خطب ومحاضرات
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [22]
الحلقة مفرغة
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ ثم قال في الحكاية: (استقبله واستشفع به فيشفعك الله)، والاستشفاع به معناه في اللغة: أن يطلب منه الشفاعة كما يستشفع الناس به يوم القيامة، وكما كان أصحابه يستشفعون به.
ومنه الحديث الذي في السنن: (أن أعرابياً قال: يا رسول الله! جهدت الأنفس وجاع العيال، وهلك المال، فادع الله لنا، فإنا نستشفع بالله عليك ونستشفع بك على الله، فسبح رسول الله حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، وقال: ويحك أتدري ما تقول؟ شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد من خلقه). وذكر تمام الحديث فأنكر قوله: (نستشفع بالله عليك)، ومعلوم أنه لا ينكر أن يسأل المخلوق بالله أو يقسم عليه بالله، وإنما أنكر أن يكون الله شافعاً إلى المخلوق، ولهذا لم ينكر قوله: (نستشفع بك على الله) فإنه هو الشافع المشفع.
وهم لو كانت الحكاية صحيحة إنما يجيئون إليه لأجل طلب شفاعته صلى الله عليه وسلم? ولهذا قال في تمام الحكاية: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64] الآية، وهؤلاء إذا شرع لهم أن يطلبوا منه الشفاعة والاستغفار بعد موته فإذا أجابهم فإنه يستغفر لهم، واستغفاره لهم دعاء منه وشفاعة أن يغفر الله لهم.
وإذا كان الاستشفاع منه طلب شفاعته، فإنما يقال في ذلك: استشفع به فيشفعه الله فيك، لا يقال: فيشفعك الله فيه، وهذا معروف الكلام، ولغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر العلماء، يقال: شفع فلان في فلان فشفع فيه، فالمشفع الذي يشفعه المشفوع إليه هو الشفيع المستشفع به، لا السائل الطالب من غيره أن يشفع له، فإن هذا ليس هو الذي شفع، فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الشفيع المشفع.. ليس المشفع الذي يستشفع به.
ولهذا يقول في دعائه: يا رب! شفعني فيشفعه الله، فيطلب من الله سبحانه أن يشفعه لا أن يشفع طالبي شفاعته، فكيف يقول: واستشفع به فيشفعك الله؟
وأيضاً: فإن طلب شفاعته ودعائه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعاً عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء، وإنما ذكر هذا بعض المتأخرين، ذكروا حكاية عن العتبي أنه رأى أعرابياً أتى قبره وقرأ هذه الآية، وأنه رأى في المنام أن الله غفر له، وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين الذين يفتي الناس بأقوالهم، ومن ذكرها لم يذكر عليها دليلاً شرعياً ].
بيان أنه لا يصح الاعتماد على الرؤى كدليل شرعي
حكاية العتبي أنه رأى أعرابياً أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ هذه الآية، وأنه رأى في المنام أن الله غفر له، هذه حكاية حتى لو ثبتت لم تكن دليلاً على البدعة أو الاستشفاع الممنوع، فأولاً: كون الأعرابي أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا غلط، والأعرابي ليس قدوة ولو كان إماماً في الدين لما سمي أعرابياً، لأن الإمام في الدين وإن كان أصله من البادية لا يقال: إنه أعرابي، فهذا أعرابي جاهل لم يجد من يعلمه، ثم يزعمون أنه أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنه رأى في المنام أن الله غفر له.
فمن يصدق أنه رأى، ثم إذا كان رأى فيحتمل أنه لبس عليه الشيطان.
وقال الشيخ: (وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين الذين يفتي الناس بأقوالهم...) إلى آخره، المهم أن الحكايات مثلها كثير.. صلوات ابتدعت، أعمال التمسح بالقبور، تعلق بالأموات والأحياء، كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ابتداع في أعمال الحج، ابتداع في الصيام، أعمال في الزكاة، وكلها ابتداع من الناس وكثير منها من أمثال هذه الحكاية، حيث يأتي إنسان جاهل فيفعل فيتبعه غيره، ثم يدعي آخر أو يدعي هو أنه رأى رؤيا تصدق فعله، ثم يأتي الشيطان فيرد على كثير من الناس فتتواتر الرؤيا بزعمهم، فتكون الرؤيا سبيل فتنة، أو يتناقلون أشياء ليس لها أصل وتتواتر عندهم كأنها دليل حقيقي، أو يفتنون بقول عالم ما تأمل المسألة وأخطأ فيها، فتتراكم الأمور الملبسة ما بين رؤى، وزلات علماء وشهرة القصة، والثقة بالشخص القائل، وتناقل الشائعات، فتكون البدع من هذا الباب.
أقول هذا لأنه كثر عندنا هذا النوع من البدع، بدع في الرقى، بدع في علاج السحر، في علاج الأمراض، وأكثرها بدع حول الأعياد، وبدع حول بعض الأعمال التي يظن الناس أنها من أعمال البر، فكثر في الناس هذا النوع حتى تعلقوا بأشياء كثيرة ثم تتواتر عندهم الرؤى أو تكثر حتى تتعلق نفوسهم بهذا الأمر وهو في الأصل بدعة.
طلب الدعاء والشفاعة عند القبر مخالف لهدي السلف
يقصد بهذا الإمام، الإمام مالك .
قال رحمه الله تعالى: [ ولكن هذا اللفظ الذي في الحكاية يشبه لفظ كثير من العامة الذين يستعملون لفظ الشفاعة في معنى التوسل، فيقول أحدهم: اللهم إنا نستشفع إليك بفلان وفلان، أي نتوسل به.
ويقولون لمن توسل في دعائه بنبي أو غيره: قد تشفع به، من غير أن يكون المستشفع به شفع له ولا دعا له، بل وقد يكون غائباً لم يسمع كلامه ولا شفع له.
وهذا ليس هو لغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء الأمة، بل ولا هو لغة العرب، فإن الاستشفاع طلب الشفاعة، والشافع هو الذي يشفع للسائل فيطلب له ما يطلب من المسئول المدعو المشفوع إليه ].
هناك صورة لا أدري هل سيوردها الشيخ أو لا يوردها؛ وهي مسألة أنه قد يقصد بالشفاعة أحياناً معنى صحيح لكنه بعيد، وهو أن يقصد بالاستشفاع بالشخص الاستشفاع بدعائه مع دعاء المستشفع، كما إذا طلبت من أحد ممن ترجى إجابة دعوته أن يدعو لك، ادع فكأنك شفعت دعاءه مع دعائك، فهذا المعنى صحيح لكنه بعيد وملبس بحيث إنه لا يحتج به على تسمية التوسل شفاعة من كل وجه.
احتمال التحريف فيما نسب لمالك في الاستشفاع عند القبر
نعم قد يكون أصلها صحيحاً، ويكون مالك ].
يعني: قد يكون أصلها صحيحاً لكنها حرفت، بمعنى أنه قد يكون للحكاية أصل دون هذه المعاني والألفاظ البدعية، وهذا كثير مما ينقل عن الأئمة مما قد يكون له أصل لكن يزيد عليه الناس من أهل الأهواء والبدع والجهلة، وأيضاً بسبب النسيان وطول الأمد قد يزيد بعض الناس أشياء لم تحدث في القصة، أو يعبر عنها كما فهمها ويكون فهمه خاطئاً أو نحو ذلك، بمعنى أن الشيخ احتاط فيقول: حتى ولو لم تثبت بسند فقد يكون لهذه الحكاية أصل؛ لكن ليست هذه ألفاظ تليق بـمالك وأمثاله من أئمة الدين؛ لأنها لا تصح شرعاً ولا تصح لغة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ نعم، قد يكون أصلها صحيحاً ويكون مالك قد نهى عن رفع الصوت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم? اتباعاً للسنة، كما كان عمر رضي الله عنه ينهى عن رفع الصوت في مسجده، ويكون مالك أمر بما أمر الله به من تعزه وتوقيره ونحو ذلك مما يليق بـمالك أن يأمر به ].
هنا مسألة مهمة جداً وهي من أسباب اللبس في وقوع كثير من البدع في تاريخ الإسلام، وفي التباس هذه البدع على بعض أهل العلم وهي الخلط بين الرؤى وبين الأدلة الشرعية من ناحية، والخلط أيضاً بين نسبة القول إلى إمام متبوع أو إلى رجل مشهور وبين الاستدلال بالكتاب والسنة، فإن مثل هذه الحكاية عن العتبي اشتهرت عند الناس في وقتها وبعد وقتها، والقصة تعلقت بها عواطف بعض الناس حتى بعض الذين ينتسبون للعلم لكنهم انطلت عليهم المسألة أو جهلوا أو تجاهلوا.
حكاية العتبي أنه رأى أعرابياً أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ هذه الآية، وأنه رأى في المنام أن الله غفر له، هذه حكاية حتى لو ثبتت لم تكن دليلاً على البدعة أو الاستشفاع الممنوع، فأولاً: كون الأعرابي أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا غلط، والأعرابي ليس قدوة ولو كان إماماً في الدين لما سمي أعرابياً، لأن الإمام في الدين وإن كان أصله من البادية لا يقال: إنه أعرابي، فهذا أعرابي جاهل لم يجد من يعلمه، ثم يزعمون أنه أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنه رأى في المنام أن الله غفر له.
فمن يصدق أنه رأى، ثم إذا كان رأى فيحتمل أنه لبس عليه الشيطان.
وقال الشيخ: (وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين الذين يفتي الناس بأقوالهم...) إلى آخره، المهم أن الحكايات مثلها كثير.. صلوات ابتدعت، أعمال التمسح بالقبور، تعلق بالأموات والأحياء، كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ابتداع في أعمال الحج، ابتداع في الصيام، أعمال في الزكاة، وكلها ابتداع من الناس وكثير منها من أمثال هذه الحكاية، حيث يأتي إنسان جاهل فيفعل فيتبعه غيره، ثم يدعي آخر أو يدعي هو أنه رأى رؤيا تصدق فعله، ثم يأتي الشيطان فيرد على كثير من الناس فتتواتر الرؤيا بزعمهم، فتكون الرؤيا سبيل فتنة، أو يتناقلون أشياء ليس لها أصل وتتواتر عندهم كأنها دليل حقيقي، أو يفتنون بقول عالم ما تأمل المسألة وأخطأ فيها، فتتراكم الأمور الملبسة ما بين رؤى، وزلات علماء وشهرة القصة، والثقة بالشخص القائل، وتناقل الشائعات، فتكون البدع من هذا الباب.
أقول هذا لأنه كثر عندنا هذا النوع من البدع، بدع في الرقى، بدع في علاج السحر، في علاج الأمراض، وأكثرها بدع حول الأعياد، وبدع حول بعض الأعمال التي يظن الناس أنها من أعمال البر، فكثر في الناس هذا النوع حتى تعلقوا بأشياء كثيرة ثم تتواتر عندهم الرؤى أو تكثر حتى تتعلق نفوسهم بهذا الأمر وهو في الأصل بدعة.
قال رحمه الله تعالى: [ ومعلوم أنه لو كان طلب دعائه وشفاعته واستغفاره عند قبره مشروعاً، لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان أعلم بذلك وأسبق إليه من غيرهم، ولكان أئمة المسلمين يذكرون ذلك. وما أحسن ما قال مالك رحمه الله: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، قال: ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك. فمثل هذا الإمام كيف يشرع ديناً لم ينقل عن أحد من السلف، ويأمر الأمة أن يطلبوا الدعاء والشفاعة والاستغفار بعد موت الأنبياء والصالحين منهم عند قبورهم، وهو أمر لم يفعله أحد من سلف الأمة ].
يقصد بهذا الإمام، الإمام مالك .
قال رحمه الله تعالى: [ ولكن هذا اللفظ الذي في الحكاية يشبه لفظ كثير من العامة الذين يستعملون لفظ الشفاعة في معنى التوسل، فيقول أحدهم: اللهم إنا نستشفع إليك بفلان وفلان، أي نتوسل به.
ويقولون لمن توسل في دعائه بنبي أو غيره: قد تشفع به، من غير أن يكون المستشفع به شفع له ولا دعا له، بل وقد يكون غائباً لم يسمع كلامه ولا شفع له.
وهذا ليس هو لغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء الأمة، بل ولا هو لغة العرب، فإن الاستشفاع طلب الشفاعة، والشافع هو الذي يشفع للسائل فيطلب له ما يطلب من المسئول المدعو المشفوع إليه ].
هناك صورة لا أدري هل سيوردها الشيخ أو لا يوردها؛ وهي مسألة أنه قد يقصد بالشفاعة أحياناً معنى صحيح لكنه بعيد، وهو أن يقصد بالاستشفاع بالشخص الاستشفاع بدعائه مع دعاء المستشفع، كما إذا طلبت من أحد ممن ترجى إجابة دعوته أن يدعو لك، ادع فكأنك شفعت دعاءه مع دعائك، فهذا المعنى صحيح لكنه بعيد وملبس بحيث إنه لا يحتج به على تسمية التوسل شفاعة من كل وجه.
استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [9] | 3406 استماع |
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [1] | 2847 استماع |
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [10] | 2815 استماع |
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [16] | 2787 استماع |
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [31] | 2751 استماع |
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [8] | 2656 استماع |
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [35] | 2590 استماع |
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [29] | 2547 استماع |
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [26] | 2521 استماع |
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [36] | 2456 استماع |