أرشيف المقالات

مشروعية قيام رمضان وفضله

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
مشروعية قيام رمضان وفضله

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه[1].

يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: المراد بقيام رمضان الصلاة المسماة بالتراويح، وهي سنة مشروعة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله وفعله، والسنة صلاتها جماعة مع الأئمة في المساجد، وقد فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه ثم تركها خشية أن تفرض عليهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: صلاة التراويح جماعة ليست بدعة في الشريعة بل هي سنة بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعله، قد صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين بل ثلاثا، وصلاها أيضا في العشر الأواخر في جماعة مرات، وكان الناس يصلونها جماعة في المسجد على عهده -صلى الله عليه وسلم- ويقرهم، وإقراره سنة -صلى الله عليه وسلم.
ا هـ[2] وقد ثبت من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: صمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا له: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، فقال: (( إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان[3]، وللإنسان رجلا أو امرأة أن يصليها في بيته، والأفضل صلاتها جماعة لأمور منها: أن ذلك هو السنة، فقد فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعلها أصحابه -رضي الله عنهم- من بعده، ومنها: أن من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، وهذا لا يتأتى لمن صلى وحده حتى يصلي قريبا من ثلث الليل أو نحوه، وينبغي لمن فاتته صلاة التروايح مع الناس لأي سبب أن يصليها في بيته إما وحده، أو مع جماعة أهل بيته كزوجته وأولاده.
 
الفائدة الثانية: ينبغي للمسلم أن يحرص على صلاة التراويح لينال فضلها، وينبغي له أن يحرص على أن يصليها من أولها إلى آخرها مع الإمام فيبدأ معه من أول صلاته، ويبقى معه حتى ينتهي من صلاته، لأنه إذا فعل ذلك كتب له قيام ليلة كاملة، سواء أكانت صلاة الإمام طويلة أم متوسطة أم خفيفة، لعموم حديث أبي ذر -صلى الله عليه وسلم- السابق، ومن قام هكذا إيمانا بموعود الله جل وعلا وطلبا للأجر والثواب منه، فإنه إن شاء الله تعالى ينال الثواب الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، ومن لم يتم الصلاة مع الإمام فله أجر ما صلى ولكن لا يكتب له قيام ليلة كاملة، ومن أراد الزيادة بعد صلاة الإمام في بيته أو غيره فينبغي له أن لا ينصرف إذا قام الإمام للوتر، بل إنه يصليه معه وينويه شفعا، فإذا سلم الإمام قام فأتى بركعة وسلم، ثم صلى بعد ذلك ما كتب له، ثم أوتر في آخر صلاته.
 
ومن أوتر مع الإمام ثم بدا له أن يصلى فله أن يصلي ما شاء شفعا ركعتين ركعتين، ولا يعيد الوتر ولا ينفضه[4].
 
الفائدة الثالثة: لقيام الليل في رمضان وغيره أحكام منها:
أولا: ليس لقيام رمضان ولا لغيره حد محدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه، ودليل ذلك إطلاق هذا الحديث وغيره من الأحاديث المرغبة في قيام الليل، مع ما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى".
متفق عليه[5]، ولكن الأفضل ما كان يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- غالبا وهو إحدى عشرة ركعة، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ((ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)).
متفق عليه[6]، وإن زاد على هذا العدد أو نقص منه فلا بأس بذلك.
 
ثانيا: صلاة الوتر هي الركعة المفردة التي تصلى بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وقد يكون ثلاثا متصلة، أو خمسا متصلة، أو تسعا متصلة، أو تسعا متصلة، أو أحد عشر متصلة، وليس من شرطه دعاء القنوت الذي يقال بعد الركوع أو قبله، وبعض الناس قد يترك الوتر لأنه لا يحفظ دعاء القنوت وهو خطأ وحرمان، فلك أن تصلي الوتر من غير دعاء القنوت، ولك أن تدعو بما شئت، ولك أن تقرأ الدعاء من ورقة، والأولى فعل القنوت أحيانا وتركه أحيانا؛ لأن عامة الأحاديث المحفوظة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قيام الليل يذكر فيها أنه كان يدعو في صلاة الوتر، وجاء هذا في بعض الأحاديث، وثبت عن الصحابة -رضي الله عنهم-، فعله، فلهذا الأولى أن يفعل أحيانا ويترك أحيانا، والله أعلم.
 
ثالثا: الأولى توك مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، لعدم ثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء في فتاوى اللجنة الدائمة الدعاء عبادة مشروعة، ولم يثبت في مسح الوجه بالكفين عقبة سنة قولية أو عملية، بل روي ذلك من طرق ضعيفة، فالأولى تركه عملا بالأحاديث الصحيحة التي لم يذكر فيها المسح.
ا هـ[7].



[1] رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان 1/ 22 (37)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح 1/ 523 (759).


[2] اقتضاء الصراط المستقيم 1/275 محتصرا.


[3] رواه أحمد 5/ 159، 172، وأبو داود في أبواب قيام الليل، باب تفريع أبواب شهر رمضان باب في قيام شهر رمضان 2/ 50 (1375)، والترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان 3/ 169 (806) وهذا لفظه، والنسائي في كتاب السهو، باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف 3/ 83 (1364)، فوي كتاب قيام الليل، باب قيام شهر رمضان 3/202 (1605)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قيام شهر رمضان 1/ 420 (1327)، والدارمي 2/ 42 (1777)، وصححه ابن خزيمة 3/ 337 (2206)، وابن حيان 6/ 288 (2547)، والألباني في إرواء الغليل (447)، وصحيح الجامع (2417).


[4] نقض الوتر: أن يصلي ركعة ينوي بها شفع الوتر السابق، ثم يصلي ما شاء شفعا، ثم يوتر مرة أخرى، وقد ذهب إليه بعض أهل العلم، ة الجمهور على خلافه، والقول به ضعيف لأسباب منها أن هذه عبادة، والأصل في العبادات التوقيف، ولا دليل على هذه الصورة، وأنه في الحقيقة قد أوتر ثلاث مرات، فيكون قد وقع في النهي عن وتر مرتين، ومنها أن بناء صلاة على صلاة بعد فاصل طويل غالبا لا أصل له، ولا دليل على مشروعيته.


[5] رواه البخاري في أبواب المساجد، باب الخلق والجلوس في المسجد 1/179 (460)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل 1/ 516(749).


[6] رواه البخاري في أبواب التهجد، باب قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالليل في رمضان وعيزه 1/385 (1096)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي -صلى الله عليه وسلم-في الليل 1/ 509 (738).


[7] فتاوي اللجنة الدائمة 6/95.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