فوائد العلم بأشراط الساعة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

لما كانت قضية الإيمان بالبعث من أبرز وأهم قضايا العقيدة استلزم الأمر أن تناقش وأن تؤكد وتؤصل في معظم زمن الرسالة، والزمن الذي قضاه الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة الأمة كان ثلاثاً وعشرين سنة، قضى منها ثلاث عشرة سنة في تثبيت العقيدة في قلوب المؤمنين ومن أبرز قضاياها بعد قضية التوحيد قضية الإيمان بالبعث؛ لأنه إذا ما استقر في يقين الإنسان، وثبت في قلبه أنه مؤاخذٌ ومجزيٌ على كل عملٍ يعمله استقام سلوكه، وانضبطت تصرفاته؛ لأن من أدرك وقوع عقوبة على شيء خاطئ ارتدع عن هذا الشيء خوفاً من العقوبة، ومن أدرك حصول جائزة على شيء صائب اندفع رغبةً في هذه الجائزة.

نتيجة الكدح الإنساني

الإيمان بالبعث يشمل الأمرين، زجر فاعل المخالفات بالنار، وحفز فاعل الطاعات بالجنة، فكلا الأمرين متحقق في الإيمان بالبعث، والإنسان في هذه الدنيا يعمل ولا بد له أن يعمل، وسمى الله العمل كدحاً، قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الإنشقاق:6] لا يوجد أحد يقول: أنا لن أعمل، لا بد أن تعمل، وسوف تجد ما تعمل، إن لم تعمل لله عملت للشيطان، وإن لم تعمل خيراً عملت شراً، وإن لم تشغل نفسك بالحق أشغلتك بالباطل، كذلك لا بد أن تنظر، وهل يستطيع الإنسان أن يعيش بغير نظر؟ لابد أن ينظر، ولكن إما أن ينظر إلى ما أحل الله أو ما حرم الله، ولا بد أن يسمع، ولكن إما أن يسمع ما أحل الله أو ما حرم الله، ولا بد أن يأكل، ويبطش، ويسير في الأرض، وينكح، وكل هذه المتطلبات ضرورية للإنسان، وإذا لم يعملها معناه أن الإنسان غير موجود.

من هو الذي لا يستطيع أن يأكل ولا يشرب ولا ينكح ولا يبصر؟ إنه الميت، أما الحي فلا بد له من عمل، ولهذا قال الله: يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] النداء هنا للإنسان، والألف واللام هنا تسمى لام الجنس يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ [الانشقاق:6] جنس الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ [الانشقاق:6] أي: أنك ستعمل عملاً، وسوف تقدم بهذا العمل إلى ربك، وسوف تلقى نتيجة هذا العمل.

القسم الأول: فريق الجنة

حينما ينفصل الناس يوم القيامة ويقسمون إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، يتميز الناس على ضوء عملهم في هذه الدنيا فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الحاقة:19] أخذ كتابه بيمينه استحقاقاً وبناءً على عمله الذي أهّله لأخذ الشهادة باليمين؛ لأنه من أهل اليمين، وكان يسير في الخط اليمين، عينه وأذنه إلى اليمين في الحلال، لسانه ويده ورجله وبطنه وفرجه كلها متجهة إلى الحلال، ولا يمكن أن يطأ بها إلا في الحلال، لا يترك لله أمراً، ولا يرتكب له نهياً، فهذا أهل نفسه وعمل أسباباً تؤهله ليكون من أصحاب اليمين، قال: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً [الانشقاق:7-8] اللهم إنا نسألك من فضلك، لا أعظم من يوم تحاسب فيه حساباً يسيراً، يعني تمشى أمورك؛ لأنك من أهل اليمين: وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:9] أين أهلك؟ أهلك في الجنة، ليس أهلك في الدنيا، الأهل الحقيقيون هم الذين سوف يقدم عليهم المؤمن في الجنة، فإن كانوا أهله في الدنيا من أهل الإيمان فهم سواء، ويجتمع بهم في الدار الأخرى كما اجتمعوا به في الدار الأولى، وإن لم يكونوا من أهله في الدنيا كأن تكون أمه سيئة، أو أبوه كافراً، أو زوجته -والعياذ بالله- فاسقة وخبيثة؛ فإن الله يبدله في الجنة بأهلٍ خير من أهله .. حور عين .. وولدان مخلدون .. نعيم لا يتصوره العقل وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:9] فرحاً مغتبطاً كفرح ذلك الطالب الذي يتخرج من الجامعة أو الكلية ويحصل على الرتبة ويأتي ليخبر أمه وأباه وزوجته وأولاده -إذا كان قد تزوج- كيف وضعه؟ مسرور وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:9] هذا هو الفريق الأول.

القسم الثاني: فريق النار

الفريق الثاني: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ [الانشقاق:10] لا يأخذه باليمين وإنما يأخذه مقلوباً؛ لأنه كان مقلوباً، كان يمشي للوراء، ولهذا ورد في الحديث في السنن : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أقواماً يوم القيامة يأتون إلى الحوض فتردهم الملائكة وتطردهم منه، يذادون كما تذاد الإبل من حوض الماء، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي! -يشفع فيهم الرسول ويقول: دعوهم يشربون .. هؤلاء مني- فيقال: يا محمد! إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟ إنهم لا زالوا يرجعون عن دينهم القهقرا) لا يسيرون إلى الأمام وإنما إلى الخلف، تجد أكثر الناس -والعياذ بالله- من الذين محقت بركة أعمارهم يتقدمون في الدنيا ويتأخرون في الدين، فلو أجريت لأحدهم مقايسة في أوضاعه المادية، والاجتماعية، والزوجية، تجده يسير إلى الأحسن، بعد سنة راتبه زاد، ورتبته ارتفعت، وأولاده كثروا، وسيارته جددها، وعمارته بناها، وفرشه غيره، كل شيء تغير في حياته إلى الأفضل، لكن اسأله في الدين تجده يرجع إلى الخلف إلا من هدى الله ممن هداهم الله وساروا إلى الأمام.

فهؤلاء الذين يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً [الانشقاق:10-11] والدعاء بالثبور هو: أن يدعو الإنسان على نفسه بأن يثبره الله في كل مصير؛ لأن المصيبة ليست سهلة، أن يُقاد الإنسان إلى النار مصيبة ليس بعدها مصيبة: وَيَصْلَى سَعِيراً [الانشقاق:12] لماذا؟

قال الله: إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:13] كان مرتاحاً على الدوام، بعكس المؤمن ليس مسروراً في الدنيا بل حزين، يقول الله في المؤمنين أنهم يقولون: قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] المؤمن في قلبه مثل النار من الخوف من الله، الناس يأكلون بكثرة وهو لا يأكل إلا قليلاً، وينامون بارتياح وهو في نومه غير مرتاح، ويتمتعون في الدنيا وقلبه في الآخرة، يعيش بمشاعره في الآخرة، ولذا كلما تذكر الآخرة شب في قلبه مثل النار إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] وأهل الإيمان لا يطمئنون ولا يرتاحون إلا إذا قيل لهم عند الموت: يَا َيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28] هنا يقولون: الحمد لله نجحنا.

أما ذاك فمسرور إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:13].

الإيمان بالبعث يشمل الأمرين، زجر فاعل المخالفات بالنار، وحفز فاعل الطاعات بالجنة، فكلا الأمرين متحقق في الإيمان بالبعث، والإنسان في هذه الدنيا يعمل ولا بد له أن يعمل، وسمى الله العمل كدحاً، قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الإنشقاق:6] لا يوجد أحد يقول: أنا لن أعمل، لا بد أن تعمل، وسوف تجد ما تعمل، إن لم تعمل لله عملت للشيطان، وإن لم تعمل خيراً عملت شراً، وإن لم تشغل نفسك بالحق أشغلتك بالباطل، كذلك لا بد أن تنظر، وهل يستطيع الإنسان أن يعيش بغير نظر؟ لابد أن ينظر، ولكن إما أن ينظر إلى ما أحل الله أو ما حرم الله، ولا بد أن يسمع، ولكن إما أن يسمع ما أحل الله أو ما حرم الله، ولا بد أن يأكل، ويبطش، ويسير في الأرض، وينكح، وكل هذه المتطلبات ضرورية للإنسان، وإذا لم يعملها معناه أن الإنسان غير موجود.

من هو الذي لا يستطيع أن يأكل ولا يشرب ولا ينكح ولا يبصر؟ إنه الميت، أما الحي فلا بد له من عمل، ولهذا قال الله: يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] النداء هنا للإنسان، والألف واللام هنا تسمى لام الجنس يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ [الانشقاق:6] جنس الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ [الانشقاق:6] أي: أنك ستعمل عملاً، وسوف تقدم بهذا العمل إلى ربك، وسوف تلقى نتيجة هذا العمل.

حينما ينفصل الناس يوم القيامة ويقسمون إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، يتميز الناس على ضوء عملهم في هذه الدنيا فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الحاقة:19] أخذ كتابه بيمينه استحقاقاً وبناءً على عمله الذي أهّله لأخذ الشهادة باليمين؛ لأنه من أهل اليمين، وكان يسير في الخط اليمين، عينه وأذنه إلى اليمين في الحلال، لسانه ويده ورجله وبطنه وفرجه كلها متجهة إلى الحلال، ولا يمكن أن يطأ بها إلا في الحلال، لا يترك لله أمراً، ولا يرتكب له نهياً، فهذا أهل نفسه وعمل أسباباً تؤهله ليكون من أصحاب اليمين، قال: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً [الانشقاق:7-8] اللهم إنا نسألك من فضلك، لا أعظم من يوم تحاسب فيه حساباً يسيراً، يعني تمشى أمورك؛ لأنك من أهل اليمين: وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:9] أين أهلك؟ أهلك في الجنة، ليس أهلك في الدنيا، الأهل الحقيقيون هم الذين سوف يقدم عليهم المؤمن في الجنة، فإن كانوا أهله في الدنيا من أهل الإيمان فهم سواء، ويجتمع بهم في الدار الأخرى كما اجتمعوا به في الدار الأولى، وإن لم يكونوا من أهله في الدنيا كأن تكون أمه سيئة، أو أبوه كافراً، أو زوجته -والعياذ بالله- فاسقة وخبيثة؛ فإن الله يبدله في الجنة بأهلٍ خير من أهله .. حور عين .. وولدان مخلدون .. نعيم لا يتصوره العقل وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:9] فرحاً مغتبطاً كفرح ذلك الطالب الذي يتخرج من الجامعة أو الكلية ويحصل على الرتبة ويأتي ليخبر أمه وأباه وزوجته وأولاده -إذا كان قد تزوج- كيف وضعه؟ مسرور وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:9] هذا هو الفريق الأول.

الفريق الثاني: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ [الانشقاق:10] لا يأخذه باليمين وإنما يأخذه مقلوباً؛ لأنه كان مقلوباً، كان يمشي للوراء، ولهذا ورد في الحديث في السنن : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أقواماً يوم القيامة يأتون إلى الحوض فتردهم الملائكة وتطردهم منه، يذادون كما تذاد الإبل من حوض الماء، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي! -يشفع فيهم الرسول ويقول: دعوهم يشربون .. هؤلاء مني- فيقال: يا محمد! إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟ إنهم لا زالوا يرجعون عن دينهم القهقرا) لا يسيرون إلى الأمام وإنما إلى الخلف، تجد أكثر الناس -والعياذ بالله- من الذين محقت بركة أعمارهم يتقدمون في الدنيا ويتأخرون في الدين، فلو أجريت لأحدهم مقايسة في أوضاعه المادية، والاجتماعية، والزوجية، تجده يسير إلى الأحسن، بعد سنة راتبه زاد، ورتبته ارتفعت، وأولاده كثروا، وسيارته جددها، وعمارته بناها، وفرشه غيره، كل شيء تغير في حياته إلى الأفضل، لكن اسأله في الدين تجده يرجع إلى الخلف إلا من هدى الله ممن هداهم الله وساروا إلى الأمام.

فهؤلاء الذين يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً [الانشقاق:10-11] والدعاء بالثبور هو: أن يدعو الإنسان على نفسه بأن يثبره الله في كل مصير؛ لأن المصيبة ليست سهلة، أن يُقاد الإنسان إلى النار مصيبة ليس بعدها مصيبة: وَيَصْلَى سَعِيراً [الانشقاق:12] لماذا؟

قال الله: إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:13] كان مرتاحاً على الدوام، بعكس المؤمن ليس مسروراً في الدنيا بل حزين، يقول الله في المؤمنين أنهم يقولون: قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] المؤمن في قلبه مثل النار من الخوف من الله، الناس يأكلون بكثرة وهو لا يأكل إلا قليلاً، وينامون بارتياح وهو في نومه غير مرتاح، ويتمتعون في الدنيا وقلبه في الآخرة، يعيش بمشاعره في الآخرة، ولذا كلما تذكر الآخرة شب في قلبه مثل النار إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] وأهل الإيمان لا يطمئنون ولا يرتاحون إلا إذا قيل لهم عند الموت: يَا َيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28] هنا يقولون: الحمد لله نجحنا.

أما ذاك فمسرور إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق:13].


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2930 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2805 استماع
أمن وإيمان 2678 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2468 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع