سوء الخلق


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الأحبة في الله! عنوان المحاضرة: سوء الخلق، صوره ومظاهره، وأسبابه وعلاجه.

حسن الخُلق غرض من أغراض الدين, وهدف من أهداف بعثة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم, يقول في الحديث الذي رواه الإمام مالك في موطئه : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فكان من أهداف بعثته صلى الله عليه وسلم التي منها إصلاح الأرض ودعوة الناس إلى عبادة الله وحده, وترك الشرك, وإلى عمارة الأرض بهذا الدين.

أيضاً من ضمن الأغراض للبعثة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم: إكمال مكارم الأخلاق, وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم منزلة حسن الخلق وعاقبته, وأثره على الإنسان, حتى قال صلى الله عليه وسلم: (كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة)، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يبين منزلة صاحب الأخلاق الإسلامية الفاضلة يوم القيامة، قال: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)؛ كلما كنت على خلق قويم، وخلق فاضل كان ذلك مدعاة إلى أن تكون قريباًمن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة, وقد أثنى الله سبحانه وتعالى وامتدح نبيه صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه على خلق عظيم فقال: نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:1-4], هذا الخلق العظيم سئلت عنه عائشة رضي الله عنها -والسائل من الصحابة؛ يريد أن يعرف ما هو هذا الخلق الذي تحلى به النبي صلى الله عليه وسلم وامتدحه الله به وأثنى عليه- فلما سئلت قالت: (كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن)، فمن أراد أن يعرف خلق النبي صلى الله عليه وسلم فليتعرف وليقرأ القرآن ليجد جميع الصفات وجميع الكمالات البشرية، وجميع الخصال الحميدة التي جاءت في كتاب الله متمثلة بأعلى صورها وأعظم مقاماتها في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم, فهو أكرم الخلق، وسيد ولد آدم، وصاحب اللواء يوم العرض, وأول من تنشق عنه الأرض, وصاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة, وأول من يدخل الجنة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, فقد أوتي من الأخلاق ما لم يؤته أحد غيره حتى الأنبياء؛ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أعطوا من مكارم الأخلاق الشيء العظيم، ولما قص الله عز وجل أخبارهم قال: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90] كل ما عند الأنبياء من فضائل هي مجموعة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم, ونحن مأمورون باتباعه, يقول الله سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، الأسوة والقدوة والمثال الذي ينبغي أن يقتدى به وأن يحتذى وأن يسار على طريقه: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, لكن لمن؟ لفئة من الناس، قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21]؛ الذي يرجو الله ويرجو لقاء الله ويرجو اليوم الآخر ويذكر الله كثيراً قدوته محمد صلى الله عليه وسلم, لا يرفع رأسه بأحد إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو الذي تميز به صحابته, حتى عد القرن الذي عاش فيه النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون, وعد صحابته أفضل الخلق بعد الرسل, حتى تلقت الأمة كل أقوالهم بالقبول, وحكموا بعدالة كل صحابي حتى ولو جهل, ولهذا يقول العلماء من أهل الجرح والتعديل في الحديث: لا تضر جهالة الصحابي، فإن الصحابة كلهم عدول؛ لأنهم اتبعوا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم, وتمثلوا أخلاقه, وساروا على هديه وسنته صلى الله عليه وسلم.

وسوء الخلق والعياذ بالله مناقض ومعارض لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولحياة النبي صلى الله عليه وسلم, ولهذا يدل سوء الخلق على قلة التوفيق -والعياذ بالله- وعلى الخذلان لمن يكون سيئاً, وبعض الناس لا يدري ما هو سوء الخلق! تراه يظن أنه من أحسن الناس أخلاقاً وهو من أسوئهم أخلاقاً, نظراً لعدم وضوح القضية في ذهنه, يرى نفسه بمنظار الجمال والحسن والاستقامة والخلق، ولا يحكم على نفسه بنظرة غيره. أنت لا تقيم نفسك! الذي يقيمك هو غيرك؛ لأن الإنسان كالجمل لا يرى عوجة رقبته؛ لأن رأسه وعيونه ترى الذي أمامه لكن لا يستطيع أن يلف رأسه ويرى عوجة رقبته التي هي أعوج رقبة في الدنيا, وكذلك بعض الناس مثل البعير لا يرى عيوب نفسه وعوجة رقبته, من الذي يراك؟ غيرك, ولهذا الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة المحمدية شاهدة على الأمم، فقال: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] وفي الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مرّ عليه بجنازة فأثنى الناس عليها خيراً فقال: (وجبت، ثم مرّ عليه بجنازة أخرى فأثنى الناس عليها شراً, قال: وجبت، فتعجب الصحابة، قالوا: يا رسول الله! ما وجبت؟! الأول ذكره الناس بخير وأثنوا عليه بالخير فقلت: وجبت, والثاني ذكره الناس بشر وأثنوا عليه بشر فقلت: وجبت -يعني: الاثنين سواء؟- قال: الأول أثني عليه خيراً فقلت: وجبت أي: الجنة, والثاني أثني عليه شراً فقلت: وجبت أي: النار, لماذا؟ قال: أنتم شهداء الله على خلقه), وأنت لا تنتزع الشهادة من الناس بالقوة أو بالإغراء أو بالمال، تنتزعها بالخلق, ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم) هل تستطيع أن تعطي كل الناس مالاً من أجل الثناء عليك؟ لا. لا تقدر ولو كنت من كنت, لكن تستطيع أن توزع على العالم كله خلقاً؛ لأنه لا يكلف, كونك تبتسم في وجه أخيك المسلم, وتعوده وتكرمه؛ تكون صادقاً وتكون وفياً وتكون براً وتكون تقياً وتكون حليماً وتكون شجاعاً، وتكون صاحب مروءة، وصاحب نخوة وشجاعة، وصاحب أخلاق بمجموعها المعروفة, هذا تقدر عليه وبالتالي تفرض عليهم احترامك, ولا يجدون مدخلاً عليك ولا يستطيعون أن يسبوك أو يلوموك، لماذا؟ لأنك إنسان فاضل ذو خلق, حتى عدوك لو سئل عنك لقال: نعم. لا أقول فيه شيئاً؛ لأنه لو قال فيك شيئاً لقال الناس: كذاب, فهو لا يريد أن يُكذَّب.

ما هو سوء الخلق؟ وما صوره؟ وما مظاهره؟ وسوف نعرض إن شاء الله بشيء من التفصيل, ونضع النقاط على الحروف, ونشخص هذا المرض ليعرف كلاً منا هل هو حسن الخلق أم سيئ الخلق؟ طبعاً أنت أعرف بنفسك وليس هناك أحد أعرف منك بنفسك، يقول الله تعالى: بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة:14] لو العالم كله يعرفك بخلق وأنت تعرف نفسك بغيره فأنت على الذي ما في نفسك، أحياناً يتظاهر الإنسان ويبدي للناس دائماً الشكل الجميل الجذاب الطيب, لكن يخالفه, فيغالط نفسه، فهو يعرف نفسه حتى لو مدحه الناس, فأنت الآن أمام هذه الصور وأمام هذه المظاهر التي سوف أذكرها كعلامات على سوء الخلق طبقها على نفسك, فإن توفرت فيك هي أو أكثرها أو بعضها أو واحدة منها فلتعلم أن فيك من سوء الخلق بقدر ما فيك من هذه الصفات, وإن كان الله عز وجل عافاك وسلمك وليس فيك من هذه الصور كلها فلتحمد الله، فإن حسن الخلق من أعظم ما يمنّ الله سبحانه وتعالى على عبده المسلم, (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم) قسمة الأخلاق مثل قسمة الأرزاق, شخص مليونير وآخر صفر في المال, وكذلك شخص مليونير أخلاق, وآخر ما عنده أي صفة أخلاق، سيئ خلق في كل شيء والعياذ بالله, فماذا تصنع إن كانت الأخرى؟ عليك أن تنتبه للعلاج وتتلافى الأسباب حتى ترزق وتوهب من قبل الله سبحانه وتعالى خلقاً تسعد به في الدنيا وتسعد به يوم تلقى الله سبحانه وتعالى.

الغلظة والفظاظة والعنف

أولاً: الغلظة والفظاظة والعنف: دائماً تجد سيئ الخلق غليظاً دائماً, وفظاً دائماً, وعنيفاً دائماً مع نفسه ومع زوجته وأولاده، ومع جيرانه وزملائه في العمل، ومع مرءوسيه ورؤسائه, غليظ مثل الحجر, لا تعرف الابتسامة إلى وجهه طريقاً, ولا تعرف الكلمة الطيبة إلى لسانه مسلكاً, وإنما ناشف! وهذا ليس من حسن الخلق, كان النبي صلى الله عليه وسلم هيناً ليناً صلى الله عليه وسلم, والمؤمن هين لين, يلين مع إخوانه.. يبتسم لإخوانه, إذا دخل إلى بيته رأيت علامات الخلق وهو من عند الباب, حتى من طرْق الباب, ثم يبدأ بيته بالسلام, يدخل على زوجته ويسلم، بعضهم لا يسلم على امرأته, بل من وقت أن يدخل وعينه مفتوحة على الأخطاء، فإن رأى خطأ يخرج ما في نفسه المملوءة بالحقد على هذه المسكينة, وهي تنتظره، مسكينة! من تتوقع أن يدخل على زوجتك غيرك؟! طوال اليوم ترقبك من أجل أن تدخل وأنت تفاجئها بهذا الخلق وبوضع النظر وتسليطه على السلبيات والأخطاء! وهل هناك بيت يسلم من الأخطاء والسلبيات؟ لكن سيئ الخلق كالذباب لا يقع إلا على القذر, يرى الأشياء الحسنة فلا يشكر, لكن يرى سيئة واحدة فيندب، لماذا؟ لأنها توافق الرغبة وتوافق التركيبة التي في داخله, تركيبته النفسية فض غليظ عنيف شديد, لا يريد أن يكون ذا خلق طيب, فإذا رأى أي شيء استثار هذا وأخرج من بضاعته التي امتلأ بها جوفه وبدأ يكيل السباب والشتائم والعنف وربما الضرب! لماذا لا تطفئون الكهرباء؟ لماذا الصنبور يصب منه الماء؟ لماذا الباب مغلق؟ لماذا تأخر الغداء؟!! ما كنستم البيت!! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, حسناً ادخل وقل: السلام عليكم.. الله يمسيكم بالخير.. كيف حالكم وكيف يومكم، عساكم طيبين؟ وبعد ذلك إذا كان هناك أخطاء عالجها بلطف وحكمة, ما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه, تتحطم الأسر وتتفرق, ويتشتت شملها بأسباب سوء الخلق, دخل رجل -وقد جاءني في أبها يستفتي- دخل على زوجته وقد تأخر وكان معزوماً على الغداء وما أعلمها, وذهب وتغدى هو وزملاؤه في المنتزه, وهي مسكينة جلست تنتظر إلى الساعة الثانية والنصف, أولادها يريدون الغداء قالت: لا. والله لا تذوقونه حتى يأتي أبوكم, تحسب أن أباهم قلبه معهم, أبوهم على لذاته وشهواته وما كأن هذه بشر ولا كأن عندها أولاد, وأصبحت الساعة الثالثة وما قد جاء! فبدأت الهواجس في نفسها: ما الذي أخره؟ لا إله إلا الله! يمكن حدث له حادث, يمكن مات في الطريق, وهو يأكل في المنتزه! فنام الأولاد.. فلما رأت أن الشمس غربت اتصلت بأهله، وكادت تتصل بالجهات المرورية والأمنية لتسأل عنه, ولم تذق الغداء -مسكينة- وأولادها أعطتهم من الغداء في غير وقته, وبعد صلاة المغرب جاء أخونا, ووقت ما دخل -طبعاً هي غضبانة- عليها وسلّم, وردت السلام بصوت فيه نوع من التأثر؛ لأنها بشر, ولما دخل وقعد في الغرفة رأى عود كبريت مكسوراً قال: لماذا ما كنستم المجلس؟ قالت: ما شاء الله عليك! ما عينك إلا على نظافة المجلس! وأنت مضيع لنا من الصباح ما جئتنا ولا أخبرتنا, قال: ما دخلك! أنا تحت أمرك؟! قالت: ما في مانع لكن أخبرنا, قال: لماذا؟ هل أنا عسكري عندك؟ أنا موظف حتى أستأذن؟ قالت: عجيب! وما أنا بإنسانة في بيتك, المهم كلمة منها وكلمة منه حتى تطور الأمر وأخيراً قام وضربها على وجهها, وما إن ضربها حتى قامت دافعت عن نفسها وضربته على وجهه-واحدة بواحدة والقلوب نظاف- وما إن ضربته على وجهه لم يصبح عنده إلا استعمال السلاح المدمر، السلاح النووي لدى الرجل وهو الطلاق, وقال: أنت طالق بالثلاث, فإذا الأولاد يصيحون والبنات ينحن, والمرأة رجعت غرفتها وأخذت تأخذ ثيابها وأغراضها تريد أن تمشي, وهو يرى نفسه أنه خاسر امرأته وأولاده, فما السبب؟ سوء تصرفه وخلقه السيئ!

فسوء الخلق -أيها الإخوة!- يبدأ مع زوجتك, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, حصل في يوم من الأيام في بيته خلاف عائلي بينه وبين عائشة كما يحدث بين الرجل وامرأته ولكن خلاف بسيط, فاستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم والدها أبا بكر من أجل أن يحل المشكلة البسيطة, فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه وأراد الرسول أن يتكلم -يعرض القضية- قامت عائشة بسرعة النساء وقالت: (أحلف عليك يا رسول الله ألا تقول إلا الحق, وأبو بكر بجانبها فلطمها وقال: أو يقول رسول الله غير الحق يا عدوة نفسها؟! -تحلفين عليه أنه لا يقول إلا الحق وهو لا يقول إلا الحق؟ هل يكذب صلى الله عليه وسلم؟- ولما لطمها قامت وذهبت وراء ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم, تحتمي به من أبيها, فالرسول صلى الله عليه وسلم أوقفه وقال: ما دعوناك لهذا يا أبا بكر! -دعوناك تصلح لا تضارب- فقالت: لا تخبره يا رسول الله بالأمر).

فالشاهد أيها الإخوة! أن سوء الخلق من مظاهره الغلظة، لا تكن غليظاً، بعض الناس حتى مع أولاده لم يسلم على ولده من يوم خلق! الأقرع بن حابس رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن , قال: ( أوتقبلون صبيانكم؟ قال: نعم. قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً, فقال عليه الصلاة والسلام: من لا يَرحَم لا يُرحَم), كان يقبل أبناءه صلى الله عليه وسلم, وكان يأخذهم في حجره, بل كان وهو يصلي يمتطي الحسن ظهره وهو ساجد, فلا يرفع الرسول صلى الله عليه وسلم ظهره حتى ينزل, ولما سلم استغرب الصحابة طول السجود, فقال: (إن ابني هذا ارتحلني -أي: ركب علي- فكرهت أن أزعجه حتى نزل), اللهم صل وسلم على رسول الله، إذا أتى الآن شخص يصلي وجاء الطفل من أمامه لطمه, لماذا تأتي من أمامي؟ فيقول الولد: لماذا لطمني؟ من أجل أنه يصلي، إذاً الصلاة هذه ليست طيبة..!!! فتنشأ في نفس الولد عقدة ضد الصلاة التي لطم من أجلها، بل قطع صلى الله عليه وسلم الخطبة عندما رأى الحسن يدخل من باب المسجد وكان ثوبه طويلاً فجعل يتعثر, فقطع الخطبة ونزل وأخذه, ورجع إلى المنبر وأكمل الخطبة, هذا من كمال رحمته صلى الله عليه وسلم! فإذا أردت أن تكون من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فانزع هذا الخلق كلياً. لا تكن غليظاً, ولا تكن شديداً, ولا تكن عنيفاً, وإنما كن هيناً ليناً بسيطاً طيباً مع زوجتك وأولادك، ومع جيرانك ومع زملائك في العمل، ومع رؤسائك ومرءوسيك ومع الدنيا كلها, لماذا؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل عتل جعظري مستكبر)، هذا الغليظ العنيف، تراه دائماً مكشر الوجه, مقطب الجبين, دائماً غاضب حتى على نفسه والعياذ بالله, هذا مظهر وصورة من صور سوء الخلق.

قس نفسك واعرف نفسك، لا أحد يعرفك, إذا دخلت البيت ففرح بك أهلك فأنت ذو خلق حسن, وإن دخلت البيت قالوا: جاء العفريت! فأنت ذو خلق سيء، بعض الناس إذا دخل بيته استيقظ النائم, وقعد القائم, وقام القاعد وحصلت طوارئ..! وبعضهم إذا دخل بيته ينهال عليه أفراد أسرته, هذا يتعلق في رقبته وهذا يسلم عليه, والمرأة تستقبله، لماذا؟ لأنه جاء روحهم, وجاء حياتهم, وجاء نورهم, جاء الذي ينتظرونه, رب الأسرة، هذا الذي يجدون عنده الحنان, ويجدون عنده العطف, ويجدون عنده الشفقة، يمسك هذا على يده ويسلم عليه, ويأخذ الصغير يلاعبه, والكبير يلاطفه, والبنت يسألها: كيف الدروس؟ كيف أنت اليوم؟ طيبة .. جيدة.. ما شاء الله، هكذا الأخلاق, هذا من حسن الخلق.

سرعة الانفعال وشدة الغضب

المظهر الثاني من مظاهر سوء الخلق: سرعة الانفعال وشدة الغضب, بعض الناس مثل الدافور! بمجرد أن تقول له كلمة انفعل, وبعض الناس هادئ, الهادئ هذا هو صاحب الخلق الحسن, أما صاحب الخلق السيئ فهو سريع التأثر سريع الغضب, وأيضاً يتصرف ويبني على سرعة هذا الغضب أحكاماً وتصرفات يندم عليها بعد ذلك, ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أوصني يا رسول الله؟ قال: لا تغضب, قال: زدني يا رسول الله؟ قال: لا تغضب, قال: زدني يا رسول الله؟ قال: لا تغضب) ثلاث مرات, ووجّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنه إذا غضبت وأنت واقف فاجلس, وإذا غضبت وأنت جالس فاضطجع, وإذا اضطجعت وما زلت غاضباً فابحث لك عن أرض فيها تراب واقعد فيها من أجل أن تمتص الأرض غضبك, ثم استعذ بالله، يقول تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]؛ لأن هذا الغضب من الشيطان, ولهذا الذي يغضب لا يستعيذ من الشيطان, أي شخص يضارب أو يخاصم قل له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ماذا يقول؟ يقول: ما علمت ما فعل هذا..وهذا.. لكن لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, سيخرج الشيطان وتهدأ الأمور, ولذا ترون الذي في حالة الغضب عروقه تنتفخ وتبرز؛ لأن الشيطان شغال فيها, الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، أي: في العروق, وإذا اشتغل الشيطان انتفخت عروقه، فتبرز عيونه ثم تأتيه رعشة -تكهرب- فيشتعل في أي شيء, يطلق زوجته وهو غضبان ثم يندم, يقتل وهو غضبان ثم يندم, يضارب.. يشتم.. وهو غضبان, ثم إذا ذهب الغضب ندم وتأسف ولكن حين لا ينفع الندم.

فحاول يا أخي! ألا تكون سريع الغضب وإن جاءك الشيطان من باب الغضب فاستعذ بالله.

بذاءة اللسان

المظهر الثالث من مظاهر سوء الخلق: بذاءة اللسان, وهو ألا يتلفظ إلا بأبشع وأقبح الألفاظ, وهذا منافٍ لحسن الخلق, الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (ليس المؤمن باللعان, ولا بالطعان, ولا بالفاحش, ولا بالبذيء), لا يخرج المسلم من لسانه إلا الكلام الطيب, وابن القيم يقول: القلوب كالقدور, والألسن مغاريفها, فإذا أردت أن تعرف شخصاً فارقبه حتى يتكلم، فإذا تكلم ظهر على لسانه ما كان في قلبه, إذا كان في قلبه خير ظهر على لسانه, وإن كان قلبه مليئاً بالشر ظهر على لسانه, والناس أوعية مختومة ومفاتيحها ألسنتها, فبعض الناس لسانه بذيء لا يتكلم إلا بالكلام الساقط, حتى إذا تحدث في القضايا تحدث بالكلام السيئ, بينما المؤمن يعف نفسه ولا يتكلم إلا بالكلام الطيب, ويستحي أنه يقول كلاماً غير لائق.

القرآن الكريم يعلمنا الأخلاق، والذي تمثله النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر قضية لقاء الرجل بامرأته في الحلال، قال سبحانه: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] انظروا التعبير البياني البليغ, وقال سبحانه: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] وعائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح تقول: (ما رأى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا رأيت منه) انظر الألفاظ! لم تأت بالألفاظ الأخرى, ولم تأت بالألفاظ الجارحة الفاضحة، هكذا أيها المسلم! لا تقل إلا لفظة طيبة؛ لأنك طيب, والمؤمن لا يخرج من لسانه إلا طيب.

أما من يتخصص باختيار الألفاظ البذيئة ولا تجد على لسانه إلا السباب والشتائم حتى في تعامله مع المرءوسين عنده، مثلاً يكون في منصب أو رتبة أو في شيء فلا ينادي الموظفين عنده بأسمائهم، بل يقول: أنت يا متين، أنت يا طويل، أنت يا قصير، لماذا تسمي الناس بغير أسمائهم؟ لماذا تتعمد إساءتك إلى الناس بألفاظك هذه؟ أتدري أنك بهذه الألفاظ تسقط نفسك من عيون الناس؟ حتى ولو كنت مسئولاً كبيراً, يصبرون عليك لكن من داخل نفوسهم يقولون: الله أكبر عليه، الله يأخذ هذا العفريت .. وإذا جاءتك إحالة على المعاش أو مصيبة قالوا: الله لا يرده, ما كان يترك كبداً بارداً والعياذ بالله!

فالبذاءة في اللسان من علامات سوء الخلق, يجب أن يكون لسانك نظيفاً, ولا يتكلم إلا بما هو نظيف.

قلة الحياء

من صور سوء الخلق: قلة الحياء؛ لأن الحياء من الإيمان، كما جاء في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون -وفي رواية البخاري: بضع وستون شعبة- أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان), وقد تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بأكمل الحياء حتى كان أشد حياءً من العذراء في خدرها, وكان يرى للحياء أثراً في وجهه حتى لكأنه يفقع في وجهه حب الرمان, أي: يحمر وجهه من الحياء صلوات الله وسلامه عليه وهو سيد الخلق.

فبعض الناس ليس عنده حياء ولا يستحي, لا يستحي أن يقول زوراً, ولا يستحي أن يقع في منكر, أو أن يرى في مكان لا يليق, هناك رجال من يوم أن خلقوا إلى الآن لم يدخلوا قهوة, لا يستطيع أن يدخل القهوة، يقول: والله لو أموت جوعاً لا أدخلها، لماذا؟ قال: لأنها لا تصلح, انظر إلى الحياء! وبعضهم بالعكس أحسن مكان عنده القهوة, حتى قال شاعرهم:

أعز مكان في الدنا بطن قهـوة     وخير جليس خنفس وكلاب

بينما الأول يقول:

أعز مكان في الدنا سرج سابح     وخير جليس في الزمان كتاب

وسرج سابح أي: ظهر جواد، لكن تغير هذا الجيل وأصبح أحسن مكان عنده القهوة, تراه في البيت يضيق مع زوجته ومع أولاده، قالوا: اسمر معنا, قال: لا. أذهب أعمر الشيشة, ويدخل في القهوة وتأتيه الشيشة بعنقها الملوي، وبريحتها العفنة، وقد مصها قبله أكثر من واحد, حتى قال فيها الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله:

كذلك معشوقة الشيطان قد نصبت     بها فخاخ لأرباب الجهالات

وإذا انتهى مسحها وقال لزميله: خذ, (من أجل ذاك وقبلها ذاك وذاك..) وإذا انتهى قال: هات الورق والكيرم والدمنة إلى آخر الليل, والله إن الذي فيه حياء يستحي أن يمر من الشارع الذي بجانب القهوة، فضلاً عن أن يدخل فيها أو يقعد فيها، فقلة الحياء مظهر من مظاهر سوء الخلق.

البخل

من مظاهر سوء الخلق: البخل؛ وهو: عدم القيام بالواجبات الشرعية في الإنفاق, فإن الله سبحانه وتعالى أوجب على الرجل أن ينفق على أهله وعلى ضيفه، وعلى الوجهات الشرعية المطلوبة, ولكن باعتدال وتوازن فلا تبذير وإسراف، ولا بخل وتقتير, وإنما وسط، ولذا يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67] وقال عز وجل: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء:29] هذه منزلة الكرم؛ لأن منزلة الكرم وسط بين البخل والتبذير, فبعض الناس بخيل وبعضهم مبذر, وكلا الخُلقين مذموم، والخلق الصحيح: الكرم, وكان صلى الله عليه وسلم أكرم من الريح المرسلة, وأكرم ما يكون في رمضان, لكن كان كرمه مقيداً، لا يتكلف مفقوداً ولا يبخل بموجود, إذا أتاه أحد يدخل بيته يقول: أعندكم شيء..؟ فإذا لم يكن عندهم شيء لا يذهب ليستلف مثل بعض الناس الآن, بعض الناس فقير وما عنده شيء، فإذا أتاه الضيوف ذهب ليستلف ويذبح الكبش من ظهور القبائل, وبعد ذلك لا يسدد، ويموت وما زالت ذمته غارقة في كرم أخرق! هذا ليس بكرم, الكرم بالموجود، ولو كان ما عندك إلا فنجان ماء قدمه وقل: ما عندنا إلا هو, يقول: الله يخلف عليك.

أما أن تذهب وتذبح بالدين وإغراق ذمتك وذمة الناس من أجل أن تظهر أمام الناس بأنك كريم فهذا ليس بكرم, هذا إسراف وتبذير, وبعضهم يقدم للضيف ما لا يأكله, مثلاً الضيف شخص وذبح له ذبيحة, ويأتي ضيف آخر ويقول: والله لا أضع فلاناً مع فلان! لا بد له من رأس، ثم يذبح اثنين وقال: الله يحييكم على شرف فلان وفلان!! لماذا؟ هل سيأكل الذبيحة كلها؟ لماذا؟ هل مع الرجل بطن أم قلاب؟ وهل تدري أنك عندما خصصت له ذبيحة أنك أهنته لأنك حملته ديناً في ظهره؟ بمجرد أن يراك في قريته أو مدينته يقول: يا ليته ما جاء! لماذا؟ قال: والله ذبح لي في الرياض فلابد أن أذبح له ذبيحة! فلماذا تحمل الناس ديوناً؟! فلو أنك أدخلته في الذبيحة الأولى سيأكل هنيئاً ويقول: الله يخلف عليك, هذه العادات والأعراف كانت في الجهل، أما اليوم والحمد لله الناس تعلموا, والناس فقهوا, والناس تثقفوا، فلا ينبغي أن تتمسك بالعادات التي ما أنزل الله بها من سلطان, عادة الكرم عادة محمودة في العرب، لكنها معتدلة ليست مطلقة بحيث يقع الناس في الإسراف والتبذير, وتبديد الثروات فيما لا مصلحة منه ولا فائدة ولا طائل, لا. الإسلام وسط, فالبخل من سوء الخلق.

والبخل يجعل صاحبه يقتر على أهله ولا يأتي لهم بما تعود الناس بحسب المستوى المعيشي للأمة, الناس يأكلون في بيوتهم كل يوم لحمة بينما هذا لا يأتي لهم بلحمة! يقول: اليوم الغداء خبز وشاهي!! قالوا: والعشاء؟ قال: جبنة وخبز, قالوا: والفطور؟ قال: ما يحتاج الفطور! الفطور غير مناسب! فهذا بخيل.

هناك قصة ذكرها أحد الكتاب في كتاب سيار في الرياض يسمونه أبو الرءوس، وفي المنفوحة عنده أراض وبيوت من قبل أربعين سنة, وعنده عمارات لكن الرجل متخصص في شراء الرءوس, إذا جاء المجزرة لا يشتري إلا الرءوس, لا يشتري اللحم, ويشتري الكروش ومعها الأمعاء, ويجمعها ويذهب بها إلى امرأته, قالت: ما في غيرها؟ قال: أبداً أحسن ما في الذبيحة الرأس: فيه العيون وفيه المخ وفيه المسامع, والرجل ما فيه إلا رأسه, والذبيحة ما فيها إلا رأسها, حتى إن المسكينة انذبحت من رأسه, ومرت الأيام والرجل لا تراه إلا يراقب الرواتب من أن تصرف ويذهب يأخذ الديون, فيذهب إلى صاحب الدين ويصلي العصر عنده، فإذا لم يجده صلّى المغرب، يرقبه في المسجد فإذا لم يأت قعد حتى صلّى العشاء فإذا به لم يأت، فتعجب فسأل عنه قالوا: غير موجود يمكن أنه مسافر, وكان في المسجد رجل عليه علامة الخير وعلامة العافية والصحة، مظهره حسن وريحته حسنة, رأى الرجل فإذا به جالس في طرف المسجد ظن أنه فقير أو شحاذ, فأتى إليه وقال: يا فلان..قال: نعم. قال: تفضل معنا نتعشى, فقال: حاضر جزاك الله خيراً, وهذا البخيل فرح بالعشاء من أجل أن يوفر العشاء في البيت لليلة ثانية, فذهب معه البيت وأدخله البيت، وإذا به ما شاء الله! البيت مزهر والنور والفراش الحسن, ويضع ذاك العشاء الطيب, فهذا استغرب وقال: هذا أمير أو موظف كبير أو تاجر من رجال الأعمال..فسأله فقال: ما عندك من عمل؟ قال: ليس عندي أي عمل, فقال له: ما وظيفتك؟ قال: ليس عندي وظيفة, فقال له: أعندك تجارة؟ قال: ليس عندي تجارة, فقال له: فمن أين هذه الفلوس وهذه الخيرات، من أين تأتيك؟ قال: من الله عز وجل، الله رازقنا! فقال له: كيف رازقك؟ قال: والله أنا متخصص والحمد لله في مراقبة الناس الذين يموتون وهم بخلاء, وما إن يموت أحدهم حتى أذهب وأتقدم لزوجته وأرى ما كان من خير وراءه, فقال له: أصحيح؟ قال: نعم. قال: وهناك بخيل في المنفوحة يقولون له: أبو الرءوس، والله إني أرقبه إلى أن يموت من أجل أن آخذ ماله..!! فقال له: وتفعل هذا؟ قال: نعم. فوقعت في قلبه، وبعد أن انتهى من العشاء استأجر سيارة أجرة بعشرة ريال، وأول مرة في حياته يستأجر سيارة، فقد كان يمشي بالأقدام حتى يصل إلى بيته! فنزل في السوق ويأتي بسيارة ويحملها كيس أرز وكيس دقيق وكيس سكر وصندوق شاي, ومن قبل كان لا يأتي إلا بالقرطاس! وعلى هذا لا يعطي المرأة، عنده شنطة عليها أقفال ويخرج لها بالحبة, لكن الآن جاء بالسيارة وهي مليئة بالملابس والطيب والصابون والخيرات, ويأتي بالسيارة على الباب ويفتح الباب وينادي: يا أم فلان.. قالت: نعم. هي تعرف ما معه, ما معه إلا رءوس, قال: تعالي أنت والعيال, قالت: لماذا؟ -لأنه معودهم أنه لا يأتي بشيء- قال: تعالي احملي, قالت: ماذا نحمل ما الذي جئت به الآن! لعلك لم تترك رأساً واحداً في المجزرة؟ قال: لا. تعالي هناك أخبار طيبة, فنـزلت المرأة ورأت ما في الباب وقالت: من الذي أعطانا؟ قال: تعالي احملي واستدعي الأولاد، ففرح الأولاد عندما رأوا الخيرات، ويقوم الرجل صاحب السيارة ينزل الأكياس والمقاضي, والأولاد أخذوا الحلوى, والصابون أدخلته المرأة في الحمام؛ لأنه ما كان يشتري الصابون, يقول: الصابون هذا يخرب ويحرق الأجساد, والوسخ يجعل الجسم قوياً! والصابون يقطع القماش، وإذا غسلت القماش كل يوم تقطع القماش، اتركوا الغترة وسخة إلى أن تتقطع من نفسها!! ثم تغسلت وغسلت أولادها وعطرتهم بعد أن كانت ريحتهم منتنة من الكروش والرءوس التي كان يشتريها, ويدخل وإياها في ذاك الليل ويرتاحون, وليلة طيبة, وفي الصباح قالت: يا ابن الحلال! ما الذي حصل؟ وما الذي غيرك؟ قال: العلم عند الذي يرقب أبو الرءوس.

فالشاهد يا أخي الكريم! لا تكن بخيلاً, فإن البخيل بعيد من الله, بعيد من الناس قريب من النار, والكريم قريب من الله .. قريب من الناس .. قريب من الجنة: (لما خلق الله جنة عدن قال لها: تكلمي؟ قالت: قد أفلح المؤمنون, قال: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل) فلا تكن بخيلاً, ولا تكن أيضاً مسرفاً ولا مبذراً، وإنما كن وسطاً معتدلاً, أكرم الضيف إذا أتاك لكن لا تذهب تستلف له, أعطه الموجود في بيتك, وإذا رأيت الضيف لا تتجنبه، اعزمه ولكن لا تحلف عليه؛ لأن بعض الناس يحرج الضيف، والأولون كانوا يحلفون؛ لأن الضيف متشوق للعزيمة لكن يستحي أو لا يريد أن يثقل, الآن لا. الضيف هو صاحب الفضل, والناس ظروفهم تغيرت، فإن حلفت عليه أو طلقت فقد قيدت حريته وضايقته, ولكن اعرض عليه الكرامة وأكدها ثم إذا اعتذر فاعذره؛ لأن الإكرام محبة لا بإكراه ولا قيد. هذا مظهر من صور سوء الخلق.

الغيبة

من سوء الخلق -أيها الإخوة- ومن مظاهره: الغيبة, وهي داء وبيل -والعياذ بالله- ينم عن خلق ذميم فإن الذي يغتاب الناس يريد أن يرفع نفسه على أكتاف الآخرين, وقد حرمها الشرع, وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: ذكرك أخاك بما يكره -فأي شيء يكرهه أخوك المسلم أن تذكره في غيبته فهذه غيبة- قال: أرأيت يا رسول الله! إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته), فإما بهتان أو غيبة والعياذ بالله, والغيبة أعظم الكبائر والعياذ بالله وهي من الموبقات, حتى عدها الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من الزنا, والله تعالى يقول: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12], فشبه الله المغتاب بمن يأكل لحم أخيه ميتاً, ما رأيك لو رأى رجلاً ميتاً وأخذ السكين وقطع من ظهره وأخذ يأكل؟!! أعوذ بالله, هذا هو المغتاب, ثم إن المغتاب يبدد حسناته ويضيع أعماله، قد يصلي ويصوم لكن يهديها للناس, فلا تكن مغتاباً ولا تكن -أيضاً- سامعاً؛ لأن السامع هو أحد المغتابين، الغيبة لا تتم إلا من طرفين, ليس هناك أحد يغتاب وحده، لا بد من أحد يسمعه, فإذا سمعته فأوقفه, أما إذا أعطيته إشارة وشجعته على الغيبة فأنت أحد المغتابين، وعليك من الإثم مثل ما عليه.

النميمة

أيضاً من سوء الخلق: النميمة, وهي: نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد, يسمع الإنسان كلاماً في مجلس فيذهب إلى الآخرين الذين تُكلم فيهم بدل من أن ينصح ويذب عن عرضهم, لا. بل يقول: والله فلان قال فيك.. وقال فيك.. فيزرع البغضاء والحقد والضغائن ويحصل فيها الشحناء والقطيعة بين الناس بأسباب النميمة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة نمام) أي: قتات, والعياذ بالله.

إخلاف الوعد

أيضاً من مظاهره: إخلاف الوعد, المؤمن دائماً صادق, وإذا وعد لم يخلف, وإذا عرف أنه سيخلف لا يوعد, فأنت لست مضطراً، إذا عرفت أنك لا تستطيع أن تفي بالوعد احتفظ لنفسك بحق وقل: لا أستطيع, أو إذا قال: آتيك.. قل: لا تأت، لست بموجود, لكن بعضهم يقول: تعال, قال: حاضر, ونيته ألا يأتي, أو قال: أزورك في البيت, قال: متى؟ قال الساعة التاسعة، قال: تعال, ويقوم هذا من الساعة الثامنة ويمشي, فهذا من سوء الخلق؛ لأن إخلاف الوعد من علامات النفاق (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان), فلا يجوز لك أن تخلف الوعد, وإن أخلفته كان ذلك علامة من علامات سوء الخلق.

سوء العشرة

أيضاً من علامات سوء الخلق: سوء العشرة، وهذه تحدثنا عنها, سوء العشرة الزوجية؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالمعاشرة بالمعروف فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19], وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة عند الرجل كالأسير، حتى إنه وصى في آخر حياته صلى الله عليه وسلم بالنساء فقال: (استوصوا بالنساء خيراً, فإنهن عندكم عوان) أي: أسيرات, فهذه مسكينة أسيرة في بيتك, تركت بيت أبيها وأهلها وعزها وجاءت عندك, وأبوها استودعها في ذمتك, وسلمك إياها أمانة فلا تهنها ولا تهن أباها وتهن أهلها, بل أكرمها حتى ولو وجدت منها عوجاً, فإن المرأة مخلوقة من ضلع أعوج, هل رأيتم في الدنيا ضلعاً مستقيماً مستحيل! ليس هناك ضلع في الدنيا إلا وهو أعوج, ولا امرأة في الدنيا إلا وفيها عوج, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إنهن خلقن من ضلع, وإن أعوج ما في الضلع أعلاه -أي: لسانها- فاستمتعوا بهن على عوجهن), (مشي حالك مع هذه العوجة إلى أن تموت)، أتريد مستقيمة (100%) في الجنة إن شاء الله التي ما فيها عوج أبداً, ثم -أيضاً- لا ينبغي لك أن تنظر إلى السيئات من أخلاق زوجتك, بل انظر دائماً إلى الحسنات، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي آخر) وازن, اجعل عندك نظام الموازنة في الحكم, وانظر إلى المرأة بمنظار العدل, قد يكون فيها قصور لكنَّ فيها كمالاً, تجد فيها صلاة فيها حفظ لعرضك, فيها أمانة, فيها إكرام لأهلك, لكن قد تجد فيها قصوراً، أتريد امرأة كاملة؟ الكاملة غير موجودة؛ لأنك أنت أيها الرجل لست بكامل حتى تريد كاملة, النقص فيك وفي المرأة, عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كانت الجن تهابه, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إيه يا عمر ! والذي نفسي بيده ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً آخر), الشيطان الذي أتعب البشر اليوم لا يستطيع أن يمشي مع عمر , كانت تهابه العفاريت والجن, ولكنه في بيته لطيف المعشر.

جاء رجل إليه يشتكي زوجته فلما طرق الباب وإذا به يسمع امرأة عمر وهي تتكلم على عمر بكلام مثل الرصاص, فقال الرجل: هذا أمير المؤمنين وهذه زوجته تفعل به هكذا..؟! فتراجع, ففتح عمر الباب وقال: ما لك, قال: يا أمير المؤمنين جئت لغرض وانتهى الغرض, قال: ما هو الغرض؟ قال: جئت لأشكو زوجتي عليك فسمعت زوجتك تقول لك أكثر مما قالت زوجتي عليّ, قال: أما يرضيك أنها طابخة الطعام, وغاسلة الثوب, ومربية ولدي, وقاضية حاجتي, أفلا أصبر لها إذا جاء منها شيء؟ من الذي يقدم لك هذه الخدمات إلا هذه المرأة المسكينة، فلا تقعد تحاسب الدقيق والقطمير والنقير وإنما غض الطرف وابذل ما تيسر وتجاوز عما لا يمكن حصوله؛ لأن هذا من حسن الخلق, أما ذاك الحرفي الدقيق الذي يحاسب على أقل غلطة فهذا سيئ خلق, والذي هو سيئ خلق في بيته سيكون أسوأ عند الناس والعياذ بالله!

التقصير وعدم القيام بحقوق الأخوة

أيضاً من مظاهر سوء الخلق: التقصير وعدم القيام بحقوق الإخوة في الله, فهم أيضاً لهم حقوق: أن تزورهم إذا مرضوا, أن تتبع جنازتهم إذا ماتوا, وأن تبارك لهم إذا حصل لهم ما يسرهم, وأن تزورهم في الأعياد, وأن تجيب دعوتهم إذا دعوك, وأن تشمتهم إذا عطسوا, فهذه حقوق الإخوان, لكن بعض الناس يقصر في هذا الجانب خصوصاً إذا منّ الله عليه بنعمة ورزقه منه منزلة أو مكانة, فإنه يتغير, كان طيباً لكن من يوم أن ترقى أو صار في منزلة أو مرتبة تغير، فهذا يدل على سوء خلقه والعياذ بالله, هذه -أيها الإخوة- بعض مظاهر سوء الخلق.

أولاً: الغلظة والفظاظة والعنف: دائماً تجد سيئ الخلق غليظاً دائماً, وفظاً دائماً, وعنيفاً دائماً مع نفسه ومع زوجته وأولاده، ومع جيرانه وزملائه في العمل، ومع مرءوسيه ورؤسائه, غليظ مثل الحجر, لا تعرف الابتسامة إلى وجهه طريقاً, ولا تعرف الكلمة الطيبة إلى لسانه مسلكاً, وإنما ناشف! وهذا ليس من حسن الخلق, كان النبي صلى الله عليه وسلم هيناً ليناً صلى الله عليه وسلم, والمؤمن هين لين, يلين مع إخوانه.. يبتسم لإخوانه, إذا دخل إلى بيته رأيت علامات الخلق وهو من عند الباب, حتى من طرْق الباب, ثم يبدأ بيته بالسلام, يدخل على زوجته ويسلم، بعضهم لا يسلم على امرأته, بل من وقت أن يدخل وعينه مفتوحة على الأخطاء، فإن رأى خطأ يخرج ما في نفسه المملوءة بالحقد على هذه المسكينة, وهي تنتظره، مسكينة! من تتوقع أن يدخل على زوجتك غيرك؟! طوال اليوم ترقبك من أجل أن تدخل وأنت تفاجئها بهذا الخلق وبوضع النظر وتسليطه على السلبيات والأخطاء! وهل هناك بيت يسلم من الأخطاء والسلبيات؟ لكن سيئ الخلق كالذباب لا يقع إلا على القذر, يرى الأشياء الحسنة فلا يشكر, لكن يرى سيئة واحدة فيندب، لماذا؟ لأنها توافق الرغبة وتوافق التركيبة التي في داخله, تركيبته النفسية فض غليظ عنيف شديد, لا يريد أن يكون ذا خلق طيب, فإذا رأى أي شيء استثار هذا وأخرج من بضاعته التي امتلأ بها جوفه وبدأ يكيل السباب والشتائم والعنف وربما الضرب! لماذا لا تطفئون الكهرباء؟ لماذا الصنبور يصب منه الماء؟ لماذا الباب مغلق؟ لماذا تأخر الغداء؟!! ما كنستم البيت!! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, حسناً ادخل وقل: السلام عليكم.. الله يمسيكم بالخير.. كيف حالكم وكيف يومكم، عساكم طيبين؟ وبعد ذلك إذا كان هناك أخطاء عالجها بلطف وحكمة, ما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه, تتحطم الأسر وتتفرق, ويتشتت شملها بأسباب سوء الخلق, دخل رجل -وقد جاءني في أبها يستفتي- دخل على زوجته وقد تأخر وكان معزوماً على الغداء وما أعلمها, وذهب وتغدى هو وزملاؤه في المنتزه, وهي مسكينة جلست تنتظر إلى الساعة الثانية والنصف, أولادها يريدون الغداء قالت: لا. والله لا تذوقونه حتى يأتي أبوكم, تحسب أن أباهم قلبه معهم, أبوهم على لذاته وشهواته وما كأن هذه بشر ولا كأن عندها أولاد, وأصبحت الساعة الثالثة وما قد جاء! فبدأت الهواجس في نفسها: ما الذي أخره؟ لا إله إلا الله! يمكن حدث له حادث, يمكن مات في الطريق, وهو يأكل في المنتزه! فنام الأولاد.. فلما رأت أن الشمس غربت اتصلت بأهله، وكادت تتصل بالجهات المرورية والأمنية لتسأل عنه, ولم تذق الغداء -مسكينة- وأولادها أعطتهم من الغداء في غير وقته, وبعد صلاة المغرب جاء أخونا, ووقت ما دخل -طبعاً هي غضبانة- عليها وسلّم, وردت السلام بصوت فيه نوع من التأثر؛ لأنها بشر, ولما دخل وقعد في الغرفة رأى عود كبريت مكسوراً قال: لماذا ما كنستم المجلس؟ قالت: ما شاء الله عليك! ما عينك إلا على نظافة المجلس! وأنت مضيع لنا من الصباح ما جئتنا ولا أخبرتنا, قال: ما دخلك! أنا تحت أمرك؟! قالت: ما في مانع لكن أخبرنا, قال: لماذا؟ هل أنا عسكري عندك؟ أنا موظف حتى أستأذن؟ قالت: عجيب! وما أنا بإنسانة في بيتك, المهم كلمة منها وكلمة منه حتى تطور الأمر وأخيراً قام وضربها على وجهها, وما إن ضربها حتى قامت دافعت عن نفسها وضربته على وجهه-واحدة بواحدة والقلوب نظاف- وما إن ضربته على وجهه لم يصبح عنده إلا استعمال السلاح المدمر، السلاح النووي لدى الرجل وهو الطلاق, وقال: أنت طالق بالثلاث, فإذا الأولاد يصيحون والبنات ينحن, والمرأة رجعت غرفتها وأخذت تأخذ ثيابها وأغراضها تريد أن تمشي, وهو يرى نفسه أنه خاسر امرأته وأولاده, فما السبب؟ سوء تصرفه وخلقه السيئ!

فسوء الخلق -أيها الإخوة!- يبدأ مع زوجتك, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, حصل في يوم من الأيام في بيته خلاف عائلي بينه وبين عائشة كما يحدث بين الرجل وامرأته ولكن خلاف بسيط, فاستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم والدها أبا بكر من أجل أن يحل المشكلة البسيطة, فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه وأراد الرسول أن يتكلم -يعرض القضية- قامت عائشة بسرعة النساء وقالت: (أحلف عليك يا رسول الله ألا تقول إلا الحق, وأبو بكر بجانبها فلطمها وقال: أو يقول رسول الله غير الحق يا عدوة نفسها؟! -تحلفين عليه أنه لا يقول إلا الحق وهو لا يقول إلا الحق؟ هل يكذب صلى الله عليه وسلم؟- ولما لطمها قامت وذهبت وراء ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم, تحتمي به من أبيها, فالرسول صلى الله عليه وسلم أوقفه وقال: ما دعوناك لهذا يا أبا بكر! -دعوناك تصلح لا تضارب- فقالت: لا تخبره يا رسول الله بالأمر).

فالشاهد أيها الإخوة! أن سوء الخلق من مظاهره الغلظة، لا تكن غليظاً، بعض الناس حتى مع أولاده لم يسلم على ولده من يوم خلق! الأقرع بن حابس رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن , قال: ( أوتقبلون صبيانكم؟ قال: نعم. قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً, فقال عليه الصلاة والسلام: من لا يَرحَم لا يُرحَم), كان يقبل أبناءه صلى الله عليه وسلم, وكان يأخذهم في حجره, بل كان وهو يصلي يمتطي الحسن ظهره وهو ساجد, فلا يرفع الرسول صلى الله عليه وسلم ظهره حتى ينزل, ولما سلم استغرب الصحابة طول السجود, فقال: (إن ابني هذا ارتحلني -أي: ركب علي- فكرهت أن أزعجه حتى نزل), اللهم صل وسلم على رسول الله، إذا أتى الآن شخص يصلي وجاء الطفل من أمامه لطمه, لماذا تأتي من أمامي؟ فيقول الولد: لماذا لطمني؟ من أجل أنه يصلي، إذاً الصلاة هذه ليست طيبة..!!! فتنشأ في نفس الولد عقدة ضد الصلاة التي لطم من أجلها، بل قطع صلى الله عليه وسلم الخطبة عندما رأى الحسن يدخل من باب المسجد وكان ثوبه طويلاً فجعل يتعثر, فقطع الخطبة ونزل وأخذه, ورجع إلى المنبر وأكمل الخطبة, هذا من كمال رحمته صلى الله عليه وسلم! فإذا أردت أن تكون من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فانزع هذا الخلق كلياً. لا تكن غليظاً, ولا تكن شديداً, ولا تكن عنيفاً, وإنما كن هيناً ليناً بسيطاً طيباً مع زوجتك وأولادك، ومع جيرانك ومع زملائك في العمل، ومع رؤسائك ومرءوسيك ومع الدنيا كلها, لماذا؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل عتل جعظري مستكبر)، هذا الغليظ العنيف، تراه دائماً مكشر الوجه, مقطب الجبين, دائماً غاضب حتى على نفسه والعياذ بالله, هذا مظهر وصورة من صور سوء الخلق.

قس نفسك واعرف نفسك، لا أحد يعرفك, إذا دخلت البيت ففرح بك أهلك فأنت ذو خلق حسن, وإن دخلت البيت قالوا: جاء العفريت! فأنت ذو خلق سيء، بعض الناس إذا دخل بيته استيقظ النائم, وقعد القائم, وقام القاعد وحصلت طوارئ..! وبعضهم إذا دخل بيته ينهال عليه أفراد أسرته, هذا يتعلق في رقبته وهذا يسلم عليه, والمرأة تستقبله، لماذا؟ لأنه جاء روحهم, وجاء حياتهم, وجاء نورهم, جاء الذي ينتظرونه, رب الأسرة، هذا الذي يجدون عنده الحنان, ويجدون عنده العطف, ويجدون عنده الشفقة، يمسك هذا على يده ويسلم عليه, ويأخذ الصغير يلاعبه, والكبير يلاطفه, والبنت يسألها: كيف الدروس؟ كيف أنت اليوم؟ طيبة .. جيدة.. ما شاء الله، هكذا الأخلاق, هذا من حسن الخلق.

المظهر الثاني من مظاهر سوء الخلق: سرعة الانفعال وشدة الغضب, بعض الناس مثل الدافور! بمجرد أن تقول له كلمة انفعل, وبعض الناس هادئ, الهادئ هذا هو صاحب الخلق الحسن, أما صاحب الخلق السيئ فهو سريع التأثر سريع الغضب, وأيضاً يتصرف ويبني على سرعة هذا الغضب أحكاماً وتصرفات يندم عليها بعد ذلك, ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أوصني يا رسول الله؟ قال: لا تغضب, قال: زدني يا رسول الله؟ قال: لا تغضب, قال: زدني يا رسول الله؟ قال: لا تغضب) ثلاث مرات, ووجّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنه إذا غضبت وأنت واقف فاجلس, وإذا غضبت وأنت جالس فاضطجع, وإذا اضطجعت وما زلت غاضباً فابحث لك عن أرض فيها تراب واقعد فيها من أجل أن تمتص الأرض غضبك, ثم استعذ بالله، يقول تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]؛ لأن هذا الغضب من الشيطان, ولهذا الذي يغضب لا يستعيذ من الشيطان, أي شخص يضارب أو يخاصم قل له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ماذا يقول؟ يقول: ما علمت ما فعل هذا..وهذا.. لكن لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, سيخرج الشيطان وتهدأ الأمور, ولذا ترون الذي في حالة الغضب عروقه تنتفخ وتبرز؛ لأن الشيطان شغال فيها, الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، أي: في العروق, وإذا اشتغل الشيطان انتفخت عروقه، فتبرز عيونه ثم تأتيه رعشة -تكهرب- فيشتعل في أي شيء, يطلق زوجته وهو غضبان ثم يندم, يقتل وهو غضبان ثم يندم, يضارب.. يشتم.. وهو غضبان, ثم إذا ذهب الغضب ندم وتأسف ولكن حين لا ينفع الندم.

فحاول يا أخي! ألا تكون سريع الغضب وإن جاءك الشيطان من باب الغضب فاستعذ بالله.

المظهر الثالث من مظاهر سوء الخلق: بذاءة اللسان, وهو ألا يتلفظ إلا بأبشع وأقبح الألفاظ, وهذا منافٍ لحسن الخلق, الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (ليس المؤمن باللعان, ولا بالطعان, ولا بالفاحش, ولا بالبذيء), لا يخرج المسلم من لسانه إلا الكلام الطيب, وابن القيم يقول: القلوب كالقدور, والألسن مغاريفها, فإذا أردت أن تعرف شخصاً فارقبه حتى يتكلم، فإذا تكلم ظهر على لسانه ما كان في قلبه, إذا كان في قلبه خير ظهر على لسانه, وإن كان قلبه مليئاً بالشر ظهر على لسانه, والناس أوعية مختومة ومفاتيحها ألسنتها, فبعض الناس لسانه بذيء لا يتكلم إلا بالكلام الساقط, حتى إذا تحدث في القضايا تحدث بالكلام السيئ, بينما المؤمن يعف نفسه ولا يتكلم إلا بالكلام الطيب, ويستحي أنه يقول كلاماً غير لائق.

القرآن الكريم يعلمنا الأخلاق، والذي تمثله النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر قضية لقاء الرجل بامرأته في الحلال، قال سبحانه: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] انظروا التعبير البياني البليغ, وقال سبحانه: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] وعائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح تقول: (ما رأى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا رأيت منه) انظر الألفاظ! لم تأت بالألفاظ الأخرى, ولم تأت بالألفاظ الجارحة الفاضحة، هكذا أيها المسلم! لا تقل إلا لفظة طيبة؛ لأنك طيب, والمؤمن لا يخرج من لسانه إلا طيب.

أما من يتخصص باختيار الألفاظ البذيئة ولا تجد على لسانه إلا السباب والشتائم حتى في تعامله مع المرءوسين عنده، مثلاً يكون في منصب أو رتبة أو في شيء فلا ينادي الموظفين عنده بأسمائهم، بل يقول: أنت يا متين، أنت يا طويل، أنت يا قصير، لماذا تسمي الناس بغير أسمائهم؟ لماذا تتعمد إساءتك إلى الناس بألفاظك هذه؟ أتدري أنك بهذه الألفاظ تسقط نفسك من عيون الناس؟ حتى ولو كنت مسئولاً كبيراً, يصبرون عليك لكن من داخل نفوسهم يقولون: الله أكبر عليه، الله يأخذ هذا العفريت .. وإذا جاءتك إحالة على المعاش أو مصيبة قالوا: الله لا يرده, ما كان يترك كبداً بارداً والعياذ بالله!

فالبذاءة في اللسان من علامات سوء الخلق, يجب أن يكون لسانك نظيفاً, ولا يتكلم إلا بما هو نظيف.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2930 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2805 استماع
أمن وإيمان 2678 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2468 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع