أسباب المشكلات الزوجية وطرق علاجها


الحلقة مفرغة

كلام الشيخ حامد المصلح :

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نحمده جل جلاله، وأثني عليه الخير كله بما هو أهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وإمامنا محمداً عبد الله ورسوله، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. أهلاً بهذه الوجوه الطيبة المباركة، والوجوه المتوضئة الراكعة الساجدة التي أسأل الله جعل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن وفقهم الله وهداهم لما فيه صلاحهم وفلاحهم إنه على ذلك قدير. ثم أحيي على وجه الخصوص فضيلة الشيخين الكريمين: فضيلة الدكتور جابر بن علي الطيب أثابه الله.

وفضيلة الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله، الذي لا يخفى على الجميع. وأسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه.

ونحن أيها الأحبة! نتحدث حول هذا الأمر، العظيم الذي ربما لا يكاد يوجد بيت لا يخلو من هذا الأمر، ألا وهو أسباب المشكلات الزوجية، ثم يكون العلاج إن شاء الله في الأخير، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن وفقهم الله وهداهم.

أيها الأحبة! فليتحدث أولاً: فضيلة الدكتور جابر حفظه الله عن أسباب هذه المشكلات التي تحدث وتقع.

وهذه المشكلات في الحقيقة إذ أنها كثيرة، فمن أبرزها وأهمها: المخالفات الشرعية، ثم الغيرة التي تحصل من الطرفين، أو من أحدهما، ومن هذه الأمور الكثيرة التي تكون أسباباً وهي في الحقيقة كثيرة، العيوب الزوجية من الزوجين أو من أحدهما، وكذلك الزواج من الأقارب، وغلاء المهور، ففضيلة الدكتور جابر حفظه الله نود أن يحدثنا حول هذه الأمور وجزاه الله خيراً.

كلمة الشيخ جابر الطيب:

الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأسأله التوفيق والهداية، والسداد والرشاد في الدنيا والآخرة، ثم أصلي وأسلم على نبينا محمد بن عبد الله، نبي الرحمة والهدى والصلاح، صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، والشفاعة العظمى، فصلوات الله وسلامه عليه على آله وأصحابه أجمعين.

وبعد:

فقد سمعتم ما ذكره الشيخ جزاه الله عنا وعن الجميع خير الجزاء في الدنيا والآخرة، وذكر أن هناك مشاكل قد تحصل بين الزوجين، وقد تكون هذه المشاكل ظاهرة، وقد تكون باطنة لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وأحب أن أقدم بكلمة عن الزواج، وأن الله سبحانه وتعالى قد شرعه لبني الإنسان، لكي يحفظوا أنفسهم، ولكي يعمروا هذه الدنيا، كما اختارهم الله سبحانه وتعالى لعمارتها، وللقيمومة فيها، فالشباب في حاجة ماسة إلى الزواج.

ولكن هناك من الموانع ما يحول بين الشاب وما يشتهي:

منها: أنه إذا بلغ الشاب الحلم وأصبح رجلاً يصح أن يكن زوجاً يقول في نفسه أو يقول له أهله: ما زلت في عنفوان الشباب وفي ريعان الصبا، فاصبر حتى تكمل رجولتك ونزوجك إن شاء الله، وهذا عندي أنه خطأ فيما أعتقد، وأن هذا من الأخطاء الشائعة بين الناس، فزواج الصغير يحفظه من المعاصي إذا كان عند أهله من المال ما يجعلهم يزوجوه، أما إذا كانوا فقراء فهم معذورون، ولكن إذا كان الله سبحانه قد وسع عليهم، فخيراً لهم أن يبادروا إلى تزويجه ممن يرضون دينها وأهلها وأمانتها وتقواها، وبعضهم يسوِّف ويقول: سوف أتزوج إن شاء الله إذا انتهت دراستي وأمنت مستقبلي، حتى أعيش أنا وزوجتي في أمن واستقرار وحياة سعيدة مملوءة بالخيرات والأرزاق.

وإذا توظف هذا الخريج بعد أن يبلغ من العمر خمساً وعشرين عاماً ونحو ذلك، فإن وظيفته قد تكون بسيطة، وقد يكون مرتبه الذي يتلقاه من ولي الأمر لا يقوم بشئون حياته كاملة، فقد يعول أبويه أو أيتاماً خلفهم أبوه -مثلاً- أو نحو ذلك، فإذا قدرنا راتبه خمسة آلاف ريال أو أربعة آلاف ريال، فقد يكون إيجار الشقة في الشهر ألف ريال -مثلاً- ولا بد أن يأخذ أشياء بالتقسيط، هذه السيارة يدفع عنها كل شهر ألفين أو نحو ذلك، ويبقى له ألفان أو نحو ذلك، فإذا بقي الألفان هل يدخل بها بيته أم ماذا؟

فإذا قلنا: إنه سيوفر في كل شهر خمسمائة ريال، والمهر لا يقل عن مائة ألف ريال، إلا أن يشاء الله، وهو لا بد له من قصر أفراح ومما يفعله الناس في زماننا هذا من المباهات والمبالغة في الذهب وغير ذلك، فإذا قدرنا أن تكلفة زواجه مائة وخمسين ألف ريال، فينبغي عليه أن يمون ذلك ثلاثمائة شهر، وهو عمر طويل، معناه يوفر مائة وخمسين ألف ريال في ثلاثمائة شهر، كل شهر خمسمائة ريال، وإذا قلنا: ألف ريال ويفرفها في أقل من ذلك بقليل، فإذا كان ألف ريال، وهكذا، مائة وخمسين شهر، فهذا قد يصعب عليه، ولا يبلغ حد الزوج إلا وقد عُمِّر طويلاً؟ ولهذا فإن غلاء المهور من الأسباب الشائكة التي تحول بين المرء وبين الزواج.

