التوبة إلى الله


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:110]، ويقول جل وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

معاشر المؤمنين: هذه آيات من فصل الخطاب، ومحكم الكتاب، ونداء ممن خلق الأرضين والسماوات رب الأرباب، لا إله إلا هو عليه التكلان وإليه المآب، رب غفور جبار قاهر قادر غني قوي ينادي عباده الضعفاء الفقراء الأذلاء المساكين بتودد الخطاب أن يدنوا إليه جل وعلا، لذا فلا غرابة أن يستعجب العبد ويتلذذ بترداده كل يوم وليلة سبع عشرة مرة الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] يقرؤها في الفاتحة الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] أبلغ وأقصى وأوسع معاني الرحمة بأصنافها وألوانها وأحوالها، رحمان بعباده، حتى العصاة يستر عليهم من رحمته، يسدل عليهم ستره، يعصونه بنعمه، ويعصونه بآلائه، فيمهلهم ولا يأخذهم ساعة المعصية، ثم يمن عليهم بتوبة فيعودون إليه أوابين منه برحمة، ثم يغفر ذنوبهم ويبدلها حسنات، رحمان رحيم.

عباد الله: إن هذه المعاني قد اجتهد الشيطان وأعوان الشيطان وشياطين الإنس والجن يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام:112] لإبعادها عن كل عبدٍ زل زلة أو أذنب ذنباً أو أسرف على نفسه أو ارتكب ما ارتكب، يحرص الشيطان وأعوانه أن يبعدوا عن العبد هذه المعاني حتى تنقلب الخطيئة على شؤم مقاييس النصارى ضربة لازم لا يزيلها توبة ولا يمحوها استغفار ولا تدفعها حسنة، ذلكم معتقد الضالين، النصارى الذين يرون أن خطيئة الأب آدم اندرجت على ذريته من بعده فلا يخلصهم منها إلا صلب المسيح ودم المسيح ولقمة المسيح، وما إلى ذلك من خزعبلات القول وهرطقات المنطق التي ليست في وحي ولا علم ولا حكمة ولا هدى مبين.

سبب نزول قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ)

معاشر المؤمنين: جاءت امرأة في المدينة إلى أحد الصحابة وكان رجلاً تماراً يبيع التمر، فلما نظر إليها أشغله جمالها، وملأت عليه فؤاده، وشغف بها حباً، فقالت: أعندك تمر أجود مما أرى؟ فقال: بلى، وقادها إلى مكان تظن أنه يذهب بها إلى موقع آخر ترى فيه أصنافاً أو أنواعاً من التمر، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن قادها إلى بيته، ولم تكن تعلم فأغلق دونها الباب فدنا منها، ولم يصب منها ما يوجب الحد وإقامته، وإنما كما يقول الشنقيطي رحمه الله في تفسيره: لعله كان بينه وبينها ما لا ينبغي أن يكون إلا بين رجل وامرأته من مس أو ضم وقبلة، ولكن سرعان ما ندم ولسعته سياط الموعظة وأنبته نفسه اللوامة واستيقظ ضمير فكره، فما كان منه إلا أن كف عن فعله، وفتح الباب وخرج هائماً في الطرقات يبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وجد الحبيب ووجد البر الرءوف الرحيم- بآبائنا هو وأمهاتنا صلى الله عليه وسلم- جاء إليه وأناخ بقدميه -اللتين تمطتا إلى تلك المعصية- في حماه الطاهر صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! إني أذنبت ذنباً، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، وما كهره وما زجره وما ضربه أو أغلق في وجهه آمال التوبة أو بشائر الرحمة أو بواكير الإنابة، وإنما سمع منه حيث قال: فعلت كيت وكيت وكيت، فأطرق النبي صلى الله عليه وسلم ملياً، فما لبث أن تغشاه الوحي، ولما سُرِّي عنه صلى الله عليه وسلم، قال: (أين الرجل؟ قال: هو أنا ذا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتلو قول الله جل وعلا -تلك الآية المدنية في السورة المكية في سورة هود- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] فقال الرجل: يا رسول الله! ألي هذا خاصة؟-) هل هذا الجواب وهذا الخطاب وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] (فقال صلى الله عليه وسلم: لا، بل لأمتي عامة)لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ على محمد وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: إننا نسوق هذه الآية وسبب نزولها ومقدماتها لنوجه الخطاب إلى أنفسنا وإلى فريق آخر، أما الخطاب لنا ولكم فهو يوم أن نرى عبداً مذنباً، فإن حاجة المريض أن تصف له العلاج لا أن تعاتبه وتشتمه وتقول له: لماذا أنت مريض؟ والله إن الذين في زنازين السجون يتمنون أن يكونوا من المهتدين المزاحمين بركبهم في حلق العلم بين يدي العلماء، والله إن مدمني المخدرات يتمنى الكثير منهم أن يكونوا من المهتدين السابقين إلى الصف الأول ورياض المساجد، ووالله إن كثيراً من العصاة ليلومون أنفسهم لوماً عظيماً، ولكن من ذا يأخذ بأيديهم إلى طريق الهداية؟

إذاً: ففي هذا دعوة أن نفتح صدورنا لإخواننا ولو كانوا مذنبين، شتان بين مذنب ذنبه على نفسه قاصر، وبين مذنب يتعدى بذنوبه لينشر الجريمة في أنحاء المجتمع.

المذنبون صنفان:

صنف يذنب ذنباً ويخاف خوفاً ويندم ندماً ويخشى فضيحةً ويخاف هتك ستر الله عليه، ثم هذا تراه أقرب ما يكون يوم أن تدعوه إلى حسنة تمحو خطيئته، وإلى صدقة تمحو زلته، وإلى عودة تفتح باب توبته.

ومذنب آخر محترف للذنوب، تاجر ينشر ويوزع وكيل معتمد، إليه تفد ألوان الذنوب ومنه تصدر، يوزعها لينشرها في أنحاء المجتمع وجنبات الأمة، فشتان بين هذا وهذا.

توبة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً

الأمر الآخر: يوم أن يجيء عبد من المذنبين طائعاً مختاراً مقبلاً راضياً غير مكره، فمن ذا يحول بينه وبين التوبة؟ أولسنا نعلم أن رجلاً قتل تسعة وتسعين نفساً كما في الحديث الصحيح؟! فلما جاء إلى راهب وشكا إليه ما قال له، قال: لا نرى ولا نجد ولا نعرف لك توبة بعد فعلك هذا، فما كان منه إلا أن أخرج تلك الشفرة وذلك الخنجر الذي حزه على تسعة وتسعين نفساً فأكمل به على رقبة الراهب تمام المائة، وخرج هائماً على وجهه، ثم قصد عالماً من العلماء -وفي القصة فرق بين الرهبان والعلماء- فلما جاء إليه وأخبره، قال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ وكأنما هو يلوح بالتهديد ليضيف رقم الواحد بعد المائة، فقال ذلك العالم: ومن ذا يغلق باب التوبة دونك؟ إن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، لا يغلق إلا يوم أن تطلع الشمس من مغربها، ولكن إن كنت تائباً مقبلاً، فالحق بأرض بني فلان فإن فيها قوماً يعبدون الله، فقبل الرجل النصيحة ووسعته الموعظة وعمته الهداية، وذهب إلى أرض بني فلان تائباً عائداً نادماً، فأدركته المنية قرب منتصف الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قالت ملائكة العذاب: عبد مذنب أسرف في القتل والذنوب، وقالت ملائكة الرحمة: عبد جاء طائعاً تائباً مختاراً، فكان بينهم ومِن أمرهم أن يقيسوا أي المسافتين إلى خطوه أقرب، فأوحى الله إلى أرض الرحمة أن تقاربي، وأوحى الله إلى أرض المعصية أن تباعدي، فكان من الذين أدركتهم رحمة الله.

لما جاء طائعاً مقبلاً مختاراً تائباً إلى الله، أوحى الله إلى الأرض بأن تزحف وتتزعزع، أوحى الله للأرض أن تجر أذيالها، تدنو من أجل عبد جاء تائباً مقبلاً مختاراً قاصداً وجه الله جل وعلا ورحمته التي وسعت كل شيء.

أفنظن يا معاشر العباد أن من أذنب ذنباً تضيق به رحمة الله؟ لا والله، إذاً فلا يترددن عبد في التوبة ولا يترددن عاصٍ بالإنابة، ولا يترددن خاطئ في الرجوع، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، وإن رحمة الله سبقت غضبه، وإن رحمة الله قريب من المحسنين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

معاشر المؤمنين: جاءت امرأة في المدينة إلى أحد الصحابة وكان رجلاً تماراً يبيع التمر، فلما نظر إليها أشغله جمالها، وملأت عليه فؤاده، وشغف بها حباً، فقالت: أعندك تمر أجود مما أرى؟ فقال: بلى، وقادها إلى مكان تظن أنه يذهب بها إلى موقع آخر ترى فيه أصنافاً أو أنواعاً من التمر، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن قادها إلى بيته، ولم تكن تعلم فأغلق دونها الباب فدنا منها، ولم يصب منها ما يوجب الحد وإقامته، وإنما كما يقول الشنقيطي رحمه الله في تفسيره: لعله كان بينه وبينها ما لا ينبغي أن يكون إلا بين رجل وامرأته من مس أو ضم وقبلة، ولكن سرعان ما ندم ولسعته سياط الموعظة وأنبته نفسه اللوامة واستيقظ ضمير فكره، فما كان منه إلا أن كف عن فعله، وفتح الباب وخرج هائماً في الطرقات يبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وجد الحبيب ووجد البر الرءوف الرحيم- بآبائنا هو وأمهاتنا صلى الله عليه وسلم- جاء إليه وأناخ بقدميه -اللتين تمطتا إلى تلك المعصية- في حماه الطاهر صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! إني أذنبت ذنباً، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، وما كهره وما زجره وما ضربه أو أغلق في وجهه آمال التوبة أو بشائر الرحمة أو بواكير الإنابة، وإنما سمع منه حيث قال: فعلت كيت وكيت وكيت، فأطرق النبي صلى الله عليه وسلم ملياً، فما لبث أن تغشاه الوحي، ولما سُرِّي عنه صلى الله عليه وسلم، قال: (أين الرجل؟ قال: هو أنا ذا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتلو قول الله جل وعلا -تلك الآية المدنية في السورة المكية في سورة هود- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] فقال الرجل: يا رسول الله! ألي هذا خاصة؟-) هل هذا الجواب وهذا الخطاب وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] (فقال صلى الله عليه وسلم: لا، بل لأمتي عامة)لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ على محمد وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: إننا نسوق هذه الآية وسبب نزولها ومقدماتها لنوجه الخطاب إلى أنفسنا وإلى فريق آخر، أما الخطاب لنا ولكم فهو يوم أن نرى عبداً مذنباً، فإن حاجة المريض أن تصف له العلاج لا أن تعاتبه وتشتمه وتقول له: لماذا أنت مريض؟ والله إن الذين في زنازين السجون يتمنون أن يكونوا من المهتدين المزاحمين بركبهم في حلق العلم بين يدي العلماء، والله إن مدمني المخدرات يتمنى الكثير منهم أن يكونوا من المهتدين السابقين إلى الصف الأول ورياض المساجد، ووالله إن كثيراً من العصاة ليلومون أنفسهم لوماً عظيماً، ولكن من ذا يأخذ بأيديهم إلى طريق الهداية؟

إذاً: ففي هذا دعوة أن نفتح صدورنا لإخواننا ولو كانوا مذنبين، شتان بين مذنب ذنبه على نفسه قاصر، وبين مذنب يتعدى بذنوبه لينشر الجريمة في أنحاء المجتمع.

المذنبون صنفان:

صنف يذنب ذنباً ويخاف خوفاً ويندم ندماً ويخشى فضيحةً ويخاف هتك ستر الله عليه، ثم هذا تراه أقرب ما يكون يوم أن تدعوه إلى حسنة تمحو خطيئته، وإلى صدقة تمحو زلته، وإلى عودة تفتح باب توبته.

ومذنب آخر محترف للذنوب، تاجر ينشر ويوزع وكيل معتمد، إليه تفد ألوان الذنوب ومنه تصدر، يوزعها لينشرها في أنحاء المجتمع وجنبات الأمة، فشتان بين هذا وهذا.

الأمر الآخر: يوم أن يجيء عبد من المذنبين طائعاً مختاراً مقبلاً راضياً غير مكره، فمن ذا يحول بينه وبين التوبة؟ أولسنا نعلم أن رجلاً قتل تسعة وتسعين نفساً كما في الحديث الصحيح؟! فلما جاء إلى راهب وشكا إليه ما قال له، قال: لا نرى ولا نجد ولا نعرف لك توبة بعد فعلك هذا، فما كان منه إلا أن أخرج تلك الشفرة وذلك الخنجر الذي حزه على تسعة وتسعين نفساً فأكمل به على رقبة الراهب تمام المائة، وخرج هائماً على وجهه، ثم قصد عالماً من العلماء -وفي القصة فرق بين الرهبان والعلماء- فلما جاء إليه وأخبره، قال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ وكأنما هو يلوح بالتهديد ليضيف رقم الواحد بعد المائة، فقال ذلك العالم: ومن ذا يغلق باب التوبة دونك؟ إن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، لا يغلق إلا يوم أن تطلع الشمس من مغربها، ولكن إن كنت تائباً مقبلاً، فالحق بأرض بني فلان فإن فيها قوماً يعبدون الله، فقبل الرجل النصيحة ووسعته الموعظة وعمته الهداية، وذهب إلى أرض بني فلان تائباً عائداً نادماً، فأدركته المنية قرب منتصف الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قالت ملائكة العذاب: عبد مذنب أسرف في القتل والذنوب، وقالت ملائكة الرحمة: عبد جاء طائعاً تائباً مختاراً، فكان بينهم ومِن أمرهم أن يقيسوا أي المسافتين إلى خطوه أقرب، فأوحى الله إلى أرض الرحمة أن تقاربي، وأوحى الله إلى أرض المعصية أن تباعدي، فكان من الذين أدركتهم رحمة الله.

لما جاء طائعاً مقبلاً مختاراً تائباً إلى الله، أوحى الله إلى الأرض بأن تزحف وتتزعزع، أوحى الله للأرض أن تجر أذيالها، تدنو من أجل عبد جاء تائباً مقبلاً مختاراً قاصداً وجه الله جل وعلا ورحمته التي وسعت كل شيء.

أفنظن يا معاشر العباد أن من أذنب ذنباً تضيق به رحمة الله؟ لا والله، إذاً فلا يترددن عبد في التوبة ولا يترددن عاصٍ بالإنابة، ولا يترددن خاطئ في الرجوع، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، وإن رحمة الله سبقت غضبه، وإن رحمة الله قريب من المحسنين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع