هشيم الصحافة الكويتية


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

هذا هو الدرس الخمسون والأخير من سلسلة الدروس العلمية العامة لهذه الفترة، ينعقد في هذه الليلة ليلة الإثنين العاشر من جمادى الآخرة لعام ألف وأربعمائة واثنتي عشرة للهجرة.

وأتمثل بين يدي وأنا أتحدث إليكم في هذا الموضوع ما رواه الترمذي في سنـنه وحسنه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة} وأسأل الله جل وعلا أن أكون وإياكم من الذابين عن أعراض إخواننا المؤمنين بما نستطيع وأقل ما نستطيعه هو سلاح الكلمة.

الكلمة -أيها الأحبة- أمانة في عنق المتحدث سواءً أكان هذا المتحدث خطيباً يعتلي أعواد المنابر، أم كان متحدثاً، أم كان كاتباً، أم صحفياً، أم غير ذلك. وهي أمانة عظمى إذ أن الكلمة هي أول كل شيء، فالجنة تدخل بكلمة: لا إله إلا الله. وكلمة الكفر التي هي: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم:26] هي التي تهوي بصاحبها إلى نار جهنم وبئس القرار، والحرب تبدأ بكلمة والصلح يبدأ بكلمة.

وإن النار بالعودين تذكى     وإن الحرب مبدؤها كلام

والإنسان المؤتمن على هذه الكلمة خطيباً كان، أو إعلامياً، أو صحفياً، أو شاعراً، أو كاتباً، أو قصاصاً ينبغي أن يتمثل أفضل الصفات وأنبلها، ويفترض أن يكون موجهاً، ومرشداً، وداعياً، ومعلماً قبل أن يكون مالكاً فقط لزمام الكلمة بجودة الحديث، ينبغي أن يكون على مستوى التوجيه الذي يحمله للمجتمع، فلا يتسلم هذا المنصب إلا أنبل الناس، وأفضل الناس، وأقدر الناس على التفكير، وأصدق الناس، وأصلح الناس.

النقد البناء

فالنقد البناء -أيها الإخوة- ضرورة للفرد، والمجتمع، والجماعة، والأمة، ومن قبل تحدثت في درس بعنوان: لماذا نخاف من النقد؟!

فلسنا نريد أن يمارس الإنسان -صحفياً، أو خطيباً، أو متحدثاً- لسنا نريد منه أن يمارس فقط دور الإعلام الرسمي الذي تنتهي مهمته عند حد التطبيل الفارغ، ومدح المنجزات الوهمية، وطمس الحقائق وحجبها عن الأمة، بل نحن نريد أن يمارس دوره في النقد البناء، لكن وفق الضوابط والأصول الشرعية البعيدة عن التشنج، والتجريح، والسباب، والشتائم، وغير ذلك والتي تجعل مصلحة الأمة العليا نصب عينيها فيما تقوم به من نقد بناء هادف.

وإن من النقد: نقد المجتمع بكل مؤسساته، بدءاً من المؤسسات العليا الحاكمة المتنفذة، ومروراً بالمؤسسات الحكومية والشعبية، وانتهاءً بالمواطن العادي، فالمواطن يحتاج إلى من يوجهه ويرشده، كما يحتاج إلى من يدافع عن حقوقه المعيشية والإنسانية، ويحتاج إلى من ينتزع له لقمة الخبز من أفواه اللصوص الكبار الذين لا تطالهم يد القانون في كثير من الأحيان، بل ربما كانوا أحياناً هم القانون نفسه، أولئك الذين يجري في عروقهم الدم المقدس في زعمهم!! والذين استعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهامتهم أحراراً!!

أيها الأحبة: إن الصحافة تفقد مصداقيتها حين تكون صحافة مجاملة، همها التربيت على أكتاف الحكام، والتصفيق للمعتدين على أعراض الناس، وحرياتهم، وممتلكاتهم، وحقوقهم، فالصحافة هي نَفَس الإنسان، ويفترض أن تكون تعبيراً حقيقياً عن مشاكله، وهمومه، وطموحاته، وآماله، وآلامه، وتطلعاته أما أن تمارس الصحافة دورها بشكل مقلوب، فهذه هي النكسة العظمى، والإجحاف الكبير بحق الأمة، وهذا هو التنكر للرسالة التي كان يجب على الصحافة أن تحملها.

إننا ننتظر من الصحافة بجميع مؤسساتها أن تكون مدافعاً شجاعاً عن مصالح المجتمع، وأن تكون منبراً حراً لصوت الحق، وأن تكون أداة فعالة لبناء الأمة، بناءً عقائدياً يحفظ للأمة استقلالها في وجه عواصف التغيير، ويمنحها الثقة بذاتها، وتأريخها، ومستقبلها، وشخصيتها المستقلة، وفي الوقت نفسه ننتظر من الصحافة أن تكون مجالاً صالحاً للنقد البناء الهادف النـزيه مهما يكن هذا النقد مراً على النفوس، فهذا هو العهد المأخوذ على خير القرون كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: فيما أخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: [[وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم]].

الشخصية الإسلامية

أيها الإخوة: إنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق، أن يتكلم هؤلاء المتربعون على عرش الصحافة عن الانتهاكات التي لا تنتهي لعقائد الناس، والتي أصبحت تؤرق المسلم، وتقلقه، وتجعله يعيش في عناء كبير، حتى وهو في بلده وبين أهله وعشيرته، لقد أصبح الكثير من الناس يعتقدون أن الكافر يهودياً كان أو نصرانياً أقرب إليهم وشيجة، ولحمه من أخيهم المسلم، وأن الأجنبي أقرب إليهم من أخيهم في النسب والعرق.

فأين حمية الإسلام إذاً؟!

وإذا لم تكن حمية الإسلام، فأين نخوة العروبة التي كان أبو جهل، وأبو لهب ينتخون بها ويتنادون إليها؟!

أين الموقف الناضج من ذوبان الشخصية الإسلامية في شخصية المستعمر؟

سواء كان هذا المستعمر أمريكياً، أم بريطانياً، حتى أصبحنا نجد المواطن العادي في أكثر من بلد قد يسمى ولده -كما سمعتم وقرأتم- بجورج بوش عبد الله! والآخر يلبس قلادة عليها صورة تاتشر! والثالث يقدم مشروعاً رسمياً لتسمية أحد الشوارع الرئيسية بـتاتشر أيضاً!!

ثم يشترط أحد الحضور أن يكون هذا الشارع -على حد تعبيره-: "سنع وزين"، لابد أن يكون شارعاً يليق بمستواها! وآخر أو أخرى تتكلم في التلفاز بلسان عربي غير مبين، وتفتخر بأن عشيقها أمريكي وهي بنت خمسة عشر عاماً! وفي ذات الوقت نجد بعض المقالات في صحف تكتب بالأحرف العربية، تنادي بإعادة النظر في العداوة مع إسرائيل؛ لأن إسرائيل وقفت معنا في حرب الخليج موقفاً لا بأس به، كما تقول تلك المقالة.

وهل إذا وقفت معنا إسرائيل، أو وقفت معنا تاتشر، أو وقفت معنا أي قوة أخرى في الدنيا في حرب سابقة أو في حرب لاحقة؟

هل فعلت ذلك من أجل سواد عيوننا؟!

هل فعلت ذلك كما يراد لنا أن نفهم مناصرةً لقضايا العدل، والسلام، ورعاية لأخلاقيات وحقوق الإنسان؟!

هل لهذه المصطلحات والكلمات وجود في قاموس السياسة المعاصرة؟!

هل نحن نضحك على أنفسنا؟!

كلا، إنهم وقفوا معنا من أجل مصالحهم، ومن أجل حفظ اقتصادهم، ومن أجل ضمان هذا العرق النابض في بلادهم، وقفوا وقفة من أجل أنفسهم لا من أجلنا، ويجب أن ندرك ذلك حق الإدراك، فهم لا يعنيهم من يحكم المسلمين، بقدر ما يعنيهم أن يكون الذي يحكمهم يضمن لهم مصالحهم، وأن تصل إليهم دون أي تأخير أو تعكير.

مشكلة تردي المفاهيم والتصورات

وفي الوقت نفسه الذي أصبحنا فيه نحرص على إقامة الروابط والعلاقات مع العدو الكافر يهودياً كان أم نصرانياً، ومهما يكن لونه، أصبحنا نمزق الروابط والعلاقات مع أصدقائنا، وأشقائنا، وإخواننا، وجيراننا، ونتنكر لهم، وقد ندعو إلى مقاطعتهم، أو حربهم، أو سوء الظن بهم، فأي تردٍ في المفاهيم والتصورات أعظم من هذا؟!

لقد تنكرنا أو تنكر بعضنا للمجاهدين الأفغان، فأصبحنا نقرأ في تلك الصحافة: أن المجاهدين الأفغان ليسوا سوى عملاء لـأمريكا وأنهم يحاربون عملاء روسيا، فالحرب في أفغانستان هي حرب بين أمريكا وروسيا بالوكالة، حرب بين عملاء أمريكا وعملاء روسيا، وأنها أسلحة أمريكية في وجه أسلحة روسية.

أصبحنا نتنكر للجماعات الإسلامية في كل بلد إسلامي، ونرميها بكل البذاءات، وكل الألفاظ الشنيعة، وأقل ما يمكن أن نقول لهم: إنهم وقفوا مع صدام حسين، ومع غزو العراق للكويت، وأنهم انتهازيون، وأنهم ذوو أهداف مادية سياسية، وأنهم لا يعنيهم أمر الإسلام إنما الإسلام بالنسبة لهم هو مجرد حصالة نقود، أو مجرد ثوب يلبسونه صباحاً يخلعونه مساءً.

أصبحنا نطلق هذه العبارات على كل الجماعات الإسلامية، وعلى كل من يرفعون راية الدعوة إلى الإسلام في كل بلد، وهذا والله من الظلم الكبير.

تنكرنا لعلماء الدين، فأصبحنا نصفهم بكل نقيصة، نصفهم بالجهل، بالتخلف، بالتطرف، بالعنف، نصفهم بكل الألفاظ البذيئة التي نحفظها في قاموسنا.

وأخيراً: تنكرنا لشباب البلاد أنفسهم، فأصبحنا نصب عليهم جام غضبنا، ومرير حقدنا، ونستخدم ألفاظ البذاءة، والسباب، والشتائم لنسود بها صفحات جرائدنا، ومجلاتنا، وصحفنا، في محاولة إلهاب السياط في ظهور هؤلاء الأبرياء.

أي تردٍّ في المفاهيم والتصورات أعظم من هذا؟!

فالنقد البناء -أيها الإخوة- ضرورة للفرد، والمجتمع، والجماعة، والأمة، ومن قبل تحدثت في درس بعنوان: لماذا نخاف من النقد؟!

فلسنا نريد أن يمارس الإنسان -صحفياً، أو خطيباً، أو متحدثاً- لسنا نريد منه أن يمارس فقط دور الإعلام الرسمي الذي تنتهي مهمته عند حد التطبيل الفارغ، ومدح المنجزات الوهمية، وطمس الحقائق وحجبها عن الأمة، بل نحن نريد أن يمارس دوره في النقد البناء، لكن وفق الضوابط والأصول الشرعية البعيدة عن التشنج، والتجريح، والسباب، والشتائم، وغير ذلك والتي تجعل مصلحة الأمة العليا نصب عينيها فيما تقوم به من نقد بناء هادف.

وإن من النقد: نقد المجتمع بكل مؤسساته، بدءاً من المؤسسات العليا الحاكمة المتنفذة، ومروراً بالمؤسسات الحكومية والشعبية، وانتهاءً بالمواطن العادي، فالمواطن يحتاج إلى من يوجهه ويرشده، كما يحتاج إلى من يدافع عن حقوقه المعيشية والإنسانية، ويحتاج إلى من ينتزع له لقمة الخبز من أفواه اللصوص الكبار الذين لا تطالهم يد القانون في كثير من الأحيان، بل ربما كانوا أحياناً هم القانون نفسه، أولئك الذين يجري في عروقهم الدم المقدس في زعمهم!! والذين استعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهامتهم أحراراً!!

أيها الأحبة: إن الصحافة تفقد مصداقيتها حين تكون صحافة مجاملة، همها التربيت على أكتاف الحكام، والتصفيق للمعتدين على أعراض الناس، وحرياتهم، وممتلكاتهم، وحقوقهم، فالصحافة هي نَفَس الإنسان، ويفترض أن تكون تعبيراً حقيقياً عن مشاكله، وهمومه، وطموحاته، وآماله، وآلامه، وتطلعاته أما أن تمارس الصحافة دورها بشكل مقلوب، فهذه هي النكسة العظمى، والإجحاف الكبير بحق الأمة، وهذا هو التنكر للرسالة التي كان يجب على الصحافة أن تحملها.

إننا ننتظر من الصحافة بجميع مؤسساتها أن تكون مدافعاً شجاعاً عن مصالح المجتمع، وأن تكون منبراً حراً لصوت الحق، وأن تكون أداة فعالة لبناء الأمة، بناءً عقائدياً يحفظ للأمة استقلالها في وجه عواصف التغيير، ويمنحها الثقة بذاتها، وتأريخها، ومستقبلها، وشخصيتها المستقلة، وفي الوقت نفسه ننتظر من الصحافة أن تكون مجالاً صالحاً للنقد البناء الهادف النـزيه مهما يكن هذا النقد مراً على النفوس، فهذا هو العهد المأخوذ على خير القرون كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: فيما أخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: [[وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم]].

أيها الإخوة: إنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق، أن يتكلم هؤلاء المتربعون على عرش الصحافة عن الانتهاكات التي لا تنتهي لعقائد الناس، والتي أصبحت تؤرق المسلم، وتقلقه، وتجعله يعيش في عناء كبير، حتى وهو في بلده وبين أهله وعشيرته، لقد أصبح الكثير من الناس يعتقدون أن الكافر يهودياً كان أو نصرانياً أقرب إليهم وشيجة، ولحمه من أخيهم المسلم، وأن الأجنبي أقرب إليهم من أخيهم في النسب والعرق.

فأين حمية الإسلام إذاً؟!

وإذا لم تكن حمية الإسلام، فأين نخوة العروبة التي كان أبو جهل، وأبو لهب ينتخون بها ويتنادون إليها؟!

أين الموقف الناضج من ذوبان الشخصية الإسلامية في شخصية المستعمر؟

سواء كان هذا المستعمر أمريكياً، أم بريطانياً، حتى أصبحنا نجد المواطن العادي في أكثر من بلد قد يسمى ولده -كما سمعتم وقرأتم- بجورج بوش عبد الله! والآخر يلبس قلادة عليها صورة تاتشر! والثالث يقدم مشروعاً رسمياً لتسمية أحد الشوارع الرئيسية بـتاتشر أيضاً!!

ثم يشترط أحد الحضور أن يكون هذا الشارع -على حد تعبيره-: "سنع وزين"، لابد أن يكون شارعاً يليق بمستواها! وآخر أو أخرى تتكلم في التلفاز بلسان عربي غير مبين، وتفتخر بأن عشيقها أمريكي وهي بنت خمسة عشر عاماً! وفي ذات الوقت نجد بعض المقالات في صحف تكتب بالأحرف العربية، تنادي بإعادة النظر في العداوة مع إسرائيل؛ لأن إسرائيل وقفت معنا في حرب الخليج موقفاً لا بأس به، كما تقول تلك المقالة.

وهل إذا وقفت معنا إسرائيل، أو وقفت معنا تاتشر، أو وقفت معنا أي قوة أخرى في الدنيا في حرب سابقة أو في حرب لاحقة؟

هل فعلت ذلك من أجل سواد عيوننا؟!

هل فعلت ذلك كما يراد لنا أن نفهم مناصرةً لقضايا العدل، والسلام، ورعاية لأخلاقيات وحقوق الإنسان؟!

هل لهذه المصطلحات والكلمات وجود في قاموس السياسة المعاصرة؟!

هل نحن نضحك على أنفسنا؟!

كلا، إنهم وقفوا معنا من أجل مصالحهم، ومن أجل حفظ اقتصادهم، ومن أجل ضمان هذا العرق النابض في بلادهم، وقفوا وقفة من أجل أنفسهم لا من أجلنا، ويجب أن ندرك ذلك حق الإدراك، فهم لا يعنيهم من يحكم المسلمين، بقدر ما يعنيهم أن يكون الذي يحكمهم يضمن لهم مصالحهم، وأن تصل إليهم دون أي تأخير أو تعكير.

وفي الوقت نفسه الذي أصبحنا فيه نحرص على إقامة الروابط والعلاقات مع العدو الكافر يهودياً كان أم نصرانياً، ومهما يكن لونه، أصبحنا نمزق الروابط والعلاقات مع أصدقائنا، وأشقائنا، وإخواننا، وجيراننا، ونتنكر لهم، وقد ندعو إلى مقاطعتهم، أو حربهم، أو سوء الظن بهم، فأي تردٍ في المفاهيم والتصورات أعظم من هذا؟!

لقد تنكرنا أو تنكر بعضنا للمجاهدين الأفغان، فأصبحنا نقرأ في تلك الصحافة: أن المجاهدين الأفغان ليسوا سوى عملاء لـأمريكا وأنهم يحاربون عملاء روسيا، فالحرب في أفغانستان هي حرب بين أمريكا وروسيا بالوكالة، حرب بين عملاء أمريكا وعملاء روسيا، وأنها أسلحة أمريكية في وجه أسلحة روسية.

أصبحنا نتنكر للجماعات الإسلامية في كل بلد إسلامي، ونرميها بكل البذاءات، وكل الألفاظ الشنيعة، وأقل ما يمكن أن نقول لهم: إنهم وقفوا مع صدام حسين، ومع غزو العراق للكويت، وأنهم انتهازيون، وأنهم ذوو أهداف مادية سياسية، وأنهم لا يعنيهم أمر الإسلام إنما الإسلام بالنسبة لهم هو مجرد حصالة نقود، أو مجرد ثوب يلبسونه صباحاً يخلعونه مساءً.

أصبحنا نطلق هذه العبارات على كل الجماعات الإسلامية، وعلى كل من يرفعون راية الدعوة إلى الإسلام في كل بلد، وهذا والله من الظلم الكبير.

تنكرنا لعلماء الدين، فأصبحنا نصفهم بكل نقيصة، نصفهم بالجهل، بالتخلف، بالتطرف، بالعنف، نصفهم بكل الألفاظ البذيئة التي نحفظها في قاموسنا.

وأخيراً: تنكرنا لشباب البلاد أنفسهم، فأصبحنا نصب عليهم جام غضبنا، ومرير حقدنا، ونستخدم ألفاظ البذاءة، والسباب، والشتائم لنسود بها صفحات جرائدنا، ومجلاتنا، وصحفنا، في محاولة إلهاب السياط في ظهور هؤلاء الأبرياء.

أي تردٍّ في المفاهيم والتصورات أعظم من هذا؟!

لقد أصبح المثقف الآن يقول: انتهى عهد العنتريات العربية، وجاء عهد التفكير المنطقي الواقعي البعيد عن التشنج، جاء عهد النظرة المعتدلة التي لا تنظر إلى العالم من منطلق العداء للعالم كله، إنما من منطلق المصالح المتبادلة، وحين تدخل إلى التفاصيل تجد أحدهم يقول تفسيراً للكلام السابق: إنه قد آمن بـالإمبريالية، وآمن بالاستعمار، فهم الضمادة التي تلتف حول جروحنا، وعملهم هو ترسيخ لمبادئ الحرية، والكرامة، والإنسانية. ماذا لو طولب بمحاكمة مثل هؤلاء الناس بتهمة الولاء للاستعمار؟!

الانحراف في حب الاستعمار

الاستعمار الذي يعلم الله أننا كنا بالأمس نقرأ في كتب التاريخ أن هناك أناساً كانوا أعواناً للاستعمار في بلاد المشرق العربي الإسلامي، وفي بلاد الشام وغيرها، فنتعجب!! ونقول: هل بلغ التردي بمسلم أن يكون حليفاً للاستعمار ضد أبناء دينه وبلده؟!

وإذا بنا اليوم نقرأ في صحف توزع في مكتباتنا، وبقالاتنا، وأسواقنا، وتدخل إلى بيوتنا عمّن يتغنى بأمجاد الاستعمار، ويقول: إن الاستعمار هو الضمادة التي تلتف حول جروحنا، وهو الذي يعمل على ترسيخ مبادئ الحرية، والكرامة الإنسانية. إنها هزيمة كبرى في ظل هيمنة أمريكا والغرب، وفي ظل تفوق إسرائيل، وخيانة للأمة وتأريخها ومستقبلها أن يوجد بيننا من يقول: ما المانع من إقامة قواعد عسكرية لهم في بلادنا؟!

فنحن بحاجة إليهم ليدافعوا عنا كما نحن بحاجة إلى صناعتهم وتعميرهم لبلادنا المخربة.

إنها كارثة والله أن تذوب حواجز العقيدة مع هؤلاء، لتقوم بدلها حواجز مع بني جلدتنا، وأولاد أسرنا لمجرد أنهم كانوا متحمسين للإسلام أكثر منا. وإنها لكارثة أكبر أن تصبح بديهيات الدين مجالاً للأخذ والرد، والجدال، فالبراءة من المشركين اليوم لا وجود لها في قاموس طائفة ممن يتسنمون على عرش الصحافة، فقد ضاعت عندهم الأوراق، واختلطت الحدود، وضاعت المفاهيم فأصبح الكافر المشرك صديقاً ودوداً حبيباً لماذا؟!

لأنه وقف معهم فيما يزعمون ويدعون، وأصبح الصديق المؤمن عدواً؛ لأنه في نظرهم يقاوم طغيان الغرب، أو طغيان الشرق.

الهجوم على الجماعات الإسلامية

كما أصبح كثيرون يشكون -مثلاً- في قضية العقوبات الإلهية التي ينـزلها الله تعالى بمن يخالفون أمره، وأصبحنا نجد حملة ضارية شرسة في عدد من الصحف على مجموعة من الدعاة لمجرد أنهم قالوا: إن ما نـزل من البلاء والمصيبة كان بسبب ذنوبنا ومعاصينا، وهل هذا الأمر يحتاج إلى إثبات بعد أن قال الله تعالى لصفوة البشر بعد الرسل والأنبياء لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أصابهم ما أصابهم، قال الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]؟!

فكيف نعتقد الآن أننا بمنجاة من عقوبة الله تعالى؟!

لقد وقف كثيرون ضد من فسروا الحدث بأنه عقاب، وقالوا: يجب عليكم إذاً أن تعتقدوا أن الحرب ضد عدوان العراق كانت حراماً، وأن هؤلاء الذين احتلوا بلاد الكويت كانوا جنود الله، ثم قال أحدهم: فلماذا وقفتم ضد الاحتلال؟

ولماذا طالبتم بالجهاد أنتم والجماعات الدينية الأخرى؟

وهاهنا يطول عجبي! فإنهم قبل قليل كانوا يتهمون الجماعات الدينية -كما يسمونها-، ويتهمون الدعاة إلى الله تعالى، بأنهم وقفوا مع العراق ضد الكويت، وأيدوا احتلال الكويت فإذا بهم ينقلبون في موقف من المواقف، ويقولون: إذاً فلماذا وقفتم ضد الاحتلال، وطالبتم بالجهاد أنتم والجماعات الدينية؟

فيعترفون بأن الجماعات الدينية -كما يسمونها- وأن الدعاة إلى الله تعالى قد وقفوا ضد الاحتلال وقاوموه، وطالبوا بالجهاد لكن هذا الاعتراف لا يدوم إنما يقولونه فقط عند الحاجة، ثم يقلبون ظهر المجن ليقولوا لهم كلاماً آخر إذا احتاجوا إليه.

وأحدهم كتب مقالاً عنوانه: (البطريركية والقساوسة الجدد)، صب فيه جام غضبه على مجموعة من الدعاة؛ لأنهم دعوا الناس إلى تقوى الله تعالى، وخوفوهم عقابه، وقالوا لهم: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] وقال: كلا، ليس ما أصابنا بما كسبت أيدينا، ولكن مصيبة الكويت سببها كثرة الجماعات الدينية التي جعلت الإسلام حصالة نقود، وكلما طالت ذقونهم، وقصرت (دشاديشهم) -هذه عبارته- صغرت عقولهم، وعندما ظهروا على الساحة انحبس المطر، وجف الضرع، ومات الزرع، وكثرت المصائب، ومزقت الأوراق، وقطعت الأرحام، وارتفعت حالات الطلاق، وقل الزواج، وكثر السفر إلى بانكوك، وكثرت مصائب الله تعالى بها عليم.

إنها لمصيبة أن تنسينا المنافسة غير الشريفة مبادئ العدل التي نتغنى بها، والذي به قامت السماوات والأرض، فنستغل هذا المنبر الشريف -الصحافة- لأفكار وأقوال وآراء غير شريفة، وعبارات غير نظيفة نلصقها بأولئك الذين لا نحبهم.

الانحراف في مقاومة الفساد الأخلاقي

وبغض النظر عن تأثير الفساد الأخلاقي والاجتماعي فيما يجري ويقع على الأمم والشعوب، وهذه قضية دينية مسلمة مقررة، ولا يلزم منها أن يكون المصاب أكثر خطأً، وأكثر فساداً من غيره لكن الله تعالى يبتلي بحكمته كما يشاء، دون أن يكون هذا دليلاً على أن الآخرين الذين هم بمنجاة من هذا العقاب أنهم أفضل من المبتلين بغض النظر عن هذا وذاك.

فيا ليت هؤلاء الذين سخَّروا أقلامهم للانتقاد وانتقاد الأخيار، والسخرية بهم، ليتهم صبوا جهودهم في مقاومة الفساد الذي تنشره وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، والتي تعرض صوراً يشيب منها الرأس، ففي إحدى المرات تعرض صورة رجل لبناني يحمل معه ولداً جميلاً، فيقول بكل تبجح: إنه يحمل هذا الولد حتى يصطاد به الفتيات الكويتيات، لأنه ولد جميل، ويتحدث القادمون من هناك عن ممارسات وإن كنا نرجو أن تكون محدودة، إلا أنها قد تقع أحياناً أمام سمع وبصر المارة يقشعر منها الجلد، ولو علم بها رجل الجاهلية الأول لأنكرها وانتفض من ذلك في قبره.

بل الغريب أن هناك محاولات أخرى لتطبيعها واعتبارها أمراً عادياً، فلا تستغرب أن يكتب أحدهم في جريدة صوت الكويت يقول: إنه قد رأى في بريطانيا شاباً وفتاة غارقين في بحر من القبل لمدة نصف ساعة أو أكثر دون مضايقة من أحد، وبعيداً عن أعين ونظر الركاب الإنجليز، وهذا أمر عادي جداً ولا غبار عليه، ومع ذلك يقول: الجو هناك هادئ، وبديع -في لندن طبعاً- والأمطار هادئة، والأسواق ممتلئة بالخيرات، والشعب يتمتع بالرخاء، وإمكانية أن تُجتاح بريطانيا من قبل إحدى الدول المجاورة أمر غير وارد، ويطالب بأن يكون هذا المنظر الذي شاهده في بريطانيا أن يكون موجوداً في الكويت، وألا يكون عليه أي اعتراض، ويتساءل متى يأتي اليوم الذي يحصل فيه مثل هذا في أرض الكويت؟!

فالقضية محاولة جلب التعاسة الغربية إلى بلاد الإسلام، وليست هذه مختفية في حيز ضيق أو زاوية، وإنما هي ممارسة علنية تكتب على صفحات الجرائد والمجلات، وأكثر من ذلك أنها تشترى بأموالنا.

رسالة الصحفي الحقيقية

إنه مما يوصل هؤلاء الصحفيين إلى رضوان الله لو أرادوه، ويؤهلهم، ويوصلهم أيضاً إلى قلوب الناس أن يظهروا مزيداً من الاهتمام بالمعاناة اليومية التي يعيشها الإنسان بعد فترة من التدمير، وفقدان الحاجات الضرورية، ووجود صعوبات جمة في الدراسة، والتوظيف، والمعيشة والنقل وغير ذلك. إننا نحتاج إلى من يدافع عن عقائد الناس، كما نحتاج إلى من يدافع عن أخلاقهم، ونحتاج إلى من يدافع عن حاجاتهم اليومية، وأقواتهم، وهمومهم الضرورية.

وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المعاني الثلاثة وغيرها في حديث ابن مسعود المتفق عليه لما قال: {يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك } فهذا يتكلم عن قضية العقيدة، وأن من أهم القضايا التي يحملها كل مسلم ضرورة تصحيح العقيدة من خلال المنبر الذي يملكه، ويتكلم عن ضرورة الحفاظ على أخلاقيات المجتمع، ووجود قدر من الأمن الأخلاقي، والأمن الاجتماعي في كل مجتمع تظلله راية الإسلام. ويتكلم عن قضية الحاجات الضرورية للناس، وضرورة الحفاظ على حياة الناس، وعلى أقواتهم، وعلى ضروراتهم.

الاستعمار الذي يعلم الله أننا كنا بالأمس نقرأ في كتب التاريخ أن هناك أناساً كانوا أعواناً للاستعمار في بلاد المشرق العربي الإسلامي، وفي بلاد الشام وغيرها، فنتعجب!! ونقول: هل بلغ التردي بمسلم أن يكون حليفاً للاستعمار ضد أبناء دينه وبلده؟!

وإذا بنا اليوم نقرأ في صحف توزع في مكتباتنا، وبقالاتنا، وأسواقنا، وتدخل إلى بيوتنا عمّن يتغنى بأمجاد الاستعمار، ويقول: إن الاستعمار هو الضمادة التي تلتف حول جروحنا، وهو الذي يعمل على ترسيخ مبادئ الحرية، والكرامة الإنسانية. إنها هزيمة كبرى في ظل هيمنة أمريكا والغرب، وفي ظل تفوق إسرائيل، وخيانة للأمة وتأريخها ومستقبلها أن يوجد بيننا من يقول: ما المانع من إقامة قواعد عسكرية لهم في بلادنا؟!

فنحن بحاجة إليهم ليدافعوا عنا كما نحن بحاجة إلى صناعتهم وتعميرهم لبلادنا المخربة.

إنها كارثة والله أن تذوب حواجز العقيدة مع هؤلاء، لتقوم بدلها حواجز مع بني جلدتنا، وأولاد أسرنا لمجرد أنهم كانوا متحمسين للإسلام أكثر منا. وإنها لكارثة أكبر أن تصبح بديهيات الدين مجالاً للأخذ والرد، والجدال، فالبراءة من المشركين اليوم لا وجود لها في قاموس طائفة ممن يتسنمون على عرش الصحافة، فقد ضاعت عندهم الأوراق، واختلطت الحدود، وضاعت المفاهيم فأصبح الكافر المشرك صديقاً ودوداً حبيباً لماذا؟!

لأنه وقف معهم فيما يزعمون ويدعون، وأصبح الصديق المؤمن عدواً؛ لأنه في نظرهم يقاوم طغيان الغرب، أو طغيان الشرق.

كما أصبح كثيرون يشكون -مثلاً- في قضية العقوبات الإلهية التي ينـزلها الله تعالى بمن يخالفون أمره، وأصبحنا نجد حملة ضارية شرسة في عدد من الصحف على مجموعة من الدعاة لمجرد أنهم قالوا: إن ما نـزل من البلاء والمصيبة كان بسبب ذنوبنا ومعاصينا، وهل هذا الأمر يحتاج إلى إثبات بعد أن قال الله تعالى لصفوة البشر بعد الرسل والأنبياء لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أصابهم ما أصابهم، قال الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]؟!

فكيف نعتقد الآن أننا بمنجاة من عقوبة الله تعالى؟!

لقد وقف كثيرون ضد من فسروا الحدث بأنه عقاب، وقالوا: يجب عليكم إذاً أن تعتقدوا أن الحرب ضد عدوان العراق كانت حراماً، وأن هؤلاء الذين احتلوا بلاد الكويت كانوا جنود الله، ثم قال أحدهم: فلماذا وقفتم ضد الاحتلال؟

ولماذا طالبتم بالجهاد أنتم والجماعات الدينية الأخرى؟

وهاهنا يطول عجبي! فإنهم قبل قليل كانوا يتهمون الجماعات الدينية -كما يسمونها-، ويتهمون الدعاة إلى الله تعالى، بأنهم وقفوا مع العراق ضد الكويت، وأيدوا احتلال الكويت فإذا بهم ينقلبون في موقف من المواقف، ويقولون: إذاً فلماذا وقفتم ضد الاحتلال، وطالبتم بالجهاد أنتم والجماعات الدينية؟

فيعترفون بأن الجماعات الدينية -كما يسمونها- وأن الدعاة إلى الله تعالى قد وقفوا ضد الاحتلال وقاوموه، وطالبوا بالجهاد لكن هذا الاعتراف لا يدوم إنما يقولونه فقط عند الحاجة، ثم يقلبون ظهر المجن ليقولوا لهم كلاماً آخر إذا احتاجوا إليه.

وأحدهم كتب مقالاً عنوانه: (البطريركية والقساوسة الجدد)، صب فيه جام غضبه على مجموعة من الدعاة؛ لأنهم دعوا الناس إلى تقوى الله تعالى، وخوفوهم عقابه، وقالوا لهم: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] وقال: كلا، ليس ما أصابنا بما كسبت أيدينا، ولكن مصيبة الكويت سببها كثرة الجماعات الدينية التي جعلت الإسلام حصالة نقود، وكلما طالت ذقونهم، وقصرت (دشاديشهم) -هذه عبارته- صغرت عقولهم، وعندما ظهروا على الساحة انحبس المطر، وجف الضرع، ومات الزرع، وكثرت المصائب، ومزقت الأوراق، وقطعت الأرحام، وارتفعت حالات الطلاق، وقل الزواج، وكثر السفر إلى بانكوك، وكثرت مصائب الله تعالى بها عليم.

إنها لمصيبة أن تنسينا المنافسة غير الشريفة مبادئ العدل التي نتغنى بها، والذي به قامت السماوات والأرض، فنستغل هذا المنبر الشريف -الصحافة- لأفكار وأقوال وآراء غير شريفة، وعبارات غير نظيفة نلصقها بأولئك الذين لا نحبهم.