سلسلة الدار الآخرة الجنة وعباد الرحمن [2]


الحلقة مفرغة

أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبعد:

نعود مرة ثانية إلى ما كنا قد توقفنا عنده، ونحن اليوم بمشيئة الرحمن مع الحلقة التاسعة والعشرين، وهي الحلقة الثامنة في الجنة.

فاللهم اجعل الجنة مآلنا ومكاننا ومنزلنا يا رب العالمين! ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، لا تجعل لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، وإلا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا مسافراً إلا أرجعته غانماً سالماً لأهله.

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، اللهم زين الإيمان في قلوبنا.. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا يا رب الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً.

اللهم تب على العصاة والمذنبين، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون.. ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون.. ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

توقفنا في الحلقة الثامنة والعشرين عند الحديث عن أهل المعروف جعلنا الله وإياكم من أهل المعروف في الدنيا والآخرة.

اتفقنا من قبل أنك تستطيع بمقياس إن أعطيناه لك أن تعرف هل هذا المعروف الذي تصنعه خالص لله أم أنه ابتغاء الشهرة؟!

مثلاً: فلان من الناس صنعت له معروفاً عند إنسان وكررت معه المعروف، كأن وظفت ابنه، أو زوجت له ابنته، وعينته في منطقة جيدة، ووقفت معه في وقت الضيق؛ وقفت معه في مرض امرأته وتعب أولاده ونقل ابنه من المدرسة و.. و.. إلى آخره، ثم رد عليك هذا الإنسان في عمل ما برد سيئ، بأن قال لك: إنك مكلف أن تعمل هذا الفعل! فأنت غضبت، وأخذت في قلبك عليه، لك أن تغضب، لك أن تتغير، لكن ليس لك أن تمن عليه، فعندما تقول لك نفسك: ما هذا الرجل؟ أيعض اليد التي امتدت له؟! إن لحم كتفيه من خيري، ألسنا كلنا نقول ذلك؟!

إذا قلت ذلك فثق تماماً أن كل ما صنعت ليس لله؛ لأنك لو عملت الشيء لله فإن رد عليك بخير أو رد عليك بشر أو لم يرد فالكل عندك سواء، كيف كان يتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الناس؟ كان يحسن إليهم ويراعيهم، فهاهم أخرجوه من مكة، ثم بعد ذلك أرادوا أن يدبروا له مكيدة للقتل مع الترصد والتعمد وسبق الإصرار؛ وقفوا على بابه صفين حتى صلاة الصبح يريدون أن يضربوه ضربة رجل واحد، ويضيع دمه في القبائل، وقبل ذلك كانوا يأتون بسلى الجزور - التي هي كرشة الجمل المنتنة - ويضعونها على ظهره الشريف وهو يصلي في المسجد الحرام.

ثم بعد ذلك آذوا أصحابه؛ فكانوا يجرون بلالاً على الرمضاء في شدة الظهيرة في مكة، ويضعون عليه الصخر ويجرونه على الأرض ويضربونه بالسياط، وهو لا يمتنع عن قوله: أحد أحد، وأبو بكر الصديق ضربته قريش حتى كان عقبة بن أبي معيط يحرف نعله ويميل بكعبها من أجل أن يأتي الكعب في وجه أبي بكر أو في عينه، حتى استوى وجه أبي بكر بجسمه من شدة الضرب، حتى إنه عندما عاد إلى البيت لم تعرفه امرأته ولا أمه!

وقتلوا سمية أم عمار من شدة التعذيب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صبراً آل ياسر ؛ فإن موعدكم الجنة).

ثم جاء يوم الفتح فوقفوا أذلاء بين يديه صلى الله عليه وسلم، قال: (ما تظنون أني فاعل بكم؟) أي: ماذا سأفعل بكم؟ آلمتمونا وضربتمونا وطردتمونا، وذهب أصحابي إلى الحبشة ورجعوا منها، وبعدها ذهبوا المدينة ذهبتم وراءهم، ورصدتم مائة ناقة مكافأة للذي يأتي بمحمد حياً أو ميتاً: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: لا أقول لكم إلا ما قاله يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اذهبوا فأنتم الطلقاء).

هل لنا في رسول الله الأسوة الحسنة؟ هل لنا أن نتعامل هذه المعاملة الطيبة مع الناس؟! تعامل هكذا مع امرأتك يا أخي! مع أقاربك، مع إخوانك الذين أكلوا ميراثك، إنهم أخرجوه بسبب أنه يقول لا إله إلا الله، وأنه ينشر دعوة الله عز وجل، قال تعالى: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] لا أقول: أعطوني، ولكن الغرض أن تسمعوا أنتم وتقولوها، وإذا نطقتم بها أفلحتم، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا دنيا وأخرى.

ذهب إليه الوليد بن المغيرة وكان من علية القوم وقال له: يا ابن أخي! لقد جئت قومك بما لم يأت به أحد من قبلك؛ فرقت بين الأب وابنه، وبين الزوج وزوجته، وبين الأخ وأخيه، إن كان هذا الذي يأتيك رئيٌ من الجن جئنا لك بالأطباء، فسعوا في شفائك، وإن كانت هذه الحالة حالة مرضية نبحث لك عن العلاج، وإن كنت تريد المال جمعنا لك المال فصرت أغنانا، وإن أردت أن تكون ملكاً علينا ملكناك، فكان سيدنا الحبيب عنده سعة صبر، فقال له بأدب النبوة: (أفرغت يا عم؟) لأنه في سن والده، يقول صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا) قال: نعم، فتلا عليه الرسول سورة السجدة وبعد أن انتهى ووصل إلى آية السجدة سجد، والوليد كان من أعرف الناس باللغة، فمن شدة إعجابه بالقرآن وضع يديه خلفه وأنصت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى درجة أنه كان من شدة التركيز مقطباً عن جبينه، يريد أن يتأكد ويستجمع كل فكره وأعصابه وعقله، وبعد أن انتهى رجع والتقى بعظماء قريش كـأبي جهل وأبي لهب .. قالوا: والله لقد عاد إليكم الوليد بوجه غير الذي ذهب به عنكم، يعني: وجهه غير الوجه الذي عهدتموه فقال: يا معشر قريش! أتقولون: إنه كاهن والله ما هو بكاهن، فأنا أعرفكم بسجع الكهان، أتقولون هو شاعر؟! والله ما هو بشاعر، أنا أعرفكم بالشعر، أتقولون مجنون؟ والله ما هو بالمجنون، إن لكلام محمد لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما هو بقول البشر، قالوا له: إنك صبأت بهذا القول وإنك تريد أن تقول لك قريش: دخلت مع محمد وأصحابه، وإنك لن تخرج من هذا الموقف حتى تقول كلمة سيئة لمحمد، فقال: إن كلامه لسحر مستمر؛ فينزل جبريل بآيات من كتاب الله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [المدثر:11] كان يسمى الوليد بالوحيد؛ لأن قريشاً تكسو الكعبة سنة، والوليد وحده يكسو الكعبة السنة التي تليها، قال تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا [المدثر:11-13] أعطاه الله أحد عشر ولداً من مثل خالد بن الوليد، كان يمشي في المواكب والأحد عشر يمشون وراءه وهو أمامهم مفتخراً! قال تعالى: ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا [المدثر:15-16] .

ثم يصف القرآن الجلسة قال تعالى: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ [المدثر:18] إنه قدر الكلام وفكر فيه.

قال تعالى: سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا [المدثر:17] الصعود: جبل في جهنم يوضع فيه كل جبار عنيد كان يتجبر على عباد الله في الدنيا، يظل الوليد وأمثاله يتسلق الجبل حتى إن يديه ورجليه تحترق وتذوب من شدة النار، فإذا وصل إلى رأس الجبل من فوق انهار به الجبل في قعر جهنم! وهكذا أبد الآبدين!

إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم كان واسع الصدر، وكان يصنع المعروف في الناس ولا ينتظر خيراً، جاءه رجل ولمح حب الرجل للمال، والرجل كان زعيماً في قومه، وهو يمشي في غزوة حنين بعدما انتهت الغزوة نظر إلى غنم بين جبلين عددها بالآلاف، فقال: ما أكثر هذه الغنم يا محمد! قال له: هي لك خذها، فرجع إلى قومه وقال لهم: اذهبوا فآمنوا بمحمد؛ فإنه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، إنه يعطي ولا يخاف ما يحصل غداً، يعطي وهو متوكل على الله، فأسلم وراءه عشرون ألفاً.

إذاً: كان يصنع المعروف ولا ينتظر رد الجميل، فأنت إن صنعت المعروف في إنسان ورد عليك رداً سيئاً فحزنت، فأنت ما صنعت المعروف ابتغاء مرضاة الله، إن عملت المعروف لأقرب الناس كزوجتك تحسن إليها فتقطب الجبين في وجهك وأنت تبتسم، أو ترميك بالكلام وأنت تقول: بارك الله فيك ربنا يكرمك إن شاء الله ويشرح صدرك، وهي تغاظ؛ فهذه المرأة تشتكي تقول: زوجي يا أستاذ أعصابه باردة جداً، نقول: يا أختي! احمدي الله على ذلك، تقول لك: لكنه يغيظني، لا إله إلا الله إنه لو كان مثلك حاداً لاشتعلت بينكم النار، لكن من فضل الله أنه وضع على النار الماء، لكن ليس من تحت التبن.

إن الرجل مسكين يأتي البيت يريد أن يستريح ويريد أن ينام؛ ليرتاح من عناء العمل فيريد منها أن تسنده وتوصله إلى فراشه، وهي تريد أن تفتح معه موضوعاً عاماً، وموضوع الولد والبنت، والرجل يتغابى:

ليس الغبي بسيد في قومه بل إن سيد قومه يتغابى

هل هذا يعقل؟! تقول له: يا رجل! إنني كلما أفتح لك موضوعاً تقفله! هو متعب لا يريد أن يستجيب لكلامها، رأسه يؤلمه يريد أن ينام يقول لها: نعم، إن شاء الله ربنا يسهل، فالمرأة تكون سريعة الغضب، ومن فضل الله أن زوجها طباعه باردة، وهي مثل القط الذي يحب خناقه - تريد أن تثير المسائل والخلافات.

فمن فضل الله عز وجل أنك لو كنت مسلماً موقناً بإسلامك وإيمانك لصنعت المعروف في امرأتك مرة ومرتين وأكثر فيحصل بينكم خلاف، تريد أن تصالحها وهي لا تريد أن تصالح، فيحضر حكم من أهله وحكم من أهلها، والكارثة هنا للأسف أنه يذكر كل سيئاتها ولا يذكر لها حسنة، وهي بالتالي ترد على السيئة بما هو أسوأ، تذكر له كل سيئاته ولا تذكر حسنة، مع أنك لو وضعت حسنات امرأتك على الميزان ستكون أكثر من سيئاتها، وامرأتك لو وضعت حسناتك على الميزان بدون هوى ستكون أكثر من سيئاتك؛ لأن المؤمن - بفضل الله- محاسنه أكثر من سيئاته وعيوبه.

اللهم أصلح عيوبنا يا رب واجعل سيئاتنا حسنات يا رب العباد!

رجل مسكين مر على أبي نواس وقال له: يا أبا نواس! أعطني درهماً، قال: يا أهل البيت! أعطوه درهماً، قالوا: لا يوجد عندنا، قال: أعطوه قطعة من الرغيف، قالوا: لا يوجد لدينا، قال: أعطوه شربة ماء، قالوا: كذلك الماء لا يوجد، فقال له أبو نواس : انصرف يا فاجر يا خاسر! قال: يا إلهي أتمنعني وتشتمني؟ قال له: أردت أن تنصرف مأجوراً عند الله، أي: أنا أشتمك وأنت تصبر حتى تأخذ ثواب الصبر! ولكن إياك أن تعمل هكذا مع أي مسكين! انتبه، إذا كنت تريد أن تعطيه خيراً فأعطه، وإن لم تعطه فقل له كلمة طيبة، قال تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263].

دخل رجل على الجاحظالجاحظ معروف أنه بخيل- فقال له: أعطني يا أديب العرب، فقال الجاحظ لخادمه: يا زبرجد قل لـياقوت ، وياقوت يقول لـعنبر ، وعنبر يقول لـزمرد ، وزمرد يقول لـذهب وذهب يقول لفلان أن يقول لهذا المسكين: الله يعطيك. فأغيظ المسكين بشدة، فقال: يا رب! قل لجبريل يقول لميكائيل، يقول لإسرافيل، يقول لعزرائيل: اقبض روح هذا الرجل.

المهم فأنت إن صنعت المعروف لا تنتظر أبداً أن يقدم لك مقابل المعروف شيئاً، لكن بالعكس أنت تعمل المعروف ابتغاء مرضاة الله.

أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة

توقفنا في الحلقات السابقة عند أصحاب المعروف، فاللهم اجعلنا من أهل المعروف يا رب العالمين!

قال صلى الله عليه وسلم: (أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟) كيف يكون أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة؟ أنا ممكن أن أعطي مالاً في الدنيا أو أقول كلمة طيبة، أو أستغل جاهي أو منصبي في خدمة مسلم، لكن ما هو المعروف الذي يقدم في الآخرة؟

قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى أهل المعروف، فقال: قد غفرت لكم على ما كان منكم، وصانعت عنكم عبادي فهبوها اليوم لمن شئتم لتكونوا أهل المعروف في الدنيا وأهل المعروف في الآخرة) يعني: العباد الذين لهم مظالم عندكم أنا أرضيتهم، ولن يطالبوكم بحسناتكم مقابل مظالمهم التي ظلمتموهم بها، والمعنى أن صاحب المعروف يمسح الله ذنوبه، ثم بعد ذلك يرضي له خصومه، ثم بعد ذلك يعوض السيئات التي كانت ستؤخذ منه بأنه يشفع لمن شاء من أهل بيته أو من أصحابه.

فالإنسان الذي صنع المعروف في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى سيصنع فيه معروفاً في الآخرة، لكن شتان بين المعروفين؛ معروف الدنيا أن يفرج عن المسلم كرباً في الدنيا، لكن في الآخرة يفرج الله عنك كرب القيامة فأيهما أعظم ثواباً وخيراً؟

عندما يزحزحك الله عن النار ويدخلك الجنة هل يقاس هذا بجنيه الدنيا؟ هل يقاس هذا بأنك سامحت شخصاً؟ كلا، إن معروف الآخرة لا يعوض، اللهم اجعلنا من أهل المعروف في الدنيا والآخرة يا رب!

إن الدال على الخير كفاعله، الذي يدل على الخير مثل الذي يفعله تماماً، والله تعالى يحب إغاثة الملهوف، وفي الحديث قال: (من سره أن تنفس كربته، وأن تستجاب دعوته، فلييسر على معسر، أو فليدع له، فإن الله يحب إغاثة الملهوف) يعني: إما أن تنفس عن صاحب الكربة فتفرج عنه كربته، أو على الأقل تدعو له، فمثلاً: بلغك أن شخصاً له بنت ارتفعت حرارتها أربعين درجة لم تنزل عن هذا المستوى، وأنت لا يوجد لديك عشرة جنيهات في جيبك تعطيها له ليحضر بها الدواء أو يذهب إلى الدكتور، تقول: يا رب! يا رب! اجعل جسدها برداً وسلاماً من عندك، فإذا كانت دعوتك خالصة فإنها تصل إليها بإذن الله، يعني: هناك أناس سبحان الله العظيم دعوتهم عند الله مستجابة، فاللهم اجعلنا من الذين تستجاب دعواتهم. آمين يا رب العالمين!

من موجبات المغفرة إدخال السرور على المسلم

وعن أنس رضي الله عنه قال: (قمت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه ونظر إلي وقال: يا أنس! أما علمت أنه من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم؟!) يعني: يغفر الله لك الذنوب بأن تدخل السرور على أخيك المسلم، لقد قلت من قبل إن الحبيب يدلنا على شيء جميل جداً، قال صلى الله عليه وسلم: (من أطعم أخاه حلوى صرف الله عنه مرارة يوم القيامة).

سيدنا الحسن البصري تلاميذه يريدون أن ينظروا إليه وهو يحج، يا ترى ماذا سيعمل؟ فعندما بدأ بالطواف وصلى ركعتين في مقام إبراهيم، وشرب من زمزم، دخلوا عليه وقالوا: يا إمام! إننا نشرب ماء زمزم بنية الشفاء، ومنا من يشرب بنية تفريج الكربات ومنا من يشرب بنية كذا.. وأنت شربت بنية ماذا؟ قال: شربت ماء زمزم بنية أن يرويني الله يوم العطش، يشرب من زمزم بنية أن الله عز وجل يرويه يوم أن يعطش الناس!

إذاً: أما علمت أن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم؛ تنفس عنه كربة، وإذا كان فيه ضيق نفسي بأن تحضر له طبيباً نفسياً فتنفس عنه كربة، أو تفرج عنه غماً، أو تقيم له صنعة، كل ذلك من المعروف.

ولو أن أصحاب الصنعة يتقون الله، فإن الله سيكرمهم، عندما يعلم المعلم الصبي العلم، وصاحب الحرفة يعلمه الحرفة، ولكن بدون سب أو لعن أو ضرب فإن الولد سيكون كامل الصنعة، وينشأ أحسن من الذي علمه؛ ولذا لا بد أن تعلمه اليقين والثقة وتعلمه مراقبة الله عز وجل.

كذلك أهل البناء الذين يحملون الأسمنت ويصعدون الأدوار العليا، والذين يتعبون ويشتغلون في مصانع الحديد والصلب، هؤلاء لو اتقوا الله لغفر لهم جميع الذنوب التي كانوا قد عملوها أول اليوم، وهذا بتقوى الله فقط.

يقول صلى الله عليه وسلم: (من بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له) الذي ينام وهو متعب من العمل فإن الله سبحانه وتعالى يمسح له ذنوب النهار كلها، لكن ليتقي الله في عمله، والمسلم لابد أن يكون صادقاً صابراً.

كذلك أن تقضي عنه ديناً، وما أحسن عندما تسدد الدين عن أخيك المسلم! (أو تقضي عنه ديناً، أو تخلفه في أهله) يعني: أسافر فهو يرعى بيتي ويأتي إلى البيت من خارج ولا يدخل ويقول: السلام عليكم أتريدون شيئاً من السوق؟ وإذا كان أحد الأولاد في المدرسة عنده مشكلة يذهب معه لينهيها له ويسأل: هل هناك مشكلة؟ هل هناك جار من الجيران يتعبكم؟!

سيدنا عمر عندما كان يبعث الناس في السرايا والحروب يأتي إلى جانب الباب ومعه ورقة وقلم، وكان يقرأ ويكتب من فضل الله، فكان يضرب على الباب: يا بيت فلان! يا آل فلان! ألا تحتاجون شيئاً؟ فالمرأة التي بداخل البيت تقول له: نريد من السوق كذا وكذا وكذا يا أمير المؤمنين، فيأخذ الشيء الذي يضعون فيه حاجاتهم بداخله من السوق، فيضعها في حجره ويكتب عليها: هذه لبيت فلان ابن فلان! وهم يريدون كذا وكذا وكذا.. ثم يذهب إلى البيت الآخر فيقول: أتريدون شيئاً؟ وهكذا.. يحمل ويحمل، فيأتي له عبد الرحمن بن عوف فيقول: يا أمير المؤمنين! أتحمل هذا كله، دعني أحمل عنك، يقول: أتحمل وزري يوم القيامة؟! ويقول: أنا أبو العيال حتى يرجع المجاهدون؛ ولذلك عندما يموت الإنسان ويكون الأولاد يتامى فإن المجتمع كله يصير أباً لهؤلاء اليتامى، وليس أن يكون وقت الجنازة متفاعلاً فيقول: يا بني! لو احتجت شيئاً فإن بيتي مفتوح لك، وبعد فترة بسيطة جاء يطلب من هذا الرجل شيئاً، فإذا به قد تغير، فلا إله إلا الله! يا أخي! ألم تقل ذلك قبل؟!

فنريد أن نتعامل بما يرضي الله في سلوكنا وحياتنا، وليس الإسلام عبارة عن كلام يقال، أو أننا نأتي المسجد ونرجع منه فقط، هأنت في الدرس، فما الذي استفدت منه؟ ثم هل عملت بالذي استفدت من الدرس؟! اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا يا رب العالمين!

قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب العباد إلى الله؟ قال: أنفعهم للناس) الذي يؤدي منفعة للناس.

يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن؛ تكشف عنه كرباً أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إلي من المكث شهرين في مسجدي هذا).

لأن أمشي مع أخي المسلم أقضي له حاجته خير لي من أن أعتكف شهرين في المسجد؛ لأن الاعتكاف عبادة خاصة بي، لكن عندما أفرج عن مسلم كربة، يقول الله: أتقف بجانب عبدي المؤمن تفرج عنه كربة؟ فأنا سأفرج عنك كربات، وأقضي لك مصالحك، مادام أنك فرغت وقتك وحياتك من أجل هذا الرجل، فسوف أفرج عنك كربتك، وأقضي عنك ديونك وحوائجك، ولكن كن أنت عبداً ربانياً.

فضل من كظم غيظه عن أخيه المسلم

ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (ومن كف غضبه ستر الله عورته).

الجنس العربي - وهو مادة الإسلام - يبدو أنه من تراب ساخن قليلاً؛ لأن أصلنا من الأرض التي أتينا منها، يعني: الله عز وجل لما خلق أبانا آدم أمر جبريل أن يجمع له قبضة من تراب الأرض كلها، فجاء الناس على قدر الأرض التي جاءوا منها بنص الحديث.

فمنهم سريع الغضب سريع الفيء، أي أنه يغضب بسرعة، ويرضى بسرعة ومنهم سريع الغضب بطيء الفيء، أحياناً والعياذ بالله تغضب زوجتك مباشرة ولا ترضى إلا بعد مدة، وكذلك بعض الرجال فبمجرد أن يحصل خلاف بينه وبين أحد يظل عشر سنين وهو على هذه الحال غاضباً.

ومنهم من هو بطيء الغضب سريع الفيء، هناك أناس أعصابهم هادئة، والله عز وجل يعطيهم شرح صدر.

الحسن البصري رحمه الله كان عنده خادم بذيء اللسان، وقليل الأدب، والحسن يسكت عنه ويصبر عليه، فقالوا: يا إمام! أتجعل هذا الخادم معك هل هذا يعقل؟ قال: أتعلم على يديه الصبر! انظر يا أخي إلى هذا الصبر العجيب.

شخص آخر يقول له: والله لو كنت في مكانه لأدبته وضربته ضرباً مبرحاً.

فيبدو أن المصريين يغضبون بشدة، ولكن جل المصريين سريعي الفيء، يعني: تركب (الأوتوبيس) فتسمعه يتضجر من الزحام ويسب الدولة قائلاً: انظر إلى الضيق والزحمة! ولو نزل ولقي أحد المسئولين لرأيته يسلم عليه كيف حالك يا أستاذ فلان؟ لماذا لا نراك؟ هذه الحكومة طيبة جداً! سبحان الله!

إن أثقل ما يوضع للعبد في ميزان الحسنات غيظ يكظمه وهو قادر على أن ينفذه، إنك أحياناً تكون عصبياً، يا أخي! أمسك نفسك قليلاً؛ لأنك إذا تملكت نفسك عند الغضب فقد سترت على نفسك، وستفرح بنفسك جداً.

ولذلك قال سيدنا موسى لإبليس: يا لعين! متى تتحكم في بني آدم؟ قال: عندما يغضب ابن آدم يصير في أيدينا كالكرة في يد الصبي يقلبها كيف يشاء.

فعندما يغضب العبد يصير في يد الشيطان كالكرة في يد الولد الصغير، والشياطين يجعلون بأسنا بيننا، ولذلك أريد منك ألا تجيب امرأتك إذا أتيت من عملك متعباً وهي غاضبة، فهناك شيطان من أولاد إبليس عمله أن يزرع الخلاف بينك وبين زوجتك، يأتي إلى المرأة فيقول: ردي عليه، فترد على زوجها، ثم يأتي إليك أنت ويقول: ألا تسمع ما تقول؟! رد عليها ولا تسكت، فيرد عليها، فترد المرأة عليه أشد مما رد، فيأتي إليك ويقول: إنك يا رجل صاحب البيت، مد يدك عليها واضربها، فتضربها وتلصقها في الجدار، فيأتي إليها كذلك، ويقول لها: قولي له: إن كنت رجلاً فطلقني، ويأتي إليك، فيقول لك: بالطبع أنت رجل وابن رجل، ولكن إذا كنت رجلاً حقيقياً فطلقها فيقول الرجل: إنني رجل وابن رجل، وسأطلقك، أنت طالق.

ثم بعد ذلك يأتي إلى الشيخ: يا شيخ! إنني كنت مغضباً، وقرأت في الكتاب أن الشخص إذا كان غاضباً لا تقع طلقة نقول له: في ساعة الغضب عندما أوقعت الطلاق على زوجتك لماذا لا توقعه على أمك؟ يقول: لا إنها أمي، فنقول له: إذاً أنت تفهم وتعلم أن هذه زوجتك، وأن هذه هي محل الطلاق فطلاقك إذاً وقع، ولا تمزح في دين الله، أمسك عليك لسانك، فأنت تملك الكلمة قبل النطق، فإذا نطقت بها ملكتك.

قال صلى الله عليه وسلم: (تكشف عنه كرباً أو تقضي عنه ديناً، ومن كف غضبه ستر الله عورته)، يعني: نحن لنا عورات والله عز وجل عندما نكف غضبنا يستر عوراتنا، اللهم استر عوراتنا في الدنيا والآخرة يا رب العالمين!

قال صلى الله عليه وسلم: (ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا) يجعلك الله راضياً، لأنك ماذا ستكسب إن أنفذت غيظك؟

افرض أن شخصاً ظلمك فدعوت عليه، ودعوة المظلوم مستجابة، فإن الله يقول لك: إنك تدعو على الظالم وأنت قد ظلمت، وإن المظلوم يدعو عليك، فإن شئت أجبنا لك وأجبنا عليك، وإن شئت أخرتكما حتى يسعكما عفوي يوم القيامة، إذاً: أتحب أن يكون لك وعليك؟ فانتظر حتى يكرمك الله عز وجل.

ولا تدع على الظالم؛ لأن ظلمه أسرع إليه من دعائك عليه، الظالم تصل إليه العقوبة قبل أن تدعو عليه أنت.

فضل من مشى في حاجة أخيه المسلم

وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن مشى في حاجة أخيه المسلم حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل).

سوء الخلق مصيبة، العصبية والحماقة مصيبة، لكن الإنسان يتعلم الحلم، يقول الشاعر:

كاد الحليم أن يكون نبياً

ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن أفضل العطية ما أعطيت الرجل قبل المسألة، فإن سألك فأعطيته، فإنما تعطيه ثمن ماء وجهه الذي أراقه).

يعني: أفضل المسألة أن تعطيه قبل أن يسأل هو؛ لأنه إذا سأل فأعطيته فإنما تعطيه ثمن ذل المسألة.

جاء رجل إلى سيدنا علي وهو جالس مع أصحابه، فجاء على رمل عنده وكتب عليه كلمتين يسأله، فسيدنا علي مسح الكلمتين قبل أن ينتبه لها أحد، ثم كتب الإمام علي للرجل كلمتين، فلما نظر الرجل إلى الكلمتين مسح سيدنا علي على الكلام وقال له: إلى بيتك كأنك ما سألت وسوف يأتيك ما رزقك الله به، لا يريد أن يفضحه على صفحات الجرائد، فهؤلاء هم الناس القدوة!

حديث علي بن أبي طالب في فضل إسداء المعروف

يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي : (يا علي كن سخياً؛ فإن الله يحب السخاء) وقلنا: إن الكريم قريب من الله وقريب من الناس، والبخيل بعيد عن الله، وبعيد عن الناس، وبعيد عن الجنة، وقريب من النار.

يقول صلى الله عليه وسلم: (يا علي ! كن سخياً؛ فإن الله يحب السخاء، وكن شجاعاً؛ فإن الله يحب الشجاعة) الشجاع: الذي يقول الكلمة ولا يخاف في الله لومة لائم؛ لأنك لو قلت كلمة الحق حوسبت عليها فمت بسببها فإنما تموت بقضاء الله، لا تظن أنك مت من أجل أنك قلت هذه الكلمة.

قال صلى الله عليه وسلم: (وكن غيوراً فإن الله يحب الغيور) ولذلك أي شخص امرأته وابنته وأخته ليست محجبات ليس بغيور، وإنما هو ديوث ومكتوب على باب الجنة: (لن يدخل الجنة ديوث) والديوث: الذي يرى القبح في أهله ويسكت عليه.

يا أخي! قل لزوجتك: لا تخرجي من البيت إلا بحجاب، فإن قالت: أنا لن أتحجب، فقل لها: لن تخرجي من البيت وإن خرجت فسوف أصنع وأصنع.. هددها، لا خروج إلا بحجاب، هي تريد أن تأتي إلى خالتها أو عمتها أو أمها وهي لابسة لبساً جميلاً لا يظهر منها شيء إلا رجلاها وذراعاها وشعرها ورقبتها!! بالله عليك ماذا تقول في هذا المجتمع الذين نعيش فيه؟! تأمر بالمعروف تجد الكل يهاجمك ويقول: أنت المخطئ، تقول لك أمك: أنت لم تلق إلا هذه، إنها تمشي في ما يرضي الله! فأنت إن كنت رجلاً فقل لها: لا تخرجي بدون حجاب، فأهل العلم يقولون: المرأة لا تخرج من بيتها إلا محجبة، وأنت زوجتي ويوم القيامة أنا مسئول عنك.

قال صلى الله عليه وسلم: (وكن غيوراً فإن الله يحب الغيور، وإن امرؤ سألك حاجة فاقضها، فإن لم يكن لها أهلاً كنت أنت لها أهلاً) يقول الناس: لا تصنع المعروف في غير أهله فتندم، وأنا قد قلت: إن هذه المقولة خاطئة، هذه ليست حكمة، هذا كلام خطأ، اسمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن صنعت المعروف في أهله فقد أصبت أهله، وإن لم تصنع المعروف في أهله فأنت أهله) إن صنعت المعروف في غير أهله فأنت أهل للمعروف.

فأدخل السرور على امرأتك واجعلها دائماً راضية، وأدخل السرور على بنتك لا تنكد عليها، واجعلها تصاحبك، من أجل ألا تفضل صاحبتها عليك، قل لها: ما بك يا ابنتي! لماذا أنت حزينة؟ ما لك متضايقة؟ عندما تريدين شيئاً فاطلبيه مني، فالبنت بطبيعة الحال تشعر بالأمان، لكن عندما تقول لها: أنا مشغول، والأم مشغولة، فإلى أين تذهب البنت؟!

لذلك أهيب بالمسئولين على التعليم أن يتقوا الله في بناتنا، ولا داعي للدراسة بعد الظهر، البنت تخرج من مدرستها المغرب الساعة السابعة وعمرها سبعة عشر عاماً، والمدارس بعيدة، فتأتي البنت من باب السوق، والشارع مظلم، أنا بنفسي أخاف أن أمشي وحيداً منه!

فعندما تخرج البنات يتعرض لهن الأولاد الذين هم في غاية من الوقاحة، والذين يفتخرون بوقاحتهم ويقول القائل منهم: هذا الولد الصايع هو هو! أما صاحب المسجد فسوف يدخلنا في داهية، هم يقولون عليكم هذا القول! يقولون: الشاب الذي هو في المساجد هذا متطرف، وهذا هو الذي سيدخل البلاد في داهية، وأنا مشيت بنفسي على رصيف الشارع فوجدت مجموعة من شباب الأندية، وإذا بهم يقولون: هذا الذي سيعمر البلد! بل هو هذا الذي سوف يخربها.

يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليبعث المعروف يوم القيامة في صورة الرجل المسلم، فيأتي صاحبه إذا انشق عنه قبره فيمسح عن وجهه التراب) المعروف يمسح عن وجهك التراب أول ما يلتقي بك!

يقول صلى الله عليه وسلم: (ويقول: أبشر يا ولي الله، لا يهولنك ما ترى من أهوال يوم القيامة فلا يزال يقول له: احذر هذا، اتق هذا، يسكن بهذا روعه حتى يجاوز به الصراط، فإذا جاوز به الصراط عدل به إلى منازل الله عز وجل في الجنة، ثم ينثني عنه المعروف فيتعلق به يقول: يا عبد الله! من أنت؟ خذلني الخلائق يوم القيامة وما خذلتني، يقول: أما تعرفني؟ أنا المعروف الذي عملته أنت في الدنيا بعثني الله خلقاً ليجازيك به يوم القيامة).

إذاً: لا تقصر في عمل المعروف ما دمت تقدر على ذلك، وإذا لم تستطع فادع له بالتيسير وستفرج إن شاء الله.

توقفنا في الحلقات السابقة عند أصحاب المعروف، فاللهم اجعلنا من أهل المعروف يا رب العالمين!

قال صلى الله عليه وسلم: (أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟) كيف يكون أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة؟ أنا ممكن أن أعطي مالاً في الدنيا أو أقول كلمة طيبة، أو أستغل جاهي أو منصبي في خدمة مسلم، لكن ما هو المعروف الذي يقدم في الآخرة؟

قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى أهل المعروف، فقال: قد غفرت لكم على ما كان منكم، وصانعت عنكم عبادي فهبوها اليوم لمن شئتم لتكونوا أهل المعروف في الدنيا وأهل المعروف في الآخرة) يعني: العباد الذين لهم مظالم عندكم أنا أرضيتهم، ولن يطالبوكم بحسناتكم مقابل مظالمهم التي ظلمتموهم بها، والمعنى أن صاحب المعروف يمسح الله ذنوبه، ثم بعد ذلك يرضي له خصومه، ثم بعد ذلك يعوض السيئات التي كانت ستؤخذ منه بأنه يشفع لمن شاء من أهل بيته أو من أصحابه.

فالإنسان الذي صنع المعروف في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى سيصنع فيه معروفاً في الآخرة، لكن شتان بين المعروفين؛ معروف الدنيا أن يفرج عن المسلم كرباً في الدنيا، لكن في الآخرة يفرج الله عنك كرب القيامة فأيهما أعظم ثواباً وخيراً؟

عندما يزحزحك الله عن النار ويدخلك الجنة هل يقاس هذا بجنيه الدنيا؟ هل يقاس هذا بأنك سامحت شخصاً؟ كلا، إن معروف الآخرة لا يعوض، اللهم اجعلنا من أهل المعروف في الدنيا والآخرة يا رب!

إن الدال على الخير كفاعله، الذي يدل على الخير مثل الذي يفعله تماماً، والله تعالى يحب إغاثة الملهوف، وفي الحديث قال: (من سره أن تنفس كربته، وأن تستجاب دعوته، فلييسر على معسر، أو فليدع له، فإن الله يحب إغاثة الملهوف) يعني: إما أن تنفس عن صاحب الكربة فتفرج عنه كربته، أو على الأقل تدعو له، فمثلاً: بلغك أن شخصاً له بنت ارتفعت حرارتها أربعين درجة لم تنزل عن هذا المستوى، وأنت لا يوجد لديك عشرة جنيهات في جيبك تعطيها له ليحضر بها الدواء أو يذهب إلى الدكتور، تقول: يا رب! يا رب! اجعل جسدها برداً وسلاماً من عندك، فإذا كانت دعوتك خالصة فإنها تصل إليها بإذن الله، يعني: هناك أناس سبحان الله العظيم دعوتهم عند الله مستجابة، فاللهم اجعلنا من الذين تستجاب دعواتهم. آمين يا رب العالمين!