رسالة خاصة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله وخيرته من خلقه، بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فأدى الرسالة، وبلغ الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه، فجزاه الله عنَّا خير ما جزى نبياً عن أمته، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون.

أما بعــد:

فيا أيها الأحبة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم إني أعتذر إليكم عن الحديث في هذه الليلة، ليلة الثالث من رمضان، من هذا العام (1413هـ)، إذ إنني سوف أحاضر أخاً لي أعلمه موجوداً بينكم، بلغني عنه ما لا يحسن ولا يسوغ، ورأيت أن العتاب بين الأحباب يزيد المودة، ويعمم الألفة، ويزيل الوحشة من القلوب، أما أنتم فلستم بالغرباء عنه، ولا هو أيضاً بالغريب عنكم، فهو منكم وأنتم منه، والحديث على كل حال خاص بيني وبينه وليس للنشر.

أخي الكريم: يا من تجلس بين هذه الجموع، وتستمع إلى هذه الكلمات، وتظن نفسك مستوراً، لقد حدثوني عنك، وأرجو أن يكون ما بلغني عنك غير حقٍ.

الولوغ في المعصية

حدثوني أنك والغ في المعصية، حتى صارت المعصية جزءاً من حياتك وشخصيتك وتكوينك، وأنه لو عرف الناس حقيقة أمرك لاجتنبوك وباعدوك، وهجروك وقلوك، وأنك قد أفلحت في تزيين ظاهرك بعض التزيين، أما باطنك فتركته تلعب فيه المعاصي والآثام.

أصحيح ما بلغني عنك؛ أن المعصية تخايلك حتى وأنت واقف بين يدي الله تعالى في صلاتك؟

فذهنك شريد، وعقلك بعيد، كلما بحثت عن ذهنك وجدته على شفير زلة، أو على مشارف هاوية، أو قريباً من معصية، أو متأملاً أو متفرجاً.

أصحيح أن المرأة أصبحت صورةً دائمة بين ناظريك، وصوتاً هامساً يرن في أذنيك، ورسماً مطبوعاً في خيالك لا يفارقك؟

وإذا صدق الوشاة الذين حدثوني، فأنت تعدُّ ساعات النهار في هذا الشهر الكريم عدَّاً، وتتمنى مضيها وتزجيها بكل سبيل، ساعةً في نوم، وساعةً في شغل، وساعةً في تشاغل، كل ذلك ليقبل عليك الليل، فتنطلق من إسارك وتعمل ما يمليه عليك الهوى.

إذاً: لقد أصبحت المعصية إدماناً يجري في دمك، ويتخلل في عروقك، ويأكل معك ويشرب، وينام على فراشك ويستيقظ.

أو حقاً أنك تدير قرص الهاتف تبحث عن فريسةٍ مغفلة سهلة الاصطياد، وتتحمل في سبيل ذلك ألوان الإهانات؟

فحيناً تسمع صوتاً يلعنك، وحيناً يلعن والديك، وحيناً يصفك بأبشع الأوصاف، وحيناً يطلق عليك مُرَّ الدعوات، وأنت تتحمل ذلك كله في سبيلٍ هدف غير نبيل، وعملٍ غير شريف.

أو حقاً أنك لا تدع امرأةً تمر بك إلا حدقت فيها بنظرك، وأمعنت فيها ببصرك، حتى يتوارى عنك سوادها ويغرب عنك خيالها، ثم تتبع ذلك بالحسرات والزفرات؟

فإنك إن أرسلت طرفك رائداً     لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر     عليه ولا عن بعضه أنت صابر

أو حقاً أن أذنك تطرب لصوت فاجر يبثه مذياع، أو يرسله شريط الكاسيت؟

رويدك لا تغضب

أخي، هل غضبت حين صارحتك على الملأ، وتحدثت عن حالك في مجلسٍ حافلٍ من الناس، رويدك لا تغضب، فإن فضيحة الآخرة أهول وأطول، وأعظم وأطم: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21] إن امرءاً ربما قدر الله عليه شيئاً من تسرب أخباره، وانتشار أحواله، وتحدث الناس فيما حصل منه، لعله أن يرعوي وينـزجر، إن رادع الإيمان في قلبه لم يفعل فعله، وخوف الله تعالى لم يمنعه عن المعصية، فربما خاف من عقاب المخلوقين، وربما خشي أن يكون عرضه كلأً مباحاً، وحديثاً متداولاً مشاعاً، فردعه ذلك فارعوى وانـزجر.

ما قلت لك إلا القليل

ثم إني ما قلت لك مما أخبروني عنك شخصياً إلا أقل القليل، نعم، ولقد أخبروني عنك أنك كنت تبحث بالأمس عما يطفئ الشهوة، ويهدئ لهيبها، أما اليوم فقد انقلبت الآية، واختلف الأمر، فأنت تبحث عن ما يؤجج الشهوة، ويثيرها ويحركها، وينفر مختبئها، ويخرج كامنها، لقد شربت الكأس الأول من المعصية، أو من الشهوة، على لذةٍ ووجدت شيئاً من طعمها، أما الكأس الثانية فهي عادة لا طعم فيها ولا سرور معها، ولكنها أمرٌ أصبح جزءاً من حياتك، وعادةً يصعب عليك أن تتركها.

إذا كان صحيحاً ما بلغنا أنك في النهار تترقب الليل، أفلا تترقبه للصلاة والقيام، كما يفعل الصالحون؟

وإذا كنت تترقب الليل أفلا فكرت قليلاً في النهار الذي يتلوه، حينما تذهب اللذة وتبقى الحسرة؟

إن أهنى عيشةٍ قضيتها     ذهبت لذتها والإثم حل

وإن اغتفرنا لك -وهيهات هيهات- زمان الصبا، وعمر المراهقة، وفترة الطيش والجهل وغرور الشباب، فكيف ترى يغتفر لك الأمر وهو خطبٌ جلل، وهاأنت قد تجاوزت سن المراهقة، بل وتزوجت وأنجبت ورأيت طفلاً ترجو أن ينشأ نشأةً صالحة، وتحب له الخير، ويسرك أن يكون على أحسن حال، وهاأنت تعيش في بيتك، وتحت سقفك مع زوجةٍ ترجو لها الصلاح، وتحب لها الخير، ولا ترضى أن يظهر منها أنملة، ولا أن يسمع منها همس صوت، ولا يسرك أن يتحدث عن عرضها قريب ولا بعيد.

أصحيح أنك ترى الخاشعين والباكين والراكعين والساجدين، وأهل الطواف وأهل الاعتكاف، ثم تنظر في قلبك وتتحسس في وجدانك، فلا تجده إلا قاسياً غليظاً كما عُهد؟!

أيصح عنك أنك صاحب أخبارٍ وأسفار ومغامراتٍ ومقامرات؟!

أما هجس في قلبك يوماً أن تسقط الطائرة وأنت فيها؟!

أو تنقلب السيارة وأنت داخلها؟

أو أن يؤذيك الصداع فيصارحك الطبيب أنها بداية جلطة في المخ أو في القلب؟!

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ [النحل:45-48] قال ابن عباس وقتادة: [[في أسفارهم فيصيبهم بالبلاء وهم مسافرون، في جوهم أو بحرهم أو برهم. وقال أيضاً: يأخذهم في منامهم]].

يا راقد الليل مسروراً بأوله          إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

وكم من فتىً أمسى وأصبح سالما     وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري

وقال الضحاك وابن جريج ومقاتل: [[أي يأخذهم في ليلهم ونهارهم، فإن الليل والنهار مطايا، يسلمك الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل]].

يسر المرء ما ذهب الليالي     وكان ذهابهن له ذهابا<

التوبة قبل الندم

ثم إنني أذكرك -أيها الأخ الكريم- وأنت لا زلت عندي بالمحل الأرفع، غير أني أرجو أن يتوب الله عليك، وأن يفتح الله قلبك وأن تراجع نفسك، وأن تجد في هذا الشهر الكريم وأنت تستقبل أيامه وساعاته، فرصةً ثمينة بأن تحدث لله تعالى توبة، فإنه لا يُدرى لعله أن يفجعك الموت قبل نهاية الشهر، أو قبل نهاية العام! وربما -ولا أريد أن أكون صريحاً معك أكثر فأكثر- كان بعض أقاربك الذين يحبونك، ويحبون لك الخير، ويعرفونك ويجالسونك، وأنت تحادثهم وتبثهم مشكلاتك، ربما كان أحدهم رأى فيك رؤيا وشاهد فيك ما ينبئ عن قربِ أجلك، ودنو موتك وأن أيامك معدودة! أفلا تبادر الموت بتوبة نصوح، إن هذا هو الحري بك والجدير.

حدثوني أنك والغ في المعصية، حتى صارت المعصية جزءاً من حياتك وشخصيتك وتكوينك، وأنه لو عرف الناس حقيقة أمرك لاجتنبوك وباعدوك، وهجروك وقلوك، وأنك قد أفلحت في تزيين ظاهرك بعض التزيين، أما باطنك فتركته تلعب فيه المعاصي والآثام.

أصحيح ما بلغني عنك؛ أن المعصية تخايلك حتى وأنت واقف بين يدي الله تعالى في صلاتك؟

فذهنك شريد، وعقلك بعيد، كلما بحثت عن ذهنك وجدته على شفير زلة، أو على مشارف هاوية، أو قريباً من معصية، أو متأملاً أو متفرجاً.

أصحيح أن المرأة أصبحت صورةً دائمة بين ناظريك، وصوتاً هامساً يرن في أذنيك، ورسماً مطبوعاً في خيالك لا يفارقك؟

وإذا صدق الوشاة الذين حدثوني، فأنت تعدُّ ساعات النهار في هذا الشهر الكريم عدَّاً، وتتمنى مضيها وتزجيها بكل سبيل، ساعةً في نوم، وساعةً في شغل، وساعةً في تشاغل، كل ذلك ليقبل عليك الليل، فتنطلق من إسارك وتعمل ما يمليه عليك الهوى.

إذاً: لقد أصبحت المعصية إدماناً يجري في دمك، ويتخلل في عروقك، ويأكل معك ويشرب، وينام على فراشك ويستيقظ.

أو حقاً أنك تدير قرص الهاتف تبحث عن فريسةٍ مغفلة سهلة الاصطياد، وتتحمل في سبيل ذلك ألوان الإهانات؟

فحيناً تسمع صوتاً يلعنك، وحيناً يلعن والديك، وحيناً يصفك بأبشع الأوصاف، وحيناً يطلق عليك مُرَّ الدعوات، وأنت تتحمل ذلك كله في سبيلٍ هدف غير نبيل، وعملٍ غير شريف.

أو حقاً أنك لا تدع امرأةً تمر بك إلا حدقت فيها بنظرك، وأمعنت فيها ببصرك، حتى يتوارى عنك سوادها ويغرب عنك خيالها، ثم تتبع ذلك بالحسرات والزفرات؟

فإنك إن أرسلت طرفك رائداً     لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر     عليه ولا عن بعضه أنت صابر

أو حقاً أن أذنك تطرب لصوت فاجر يبثه مذياع، أو يرسله شريط الكاسيت؟


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع