ضوابط التعامل مع الكتاب والسنة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنحمد الله تعالى الذي جمعنا مرة أخرى في هذا الصرح المبارك العريق، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا أجمعين من المتحابين فيه المتزاورين فيه المتجالسين فيه، الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأشكر للرابطة عنايتها بمثل هذه الموضوعات التي تهم تصور المسلم، وبناءه العلمي والفكري، فإنها يبنى عليها غيرها وهي الأساس، ولا شك أن الموضوع الذي اختير للتحدث عنه موضوع واسع، ولن نوفيه حقه، ولكن ما لا يمكن كله لا يترك ما تيسر منه؛ فلذلك أستعين بالله تعالى، وأحمده في بداية هذه الكلمة وأقول:

إن الله جل جلاله خلق الخلق جميعاً لعبادته، وصرح بأنه خلق الجن والإنس لذلك؛ فقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56]، وبين حكمة أخرى تختص بخلق الإنس وهي الاستخلاف في هذه الأرض، ولله الحكمة البالغة في ذلك كله؛ فقد خلق آدم بيمينه، ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وجعله خليفة في هذه الأرض، وسخر له ولذريته جميع ما فيها؛ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا[البقرة:29]، وذلل لهم البهائم والأنعام؛ وَذَلَّلْنَاهَا لَهمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ[يس:72]، وجعلهم سادة هذه الأرض، وعلم تفاوت مستوياتهم وعقولهم، وتفاوت اجتهاداتهم؛ فلم يتركهم همجاً كالبهائم يعتدي بعضهم على بعض، بل نظم شئون حياتهم؛ فأرسل إليهم الرسل لإقامة الحجة وإنارة المحجة، وبدأ الرسالة إلى أهل الأرض بــنوح عليه السلام، وقد علم الله بحكمته أن مهمة الرسل شاقة، وأنها تحتاج إلى جهد عظيم؛ فلذلك كانت البداية الممهدة بعثة نوح الذي مكث ألف سنة إلا خمسين عاماً، وهو يعالج هداية أهل الأرض وإقامة الحجة عليهم، ثم قفى على آثاره بالمرسلين؛ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ[فاطر:24].

فما من أمة من الأمم إلا وقد بعث الله إليها رسولاً؛ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[النساء:165]، ومع كل رسول يرسل الله سبحانه وتعالى معجزة مصدقة لما جاء به وبرهاناً قاطعاً، فكل من رآه استجاب له؛ كما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي بعثه الله قبلي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )، حتى إذا خاضت البشرية كل تجاربها، ومرت بجميع أطوار حياتها التي علمها الله في سابق علمه الأزلي، وقال فيها في نذارة نوح : وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا[نوح:14]، وفي نذارة محمد صلى الله عليه وسلم: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ[الانشقاق:19].

ختم الرسالات السماوية

ختم الله الرسالة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وجهالة من الناس واقتراب من الساعة؛ فجاء بالحنيفية السمحة التي هي الدين عند الله جل جلاله، فكل ما سواها من الأديان إنما كان مؤقتاً يصلح لمدة محددة، فإذا تجاوزت البشرية ذلك الطور لم يعد ذلك الدين صالحاً للتطبيق المستمر فيها، بل إن من الديانات التي أرسل الله إلى أهل الأرض ما يكون مختصاً بأهل بلد أو بقبيلة أو بعرق مخصوص، ولا يصلح لتطبيق من سواهم؛ كالتشديد الذي نزل على بني إسرائيل فإن البشرية الأخرى لا تتحمله، وهم يتحملون الإصر لما فيه من الفساد المتجذر المتعمق، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله بهذا الدين الذي قال الله فيه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ[آل عمران:19]، فدعا إليه في وقت لا يجد فيه أعواناً، وقد ختمت به الرسالة وجهل الناس أمر الدين، وانقطع عنهم الوحي من السماء لمدة طويلة هي خمسمائة عام، وذلك منذ رفع عيسى بن مريم عليه السلام فنسي الناس الصلة بالسماء، ونسوا الصلة بالله جل جلاله، وأقبلوا يتبعون خطوات الشيطان وما يزينه لهم من الشرك والفجور والفسوق، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بمهمة صعبة هي مثل مهمة نوح وقت رسالته؛ ولذلك فإن دعوته تقوم على أركان دعوة نوح والنبيين من قبله فيما بينه وبين نوح ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد، أبناء علات ).

ركنا الرسالات السماوية

بين الله ركنين لرسالة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[الشورى:13]، فالركن الأول: إقامة الدين لله جل جلاله، والركن الثاني: الاتحاد وعدم التفرقة بين المسلمين، بين الملتزمين بالدين.

وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم في وقت كانت البشرية فيه بحاجة ماسة إلى منقذ ومخرج لها من ويلات الجهل والطغيان والضلال، وما من أمة من الأمم إلا وهي تنتظر مبعثه، سواءً كانت على أثارة من علم سابق كاليهود والنصارى؛ فإنهم كانوا ينتظرون مبعثه، ويعلمون أنه قد حان وقته لما رأوه من فشو الضلال والابتعاد عن منهج الله، أو كانت على غير أثارة من علم؛ كالأديان غير السماوية فإن أهلها يعلمون أن هذا الواقع لا يمكن أن يقر، وأنه لا بد أن يغير؛ ولذلك فإن قس بن ساعدة الإيادي قال في خطبته بسوق عكاظ: (أيها الناس! من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، أقسم قس قسماً لا كاذباً فيه ولا حانثاً: أن لله ديناً هو خير من دينكم الذي أنتم عليه).

اختيار الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم

حضر النبي صلى الله عليه وسلم خطبة قس وسمع بعض كلامه، وتأثر به عدد من الذين حضروا سوق عكاظ، ولكنهم لم يروا حلاً فهم ينتظرون مبعث النبي؛ لأنهم يعلمون أن هذا الإنقاذ لا يمكن أن يكون أرضياً ولا اجتهاداً بشرياً، فهم ينتظرون الوحي من السماء، فاختار الله محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة الأمية، في قوم لا يحسبون ولا يكتبون، فبعثه في أم القرى، في قرية نائية، ولكنها وسط العالم، ومنطلق حضارته؛ ففيها أول بيت أخرج للناس.

وجاء محمد صلى الله عليه وسلم إلى قومه وهو وسط فيهم من ناحية النسب، وقد أكمل أربعين سنة؛ فتتام عقله وتمت سمعته وذكره بين الناس.

حجة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزته الخالدة

دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى منهج الله جل جلاله مؤيداً بما ظهر من المعجزات الباهرة الظاهرة، وأبلغها هذا القرآن، الذي به قامت الحجة على الثقلين - الإنس والجن - فقد تحداهم الله أن يأتوا بسورة من مثله، وعلم الله أنهم لن يأتوا بسورة من مثله، ولو تمالئوا على ذلك أجمعين، فأنزل الله عليه الوحي مشمولاً في هذين المتنين وهما: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكتاب الله: كلام الله بلفظه ومعناه، تحدى الله به الثقلين وتعبد الناس بتلاوته.

وقد أخصه الله بخصائص عن الكتب الأخرى منها ظاهرة النسخ المتكرر فيه، والإنساء والتأخير، وقد قال الله في ذلك: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا[البقرة:106]، وقال: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ[النحل:101].

وقد كانت الكتب السابقة تنزل دفعة واحدة، وتنسخ دفعة واحدة، كما قال الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا[الفرقان:32-33]، كما أن الكتب السابقة كان حفظها موكولاً إلى الأمم التي أنزلت فيها، وقد تولى الله حفظ هذا الكتاب بنفسه وتعهد به فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[الحجر:9]، وبين أن الأمم السابقة كانت مسئولة عن حفظ كتبها، فقال في ذكر التوراة: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ[المائدة:44].

تبيين سنة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن

السنة التي هي بيان للقرآن، تنقسم إلى ما كان موحىً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله أوحي إليه معناه، فأمر هو بالتعبير عنه فعبر عنه بلفظه هو، فليست من كلام الله، ولكنها كلام رسوله الله صلى الله عليه وسلم، وقد قذف في روعه معناه، فعبر عنه هو بلغته وبيانه، وإلى ما كان موحىً إليه من كلام الله جل جلاله بلفظه ومعناه، ولكنه غير متحدىً به، ولا معجز، وليس كذلك متعبداً بتلاوته، وهو الحديث القدسي الذي يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله جل جلاله؛ فهو وحي من عند الله بلفظه ومعناه، ولكنه غير معجز ولا متعبد بتلاوة لفظه؛ فكان ما أوتيه زيادة عن القرآن كالقرآن.

ختم الله الرسالة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وجهالة من الناس واقتراب من الساعة؛ فجاء بالحنيفية السمحة التي هي الدين عند الله جل جلاله، فكل ما سواها من الأديان إنما كان مؤقتاً يصلح لمدة محددة، فإذا تجاوزت البشرية ذلك الطور لم يعد ذلك الدين صالحاً للتطبيق المستمر فيها، بل إن من الديانات التي أرسل الله إلى أهل الأرض ما يكون مختصاً بأهل بلد أو بقبيلة أو بعرق مخصوص، ولا يصلح لتطبيق من سواهم؛ كالتشديد الذي نزل على بني إسرائيل فإن البشرية الأخرى لا تتحمله، وهم يتحملون الإصر لما فيه من الفساد المتجذر المتعمق، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله بهذا الدين الذي قال الله فيه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ[آل عمران:19]، فدعا إليه في وقت لا يجد فيه أعواناً، وقد ختمت به الرسالة وجهل الناس أمر الدين، وانقطع عنهم الوحي من السماء لمدة طويلة هي خمسمائة عام، وذلك منذ رفع عيسى بن مريم عليه السلام فنسي الناس الصلة بالسماء، ونسوا الصلة بالله جل جلاله، وأقبلوا يتبعون خطوات الشيطان وما يزينه لهم من الشرك والفجور والفسوق، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بمهمة صعبة هي مثل مهمة نوح وقت رسالته؛ ولذلك فإن دعوته تقوم على أركان دعوة نوح والنبيين من قبله فيما بينه وبين نوح ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد، أبناء علات ).

بين الله ركنين لرسالة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[الشورى:13]، فالركن الأول: إقامة الدين لله جل جلاله، والركن الثاني: الاتحاد وعدم التفرقة بين المسلمين، بين الملتزمين بالدين.

وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم في وقت كانت البشرية فيه بحاجة ماسة إلى منقذ ومخرج لها من ويلات الجهل والطغيان والضلال، وما من أمة من الأمم إلا وهي تنتظر مبعثه، سواءً كانت على أثارة من علم سابق كاليهود والنصارى؛ فإنهم كانوا ينتظرون مبعثه، ويعلمون أنه قد حان وقته لما رأوه من فشو الضلال والابتعاد عن منهج الله، أو كانت على غير أثارة من علم؛ كالأديان غير السماوية فإن أهلها يعلمون أن هذا الواقع لا يمكن أن يقر، وأنه لا بد أن يغير؛ ولذلك فإن قس بن ساعدة الإيادي قال في خطبته بسوق عكاظ: (أيها الناس! من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، أقسم قس قسماً لا كاذباً فيه ولا حانثاً: أن لله ديناً هو خير من دينكم الذي أنتم عليه).




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4779 استماع
بشائر النصر 4275 استماع
أسئلة عامة [2] 4118 استماع
المسؤولية في الإسلام 4042 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3981 استماع
نواقض الإيمان [2] 3937 استماع
اللغة العربية 3919 استماع
عداوة الشيطان 3919 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3892 استماع
القضاء في الإسلام 3882 استماع