأن الدين عند الله هو الإسلام، وألغى الله جميع الأديان والشرائع والملل، ورضي الإسلام للبشر ديناً، فالدين المحرف لا تقبله العقول، فلما رفضته أوروبا حصل التمرد على الدين، واستغل المخططون من اليهود هذا الحدث فوجهوه وفق أغراضهم، وفصلوه على غاياتهم وأهوائهم، كيف؟

داروين ونظريته في مراحل تطور الإنسان

هناك طبيب اسمه دارون صاحب نظرية ليست حقيقة علمية قال فيها: إن الإنسان تطور ومر بمراحل من الرقي والتطور إلى أن أصبح إنساناً، كيف؟

قال: كان أصله في قديم الزمان خلية، ثم تطور من خلية إلى نبات، ثم تطور من نبات إلى نبات يشبه الحيوان، ثم تطور من نبات يشبه الحيوان إلى حيوان يحس، ثم تطور إلى حيوانات فقارية يعني: ليس لها أرجل ولا أيدٍ، بل تمشي على الأرض مثل السلاحف والحيتان في البحر، ثم تطور إلى القرد، ثم تطور من القرد إلى الإنسان، هذه نظرية دارون!

من أين علمت يا دارون أن أصلك قرد من بعيد؟ هو قرد مع أن الله خلق القرود، قال: هذه نظرية التطور، قلنا: حسناً! والتطور هذا الذي حدث، فلماذا الإنسان بقي إنساناً؛ ولم لا يتطور؟

لم لم تستمر المسألة في تطور؟!

قال: سوف يتطور، قلنا: وماذا يصير؟ قال: يصير فأراً -قاتله الله- حسناً، متى يا دارون ؟ قال: بعد خمسة آلاف مليون سنة.

كبَّر الكذبة! من الآن إلى ذاك الوقت يقول: قد نساها الناس، خمسة آلاف مليون سنة، أين ألف سنة؟ وأين مائة ألف؟ وأين مليون؟ وأين ألف مليون؟ خمسة آلاف مليون كذبة ليس لها طرف! لما قال بهذه النظرية كان يريد شيئاً في نفسه مع أنه يعرف أنه كذاب؛ لأنه ما شهد خلقه، يقول الله تعالى: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51] ليس موجوداً يوم خلق الله آدم حتى يقول: إن الإنسان كان خلية، هو جاء في سلسلة البشر القريب، والبشر كائن وموجود منذ زمن طويل فما علم أصلاً، لكنه يضرب على وتر، يريد أن يلغي قضية: إن الله خلق آدم بيده، وأن آدم كرمه الله وعلمه الأسماء، وأنه منفوخ فيه من روح الله، يريد أن يجعل آدم مثل القرد، وما دام القرد أبانا (فمن يشابه أبه فما ظلم) فما دام أن أباك قرد فأنت قرد يا ابن القرد، هو يقوله! فهو يريد غرضاً من هذا الباب.

وفرح اليهود بهذه النظرية؛ لأنها تحقق مبدأً قامت عليه ديانتهم وهو العرقية، اليهود ديانة لا تكتسب ولكنها تورث؛ أي شخص يريد أن يدخل في اليهودية يقولون: ما أصلك؟ إن كان جده يهودياً يدخل، أما إذا لم يكن له نسب في اليهودية فلا يدخل؛ لأنهم يقولون: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18] ويقولون: إنهم شعب الله المختار، ويقولون: إن بقية الأمم هذه ليست إلا حميراً خلقها الله لخدمة اليهود، وقال الله عنهم: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75] الأميون: يعني: جميع الأمم غير اليهود، فهم ينظرون إلى الأمم على أنها درجة أقل من درجة اليهود، ولذا لا بد أن نستحمرهم، كيف نستحمرهم وبأي وسيلة؟

سمعتم قبل أيام بالمذبحة التي حصلت في المسجد الأقصى، والتي هزت كيان ضمير العالم كله مسلمه وكافره؛ لأنها لم تمارس بشكلٍ مثل هذا أبداً، يعني: أي واحد يعترض -مثلاً- في الدول .. يحتج ويعترض ويتظاهر تعالج هذه الاحتجاجات والمظاهرات بوسائل لفضِّها فقط؛ إما بأن يرشوا عليهم ماءً، أو عيارات نارية تطلق فوق رءوسهم، أو دخان مسيل للدموع، أو اعتقالات وقبض، أما أن يسلطوا الرصاص على العزل الذين ليس عندهم حتى عصي، ويقتلوهم كما يقتلون الغنم فهذا ليس موجوداً، حتى في الغنم الآن، فلو أن عندك غنماً في بيتك وهربت عليك واحدة فأنت لا تأخذ البندق وترشها بالرصاص؛ كيف ترشها بالرصاص فتقتلها، تقول: اقتلوها من أجل أن تمسكها؟! لكن هم ينظرون إلى الناس على أنهم أحقر من الغنم، فجاءوا ليمارسوا شيئاً في داخل الحرم، فاعترض المسلمون قالوا: لا تعملوا هذا الشيء، فماذا كان الجواب؟ إطلاق الرصاص، قتلوا واحداً وعشرين شخصاً، وجرحوا ثلاثمائة شخص في ساعة واحدة، لماذا؟ لأنهم ينظرون إلى البشر على أنهم أحقر من الحمير.

ولهذا فرح اليهود بنظرية دارون وأخذوها وبدءوا يغيرونها من كل جانب من أجل أن توافق أهواءهم ورغباتهم.

فرويد ونظريته في الجنس

وظهر لنا خبيث اسمه: فرويد ، هذا -فرويد - عالم يهودي وطبيب نفساني يهودي، هذا أنجس طبيب على وجه الأرض، نظريته قائمة على تفسير هو: ما دام أن الإنسان حيوان فإن لحركة الحيوان هذه مقاصد وأهدافاً، ما هي؟

قال: إن كل تحركٍ يتحرك به الإنسان فهو بدافع الغريزة الجنسية، حتى الطفل الصغير يرضع أمه وهو يتلذذ جنسياً، وإذا بكى وهو على ظهرها ورفع رجليه فهي حركة جنسية، وإذا مص إصبعه فهي حركة جنسية، وإذا بلغ سنة من عمره فإنه يرى أباه ويكرهه ويريد أن يمارس الحركة الجنسية مع أمه، فإذا كبر وصار عمره سنتين سرى حقد عنده على أبيه؛ لأنه يراه يأتي أمه، فيحقد على أبيه؛ لكنه يفاجأ بأن أباه كبير ويستطيع أن يضربه؛ فتحصل عنده عقدة الكبت الجنسي، يقول: ثم إذا كبر وأراد أن يمارس الجنس مع أمه فينظر أباه يصرف عليه، ويعطيه، ويذهب به إلى المدرسة؛ فيحصل عنده الضمير يقول: يؤنبه ضميره؛ كيف يصرف عليك أبوك وأنت تريد أن تعمل الجنس مع أمك؟

هذه نظرية الخبيث فرويد.

من قال لك هذا يا فرويد؟! من أين أتيت بهذه النظرية؟!! ألا لعن الله هذا الملحد! قال: أجريت تجربة على قطيعٍ من الثيران في مزرعة من المزارع فوجدت عجلاً من العجول خرج من بقرة من الأبقار وكبر، ويوم أن صار ثوراً جاء وطعن أباه وركب على أمه، يقول: فالإنسان مثله.

ومن قال لك: أيها البعيد! أننا ثيران أو بقر؟! شاهدوا كيف حيوانية الناس تأتي لهذا الجانب! ولذا ماذا قال؟ قال: لا يوجد دين يحكم الغرائز، ولا قيم، ولا مبادئ، والذي يحكم الغرائز الجنس فقط، وهذه أقذر نظرية! وتلقتها أوروبا بالقبول ونفذت، ولما نفذت تحللت الروابط، وزالت القيم، وأبيحت المحرمات، وحصلت الإباحية الجنسية، ففي دول أوروبا الآن الإباحية الجنسية على أتمها، لا يوجد شيء ممنوع، ولذا أحل الله بهم الدمار في الدنيا قبل الآخرة، وسلط الله عليهم جندياً مجهولاً صغيراً لا يرى بالعين المجردة وهو جندي الإيدز، سمعتم بالإيدز؟

هذا (فيروس) وليس حتى جرثومة، (فيروس) لا يرى إلا بالمكبرات، هذا جندي صغير سلطه الله عليهم، أين كان هذا الإيدز؟ والإنسان موجود من قبل، لماذا لم يظهر إلا في هذا الزمان؟!

جندي أرسله الله ليدمر البشر الآن، حتى قال وزير الصحة السويدي ورئيس منظمة الصليب الأحمر في السويد: إن علينا أن نعيد النظر في ممارساتنا الجنسية بحيث يبقى لكل رجل سويدي امرأة واحدة سويدية. وهذا يعني: الإسلام، يقول: لا يصلح أن يمارس الجنس مع كل امرأة؛ هذا سبب لنا هذا المرض وهذه المشكلة، عاشت أوروبا في بعدٍ عن الله عز وجل وفي حيوانية وبهيمية ساقطة بسبب نظرية فرويد التي بناها على نظرية دارون.

دور كهايم ونظريته: حتمية القطيع الجمعي

جاء شخص آخر اسمه: دوركهايم وقال: إن الحتمية القطيعية هي التي تحكم الناس، لا دين ولا مبادئ ولا أخلاق ولا قيم ولا تقاليد.

فما الذي يحكم الناس؟

قال: الذي يتعارف عليه الناس.

لماذا؟

قال: إني أنظر إلى قطيع الغنم وهي تأتي من المرعى؛ يكون دائماً في أول الغنم ماعز أو خروف، يقول: إذا مشى شمالاً فكلها تمشي وراءه دون أن تسأله: لماذا مشيت شمالاً؟ كل رءوسها ماشية وراءه فقط، وإذا مشى يميناً كلها تمشي وراءه.

يقول: ونظرت إلى سرب الطير في السماء، وفي أول السرب طائر طار شمالاً وكلها تطير وراءه، يطير يميناً وكلها تطير وراءه دون أن تسأل.

لماذا؟

قال: هذا نظام القطيع، إن القطيع يتبع قائده، يقول: والبشر هم قطعان حيوانية بشرية، فأي شخص يدعوهم إلى شيء مشوا وراءه جميل أو قبيح، المهم أنهم وراءه فقط.

هذه نظرية دوركهايم، يسميها حتمية القطيع الجمعي، يعني: ما اجتمع عليه الناس وساروا فيه هو الذي يقع، بدون أي دين، ولا يكون رسالة من الله ولا يكون تقليداً.

ماركس ونظريته المادية

وجاء الثالث اليهودي الخبيث وهو ماركس الذي نادى بنظريته البلشفية الشيوعية ، والتي أفلست والحمد لله، وبدأت أوروبا الشرقية التي كانت فيها، وروسيا ترفضها وتتمرد عليها وتنقضها؛ لأنها أثبتت الفشل لها من خلال التطبيق والواقع.

نادى ماركس بحتمية المادة، يقول: إن الذي يحكم الناس: المصلحة المادية، يعني: الريال فقط، ولهذا يقول: لا إله والحياة مادة؛ الحياة ريال، لكن من الذي خلق الإنسان ماركس أو فرويد أو دوركهايم أو دارون؟!

الذي خلق الإنسان هو خالق الإنسان، وهو الذي أنزل عليه هذا الدين وهذا الإيمان كلباس مفصل عليه؛ يوم أن يلبسه يعيش في سعادة، ويوم أن يرفضه يعيش في شقاء.

غير أن البشرية أجيبت وفق هذه النظريات الخبيثة على أن الإنسان حيوان، وما دام أنه حيوان فلماذا يكون له دين؟ ولماذا يتميز عن الحيوانات بدين؟

نظروا إلى البقر وإذا ليس لها دين، وإلى الكلاب وإذا بها ليس لها دين، وإلى الخنازير وإذا بها ليس لها دين، وإلى جميع الحيوانات في حدائق الحيوانات ما لها دين، قالوا: وأنت واحد منها فلماذا تخترع لك ديناً؟ لماذا تشذ أنت عن الحيوانات وأنت واحد من الحيوانات؟ فعاش البشر بلا دينٍ كحياة الحيوانات التي قال الله تعالى عنها في القرآن الكريم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12] هذا كلام الله عز وجل.

ولما قدمت هذه النظريات للبشر فهموها على أنها دين وأنها هي المبدأ السائد في الحياة، فعاشوا حياة الحيوان والعياذ بالله!

ويوم أن يكون الإنسان حيواناً فلا مكان للعقيدة، ولا للقيم، ولا للمبادئ؛ لأن هذه الأشياء لا مكان لها في عالم الحيوانات، وما الإنسان إلا واحد من قطيع الحيوانات، ويوم أن يكون الإنسان حيواناً فلا معنى للخطأ والصواب في حياة الناس، وخطأ كل شيء صواب عند الناس، ففي أوروبا الآن كل شيء صحيح، حتى إن مجلس العموم البريطاني أباح أن ينكح الرجل الرجل، تعلمون هذا أو لا؟ نعم. اقترح على هذا في مجلس العموم، وبالأغلبية وافق مجلس العموم على أنه يجوز للرجل أن يتزوج الرجل من عند القاضي، وأصبح الشخص الآن يأتي له بشخص ويقول: اعقد لي عليه، ويخرج ومعه صك ويأخذه في يده، لماذا؟ لأنه لا يوجد خطأ ولا صواب، لا توجد شريعة تحكم، فما الذي يحكم؟ لأن الناس رضوا هذا الشيء؛ نظام قطيع مجلس العموم قال: هذا أمر طيب، فقالوا: حسناً!

ما الذي يحكم الخطأ والصواب في عالم البشر وفي سلوك الناس؟

المشرع، وهو الله الذي يعلم مصلحة البشر ويعرف مضرة البشر، فيحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وينهاهم عن الشرور ويأمرهم بالخيرات، لماذا؟ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] يعلم مصلحتك، ينهاك الله عن النظر الحرام: أنت عينك تريد أن تنظر إلى الحرام لكن الله ينهاك عن النظر للحرام لعلم الله بالضرر المتحقق من نظرك إلى الحرام، ولهذا يقول الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] نعم. أزكى؛ لأنك تشاهد، والذي يعيش بغير نظر والله إنه يعيش في أحسن راحة قلبية، لا ينظر شيئاً، وإذا شاهد شيئاً غض بصره ومشى، لكن يذهب إلى بيته ينظر زوجته أمامه، لكن ذاك الذي لا يغض بصره فإن قلبه يتقطع على كل ما يرى؛ لأنه يرى شيئاً لا يستطيع عليه ولا يصبر عنه، يقول:

وأنت إذا أطلقت طرفك رائداً     لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر     عليه ولا عن بعضه أنت صابر

فشيء لا تستطيع أن تصبر عنه لماذا تنظر إليه؟ لكن رب العالمين يقول لك: لا تنظر! فتذهب إلى بيتك مرتاحاً، لكن يوم أن تنظر وترى تذهب وقلبك يتقطع.

وكثير من الناس الآن يعيش في عذاب بسبب النظر، ولو أنه أطاع الله وغض بصره فإنه بهذا يحقق لنفسه راحة نفسية وإيماناً يجد حلاوته، يقول عليه الصلاة والسلام: (من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) لأنك لا يمكن أن تغض بصرك إلا خوفاً من الله تعالى، لا يوجد أحد يستطيع أن يتحكم في نظرك ويعرف أين تنظر إلا ربك، وبإمكانك أن تنظر إلى امرأة وإذا قال لك شخص: لماذا تنظر؟ تقول: عيني في العمارة التي خلفها يا شيخ! لكن ربي يعرف أين تنظر عيناك، يقول الله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].

فالذين أجابوا على أن هذا الإنسان حيوان قالوا: لا دين ولا مكان للأخلاق، ولا مكان للخطأ والصواب، وهكذا كانت هذه النظرية اللعينة نظرية دارون : قنبلة في عقائد البشر! نسفت ما معهم من الدين والقيم والمبادئ، وحولت الإنسان من إنسانيته المكرمة إلى الحيوانية الهابطة، فعاش الناس حياة الحيوان التي لا يحسدون عليها في هذا الزمان، صحيح أنهم طوروا المادة، وفجروا الذرة، وسبحوا في الفضاء، وغاصوا في الماء لكن في الجانب المادي، أما جانب القيم والأخلاق والمبادئ فإنهم في الحضيض، لدرجة أن أحد العلماء يقول: زرت بعض البلدان الغربية فوجدت فيها كل شيء إلا الإنسان ما رأيته. ما رأيت الإنسان بإنسانيته، بمفاهيمه! بمبادئه! بقيمه! بأخلاقياته! رأيت مسخاً يمشي على قدمين في يده كلب، ما أدري الكلب أوفى أو هو أوفى من كلبه؛ لأنهم يعيشون حياةً بهيمية لا قيمة فيها للحياة الإيمانية، ونحن لا نحسدهم عليها.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2930 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2805 استماع
أمن وإيمان 2678 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2468 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع