معوقات في طريق الهداية


الحلقة مفرغة

كثرة التمني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذه خواطر تخرج من القلب عن الهداية، وهي أشياء ملموسة أرجو أن تخرج من القلب لتدخل إلى القلب إن شاء الله.

أول سبب من أسباب عدم الهداية: كثرة التمني، فإن الناس متى ركبوا بحر الأماني غرقوا وأغرقوا، وقد قيل: الأماني رأس مال المفاليس، مثلاً: رجل جالس في بيته لا يعمل أي عمل ومع ذلك يتمنى أن يكون لديه مال كثير فهذا لن ينال من المال شيئاً لم يسع في تحصيله، وهذا كالذي يعمل المعاصي ويقول: إن الله غفور رحيم، ونسي أو تناسى أن الله ذو عقاب أليم.

تجد شاباً صغيراً فتأمره بالصلاة فيعتذر لك بعذر الصغر، وأن أباه لم يصل إلا في سن متقدمة، ويمني نفسه بأنه إذا كبر صلى كأبيه، وهذه عين الأماني الكاذبة، أو يزعم أنه سيصلي إذا تزوج، فهو يسوف ويتمنى رغم أن عمره بيد الله تعالى إن شاء أماته وإن شاء أحياه.

قال أحد الصالحين: عرضت على نفسي الجنة وما فيها من نعيم، والنار وما فيها من عذاب، فقلت: أي المكانين تريدين؟ قالت: أريد ساعة أعمل فيها لله، قال: أمسكي الأمنية لتعملي.

و جحا كان عنده من الأمنيات الشيء الكثير، فذات مرة لم يجد طعاماً فرزقه الله بكأس لبن من الجيران، فجلس يفكر في شأن اللبن وكيف يصنع به، فخطرت له فكرة مضمونها: أن يبيع هذا اللبن ويشتري بثمنه فرخين صغيرين، ثم يربيهما حتى يكبرا ثم يزاوج بينهما، ثم ينجبان فروخاً صغيرة، ثم يبيع هذه الفروخ ويشتري بثمنها شاتين، ثم يزاوج بينهما إلى أن يصبح له قطيع من الغنم، ثم بعد ذلك يصبح ثرياً، ثم فجأة ضرب كوب اللبن برجله فسقط وضاع كل شيء؛ وذلك بسبب هذه الأماني الكاذبة وأحلام اليقظة التي رآها.

لكن الدين ليس بالأحلام: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، فالقضية أن تعيش بالعمل لا بالأماني.

كثرة الخلطة

العقبة الثانية من عقبات الهداية: كثرة الخلطة:

وقد قال الحكماء: زر غباً تزدد حباً، وهذا في المعاملة العادية مع الناس، أما الحب في الله فليس له حواجز أو قوانين.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما) فإذا كرهت شخصاً فلا تقطع جميع الحبال؛ لأنه قد يكون حبيباً لك يوماً ما.

فالمقصود: أن كثرة الخلطة تضيع المسألة، وتجعل الناس يتكلون على بعضهم، هذا إذا كانت الخلطة في غير مرضاة الله.

كثرة الأكل

العقبة الثالثة من عقبات الهداية: كثرة الأكل:

وهو ثلاثة أنواع: حلال وشبهة وحرام.

فالحلال من ناحيتين: من ناحية النوع كالأزر والجبن والخضروات، وحلال من ناحية الكسب.

وهناك حرام من جهة النوع كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وحرام من ناحية الكسب.

وهنا نطرح سؤالاً: ما حكم اللحمة التي تشترى من الجزار؛ لأننا سمعنا بعض الفتاوى التي تحرم لحمة الجزار حتى تتأكد من دينه وغير ذلك؟

الجواب: لحمة الجزار حلال، ولا ينبغي لك أن تسأل أو تتأكد من دينه؛ لأن هذا من قبيل التشدد لا التحري، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تشددوا فيشدد الله عليكم كما شدد بنو إسرائيل على أنفسهم)، وذلك أنهم أمروا بذبح بقرة، فلو ذبحوها من غير تعنت لقبلت منهم، لكنهم تشددوا وتعنتوا فسألوا عن حقيقتها ولونها ونوعها فشدد الله عليهم.

سؤال آخر: إذا تخمرت المكسرات كالزبيب والبلح فهل تحرم؟

الجواب: لا تحرم، ونقول: إنه لا ينبغي طرح مثل هذه الأسئلة لأنها من قبيل التشدد والتعنت.

إذاً: فمن معوقات الهداية: كثرة الأكل، خاصة إذا كان طعام شبهة، ومن أكل من الشبهات أربعين يوماً عصت جوارحه شاء أم أبى.

كذلك من معوقات الهداية: كثرة الضحك وكثرة النوم.