العنصر الثاني: قد يكون الشاب لا يبالي بالزوجة، يقول: إذا تزوجت كتَّفت نفسي، وحبست حريتي وأصبحت مسئولاً مسئولية كاملة عن الزوجة وأولادها وأنا حر طليق، أنطلق في أرض الله الواسعة فلا أشغل نفسي، فإذا تزوجت وأنا في هذا السن فسوف أصبح أسيراً للمرأة، تحبس حريتي، وتمنعني من الإنطلاق في هذه الحياة، إذا تأخرت في الليل قالت: أين كنت؟ ومن أين أتيت؟ وإذا ما أعجبها شيء تقول: ما هذا الذي أتيت به؟ وهكذا، فأصبح مغلول اليدين والرجلين، فلهذا لا أتزوج.

العنصر الثالث: يكون زواجاً مطلقاً قد يكون وسع الله سبحانه وتعالى عليه وأغناه، وأكثر ماله، لهذا يتزوج في السنة مرة أو مرتين، كما علمنا أن أناساً من هذا النوع وسع الله عليهم بالمال، فأصبح ديدنهم وهمهم أن يتزوجوا باستمرار؛ لكي يتمتعوا بالنساء، ثم يطلقوهن بعد حين، بعد سنة، أو أقل من سنة، وهذا لا يجوز، ولا ينبغي له أن يفعله أبداً إذا كان في قلبه إيمان، إمساك أو تسريح بإحسان، إما أن يمسك الزوجة الصالحة، وإما أن لا يأتي إليهم، فكثير من الأغنياء من الذين وسع الله عليهم، يتزوج من هنا ومن هناك ومن كل مكان؛ ليمتع نفسه بهذه الحياة، وهذا لا ينبغي.

وبعضهم يكون ممن أضله الشيطان من الشباب، فهو كلما جمع شيئاً من النقود، سافر بها إلى القارات، مرة هنا ومرة هناك، يتتبع الحرام، ينام في أحضان المومسات -والعياذ بالله- ويبحث عن الزنا أينما كان، يعجبه ذلك ويطربه، ولهذا لا يقر له قرار ولا يقوم مقام في وطنه، وإنما جل همه أن يذهب إلى القارة الفلانية، فيها من النساء كذا وكذا، وفيها من المومسات كذا وكذا، ويعلم أن ذلك يغضب الله أولاً قبل كل شيء، ثانياً: عنده من الأمراض الخبيثة كالإيدز -والعياذ بالله- وكقمل العانة، وكالسيلان، ونحو ذلك -والعياذ بالله- يظلم نفسه بالإثم العظيم، الذي حرمه الله سبحانه وتعالى ورسوله، حرمه الله في القرآن عندما ذكر صفات المؤمنين، قال في آخر سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:68-70] فمن تاب ورجع إلى الله فهو على خير، هذه هي بعض الأشياء يفعلها الشباب ويبتعدون عنها ويأبون أن يتزوجوا من هذا النوع.

أما العيوب فهي كثيرة، إما أن تكون في المرأة وإما أن تكون في الرجل.

أما عيوب المرأة: فهي العفق والقرن والرتق، فهذا يكون في المرأة، أما العفق: فهو لحم يكون في الفرج يمنع من التمتع بها من زوجها، وهذا في حق المرأة -ولا حياء في الدين إذا قلت هذا الكلام وهذا شيء لا بد أن نوضحه- فالعفق: هو لحم يأتي في فرج المرأة فيمنع سلوك الذكر في الفرج، وهذا عيب من العيوب، وللزوج أن يفسخ النكاح، إذا لم يكن يعلم به قبل عقد النكاح، أما إذا علم بعد عقد النكاح وقد اختلى بها، فإن لها بعض المهر، وأما إذا علم به قبل الزواج وأقدم عليها بطوعه واختياره فقد لا يكون هذا في حقه عيباً.

أما القرن: فقد يظهر في فرج المرأة، مثل قرن الشاة يسمى القرن.

أما الرتق: فقد تكون المرأة رتقاء، أي: أن فرجها لا مسلك فيه للذكر، أي: كالمخيط، أو نحو ذلك، هذا في عيوب المرأة.

ومن العيوب التي تكون عند الرجل والمرأة الجذام، والبرص والغائط أثناء الجماع، أو نحو ذلك، وهذه العيوب يشترك فيها الرجل والمرأة أما عيوب الرجل فهي: العنة، أن يكون عنيناً أي: لا ينتشر ذكره والعنة يستحق بها فسخ النكاح، إذا كان هناك قاضٍ يحكم عليهم ويمهلهم سنة كاملة من تاريخ المحاكمة، إذا تحاكمت المرأة إلى القاضي هي وزوجها، وقالت: يا شيخ: إن هذا لا يفعل شيئاً مما يفعله الرجال، فإذا اعترف الرجل أمهله سنة كاملة من تاريخ المحاكمة، يمر على الفصول الأربعة: الشتاء والصيف والخريف والربيع، حتى إذا ما وفق في هذا الفصل، فالفصل الذي يأتي يكون أحسن من الأول. حتى إذا انتهت السنة ولم يفعل شيئاً، يفسخ النكاح بدون مقابل، وليس له شيء من حقه الذي دفعه لها.

ثانياً: أن يكون مجبوباً، إنسان اُعتدي عليه وجب ذكره، أو خصاه، هذا أيضاً عيبه شرعي، والثالث: العاق، كان طيباً معافىً سليماً لا عيب فيه، وفي أثناء الزواج جاءه العيب حتى أصبح ذكره لا ينتشر فهذا يسمى العاق، وهو مرض عرض له، كذلك هو بالخيار، إن جلست معه فلها ذلك، وإن طلبت الفسخ يفسخ نكاحها بدون أي شيء، هذه هي عيوب الرجل وعيوب المرأة.

كذلك الجذام إذا رأيت امرأة فيها جذام -عافانا الله وإياكم- أو في الرجل فإن كلاً منهما له أن يفسخ نكاح الآخر خوفاً من العدوى لا سمح الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر). لكن الرسول لما جاءه وفد ثقيف وكان معهم أجذم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع إلى وطنك فقد بايعناك) معناه: لا يرغب في مقابلته عليه الصلاة والسلام، وفي الأثر: (فر من المجذوم فرارك من الأسد). أما العيضة فهو خروج الغائط منها أو من الرجل أثناء الجماع، فإذا اختلفا وقالت المرأة: إنه من الرجل فقال هو: بل. يظهر أنه منك، فيؤكل القاضي أحدهما أو كليهما من الثوم أو نحو ذلك حتى ينظر من سيخرج منه الثوم فإن خرج منه شيئاً فمعناه أنه مصاب بهذا المرض، وإن لم يخرج منه فإنه يأكل مرة أخرى، وإن خرج منها هذه الرائحة فالعيب فيها، وهكذا.

وإذا كانا معيبين جميعاً مجذومين مثلاً هي جذماء وهو أجذم، أو هي برصاء وهو أبرص، فاختلف العلماء في هذا، فقالوا: ما دام عيبهما واحداً فليس لأحد منهما الخيار في الفسخ؛ ولكن الصحيح والصواب أن لهما الخيار؛ لأن الإنسان لا يرى عيب نفسه؛ كما يرى عيب غيره، والإنسان يتأذى من غيره ولا يتأذى من نفسه.

هذا وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كلام الشيخ حامد المصلح :

شكر الله لكم وأثابكم ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

نعم في الحقيقة أن أسباب المشكلات كثيرة بلا شك، فلكثرتها أخذ الشيخ حفظه الله بعضها، وكذلك منها المخالفات الشرعية التي تكون سبباً أيضاً لهذه المشكلات، فمنها: أن تخرج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه، كما لا يخفى بأن هذا الأمر محظور ولا يحل لها ذلك، فحينئذ يكون الخلاف بين الزوجين، ولا شك أن الذي ينبغي بل يجب على الجميع أن يمتثلوا أمر الله تبارك وتعالى في كل شيء، فلو حكموا كتاب الله جل وعلا، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم لذهبت تلك الأمور.

والآن ننتقل إلى فضيلة الشيخ سعيد حفظه الله، ويحدثنا أثابه الله عن الحياة الطيبة السعيدة بين الزوجين، وأهمية قيامها على التفاهم والمودة والرحمة، فليتفضل مشكوراً مثاباً جزاه الله خيراً.

كلام الشيخ سعيد بن مسفر :

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الأحبة في الله! الزواج سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، جعله الله عز وجل آية من آياته الدالة عليه، يقول عز وجل في سياق عرض الآيات والدلالات التي تدل على الله عز وجل في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]. وجعله النبي صلى الله عليه وسلم سنة، وعمل بها، وحث عليها، ونادى وأمر بها، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج -الباءة: النفقة- فإنه أغض للبصر) أغض هنا من أفعل التفضيل، أي: أفضل ما تغض به طرفك هو الزواج (وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وفي الصحيحين أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أصحابه حينما ذهب بعضهم إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادته، فكأنهم تقالوها، لما أُخبروا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

فكأنهم رأوا أن يزيدون، ليس كما يفعل بعض الناس الآن، يضيع الدين وإذا قلت: هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، تريد أن أكون مثل الرسول صلى الله عليه وسلم، أولئك لهم نظر أبعد، يقولون: نحن نزيد على ما كان يتعبد له النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ونحن لم يغفر لنا، أجل سوف نزيد، وهذه الزيادة خطأ؛ لأن أكمل الهدي هديه، وخير الدين دينه، وهو أعبد الناس وأعرف الناس بربه، فقال واحد منهم: أما أنا فلا أفطر أبداً -أي: يصوم الدهر- والآخر قال: وأنا لا أنام أبداً -أي: يقوم الليل- والثالث قال: وأنا لا أتزوج النساء أبداً -أتبتل وأنقطع في العبادة ولا أنشغل عن ربي بشيء من الدنيا وشهواتها، ومن أعظم مشاغلها النساء- فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة نادى أصحابه وقال: (ما بال أقوام يقولون ويقولون، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له وأعلمكم به، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

تنظيم العلاقة الزوجية

إن الله عز وجل شرع الزواج لتنظيم العلاقة الزوجية، حتى يستمر النسل البشري؛ لأن الله أراد أن يعمر الكون بالإنسان إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] وهذا الإنسان مهمته العبادة، ولا يمكن أن يكون الإنسان إلا عن طريق التوالد، والتوالد يأتي عن طريق لقاء الرجل بالمرأة، وهذا اللقاء إن لم يكن لقاءً منظماً بالزواج أصبح لقاءً فوضوياً همجياً -مثل بعض الحيوانات والبهائم- فشرع الله الزواج، وركب في الرجل ميلاً إلى المرأة وركب في المرأة ميلاً إلى الرجل، قال عز وجل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ [آل عمران:14] إلى آخر الآيات، ثم جعل هذا العمل رغم أنه شهوة جعله عبادة، يقول عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة) فاستغرب الصحابة، وكانوا يظنون كما نظن أن العبادة والحسنات إنما تأتي عن طريق العمل الصالح، مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والدعوة، والأمر بالمعروف، وسائر الطاعات، أما أن يأتي الرجل زوجته ويكون له أجر! وهو شي من المباحات والعادات! قالوا: (يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر).

فإتيان الرجل لزوجته رغم أنه يمارس معها عملاً شهوانياً بحتاً، إلا أنه إذا أحسن النية أصبح عبادة، كأنه يصلي ويصوم ويتصدق.

التوافق بين الزوجين

في أثناء الحياة الزوجية لا يمكن أن يحصل تطابق وتوافق (100%) بين الزوجين، مستحيل أن تجد رجلاً وامرأة متوافقين (100%)، لا بد أن يكون هناك فروق فردية بين الرجل وبين المرأة؛ لأن الله جعل الناس هكذا، ولذلك خلقهم مختلفين، وهذه آية من آيات الله الدالة عليه، أنه خلق الناس مختلفين، ولو أتيت الآن على وجه الأرض فإن نحو خمسة آلاف مليون نسمة، لو جعلتهم كلهم في حوش واحد وأخرجتهم واحداً واحداً ما وجدت اثنين سواء أبداً في الشكل، لا يوجد واحد يشبه الثاني (100%)، لا يوجد واحد يطابق الثاني في البنان، الآن البصمة التي تؤخذ من الناس من أجل إذا كرر جناية يعرفون هل له سابقة عن طريق هذه البصمة؛ لأنه لا يوجد اثنان في الدنيا تتفق بصماتهم، والله يقول: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة:4] فهذا إعجاز منه تبارك وتعالى، وقدرة عظيمة أن خلق الناس كلهم مختلفين، والرجل يختلف عن المرأة، فإذا جاء الزوجان يعيشان تحت ظل واحد، وتحت سقف واحد وفي بيت واحد وفي مجتمع واحد صغير في لبنة واحدة وفي أسرة واحدة لحصل هناك نوع من الفروق، من أول الأسبوع أو من أول ليلة يجد أنها إنسانة غريبة، قد ينكر عليها حتى طريقة النوم، أو ينكر عليها طريقة الأكل، أو ينكر عليها طريقة الحديث، أو ينكر عليها طريقة المفاهمة والمخاطبة، فيحصل نوع من عدم الانسجام، وتحصل ردود أفعال.

فينبغي أولاً: أن يوطن الإنسان نفسه على استيعاب تلك الفروقات، وعلى احتواء تلك الفوارق بين الرجل وبين المرأة؛ حتى يحصل اندماج وانسجام، قد لا يكون في الشهر الأول ولا في الشهر الثاني، ولا في الشهر الثالث قد يكون بعد سنة، وأحياناً يكون الانسجام من أول ليلة؛ لأنه يكون الفرق بسيطاً، ولذلك ترون المرأة تسكن في بيت زوجها من أول ليلة، بل في الأسبوع الأول إذا سكنت في البيت عند زوجها وقُدمت لهم دعوة بعد أسبوع أو أسبوعين من الزواج لزيارة الوالدين، دخلت في بيت أبيها الذي عاشت فيه عشرين سنة أو خمسة وعشرين سنة وكأنها لم تعش فيه ليلة واحدة، غريبة وإذا جلست جلست وهي متحفزة هكذا لا تستريح، لماذا؟ مستعجلة تريد أن تمشي، وإذا طلب منها أو قيل لها: افعلي لنا شاي دخلت المطبخ وكأنها ما عرفته، تنادي أمها وتقول: أين أدوات المطبخ حقكم؟ عجيب حقنا! وأين أنتِ مدة حياتكِ، نسيت كل هذه الأدوات بجلسة يوم أو أسبوع في بيت زوجك، نعم. وبعدما تنتهي تراها تطالع في زوجها وفي الساعة، وتقول له: هيّا لنذهب، لكن بعض الأمهات عندها نقص في التفكير تقول: للبنت اجلسي هذه الليلة معنا، وتطلب من زوجها أن يدعها تنام معها، البنت لا تريد، والله لو تفرش لها ذهباً لا تريد ذلك، فتقول لها: نامي معنا.

تقول البنت: إن شاء الله آتي لكم مرة ثانية، لأنه لا يأتيني نوم إلا في بيتي، لماذا؟ لإنه حصل وفاق وسكن، وهذا معنى قول الله عز وجل: لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21] لا تسكن المرأة مع الأم، ولا تسكن نفسياً مع الأب، ولا تسكن المرأة مع الوظيفة، ولا تسكن مع الرصيد، ولا تسكن مع الشهادة، ولا تسكن مع شيء، لا تسكن إلا مع الزوج، نصف يبحث عن نصف، فإذا وجد النصف الثاني سكن.

وجود المحبة والرحمة بين الزوجين

ثم جعل الله بعد ذلك مودة ورحمة، فالمودة: هي الحب، وهو أكسير الحياة وطعمها ولذتها، والحياة الزوجية إذا خلت من هذا تصبح حياة جافة، حياة فيها نوع من الجفاف، وتصبح شكلية، ورسميات بين الزوج والزوجة، ليس فيه محبة، وبالتالي تكون العشرة غير حسنة.

لكن إذا وجدت المحبة فإن هذا يزيد في الألفة ويزيد في القربة، وإذا عدمت المحبة فلم تعدم الرحمة، ولهذا لما جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يريد أن يطلق زوجته، فجاء يستشيره، فقال له عمر : [لا تطلقها، قال: لست أحبها، قال: أوكل الزواج يبنى على الحب؟ أين الرحمة] إذا ما أحببتها ارحمها، إلا إذا شعرت بعدم رغبتك فيها وحبك لها، وطلبت هي منك أن تطلقها فهذا أمر آخر؛ لأن بعض النساء تدرك أنها غير محبوبة عند زوجها، وترى أن هذا نقصاً فيها فلا تريد أن تعيش مع رجل لا يحبها.

وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] فالتطابق مستحيل، ولذا يجب أن تعرف أنه لا بد أن يكون هناك فروق، وبالتالي لا بد من وجود المشاكل الزوجية، ولا يمكن أن يخلو منها بيت، ليس هناك بيت في الدنيا مثالي (100%) لا يحصل فيه خلاف، حتى أكرم البيوت، بل وأفضل بيت على وجه الأرض حتى بيت المربي الأعظم.. رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحدث فيه بعض الخلافات، حتى ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم حصل بينه وبين زوجته وحبه -أحب الناس إليه-: عائشة رضي الله عنها خلاف، فدعا والدها -أي: دعا أبا بكر من أجل أن يصلح الخلاف، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم، قامت وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: [أقسم عليك بالله لا تتكلم إلا بالحق] تقول للرسول صلى الله عليه وسلم، فتدخل أبو بكر في البداية وضربها على وجهها قال: [قاتلك الله يا عدوة نفسها، وهل يقول رسول الله إلا الحق] تحلفين عليه لا يقول إلا الحق، وهل يمكن أن يقول باطلاً -صلوات الله وسلامه عليه- فشردت بعدما ضربها ولاذت بظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما لهذا دعوناك) يقول: دعوناك لتصلح ما دعوناك لتضربها يا أبا بكر، اللهم صل وسلم على رسول الله.

فالخلاف يقع بين الزوجين، ولكنه خلاف وقتي تمسح آثاره، وتنتهي معالمه، وتستمر العشرة الزوجية، ولا يطور ولا يصعد؛ لأنه يحصل الخلاف فيستُوعب إما من الزوج أو من الزوجة.

المشكلة تبدأ مثل عود الكبريت، فماذا يحصل إذا أشعل عود الكبريت في البيت، وماذا يحصل في الأسرة؟ كلهم يسارعون إلى إطفائه، لكن إذا أشعل كبريت وقاموا كلهم ينفخون عليه ماذا يصير؟ حريق، كذلك المشكلة.

المشكلة عود كبريت يجب على الزوج أن يطفيه، والمرأة تطفيه، والأب يطفيه، والأم تطفيه، والأسرة كلها تطفيه فتخمد، لكن تشعل عود الكبريت فيشعله الرجل أو المرأة، فيأتي الرجل لينفخ فيذكي، وتأتي المرأة لتنفخ فتذكي، وتنتقل الخلافات إلى الأسرة، فيأتي أبو الزوجة، وانظروا إلى أبي بكر جاء يطفئ المشكلة، ما جاء يصعدها، فتستوعب المشاكل عن طريق التعاون بين الأسرة، وبين الأفراد حتى لا تتفاقم وتتصاعد وتتضاعف هذا شيء.

والشيء الآخر بالنسبة للمشكلة أو الخلاف الزوجي، أنها تعطي الحياة الزوجية نوعاً من التجديد والطعم؛ لأنها كما يسميها المربون، فيقولون: إن الخلاف الزوجي ملح الحياة الزوجية، إذا خلت الحياة الزوجية من الخلافات البسيطة سمجت، ولذا ترى أنت عندما تجلس أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة، وأنت صافي لبن، ما شاء الله! لا توجد مشكلة تحس بنوع من الملل، لكن عندما تحصل مشكلة، وتغضب أنت وتغضب هي وتجلس يومين أو ثلاثة وبعد ذلك تتقابلون كأنكم جدد، تجددت الحياة، فهي مثل الملح، لكن الملح في الحياة يجب أن يكون بمقدار، أنت حين تطبخ أرزاً تضع عليه ملحاً، لكن المصيبة أن بعض الناس يكثر من الملح، يريد أن يحصل مشكلة بسيطة، بدلاً من أن يمكث لها غضبان ساعة يمكث غضبان شهراً، وبدلاً ما أن يتكلم كلمة لعلاج المشكلة يتكلم بالعصا فيضرب، وبدلاً من أن يعالج بأسلوب بسيط، يعالج بأسلوب أصعب، فلا يصلح للحياة ملح الآن؛ لأنها أصبحت مشكلة.

لذا -أيها الإخوة- من الأهمية بمكان حتى يسعد الإنسان في الدنيا ويسعد في الآخرة لا بد له أن يستوعب هذه المشاكل والخلافات، وأن يوسع لها صدره، وأن يتحملها ثم يبحث عن العلاج الذي سوف يذكره الشيخ، ونضع ميزاناً واحداً وهو أن تنظر بمنظار التوازن والعدل، لا تنظر إلى عيوب المرأة، انظر إلى حسناتها، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري : (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة، فالمرأة دائماً ليست كلها عيوب، وليست كلها حسنات، وإنما فيها حسنات وفيها عيوب، فإذا أردت أن تنظر فانظر بمنظار كامل، انظر فيها أنها صوامة، وقوامة، وحافظة لعرضك، وأنها دينة، ومصلية، وأنها لا تخرج إلا بأمرك، وأنها تغسل ثيابك، وأنها تطبخ طعامك، وأنها تربي ولدك، أي أنها خادمة لك في البيت.

فإذا نظرت إلى هذه الحسنات منها، ونظرت إلى الجانب الثاني إلى أنها قد تعصيك، أو قد تخالف أمرك، فتوازن بين ما تكره منها وبين ما تحب، ستجد أن ما تحب أكثر فتنسى ذلك، لكن بعضهم يوسع عينه كاملة على ما يكره من المرأة، ويغمض طرفه كاملاً عن حسناتها، ولا يعرف لها حسنة، فلا يرى منها إلا السوء، وبالتالي يعاملها على هذه الرؤية، وعلى هذا الأساس فتزداد المشاكل وتسوء العشرة، وتتفاقم الخلافات، وتحصل الكوارث وربما تنتهي إلى الخلاف والفراق والطلاق -والعياذ بالله- وهذا كله من سوء التدبير، وعدم اتباع النصائح والإرشادات النبوية الكريمة التي جاءت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

إن الله عز وجل شرع الزواج لتنظيم العلاقة الزوجية، حتى يستمر النسل البشري؛ لأن الله أراد أن يعمر الكون بالإنسان إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30] وهذا الإنسان مهمته العبادة، ولا يمكن أن يكون الإنسان إلا عن طريق التوالد، والتوالد يأتي عن طريق لقاء الرجل بالمرأة، وهذا اللقاء إن لم يكن لقاءً منظماً بالزواج أصبح لقاءً فوضوياً همجياً -مثل بعض الحيوانات والبهائم- فشرع الله الزواج، وركب في الرجل ميلاً إلى المرأة وركب في المرأة ميلاً إلى الرجل، قال عز وجل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ [آل عمران:14] إلى آخر الآيات، ثم جعل هذا العمل رغم أنه شهوة جعله عبادة، يقول عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة) فاستغرب الصحابة، وكانوا يظنون كما نظن أن العبادة والحسنات إنما تأتي عن طريق العمل الصالح، مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والدعوة، والأمر بالمعروف، وسائر الطاعات، أما أن يأتي الرجل زوجته ويكون له أجر! وهو شي من المباحات والعادات! قالوا: (يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر).

فإتيان الرجل لزوجته رغم أنه يمارس معها عملاً شهوانياً بحتاً، إلا أنه إذا أحسن النية أصبح عبادة، كأنه يصلي ويصوم ويتصدق.

في أثناء الحياة الزوجية لا يمكن أن يحصل تطابق وتوافق (100%) بين الزوجين، مستحيل أن تجد رجلاً وامرأة متوافقين (100%)، لا بد أن يكون هناك فروق فردية بين الرجل وبين المرأة؛ لأن الله جعل الناس هكذا، ولذلك خلقهم مختلفين، وهذه آية من آيات الله الدالة عليه، أنه خلق الناس مختلفين، ولو أتيت الآن على وجه الأرض فإن نحو خمسة آلاف مليون نسمة، لو جعلتهم كلهم في حوش واحد وأخرجتهم واحداً واحداً ما وجدت اثنين سواء أبداً في الشكل، لا يوجد واحد يشبه الثاني (100%)، لا يوجد واحد يطابق الثاني في البنان، الآن البصمة التي تؤخذ من الناس من أجل إذا كرر جناية يعرفون هل له سابقة عن طريق هذه البصمة؛ لأنه لا يوجد اثنان في الدنيا تتفق بصماتهم، والله يقول: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة:4] فهذا إعجاز منه تبارك وتعالى، وقدرة عظيمة أن خلق الناس كلهم مختلفين، والرجل يختلف عن المرأة، فإذا جاء الزوجان يعيشان تحت ظل واحد، وتحت سقف واحد وفي بيت واحد وفي مجتمع واحد صغير في لبنة واحدة وفي أسرة واحدة لحصل هناك نوع من الفروق، من أول الأسبوع أو من أول ليلة يجد أنها إنسانة غريبة، قد ينكر عليها حتى طريقة النوم، أو ينكر عليها طريقة الأكل، أو ينكر عليها طريقة الحديث، أو ينكر عليها طريقة المفاهمة والمخاطبة، فيحصل نوع من عدم الانسجام، وتحصل ردود أفعال.

فينبغي أولاً: أن يوطن الإنسان نفسه على استيعاب تلك الفروقات، وعلى احتواء تلك الفوارق بين الرجل وبين المرأة؛ حتى يحصل اندماج وانسجام، قد لا يكون في الشهر الأول ولا في الشهر الثاني، ولا في الشهر الثالث قد يكون بعد سنة، وأحياناً يكون الانسجام من أول ليلة؛ لأنه يكون الفرق بسيطاً، ولذلك ترون المرأة تسكن في بيت زوجها من أول ليلة، بل في الأسبوع الأول إذا سكنت في البيت عند زوجها وقُدمت لهم دعوة بعد أسبوع أو أسبوعين من الزواج لزيارة الوالدين، دخلت في بيت أبيها الذي عاشت فيه عشرين سنة أو خمسة وعشرين سنة وكأنها لم تعش فيه ليلة واحدة، غريبة وإذا جلست جلست وهي متحفزة هكذا لا تستريح، لماذا؟ مستعجلة تريد أن تمشي، وإذا طلب منها أو قيل لها: افعلي لنا شاي دخلت المطبخ وكأنها ما عرفته، تنادي أمها وتقول: أين أدوات المطبخ حقكم؟ عجيب حقنا! وأين أنتِ مدة حياتكِ، نسيت كل هذه الأدوات بجلسة يوم أو أسبوع في بيت زوجك، نعم. وبعدما تنتهي تراها تطالع في زوجها وفي الساعة، وتقول له: هيّا لنذهب، لكن بعض الأمهات عندها نقص في التفكير تقول: للبنت اجلسي هذه الليلة معنا، وتطلب من زوجها أن يدعها تنام معها، البنت لا تريد، والله لو تفرش لها ذهباً لا تريد ذلك، فتقول لها: نامي معنا.

تقول البنت: إن شاء الله آتي لكم مرة ثانية، لأنه لا يأتيني نوم إلا في بيتي، لماذا؟ لإنه حصل وفاق وسكن، وهذا معنى قول الله عز وجل: لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21] لا تسكن المرأة مع الأم، ولا تسكن نفسياً مع الأب، ولا تسكن المرأة مع الوظيفة، ولا تسكن مع الرصيد، ولا تسكن مع الشهادة، ولا تسكن مع شيء، لا تسكن إلا مع الزوج، نصف يبحث عن نصف، فإذا وجد النصف الثاني سكن.

ثم جعل الله بعد ذلك مودة ورحمة، فالمودة: هي الحب، وهو أكسير الحياة وطعمها ولذتها، والحياة الزوجية إذا خلت من هذا تصبح حياة جافة، حياة فيها نوع من الجفاف، وتصبح شكلية، ورسميات بين الزوج والزوجة، ليس فيه محبة، وبالتالي تكون العشرة غير حسنة.

لكن إذا وجدت المحبة فإن هذا يزيد في الألفة ويزيد في القربة، وإذا عدمت المحبة فلم تعدم الرحمة، ولهذا لما جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يريد أن يطلق زوجته، فجاء يستشيره، فقال له عمر : [لا تطلقها، قال: لست أحبها، قال: أوكل الزواج يبنى على الحب؟ أين الرحمة] إذا ما أحببتها ارحمها، إلا إذا شعرت بعدم رغبتك فيها وحبك لها، وطلبت هي منك أن تطلقها فهذا أمر آخر؛ لأن بعض النساء تدرك أنها غير محبوبة عند زوجها، وترى أن هذا نقصاً فيها فلا تريد أن تعيش مع رجل لا يحبها.

وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] فالتطابق مستحيل، ولذا يجب أن تعرف أنه لا بد أن يكون هناك فروق، وبالتالي لا بد من وجود المشاكل الزوجية، ولا يمكن أن يخلو منها بيت، ليس هناك بيت في الدنيا مثالي (100%) لا يحصل فيه خلاف، حتى أكرم البيوت، بل وأفضل بيت على وجه الأرض حتى بيت المربي الأعظم.. رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحدث فيه بعض الخلافات، حتى ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم حصل بينه وبين زوجته وحبه -أحب الناس إليه-: عائشة رضي الله عنها خلاف، فدعا والدها -أي: دعا أبا بكر من أجل أن يصلح الخلاف، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم، قامت وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: [أقسم عليك بالله لا تتكلم إلا بالحق] تقول للرسول صلى الله عليه وسلم، فتدخل أبو بكر في البداية وضربها على وجهها قال: [قاتلك الله يا عدوة نفسها، وهل يقول رسول الله إلا الحق] تحلفين عليه لا يقول إلا الحق، وهل يمكن أن يقول باطلاً -صلوات الله وسلامه عليه- فشردت بعدما ضربها ولاذت بظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما لهذا دعوناك) يقول: دعوناك لتصلح ما دعوناك لتضربها يا أبا بكر، اللهم صل وسلم على رسول الله.

فالخلاف يقع بين الزوجين، ولكنه خلاف وقتي تمسح آثاره، وتنتهي معالمه، وتستمر العشرة الزوجية، ولا يطور ولا يصعد؛ لأنه يحصل الخلاف فيستُوعب إما من الزوج أو من الزوجة.

المشكلة تبدأ مثل عود الكبريت، فماذا يحصل إذا أشعل عود الكبريت في البيت، وماذا يحصل في الأسرة؟ كلهم يسارعون إلى إطفائه، لكن إذا أشعل كبريت وقاموا كلهم ينفخون عليه ماذا يصير؟ حريق، كذلك المشكلة.

المشكلة عود كبريت يجب على الزوج أن يطفيه، والمرأة تطفيه، والأب يطفيه، والأم تطفيه، والأسرة كلها تطفيه فتخمد، لكن تشعل عود الكبريت فيشعله الرجل أو المرأة، فيأتي الرجل لينفخ فيذكي، وتأتي المرأة لتنفخ فتذكي، وتنتقل الخلافات إلى الأسرة، فيأتي أبو الزوجة، وانظروا إلى أبي بكر جاء يطفئ المشكلة، ما جاء يصعدها، فتستوعب المشاكل عن طريق التعاون بين الأسرة، وبين الأفراد حتى لا تتفاقم وتتصاعد وتتضاعف هذا شيء.

والشيء الآخر بالنسبة للمشكلة أو الخلاف الزوجي، أنها تعطي الحياة الزوجية نوعاً من التجديد والطعم؛ لأنها كما يسميها المربون، فيقولون: إن الخلاف الزوجي ملح الحياة الزوجية، إذا خلت الحياة الزوجية من الخلافات البسيطة سمجت، ولذا ترى أنت عندما تجلس أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة، وأنت صافي لبن، ما شاء الله! لا توجد مشكلة تحس بنوع من الملل، لكن عندما تحصل مشكلة، وتغضب أنت وتغضب هي وتجلس يومين أو ثلاثة وبعد ذلك تتقابلون كأنكم جدد، تجددت الحياة، فهي مثل الملح، لكن الملح في الحياة يجب أن يكون بمقدار، أنت حين تطبخ أرزاً تضع عليه ملحاً، لكن المصيبة أن بعض الناس يكثر من الملح، يريد أن يحصل مشكلة بسيطة، بدلاً من أن يمكث لها غضبان ساعة يمكث غضبان شهراً، وبدلاً ما أن يتكلم كلمة لعلاج المشكلة يتكلم بالعصا فيضرب، وبدلاً من أن يعالج بأسلوب بسيط، يعالج بأسلوب أصعب، فلا يصلح للحياة ملح الآن؛ لأنها أصبحت مشكلة.

لذا -أيها الإخوة- من الأهمية بمكان حتى يسعد الإنسان في الدنيا ويسعد في الآخرة لا بد له أن يستوعب هذه المشاكل والخلافات، وأن يوسع لها صدره، وأن يتحملها ثم يبحث عن العلاج الذي سوف يذكره الشيخ، ونضع ميزاناً واحداً وهو أن تنظر بمنظار التوازن والعدل، لا تنظر إلى عيوب المرأة، انظر إلى حسناتها، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري : (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة، فالمرأة دائماً ليست كلها عيوب، وليست كلها حسنات، وإنما فيها حسنات وفيها عيوب، فإذا أردت أن تنظر فانظر بمنظار كامل، انظر فيها أنها صوامة، وقوامة، وحافظة لعرضك، وأنها دينة، ومصلية، وأنها لا تخرج إلا بأمرك، وأنها تغسل ثيابك، وأنها تطبخ طعامك، وأنها تربي ولدك، أي أنها خادمة لك في البيت.

فإذا نظرت إلى هذه الحسنات منها، ونظرت إلى الجانب الثاني إلى أنها قد تعصيك، أو قد تخالف أمرك، فتوازن بين ما تكره منها وبين ما تحب، ستجد أن ما تحب أكثر فتنسى ذلك، لكن بعضهم يوسع عينه كاملة على ما يكره من المرأة، ويغمض طرفه كاملاً عن حسناتها، ولا يعرف لها حسنة، فلا يرى منها إلا السوء، وبالتالي يعاملها على هذه الرؤية، وعلى هذا الأساس فتزداد المشاكل وتسوء العشرة، وتتفاقم الخلافات، وتحصل الكوارث وربما تنتهي إلى الخلاف والفراق والطلاق -والعياذ بالله- وهذا كله من سوء التدبير، وعدم اتباع النصائح والإرشادات النبوية الكريمة التي جاءت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2931 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2807 استماع
حال الناس في القبور 2682 استماع
أمن وإيمان 2681 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2471 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع