أيها المدخن انج بنفسك
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
شرٌ مستطير، وبلاءٌ مُخزٍ، ومرضٌ قاتل، استفحل في كثير من المجتمعات وتساهل فيه عددٌ من الناس، بل ونالَ عددًا من الأطفال والنساء، يموت بسببه في المملكة العربية السعودية بما يعادل تقريبًا خمسة آلاف شخص سنويًا حسب موقع وزارة الصحة.وضرره ومصيبته لا تقع على فاعله بل تمتد لمن حوله..
إنّه التدخين ، التدخين أيها الأخوة: يحتوي على العديد من المكونات الضارة مثل النيكوتين، والتبغ، بل إنّ السيجارة الواحدة تحتوي على ستمائة مُكونٍ مختلف، وعند احتراق هذه المكونات يحدث تفاعل يُنتج أكثرَ من سبعةِ آلافِ مادةٍ كيميائيةٍ بشكل عام، منها: تسعٌ وستونَ مادةً مسرطنةً، ولا تختلفُ السجائرُ عن الشيشة سواءً كانت الكترونيةً أو عادية، فكلاهما يحملُ مستوياتٍ عاليةً من مسبباتِ السرطان والسموم.
والمصيبة أنّ النيكوتين، يصل إلى الدماغ بثوانٍ معدودة من استنشاقه ويؤثر عليه بحيث يجعله نشطًا ويعمل بشكل أكبر، والنيكوتين مادة تتلاعب بالمزاج وتؤثر عليه، كما أن التدخين بشكل عام يزيد من ضمور عصب العين مما يؤثر على الرؤية ويسبب ضعف البصر، وأيضًا يؤثر على حاسة الشم والتذوق.
كما أنّ المدخنين هم أكثر عرضة لالتهابات الجهاز التنفسي وحالات انتفاخ الرئة، والتدخين يزيد من خطر تجلط الدم، وأمراض القلب التاجية المتكررة، والنوبات القلبية.
كما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الفم، والمريء، والبنكرياس، والكلى، ويؤثر التدخين أيضًا على الإنسولين، فهو يقاومه مما يجعلك أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري من النوع[1] وفايروس كورونا أخطر على المدخن كما هو معلوم من غير المدخن.
هذا شيٌ من أضرار التدخين الصحيّة والواقع خير شاهد، كما أنه موجع ماديًا حتى إن بعض من ابتلي به ينفق ثلث مرتبه ومعاشه فيه.
وكل هذا يهون عند كونه معصيةٌ لرب العالمين..
فقد صرّح كبار العلماء في العالم الإسلامي - رحمهم الله - أنّ التدخين محرم كما نصت على ذلك فتاوى اللجنة الدائمة في أكثر من موضع[2].
وقد قال الإمام ابن باز رحمه الله: "لا شك أنه محرم لما فيه من المضرة العظيمة، فينبغي للمؤمن أن يحذر من ذلك".[3]اهـ
ومن الأدلة على تحريمه: أنَّه معدود من الخبائث عند ذَوي الطباع السليمة، وخبثه واضحٌ في طَعْمه ورائحته الكريهة التي تُؤذِي الناس الذين لا يستعملونه، خصوصًا في مَجامع العبادات كالصلوات وغيرها، وقد قال الله سبحانه: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، ويصدق وصْفُ الخبيث على كلِّ ما لا نفْع فيه إطلاقًا، أو ما مَضرَّته أكثر من نفْعه، ولكن رائحته تغلب نفْعه بإيذاء الناس في كل مكان، خصوصًا في أماكن العبادة.
ويؤكد تحريمه أنّه من أخطر أسباب الهلاك، وقد ثبتَ ذلك بإخبار الأطبَّاء المعتبرين كما سبَق، وكلُّ ما كان كذلك يَحْرُم استعماله اتِّفاقًا، وقد قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، وسبب لقتل النفس والعياذ بالله ..
وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم-: أنَّ قاتِلَ نفسه يكون في النار يوم القيامة [4]؛ فمتناوِل الدُّخَان قد عرَّض نفسه للقتْل السريع أو البطيء، وسبَّب لها شقاءَ الدنيا وعذابَ الآخرة.
علاوةً على ذلك فالنفقة فيه من الإسرافِ المذمومِ فاعلُه؛ إذ ليس فيه نفْع مُباح خالٍ من الضرر؛ بل فيه الضررُ المحقَّقُ بإخبار أهْل الخبرة، وقد قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وقال تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26 ، 27]، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهى عن إضاعة المال[5]، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنَّ مما يسأل الإنسان يوم القيامة عنه: "ماله: من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنْفَقَه؟"[6]، والنصوص في النهي عن الإسراف في كل شيء أكثرُ من أن تُحصر[7].
فكيف يرضى عاقلٌ أن يَعْصي ربَّه، ويُفَرِّط في ماله وصحته، ويُطيع الشيطان عدوَّه فيما يضرُّه، وهل بعد هذا يبقى عاقل على عناده ويُصرُّ على شربه وتعاطيه؟
أيها الإخوة: يجهل كثيرٌ منا أنّه قد صدر نظام (مكافحة التدخين في المملكة عام 1436ه) يتضمن عشرين مادة يحسن الاطلاع عليه...
يمنع النظام: التدخين في الأماكن والساحات المحيطة بالمساجد والمؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية الخيرية والأندية والشركات والمصانع والبنوك ووسائل النقل وأماكن تصنيع الطعام والمستودعات والمصاعد ودورات المياه أجلكم الله وغيرها، ونص النظام على عقوبات ليست بالهينة لمن يخالف ذلك .. والله يزَعُ بالسلطانِ ما لا يزَعُ بالقرآنِ.
أيها الإخوة:
على من ابتلي بالتدخين أن يسارع فورًا في تركه تعبدًا لله تعالى وحفاظًا على دينه وصحته وماله..
ومن أفضل ما يُعين على ذلك الاستعانة بالله وكثرة دعائه والتوكل عليه، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] .. ثم العزيمة الصادقة وقوة الإرادة وتغيير الأماكن والعادات المرتبطة بالتدخين، والابتعاد عن المدخنين والمثبطين الجهلاء الذين يدّعون استحالة النجاة والخلاص منه، وزيارة الأطباء والهيئات الصحية المتخصصة بعلاج حالات الإدمان على التدخين، كما أنه من المهم عدم التدخين بين أفراد الأسرة، «فمن دعا إلى ضلاله كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» [8] ..
فاحذر أن تكون قدوة سيئة، واحذر أن تعتقد إكرام غيرك بالتدخين وأن تراكب الأوزار على ظهرك.
نسأل الله السلامة والعافية ..
عباد الله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
[1] ملخص من تقرير اللجنة الوطنية لمكافحة التبغ:
http://nctc.gov.sa/Section_55/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A1/%D8%A3%D8%B6%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86_317174
[2] فتاوى اللجنة (7/375).
[3] "فتاوى نور على الدرب (11/314).
[4] حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» صحيح مسلم (109).
[5] حديث المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ " متفق عليه؛ أخرجه البخاري (2408)، ومسلم(593).
[6] حديث ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ» أخرجه الترمذي(2416)، وحسنه الألباني لشواهده في الصحيحة (946).
[7] مقال للشيخ عبدالله القصير: https://www.alukah.net/sharia/0/93929/
[8] حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» صحيح مسلم(2674).
___________________________________________________________
الكاتب: د.
صغير بن محمد الصغير