خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شرح العقيدة الطحاوية [3]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فسنعرض بإيجاز ترجمة الإمام الطحاوي وسنقف عند بعض النقاط المتعلقة بشخصية الإمام الطحاوي متجاوزين التفصيلات.
أما اسمه ونسبه فهو الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك الأزدي الحجري المصري الطحاوي ، نسبة إلى (طحا) قرية من قرى الصعيد بمصر.
ولد سنة 239هـ على الأرجح، وتوفي رحمه الله سنة 321هـ، فعلى هذا يعد من علماء القرن الثالث الهجري، وهو من أئمة القرون الفاضلة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نشأ الإمام الطحاوي في بيت علم وفضل؛ فأبوه كان من أهل العلم والبصر بالشعر وروايته، وأمه كذلك معدودة من أصحاب الشافعي الذين كانوا يحضرون مجلسه، وخاله هو الإمام المزني أفقه أصحاب الإمام الشافعي وناشر علمه.
قال ابن يونس فيما نقله عنه ابن عساكر في تاريخه: كان ثقة ثبتاً فقيهاً عاقلاً، لم يخلِّف مثله.
وقال مسلمة بن القاسم في الصلة: وكان ثقة ثبتاً جليل القدر فقيه البدن عالماً باختلاف العلماء، بصيراً بالتصنيف.
وقال فيه ابن النديم : وكان أوحد زمانه علماً وزهداً.
وقال فيه ابن عبد البر : كان من أعلم الناس بسير الكوفيين وأخبارهم وبفقههم، مع مشاركه في جميع مذاهب الفقهاء.
وقال السمعاني : كان إماماً ثقة ثبتاً فقيهاً عالماً، لم يُخلِّف مثله].
عندي: (لم يُخلِّف مثله)، ويبدو أن فيها خطأ، ولعل (لم يُخلَّف مثله)؛ لأن (يُخلِّف) لا بد من أن يكون الضمير المستتر فيها راجعاً إلى مذكور أو معهود، ولا ندري ما المعهود ولا المذكور.
قال رحمه الله تعالى: [وقال ابن الجوزي في المنتظم: كان ثبتاً فقيهاً عاقلاً فهيماً. وكذا قال سبطه.
وقال ابن الأثير في اللباب: كان إماماً فقيهاً من الحنفيين، وكان ثقة ثبتاً.
وقال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: الإمام العلامة الحافظ الكبير محدث الديار المصرية وفقيهها، ثم قال: ومن نظر في تآليف هذا الإمام علم محله من العلم وسعة معارفه].
قال رحمه الله تعالى: [هو الإمام العلامة صدر الدين أبو الحسن علي بن علاء الدين علي بن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن شرف الدين أبي البركات محمد بن عز الدين أبي العز صالح بن أبي العز بن وهيب بن عطاء بن جبير بن جابر بن وهب الأذرعي الأصل الدمشقي الصالحي الحنفي المعروف بـابن أبي العز ].
[ولادته: تتفق كتب التراجم على أنه ولد في الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، ويغلب على الظن أنه ولد بدمشق].
استوقفتني كلمة في الكلام عن محنته أحببت التعليق عليها مع أنها استطراد، لكن لعل في التعليق عليها فائدة، ففي الكلام عن محنته قال: [كان ينحو منحى التجديد والأصالة]، فهذه الكلمة قد تلفت النظر، فما معنى التجديد والأصالة؟ ربما يفهم بعض الناس أن هناك تناقضاً بين التجديد والأصالة، والحقيقة أن تجديد الدين ورد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر بأن الله سبحانه وتعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها أمر دينها، ولذلك كثر الكلام في التجديد، لا سيما في الآونة الأخيرة عندما ظهرت المذاهب العصرانية العقلانية التجديدية التي تتبنى مذاهب وأفكاراً حديثة وتريد أن تصبغها بصبغة الإسلام، وكان الخطأ ناشئاً عن فهم التجديد وعن مفهوم التجديد، وباستقراء أقوال أهل العلم الذين تكلموا في مفهوم التجديد قديماً وحديثاً ممن يعتد بأقوالهم من أئمة السلف نجد أن التجديد يدور حول معنى متقارب عند جميع من عرفوه ممن يعتد بأقوالهم من المحققين، وهو أن التجديد استئناف الدين لا استبداله، استئناف الدين، أي: تجديده علماً وتأصيلاً، ثم تجديده عملاً وقدوة، وتجديد النهج الذي كان يسير عليه السلف الصالح، بمعنى: اعتقاده من جديد بعد ما اندثر، والعمل به من جديد بعدما اندثر، وليس المقصود بالتجديد استبدال العقيدة بعقيدة ولا الأصول بأصول ولا المناهج بمناهج ولا القواعد بقواعد جديدة، وأرى أن كثيراً ممن تكلموا عن التجديد -خاصة أصحاب الاتجاهات العصرانية من الإسلاميين إن صح التعبير- نكسوا هذا المفهوم وقلبوه، فزعموا أن التجديد هو استحداث مناهج جديدة، واستحداث أصول جديدة، واستحداث أفكار جديدة تتعلق بأصول الدين، وكذلك استحداث مظاهر للسلوك جديدة توائم العصر وتوائم المدنية والحضارة الغربية المعاصرة.
وأقول: هذا فهم منكوس تماماً، بل أرى أن من المعلوم بالضرورة أن هذا الفهم معكوس؛ لأن تجديد الدين هو إحياؤه من جديد، إحياؤه بعدما طرأت عليه البدع والمحدثات، وإحياؤه بعدما تغير في سلوك الناس، وإحياؤه بعدما ترك في التطبيق، فالمقصود بتجديد الدين هو العمل به كما عمل به أئمة السلف عقيدة وعملاً، وليس المقصود بتجديد الدين استحداث قواعد جديدة ولا مناهج جديدة، لا في العلوم ولا في العقيدة ولا في الأعمال.
إذاً: من معاني التجديد نفي ما طرأ وما حدث من البدع والمحدثات، سواء في الأفكار والقواعد أو في الأعمال.
حكم التجديد في الوسائل
وليس المراد ارتكاب أي وسيلة، فالوسائل تحكم بالمصالح والمفاسد وتحكم بقواعد الشرع وبالفقه، أي أن الوسائل ليست بمعزل عن رأي الإسلام، بمعنى أنه ليس كل وسيلة يعمل بها البشر لا بد من أن تباح لمجرد أن تكون دنيوية، فهناك أصول في استعمال الوسائل، وهي أصول الاستدلال وأصول الشرع وأصول الاستنباط وقواعد الدين وأصول الفقه، فهذه أمور يحكم بها أهل العلم لمعرفة ما الوسائل المباحة؟ وما الوسائل المحرمة؟ لكن قصدي أن كون الوسيلة جديدة لا يعني أنها بدعة.. هذا ما أقصده، لا تدخل الوسائل في المبتدعات ولا في المحدثات، إنما الذي يدخل في المبتدعات والمحدثات هو ما يتعلق بالعقائد وما يتعلق بالسنن المنصوص عليها وما يتعلق بالعبادات، فهذه الأمور هي تشريعية توقيفية في أصولها، أو هي توقيفية في نصوصها ولو كانت اجتهادية في الاستنباط، وهي التي لا يجوز الابتداع فيها، وتبقى مسألة الوسائل وعرضها على الشرع وما يجوز فيها وما لا يجوز، هذا هو مجال أهل العلم وأهل الاجتهاد.
وأما تجديد الوسائل فليس ممنوعاً، فالوسائل من شئون الدنيا البحتة التي لكل أهل عصر أن يستحدثوا فيها ما شاءوا، بل من ضرورات الحياة أن تستحدث الوسائل بقدر ما يحدث للناس من مستجدات الحياة، والوسائل لا دخول لها في تجديد الدين، بل من تجديد الدين استخدام أحدث الوسائل لإحياء ما اندثر منه ولإماتة البدع ولإظهار السلوك الذي كان عليه السلف الصالح، فهذا من تجديد الدين، وأي منحى للتجديد لا يعتبر الوسائل ولا يعتد بها أو لا يستعملها لا ينجح في الغالب ولا يستقيم؛ لأن هذه سنة من سنن الحياة، فمن سنن الله في خلقه أن تكون الوسائل المعاصرة هي التي بها تقوم الأمم وتستقيم أحوالها، أي: الوسائل الدنيوية البحتة، ومن أراد أن ينقل الأمة في وسائلها إلى الصدر الأول فإنه سيقع في الحرج ويحرج الأمة، والأمة كانت تستحدث من الوسائل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة والقرون الثلاثة الفاضلة بقدر ما تحتاج إليه، حتى وسائل الجهاد، ووسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووسائل الدعوة، وقد كان الصحابة يستعملون ما لم يعرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم فتحوا أقاليم جديدة، فدخل في الإسلام شعوب جديدة، وجاءت مفاهيم للناس في الأساليب وفي الأعمال والوسائل لا بد من تجديد فيها، فهذا أمر لا صلة له بالأصول والمناهج، فالدين يقوم على العقيدة والعمل، والعقيدة والعمل إنما يستقيمان بمنهج هو سبيل المؤمنين، والتجديد يشمل الأمور الثلاثة: العقائد، والأعمال، والمنهج الذي به تستقيم العقائد وتستقيم الأعمال، وهذا هو الذي يكون تجديده إحياءه من جديد، وهذه الأمور لا تختلف منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة، فالدين في أصوله ومناهجه وفي السنن الظاهرة والأعمال التي تتعلق بسنن الدين لا يختلف أبداً، إنما الذي تختلف هو شئون الدنيا، وللناس أن يحدثوا في شئون دنياهم ما يشاءون مما يخدم الدين ويقيم الحجة، وينصر الدعوة.
وليس المراد ارتكاب أي وسيلة، فالوسائل تحكم بالمصالح والمفاسد وتحكم بقواعد الشرع وبالفقه، أي أن الوسائل ليست بمعزل عن رأي الإسلام، بمعنى أنه ليس كل وسيلة يعمل بها البشر لا بد من أن تباح لمجرد أن تكون دنيوية، فهناك أصول في استعمال الوسائل، وهي أصول الاستدلال وأصول الشرع وأصول الاستنباط وقواعد الدين وأصول الفقه، فهذه أمور يحكم بها أهل العلم لمعرفة ما الوسائل المباحة؟ وما الوسائل المحرمة؟ لكن قصدي أن كون الوسيلة جديدة لا يعني أنها بدعة.. هذا ما أقصده، لا تدخل الوسائل في المبتدعات ولا في المحدثات، إنما الذي يدخل في المبتدعات والمحدثات هو ما يتعلق بالعقائد وما يتعلق بالسنن المنصوص عليها وما يتعلق بالعبادات، فهذه الأمور هي تشريعية توقيفية في أصولها، أو هي توقيفية في نصوصها ولو كانت اجتهادية في الاستنباط، وهي التي لا يجوز الابتداع فيها، وتبقى مسألة الوسائل وعرضها على الشرع وما يجوز فيها وما لا يجوز، هذا هو مجال أهل العلم وأهل الاجتهاد.
قال رحمه الله تعالى: [ بسم الله الرحمن الرحيم، حسبي الله ونعم الوكيل، الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإنه لما كان علم أصول الدين أشرف العلوم -إذ شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع؛ ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين: الفقه الأكبر- وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه].