وسائل الثبات على دين الله [1،2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الإخوة في الله: إن ظاهرة التذبذب وعدم الثبات والاستقرار عند حد معين من الالتزام بالدين، والبقاء في صعود وهبوط، وفي ارتفاع وانخفاض، وفي مد وجزر، ظاهرةٌ ملاحَظَةٌ في هذا الزمان، إذْ نرى البعض من الناس يهتدي وتُلاحَظ عليه علامات الهداية من حرصه على الفرائض، وتمسكه بالسنة، وابتعاده عن قرناء السوء، وعن مقارفة الآثام، ثم ما يلبث أن تمر عليه فترة طالت أو قصُرت حتى يبرد في إيمانه، وينهزم في استقامته، ويعود إلى ما كان عليه، بل يعود بعضهم إلى أسوأ مما كان عليه.

هذه الظاهرة هي ظاهرة مَرَضية، وهي خطيرة جداً، ينبغي للإنسان أن يحذرها، وأن يتجنب الوقوع فيها لعدة أسباب:

تعلق ظاهرة التذبذب بحسن الخاتمة

السبب الأول: أنها متعلقة بحسن الخاتمة:

فإن الإنسان لا يدري متى يموت، وقد يهتدي ويلتزم ثم ينهزم، فيموت في ساعة الانهزام، قد يعيش طول حياته متمسكاً بطاعة الله، ثم في لحظة من لحظات السيطرة النفسية والغلبة الشيطانية يرجع -والعياذ بالله- فتأتيه مَنِيَّته في هذه اللحظة فيُخْتم له بسوء الخاتمة فيخسر دنياه وآخرته، وهذه خطيرة جداً، إذ أن حسن الخاتمة عليه المعوَّل في استقامتك -أيها الإنسان- وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة).

وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُفْهَم عند كثير من الجهلة -الذين يصطادون في الماء العكر- فهماً مغلوطاً، الحديث الصحيح يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذارع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) وفي روايات كثيرة: (فيسبق عليه الكتاب) وفي رواية: (فيما يظهر للناس) وفيه عدة روايات، لكن هذا مضمون الحديث.

هذا الحديث فيه حث وتحفيز شديد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن يعمل بعمل أهل الجنة أن يتمسك، وأن يثبت عليه حتى يموت، إذ ربما تركه وعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، ولا ينتفع بما عمل من عمل صالح طول حياته.

وفيه حث لمن يعمل بعمل أهل النار، أن يسارع في التوبة والرجوع إلى الله عز وجل؛ إذْ ربما يتوب هذه اللحظة ويرجع إلى الله في هذه الساعة، فيموت بعد أن عمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة.

هذا هو المفهوم الصحيح لهذا الحديث.

وليس مفهومه كما يود المنهزمون أن يبقوا عبيداً لشهواتهم، منهزمين أمام نزواتهم، يلبُّون رغباتهم، ويتركون طاعة الله ويقولون: ربَّما أنا أعمل بعمل أهل النار حتى ما يبقى بيني وبينها إلا ذراع وبعد ذلك أدخل الجنة. لا. هذا كلام فارغ، حسن الخاتمة أمر هام، وقضية الثبات متعلقة بحسن الخاتمة.

تعلق ظاهرة التذبذب بالقلوب التي هي ميدان السباق

السبب الثاني: أن ميدان الثبات وحَلَبة السباق فيه: القلوب: والقلوب أمرها بيد الله، وهي حساسة وكثيرة التأثُّر، وسريعة التغيُّر، بحسب العوامل والمؤثرات التي ترد عليها.

وما سُمِّي الإنسـانُ إلا لنسيهِ     ولا القلبُ إلا أنه يتقلبُ

فالقلب ينتابه حالات كثيرة جداً من التغيرات، فالإنسان الميدان الحقيقي وحَلَبة الصراع هي داخل قلبه وليس شيئاً مادياً ينفقه.

فلو كانت القضية معلقة بالعين لكان في إمكان الإنسان أن يغمضها، أو في اليد لكان في إمكانه أن يكفها، أو في الأذن لكان في إمكانه أن يحفظها، أو في الرِّجل، أو في أي جارحة، لكن القضية في القلب، والقلب كيف تدخل عليه؟ صعب، فالقضية معلقة بالقلب؛ ولصعوبة الأمر ولأن الجوارح كلها تنطلق بتصرفاتها من توجيهات القلب -إما بالإيجاب أو بالسلب وإما بالخير أو بالشر- كان من الضروريات أن تحرص باستمرار على ثبات قلبك على دين الله.

فمتى ثبت القلب على الدين ثبتت كل الجوارح، ومتى انصرف القلب وزاغ عن الدين انصرفت كل الجوارح؛ لأنها تابعة له وهو الموجه والمسيِّر لها، إما بالحسن أو بالسيئ.

كثرة الثقافات والأفكار الغربية الهدامة

السبب الثالث: أننا نعيش في زمن زالت فيه الحواجز بين الأمم وبين الشعوب واختلطت الثقافات، وأصبح العالم مكشوفاً كأنه في غرفة أو في شاشة، يستطيع الإنسان وهو في غرفته وعلى سرير نومه أن يجول ويصول حول العالم، إما بمؤشر راديو، أو بقناة تلفاز، أو بأزرار وأرقام هاتف، أو بقراءة مجلة، أو باستعراض جريدة وأخبار، المهم أن الثقافات والأفكار التي تدور والتي تنتشر في العالم كله ما أصبحت حكراً على أصحابها، بل متداولة في العالم كله، تجد الإنسان يستمع إلى إذاعة القرآن، فيسمع برنامجاً إسلامياً يثبِّت العقيدة ويقوي الدين في قلبه، وبإمكانه أن يغيره فيجد إذاعة كافرة، إما إذاعة موسكو، أو لندن، أو صوت أمريكا تدعو إلى الكفر والضلال؛ فأصبح الإنسان الآن بين مؤثرات متعددة متناقضة ومتضاربة ومتصارعة، مما يجعل مهمة الثبات عنده صعبة جداً.

كان الناس في الماضي الأثر فقط للأم والأب، وللإمام في المسجد، والمدرس في المدرسة، والزميل في الشارع، بل بعضهم يحيا ويموت وهو لا يعرف القرية المجاورة له، يخبرني كثير من كبار السن يقولون: والله إن الأوائل لا يعرفون خميس مشيط ، يعيشون في أبها وفي قرى الحجاز أو الشعوف ويموتون وهم ما انتقلوا إلى خميس مشيط أو إلى أبها ! لماذا؟

ليست هناك حاجة، لا وظيفة يتبعها، ولا سوق يذهب إليه، وإنما مع غنمه وأبقاره وفلاحته وأولاده بمزرعته في الليل والنهار حتى يموت.

لكن الآن أصبحت الحياة كلها مُتَغَيِّرٌ وجهها، وأصبح الإنسان ترد عليه كل أفكار الأرض، مما يجعل الثبات على دين الله عنده من أصعب المهمات وأشق المشاق، وهذا تحقيقٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان -أي: في آخر الزمان- يصبح الرجل من أمتي مؤمناً، ويمسي كافراً، ويصبح كافراً، ويمسي مؤمناً) أي: يسهل عملية تغيير العقائد؛ لأن العقائد ليست ملابس تغيرها، وليست بدلة، ولا زِي، وإنما العقيدة شيء تعقِّد القلب عليه، ولا يمكن أن تبدله، ولكن مع المؤثرات القوية والخلخلة الإيمانية التي تحصل في قلوب الناس يحصل التساهل؛ حتى ينقلب المسلم كافراً، والكافر مسلماً بجلسة واحدة.

ولذا كثير من دعاة الضلال يجلس مع بعض المؤمنين جلسة واحدة، يهزه هزاً، وينـزل وهو يقول: والله غسلت مُخَّه، يعني: غسل مُخَّه من الإيمان. تراه في اليوم الثاني لا يصلي رغم أنه كان في الصف الأول! والثاني ينطلق إلى الشهوات! وفي اليوم التالي يعُبُّ من النزوات، لماذا؟!

غَسَلَ مُخُّه بكلمة أو بفكرة أو بنظرية أو بشبهة أو بشهوة يوردها على قلبه، فيتخلخل إيمانه ويسقط والعياذ بالله.

الثبات على دين الله نعمة يَمُنُّ الله عز وجل بها على من يشاء من عباده، امتَنَّ الله بها على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً [الإسراء:74-75].

لمن يوجه هذا الكلام؟ هذا الكلام يوجه لسيد البشرية، والذي أرسله ليثبت الأمة، يقول الله له: لولا أنك مُثَبَّتٌ من الله لقد كِدْتَ تركن -شارفت على الركون والميل إليهم- شيئاً قليلاً، وإذا فعلت الشيء هذا من الركون والميل إليهم فالعذاب عليك، ليس العذاب على غيرك، إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً [الإسراء:75].

وذكر الله عز وجل في كتابه العزيز، أنه يثبت طائفة من الناس؛ لأن المثبِّت هو الله -لا تظنن أنك أنت الذي تُثَبِّتُ نفسك، فإنه المثبت على الدين- ولأن الهادي هو الله، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وإذا هدى أيضاً يثبت أو يضل، لكن له سنن في الكون تبارك وتعالى، أنه يثبت طائفة استحقوا التثبيت بمبادرات من عندهم، ويضل طائفة استحقوا الإضلال بمبادرات من عند أنفسهم؛ لأن إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40].

السبب الأول: أنها متعلقة بحسن الخاتمة:

فإن الإنسان لا يدري متى يموت، وقد يهتدي ويلتزم ثم ينهزم، فيموت في ساعة الانهزام، قد يعيش طول حياته متمسكاً بطاعة الله، ثم في لحظة من لحظات السيطرة النفسية والغلبة الشيطانية يرجع -والعياذ بالله- فتأتيه مَنِيَّته في هذه اللحظة فيُخْتم له بسوء الخاتمة فيخسر دنياه وآخرته، وهذه خطيرة جداً، إذ أن حسن الخاتمة عليه المعوَّل في استقامتك -أيها الإنسان- وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة).

وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُفْهَم عند كثير من الجهلة -الذين يصطادون في الماء العكر- فهماً مغلوطاً، الحديث الصحيح يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذارع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) وفي روايات كثيرة: (فيسبق عليه الكتاب) وفي رواية: (فيما يظهر للناس) وفيه عدة روايات، لكن هذا مضمون الحديث.

هذا الحديث فيه حث وتحفيز شديد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن يعمل بعمل أهل الجنة أن يتمسك، وأن يثبت عليه حتى يموت، إذ ربما تركه وعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، ولا ينتفع بما عمل من عمل صالح طول حياته.

وفيه حث لمن يعمل بعمل أهل النار، أن يسارع في التوبة والرجوع إلى الله عز وجل؛ إذْ ربما يتوب هذه اللحظة ويرجع إلى الله في هذه الساعة، فيموت بعد أن عمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة.

هذا هو المفهوم الصحيح لهذا الحديث.

وليس مفهومه كما يود المنهزمون أن يبقوا عبيداً لشهواتهم، منهزمين أمام نزواتهم، يلبُّون رغباتهم، ويتركون طاعة الله ويقولون: ربَّما أنا أعمل بعمل أهل النار حتى ما يبقى بيني وبينها إلا ذراع وبعد ذلك أدخل الجنة. لا. هذا كلام فارغ، حسن الخاتمة أمر هام، وقضية الثبات متعلقة بحسن الخاتمة.

السبب الثاني: أن ميدان الثبات وحَلَبة السباق فيه: القلوب: والقلوب أمرها بيد الله، وهي حساسة وكثيرة التأثُّر، وسريعة التغيُّر، بحسب العوامل والمؤثرات التي ترد عليها.

وما سُمِّي الإنسـانُ إلا لنسيهِ     ولا القلبُ إلا أنه يتقلبُ

فالقلب ينتابه حالات كثيرة جداً من التغيرات، فالإنسان الميدان الحقيقي وحَلَبة الصراع هي داخل قلبه وليس شيئاً مادياً ينفقه.

فلو كانت القضية معلقة بالعين لكان في إمكان الإنسان أن يغمضها، أو في اليد لكان في إمكانه أن يكفها، أو في الأذن لكان في إمكانه أن يحفظها، أو في الرِّجل، أو في أي جارحة، لكن القضية في القلب، والقلب كيف تدخل عليه؟ صعب، فالقضية معلقة بالقلب؛ ولصعوبة الأمر ولأن الجوارح كلها تنطلق بتصرفاتها من توجيهات القلب -إما بالإيجاب أو بالسلب وإما بالخير أو بالشر- كان من الضروريات أن تحرص باستمرار على ثبات قلبك على دين الله.

فمتى ثبت القلب على الدين ثبتت كل الجوارح، ومتى انصرف القلب وزاغ عن الدين انصرفت كل الجوارح؛ لأنها تابعة له وهو الموجه والمسيِّر لها، إما بالحسن أو بالسيئ.

السبب الثالث: أننا نعيش في زمن زالت فيه الحواجز بين الأمم وبين الشعوب واختلطت الثقافات، وأصبح العالم مكشوفاً كأنه في غرفة أو في شاشة، يستطيع الإنسان وهو في غرفته وعلى سرير نومه أن يجول ويصول حول العالم، إما بمؤشر راديو، أو بقناة تلفاز، أو بأزرار وأرقام هاتف، أو بقراءة مجلة، أو باستعراض جريدة وأخبار، المهم أن الثقافات والأفكار التي تدور والتي تنتشر في العالم كله ما أصبحت حكراً على أصحابها، بل متداولة في العالم كله، تجد الإنسان يستمع إلى إذاعة القرآن، فيسمع برنامجاً إسلامياً يثبِّت العقيدة ويقوي الدين في قلبه، وبإمكانه أن يغيره فيجد إذاعة كافرة، إما إذاعة موسكو، أو لندن، أو صوت أمريكا تدعو إلى الكفر والضلال؛ فأصبح الإنسان الآن بين مؤثرات متعددة متناقضة ومتضاربة ومتصارعة، مما يجعل مهمة الثبات عنده صعبة جداً.

كان الناس في الماضي الأثر فقط للأم والأب، وللإمام في المسجد، والمدرس في المدرسة، والزميل في الشارع، بل بعضهم يحيا ويموت وهو لا يعرف القرية المجاورة له، يخبرني كثير من كبار السن يقولون: والله إن الأوائل لا يعرفون خميس مشيط ، يعيشون في أبها وفي قرى الحجاز أو الشعوف ويموتون وهم ما انتقلوا إلى خميس مشيط أو إلى أبها ! لماذا؟

ليست هناك حاجة، لا وظيفة يتبعها، ولا سوق يذهب إليه، وإنما مع غنمه وأبقاره وفلاحته وأولاده بمزرعته في الليل والنهار حتى يموت.

لكن الآن أصبحت الحياة كلها مُتَغَيِّرٌ وجهها، وأصبح الإنسان ترد عليه كل أفكار الأرض، مما يجعل الثبات على دين الله عنده من أصعب المهمات وأشق المشاق، وهذا تحقيقٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان -أي: في آخر الزمان- يصبح الرجل من أمتي مؤمناً، ويمسي كافراً، ويصبح كافراً، ويمسي مؤمناً) أي: يسهل عملية تغيير العقائد؛ لأن العقائد ليست ملابس تغيرها، وليست بدلة، ولا زِي، وإنما العقيدة شيء تعقِّد القلب عليه، ولا يمكن أن تبدله، ولكن مع المؤثرات القوية والخلخلة الإيمانية التي تحصل في قلوب الناس يحصل التساهل؛ حتى ينقلب المسلم كافراً، والكافر مسلماً بجلسة واحدة.

ولذا كثير من دعاة الضلال يجلس مع بعض المؤمنين جلسة واحدة، يهزه هزاً، وينـزل وهو يقول: والله غسلت مُخَّه، يعني: غسل مُخَّه من الإيمان. تراه في اليوم الثاني لا يصلي رغم أنه كان في الصف الأول! والثاني ينطلق إلى الشهوات! وفي اليوم التالي يعُبُّ من النزوات، لماذا؟!

غَسَلَ مُخُّه بكلمة أو بفكرة أو بنظرية أو بشبهة أو بشهوة يوردها على قلبه، فيتخلخل إيمانه ويسقط والعياذ بالله.

الثبات على دين الله نعمة يَمُنُّ الله عز وجل بها على من يشاء من عباده، امتَنَّ الله بها على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً [الإسراء:74-75].

لمن يوجه هذا الكلام؟ هذا الكلام يوجه لسيد البشرية، والذي أرسله ليثبت الأمة، يقول الله له: لولا أنك مُثَبَّتٌ من الله لقد كِدْتَ تركن -شارفت على الركون والميل إليهم- شيئاً قليلاً، وإذا فعلت الشيء هذا من الركون والميل إليهم فالعذاب عليك، ليس العذاب على غيرك، إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً [الإسراء:75].

وذكر الله عز وجل في كتابه العزيز، أنه يثبت طائفة من الناس؛ لأن المثبِّت هو الله -لا تظنن أنك أنت الذي تُثَبِّتُ نفسك، فإنه المثبت على الدين- ولأن الهادي هو الله، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وإذا هدى أيضاً يثبت أو يضل، لكن له سنن في الكون تبارك وتعالى، أنه يثبت طائفة استحقوا التثبيت بمبادرات من عندهم، ويضل طائفة استحقوا الإضلال بمبادرات من عند أنفسهم؛ لأن إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40].

يقول الله في سورة إبراهيم: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [إبراهيم:27] هذه المبادرة والإيمان تأتي من العبد، فهو الذي يؤمن ويخضع لمولاه، وهو الذي يعمل الصالحات، فعندما يحصل منه الإيمان والإقبال على الله والتصديق والجزم بقضايا الإيمان يحصل من الله له التثبيت، يقول الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27] القول الثابت هو: الإيمان القوي: فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [إبراهيم:27] يعني: في الدنيا على دين الله: وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27] يعني: عند الموت، وفي القبر، وفي عرصات القيامة حتى يدخل الجنة، هؤلاء ثبتهم الله لَمَّا آمنوا، والآخَرين قال عنهم: ويضل الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] فالإضلال حصل على طائفة معينة من البشر اسمهم: الظالمون، والظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، هذا هو الظلم. والعدل هو: وضع الشيء في موضعه، إذا وُضِع الشيء في موضعه قالوا: والله عدل وحق، وإذا وُضِع الشيء في غير موضعه يصير ظلماً.

فالظالم هو: الذي يضع الشيء في غير موضعه، ولما ظلموا أُضِلُّوا.

قد يتصور بعض الناس أن الظلم فقط هو ظلم الناس الآخرين، لا. هو هذا وغيره.

فالظلم ثلاثة أقسام:

1/ ظلم العبد لنفسه.

2/ وظلم العبد لغيره.

3/ وظلم العبد لربه.

ظلم العبد لنفسه

فظلم العبد لنفسه: أن يوردها موارد الهَلَكَة:

لا يأخذها بالكمال، وإنما يذهب بها -والعياذ بالله- إلى مواطن الزيغ والضلال من الانحرافات، والمعاصي، والذنوب، والزنا، والخمور، واللواط، وقطع الصلاة، وإتيان المعاصي والمنكرات، هذا ظالم؛ لأن الله يقول: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1] لأن الله حد حدوداً، فهناك حدود للنظر: محصورة في الحلال، وفي التأمل في ملكوت السماوات والأرض، وحدود للأذن: فيُسْمَع شيء معين، وحدود لليد: فيُبْطَش بها شيء معين، وحدود للرِّجل: فيُمْشَي بها في شيء معين، وحدود للفرج: فيَقَع في شيء معين، وحدود للبطن: فيُؤْكَل شيء معين، وحدود للزواج: فيتْرَك الزنا، وحدود للطيبات من عسل وغيره، فتُتْرَك الخمور والخبائث، فهذه هي الحدود (وحد الله حدوداً، فلا تنتهكوها).

ليس هناك شيء إلا وقد جعل الله له حداً، فمن يتعدَّ حدود الله فقد تجاوز هذه الحدود. مثل أنظمة المرور في الشوارع العامة لها حدود، تجد إضاءات في الإشارة صفراء وحمراء وخضراء، الضوء الأحمر يعني: قِفْ، الضوء الأصفر يعني: هدئ السرعة، الضوء الأخضر يعني: تفضل. هذه حدودٌ أم لا؟! لا أحَدَ يأتي ويتعدى الحدود، فعندما يراها حمراء يمشي، هذا ماذا فعل؟ ظَلَم النظام، وظُلْم النظام يترتب عليه عقوبة، بأن جندي المرور يلاحقه، ويأخذ رقمه، ويجازيه؛ لأنه اعتدى على الحق العام بقطع نظام المرور، وتعريض حياة الناس للخطر، وإذا لم توجد إشارات والناس هكذا يتسابقون فستصبح فوضى، وتكون الحياة فيها للأشجع، ولذا إذا لم توجد إشارة ترى الخائف واقفاً طوال يومه، لكن عندما يكون هناك نظام فإن الشجاع والجبان كلاهما وقوفان حتى تأتي الإشارة الخضراء ويمشيان.

فالله حد نُظُماً في هذا الكون، ضوء أحمر، وضوء أخضر، وضوء أصفر يعني: قِفْ، لا تقرب من هذا الشيء، هذه النظم هي حرمات الله تبارك وتعالى، فالمؤمن وقَّاف عندها، يخاف من العقوبة، ومن القسيمة الأخروية في النار، وأما المنافق والكذاب والكافر فإنه لا يقف عند حدود الله، بل يقف إلى حد الزنا ويتخطاه، رغم أنه مؤشر أحمر: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32] لأن (لا) هذه ناهية، و(اعمل) علامة الأمر، والقرآن بين (لا) وبين (اعمل) وبين خبر من الله تبارك وتعالى، فموقفك من (لا) الابتعاد، وموقفك من (اعمل) الامتثال، وموقفك من الخبر التصديق، لا يوجد في القرآن إلا ثلاثة أشياء:

إما أوامر، أو نواهٍ، أو أخبار.

وأنت عليك التصديق بخبر الله، والامتثال لأمر الله، والابتعاد عن نهي الله تبارك وتعالى، فهنا المؤمن وقاف عند حدود الله عز وجل، ولا يتجاوزها إلى شيء مما حرم الله تبارك وتعالى.

فظلم العبد لنفسه أن يتعدى حدود الله.

ظلم العبد لغيره

وظلم العبد لغيره: أن يعتدي على شيء معصوم للمسلم بدين الله: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، يوم عرفة، كان يخاطب الناس ويقول: (اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، ألا هل بلغت؟!) فدم المسلم وماله وعرضه معصوم، وهل في الدنيا غير دمه، وماله، وعرضه؟! لا شيء لك في الدنيا إلا هذه الأشياء الثلاثة.

فلا يجوز لك -أيها المسلم- أن تعتدي على شيء من هذا بغير حق، وإذا اعتديت فقد ظلمت، وديوان الظلم بين العبد وبين أخيه المسلم ديوان حساس لا يتجاوز الله عنه بشيء؛ لأن حقوق العباد قائمة على المشاحَّة، وحقوق الرب قائمة على المسامحة.

ظلم العبد لربه

والثالث: ظلم العبد لربه وهو أن يشرك به؛ لأن حقُّ الله على العبد أن يوحده، وألا يعبد معه غيره؛ لأن الله هو المستحق للعبادة وهو الخـالق وحده: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] فكما أنه الخالق لوحده فإنه المعبود لوحده، فإذا عبدتَ معه غيره فقد ظلمته، ولهذا قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فالله يضل الظالمين؛ لأنهم ظلموا أنفسهم، أو ظلموا غيرهم، أو أشركوا بربهم؛ فيحصل لهم الإضلال بناء على المبادرات السيئة منهم بارتكاب الظلم، وهؤلاء يحصل لهم التسديد بناء على المبادرات الإيجابية الحسنة منهم بالإيمان والعمل الصالح.

فظلم العبد لنفسه: أن يوردها موارد الهَلَكَة:

لا يأخذها بالكمال، وإنما يذهب بها -والعياذ بالله- إلى مواطن الزيغ والضلال من الانحرافات، والمعاصي، والذنوب، والزنا، والخمور، واللواط، وقطع الصلاة، وإتيان المعاصي والمنكرات، هذا ظالم؛ لأن الله يقول: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1] لأن الله حد حدوداً، فهناك حدود للنظر: محصورة في الحلال، وفي التأمل في ملكوت السماوات والأرض، وحدود للأذن: فيُسْمَع شيء معين، وحدود لليد: فيُبْطَش بها شيء معين، وحدود للرِّجل: فيُمْشَي بها في شيء معين، وحدود للفرج: فيَقَع في شيء معين، وحدود للبطن: فيُؤْكَل شيء معين، وحدود للزواج: فيتْرَك الزنا، وحدود للطيبات من عسل وغيره، فتُتْرَك الخمور والخبائث، فهذه هي الحدود (وحد الله حدوداً، فلا تنتهكوها).

ليس هناك شيء إلا وقد جعل الله له حداً، فمن يتعدَّ حدود الله فقد تجاوز هذه الحدود. مثل أنظمة المرور في الشوارع العامة لها حدود، تجد إضاءات في الإشارة صفراء وحمراء وخضراء، الضوء الأحمر يعني: قِفْ، الضوء الأصفر يعني: هدئ السرعة، الضوء الأخضر يعني: تفضل. هذه حدودٌ أم لا؟! لا أحَدَ يأتي ويتعدى الحدود، فعندما يراها حمراء يمشي، هذا ماذا فعل؟ ظَلَم النظام، وظُلْم النظام يترتب عليه عقوبة، بأن جندي المرور يلاحقه، ويأخذ رقمه، ويجازيه؛ لأنه اعتدى على الحق العام بقطع نظام المرور، وتعريض حياة الناس للخطر، وإذا لم توجد إشارات والناس هكذا يتسابقون فستصبح فوضى، وتكون الحياة فيها للأشجع، ولذا إذا لم توجد إشارة ترى الخائف واقفاً طوال يومه، لكن عندما يكون هناك نظام فإن الشجاع والجبان كلاهما وقوفان حتى تأتي الإشارة الخضراء ويمشيان.

فالله حد نُظُماً في هذا الكون، ضوء أحمر، وضوء أخضر، وضوء أصفر يعني: قِفْ، لا تقرب من هذا الشيء، هذه النظم هي حرمات الله تبارك وتعالى، فالمؤمن وقَّاف عندها، يخاف من العقوبة، ومن القسيمة الأخروية في النار، وأما المنافق والكذاب والكافر فإنه لا يقف عند حدود الله، بل يقف إلى حد الزنا ويتخطاه، رغم أنه مؤشر أحمر: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32] لأن (لا) هذه ناهية، و(اعمل) علامة الأمر، والقرآن بين (لا) وبين (اعمل) وبين خبر من الله تبارك وتعالى، فموقفك من (لا) الابتعاد، وموقفك من (اعمل) الامتثال، وموقفك من الخبر التصديق، لا يوجد في القرآن إلا ثلاثة أشياء:

إما أوامر، أو نواهٍ، أو أخبار.

وأنت عليك التصديق بخبر الله، والامتثال لأمر الله، والابتعاد عن نهي الله تبارك وتعالى، فهنا المؤمن وقاف عند حدود الله عز وجل، ولا يتجاوزها إلى شيء مما حرم الله تبارك وتعالى.

فظلم العبد لنفسه أن يتعدى حدود الله.

وظلم العبد لغيره: أن يعتدي على شيء معصوم للمسلم بدين الله: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، يوم عرفة، كان يخاطب الناس ويقول: (اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، ألا هل بلغت؟!) فدم المسلم وماله وعرضه معصوم، وهل في الدنيا غير دمه، وماله، وعرضه؟! لا شيء لك في الدنيا إلا هذه الأشياء الثلاثة.

فلا يجوز لك -أيها المسلم- أن تعتدي على شيء من هذا بغير حق، وإذا اعتديت فقد ظلمت، وديوان الظلم بين العبد وبين أخيه المسلم ديوان حساس لا يتجاوز الله عنه بشيء؛ لأن حقوق العباد قائمة على المشاحَّة، وحقوق الرب قائمة على المسامحة.

والثالث: ظلم العبد لربه وهو أن يشرك به؛ لأن حقُّ الله على العبد أن يوحده، وألا يعبد معه غيره؛ لأن الله هو المستحق للعبادة وهو الخـالق وحده: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] فكما أنه الخالق لوحده فإنه المعبود لوحده، فإذا عبدتَ معه غيره فقد ظلمته، ولهذا قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فالله يضل الظالمين؛ لأنهم ظلموا أنفسهم، أو ظلموا غيرهم، أو أشركوا بربهم؛ فيحصل لهم الإضلال بناء على المبادرات السيئة منهم بارتكاب الظلم، وهؤلاء يحصل لهم التسديد بناء على المبادرات الإيجابية الحسنة منهم بالإيمان والعمل الصالح.

وقد يقول قائل: ما هي وسائل التثبيت؟ أريد أن أثبت على الدين ما دام أن مسألة الثبات بهذا القدر من الأهمية يترتب عليها حسن الخاتمة؛ وهي نعمة يمن الله بها على من يشاء من عباده. إذاً كيف أثبت؟ ما هي وسيلة الثبات على دين الله؟!

أريد من الإخوة الشباب حفظهم الله وبارك فيهم، أن يأخذوا هذه الوسائل مأخذ المنهج الذي يسيرون عليه في حياتهم، لا نريد من المواعظ والخطب والمحاضرات والدروس أن تكون فقط للاستهلاك، يعني: نصبح مُدْمِنِي مواعظ، يدخل الشخص إلى الموعظة، ويجلس يتابع الألفاظ، والاستشهادات والآيات والأحاديث، ثم يخرج مثلما دخل، لا تغير الموعظة في حياته شيئاً، هذا لا ينفع أبداً بأي حال من الأحوال، وبعد ذلك -وهذا من أخطر الأشياء على الإنسان- يصبح همه فقط السماع، والنقد، ويخرج لا يتغير ولا يتأثر بأي شيء، وهذا صعب، لماذا؟ لأنه يصبح مدمن مواعظ، لا يستطيع أن يعيش إلا إذا سمع موعظة؛ لكن ما الذي تغيَّر منه؟ ما استفاد من الموعظة شيئاً، فنريد سماعاً وتطبيقاً.

فسأذكر اثنتي عشرة وسيلة من وسائل ثبات القلب على دين الله عز وجل:

أول وسيلة وأعظم وسيلة للثبات على دين الله -وهي وسيلة ممكنة وسهلة وميسرة- هي: تلاوة كتاب الله عز وجل:

تلاوة القرآن العظيم الذي أنزله الله نوراً وهدىً للعالمين من أعظم وسائل التثبيت، لِمَ؟

القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

أولاً: لأنه لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] وما دام أن الباطل لا يَرِد عليك أثناء قراءتك للقرآن الكريم، فأنت بالتلاوة محفوظ ومحصَّن: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].

تلاوة القرآن الكريم أعظم وسائل الثبات على دين الله

ثانياً: أن الله نص في القرآن على أن أعظم وسيلة للتثبيت هي تلاوة القرآن، فقال تبارك وتعالى في سورة الفرقان: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً [الفرقان:32] قال الله: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ [الفرقان:32] نثبت بهذا القرآن قلبك، نثبت إيمانك ودينك في قلبك: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً [الفرقان:32] ثم قال: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ [الفرقان:33] يعني: بالقرآن وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان:33].

ما من شبهة ولا باطل ولا زيغ ولا انحراف إلا وقد جاء التفسير والدحض والتكذيب والرد له في كتاب الله تبارك وتعالى، حججهم كلها باهتة وداحضة ومردودة بأنوار القرآن؛ لأنه نور، وهؤلاء الذين يوردون هذه الشبهات أو هذه الضلالات كمن يريد أن يطفئ نور الشمس بفمه، ولهذا يقول الله عز وجل: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ [الصف:8] بماذا؟! بِأَفْوَاهِهِمْ [الصف:8] والتعبير (بأفواههم) فيه مزيد من التهكم، والسخرية، والاستصغار، والاستهزاء بهم، فإن الذي يطفئ نور الشمس بفمه هل يستطيع؟ لا يستطيع، لو أراد أن يطفئ نور الشمس بكل ما في الأرض من وسائل وليس بفمه فقط لا يستطيع، فكيف وهو يريد أن يطفئ بوسيلة إطفاء بسيطة لا تستطيع أن تطفئ شمعة على بُعْد مترين؟!

الآن لو أن شمعة بسيطة على بعد مترين تريد أن تنفخها من هنا، هل ستطفئها وهي هناك؟! لا تنطفئ؛ لأنها بعيدة، وإذا قربت منها على بعد متر، وقمت لتنفخ فلن تستطيع، إلا إذا قربت منها على بُعد [10] سنتيمترات ونفختها ربما تنطفئ، وهي شمعة، فكيف بنور الله تبارك وتعالى الذي أنار به العالمين وهو القرآن الكريم!! يقول الله عز وجل: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ [المائدة:15].

ويقول: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى:52-53].

فالقرآن نور، وأيضاً مثبت؛ لأنه لا يأتيه الباطل.

وبالاستقراء -أيها الإخوة- وبالمشاهَدة في حياة الناس ما علمنا والله أن رجلاً اعتصم بكتاب الله، وداوم على تلاوته ولاذَ بِجَناب الله عن طريق التقرب إلى الله بالقرآن، أنه ضل أو انحرف.

وبالاستقراء أيضاً علمنا ولَمَسنا وشاهدنا كثيراً ممن كان قد اهتدى، ما إن أعرض عن القرآن وهجره ونسيه حتى أضله الله، ولو أنه بقي معتصماً بكتاب الله مستمسكاً به لحفظه الله وثبَّته؛ لأن الله يقول: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ [الزخرف:43] و(استمسك) فعل سداسي ما قال: (امسك) من الرباعي، لا والله، ما أرسل الله رسولاً إلا وأمَرَه بدعوة الناس إلى توحيد الله تبارك وتعالى، فالقرآن هو خير وسيلة للثبات على دين الله، ومن رحمة الله تبارك وتعالى أن دلنا على هذه الوسيلة العظيمة وهي من أيسر الوسائل، فالقرآن الكريم يقول الله تعالى فيه: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21] لو خوطبت الجبالُ الرواسي الشُّمُّ بالقرآن، لخشعت وتصدعت، لكن الله خاطبنا بالقرآن ويسَّره لنا، حتى أننا أصبحنا نقرؤه وهو كلام المولى تبارك وتعالى، يقول الله فيه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]؟! هل من معتبر؟! هل من مقدر لهذه النعمة؟!

أي شيء أعظم -يا أخي المسلم- من أن يجعل الله عز وجل كلامه يجري على لسانك، فتتكلم بكلام الله أي تكريم أعظم من هذا التكريم؟!

لا إله إلا الله! والله ما بعده تكريم، أن يُنـزل الله عليك كلاماً من كلامه، تتحدث به أنت بلسانك، فهذه إمكانية سهلة ويسيرة، ونتائجها عظيمة من أن الله يثبتك.

لكن يوم أن تعرض عن الله وعن كلامه، ولا تريد أن تقرأ كلام الله، فهذا دليل على عدم محبتك لله عز وجل؛ لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، فهذه خير وسيلة.

القرآن الكريم شفاء ودواء للقلوب

ثالثاً: ولأن القرآن شفاء ودواء للقلوب، فالقلوب حرجة، وحساسة، وخطيرة، ولا علاج لها غيره، فليس لها حبوب تشربها، أو إبرة تعطيها، أو شراب، أو عمليات تفتحها، ونعني بالقلوب: القلوب الإيمانية، الواعية، الفاهمة، لا القلوب المادية، القلب المادي هو: عبارة عن عضلة تضخ الدم في العروق وتوصله إلى الرئة وترجعه لكي تكرره، هذا معك، ومع الحمار قلب مثله، ومع الثور مثل الدلو، أنا رأيت قلب ثور مثل الدلو، ومع ذلك لا يفهم، ورغم أن الثور والحمار أبلد الحيوانات لكن قلوبها أكبر القلوب؛لأن عملية الضخ فيها أكثر للجسم الحيواني.

فالقلب الذي نعنيه: القلب الفاهم الواعي عن الله، وإلا فإن الله يقول: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

فما دام أن القلب هو الميدان فلا بد أن تبحث له عن شفاء وعلاج، وعلاجه من القرآن، يقـول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57] ما هي التي في الصدور؟ القلوب وماذا أيضاً؟! توجد في الصدور أشياء أخرى، فهناك الرئة وغيرها، لكن كيف عرفنا أن القرآن شفاء لما في الصدور المراد به أنها القلوب؟!

ففي القرآن نفسه قال الله: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

فدلت هذه الآية على أن المعنى وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57] يعني: القلوب، وليس شفاءً للرئة، ولا شفاءً للكبد، ولا شفاءً للبنكرياس، لا. بل شفاءٌ للقلوب التي تفهم وتعي، قال الله: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

والله يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:57-58].

أيها الإخوة! هل وسيلة تلاوة كتاب الله مُمْكنة أم غير مُمْكنة؟

ممكنة، وقد أقام الله الحجة على العباد كلهم؛ لأنهم أصبحوا يقرءون كلام الله.

ولكن هل مجرد القراءة ووجود القدرة على نطق الحروف هو وسيلة القرآن التثبيتية؟

لا. ورد في بعض علامات الساعة أنه يظهر في الناس القلم، أي: من علامات الساعة أن ينتشر العلم ويظهر في الناس فيقرأ القرآن الرجل والمرأة، والكبير والصغير، وكل الناس يقرءون القرآن، لكن هل بمجرد قدرتهم على القراءة، أو قراءتهم للقرآن بالمزاج الذي يريدون يحصل لهم التثبيت؟ لا. كما جاء في بعض الآثار: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه).. (وإذا قرأ القرآن ظالم لنفسه، ناده القرآن من جوفه، يقول له: يا ظالم! أين زواجري؟! أين قوارعي؟! أين آياتي؟!).

إذا ارتكب الإنسان محرمات وهو يقرأ القرآن، يصيح القرآن في جوفه.

أولاً: لأنه لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] وما دام أن الباطل لا يَرِد عليك أثناء قراءتك للقرآن الكريم، فأنت بالتلاوة محفوظ ومحصَّن: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].