خطر السحر والشعوذة على الأسرة


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن من أخطر الأمراض التي أصابت مجتمعنا في الآونة الأخيرة الأمراض التي تنتج عن السحر والشعوذة والعين، فهذه الأمراض من السحر والشعوذة وما ألحقته بالمسلمين مجتمعات وأفراد وأسر من أضرار إنما هي أعراض لأمراض كبرى وخطيرة هي أمراض القلوب والنفوس كما سيأتي بيانه.

وفي بدء الكلام عن هذا الموضوع الخطير يحسن التعريف بالسحر والشعوذة.

السحر: عمل خفي يؤثر على الإنسان إما في عقله أو بدنه أو قلبه أو نفسه أو في بعضها أو جميعها، ويتم بعقد وبغير عقد، وبطلاسم وبأمور أحياناً تكون محسوسة وظاهرة، وأحياناً تكون خفية، وأغلب السحر من عمل الشياطين من شياطين الإنس والجن.

وكذلك الشعوذة: هي نمط من أنماط السحر، وأعمال يعملها الدجال أو الممخرق يخفى سببها على الناس، لكنها أمور معلومة عند أهلها الذين يتناولونها، سواء كانت هذه الأمور معنوية أو حسية، والشعوذة كذلك من عمل الشياطين، ونلاحظ في الآونة الأخيرة كثرة ما ابتلي به الناس في هذا العصر من غوائل السحر والعين والشعوذة من الأمراض النفسية والأوهام والقلق والهموم والغموم، نسأل الله العافية، وما ينتج عن ذلك من الحزن وضيق الصدر والخوف والهلع، ثم ما نتج عن هذا أيضاً من آثار ظاهرة على الأسرة المسلمة والمجتمع من فساد ذات البين وتفكك الأسر، وما ينتج عن ذلك من خلافات بين الزوجين تصل إلى الخصام، ومن خلافات بين الأقارب: بين الآباء والأبناء، وبين الإخوة وبين الأقارب من الأعمام والأخوال.. وغيرهم والأرحام والجيران، وانفصام عرى الوشائج والقربى بين الناس، بل كثرة آثار السحر والشعوذة في الناس أدى إلى كثرة الخصام وتعقد المشكلات التي أتعبت الناس، وأتعبت الجهات الأمنية والقضاء، وصارت من أعقد المشكلات التي أوقعت في الناس الكثير من الكوارث والأضرار الجسيمة، التي تؤدي أحياناً إلى إزهاق النفوس، وإلى إلحاق الأضرار البالغة، وانتشار الفساد في العقائد والأخلاق وشيوع الفواحش والفساد الأخلاقي؛ بسبب انفصام الأسر، ونحن نعلم جميعاً أن من أبرز أسباب الانحراف الخلقي بين ناشئة المسلمين: هو الانفصام في الأسر من افتراق الأب والأم (الزوجين) أو الأقارب بعضهم عن بعض مما يؤدي إلى تفلت الشباب والأبناء، وعدم وجود من يرعاهم في هذا الجو الذي كثرت فيه العوارض والقواطع والجوارف التي تجرف الناس عن الفطرة السليمة، وعن العقيدة الصحيحة، وعن الفضيلة.

الغفلة عن ذكر الله

إن ظهور أعراض السحر والشعوذة ما هو إلا سبب لعرض رئيس وسبب لمرض أكبر من ذلك وهو كثرة المعاصي في الناس اليوم، وإعراض الناس عن دين الله عز وجل وشرعه، والغفلة عن ذكر الله وعن شكره، والله عز وجل ذكر لنا ذلك لو كان هناك من متدبر، فقال عز وجل: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

وقال سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124].

فهذه الأمور ما هي إلا نوع من أنواع المعيشة الضنك، لما أعرض الناس عن ذكر الله عز وجل ولم يشكروا نعمه، ولما غفلوا عن الأسباب الشرعية التي سيأتي ذكر شيء منها قست قلوبهم، وفسدت أعمالهم وقل توكلهم على الله عز وجل، وارتبطت قلوبهم بالأسباب، وضعفت هممهم في العبادة والطاعة؛ فهيمنت عليهم الشياطين والأوهام، ووكلهم الله إلى غيره حينما أعرضوا عنه، كما قال سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36]، وكما تعلمون أن السحر والشعوذة والعين والمصائب من عمل الشيطان، وما ذلك إلا لإعراض الناس عن ذكر الله.

وقال عز وجل: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، أي من الإعراض عن ذكر، والإعراض عما أوجب الله، والوقوع فيما نهى الله من المعاصي والفواحش.. وغير ذلك من الأمور التي توقع الناس في مثل هذه الغوائل، بل السحر والشعوذة والعين وما ينتج عن ذلك من أمراض نفسية وضيق الصدر.. ونحو ذلك كله لا يحصل إلا نتيجة للإعراض عن ذكر الله والغفلة عن ذلك.

والإعراض عن الذكر والوقوع في المعاصي والآثام يضعف الإيمان، ويفسد القلوب، وإذا ضعف الإيمان وفسدت القلوب ضعف التوكل على الله، وإذا ضعف التوكل على الله تطلع الناس إلى الأسباب المادية، ووكلهم الله إليها وهي لا تنفعهم، بل تضرهم.

ثم ينتج عن الإعراض عن دين الله عز وجل قلة التفقه في دين الله، فيجهل الناس الأحكام، فيقعون فيما لا يجوز عن تقصير وجهل، ولذلك نجد أكثر ما أوقع بعض المسلمين الذين بقيت عندهم بعض سمات الفطرة، أكثر ما يوقعهم في أعمال السحر والشعوذة الجهل بالأحكام الشرعية، وعدم فقه الأمور التي تتعلق بالرقية، وقبل ذلك بذل أسباب الحماية من الأوراد، ومتى تكون؟ وكيف تكون؟ والأسباب الشرعية الأخرى من إقامة الفرائض، والبعد عن المنكرات، وفعل الخيرات والصدقات، والإكثار من تلاوة القرآن ومن ذكر الله والاستغفار، كل هذه الأمور أكثر الناس يجهل أحكامها وآثارها الطيبة في النفوس، وربما أن أكثر المسلمين يعرفون أشياء كثيرة من المعارف العامة، لكنهم يجهلون أكثر ما يتعلق بدينهم وما يتعلق بعلاقتهم بربهم عز وجل، وإن عرفوا لم يعملوا، وعدم عملهم بما يعرفون يستوجب النسيان والغفلة، فقلة الفقه في دين الله والجهل بحدود الله وأحكام الشرع أوقع الكثير من المسلمين في مثل هذه الأمور، حتى صاروا ضحايا لغوائلها وآثارها المدمرة على الأسرة، ونتج عن ذلك ضعف التحصن بالأسباب الشرعية التي جعلها الله محصنات تحمي المسلم بإذن الله عز وجل.

المحصنات الشرعية كثيرة:

أولها: توحيد الله عز وجل من قلب واع، ومن عقل عارف بدين الله عز وجل، ثم ما يلزم منه من إقامة الفرائض والسنن وتلاوة القرآن وعمل الخيرات وعمل الصدقات، وعمل الورد اليومي الذي جعله الله عز وجل تحصيناً للمسلم في صباحه ومسائه.

فضعف الإيمان في القلوب وقلة الفقه في الدين وضعف التحصن بالمحصنات الشرعية كل هذا جعل الشيطان يهيمن على الناس، وجعل المعاصي هي الأصل في أعمال كثير من المسلمين الآن، فجلب الناس المعاصي إلى أنفسهم وإلى بيوتهم، جلبوا وسائل الفساد والآثام في البيوت والأسواق، وجلبوا كل ما يحضر الشياطين ويطرد الملائكة في النفوس وفي البيوت وفي الأسواق وفي كل مكان، كالصور، وآلات اللهو، والمعازف، والأجراس، إضافة إلى قلة الذكر والشكر كما قلت، وقلة تلاوة القرآن، فكل ذلك مما جلب الآثام والفواحش وأفسد العقائد والأخلاق، وحصد الحسنات حصداً.

إذاً: لقد صار الشيطان قريناً وضجيعاً لأكثر الناس؛ بسبب الغفلة عن ذكر الله، وجلب ما يضر من الآلات والوسائل، كل هذا ومثله مما تعرفونه لاشك أنه يهيئ النفوس والأبدان لأن تعبث بها الشياطين شياطين الجن والإنس، فمن هنا تكثر آثار السحر والشعوذة بين الناس اليوم.

أثر الشيطان الرجيم على الإنسان

من هنا أحب أن أقف وقفة فيما ورد في القرآن والسنة من أثر الشيطان الرجيم على ابن آدم، وغفلة الناس اليوم عن هذه الحقيقة، يقول الله عز وجل عن الشيطان لعنه الله: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] يعني: ييسر ويزين للإنسان الفحشاء، ثم ذكر وسائل الفحشاء فقال عز وجل: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91]، فالخمر والميسر هما أمهات الخبائث وغيرهما تبعاً لهما.

وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21].

وقال سبحانه: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ [النمل:24].

وقال سبحانه: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ [المجادلة:19].

وقال عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] أي: قرين يصاحبه ويخالطه ويشاركه في أكله وشربه ونومه كما ورد في السنة، فما بالكم بإنسان قرينه الشيطان وجليسه وضجيعه؟ لاشك أنه سيكون فريسة سهلة للسحر والسحرة والشعوذة والمشعوذين.

وقال سبحانه عن الشيطان: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [الإسراء:64] يعني: أن الله عز وجل سلط الشيطان على بني آدم، وجعله من أسباب ضلالهم وشقائهم وعذابهم في الدنيا والآخرة، وجعل وسائل الشيطان من الأسباب الصارفة للناس عن الخير، والله عز وجل استثنى من هؤلاء عباده المخلصين، قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الإسراء:65] والمسلم لا يسلم من الشيطان بمجرد أن يتسمى بكونه مسلماً أو أن يقر بأنه مؤمن، بل لابد من الجهاد، وبذل الأسباب التي بها يسلم بإذن الله من غوائل الشيطان وجنوده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً عن أثر الشيطان في بني آدم، يقول: (يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقدة) ثم ذكر أنه يصبح سعيداً نشيطاً.. إلى آخر الحديث، فهذا الحديث الصحيح مخصص لعموم الآية، خصص النبي صلى الله عليه وسلم العموم بمن بذل الأسباب الشرعية، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن من قرأ آية الكرسي؛ فإن الله يحفظه من الشيطان.

إذاً: الأصل في المسلم إذا لم يبذل الأسباب الشرعية من ذكر الله عز وجل وصلى وقام بما يجب، فإن الأصل أن الشيطان يصاحبه حتى في نومه ويعقد عليه هذه العقد الثلاث.

ومن الأسباب الشرعية: قراءة آية الكرسي، وأيضاً: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، والمعوذتين عند النوم، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذه وغيرها تطرد الشيطان.

وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن للشيطان جنوداً يعملون الفساد في الناس، وأن أحب هؤلاء الجنود للشيطان الذي يفرق بين الرجل وامرأته؛ لأن التفريق بين الرجل وامرأته، يعني: فساد الأسرة، الرجل والمرأة يلحق بهما أبناء وبنات وإخوة وأخوات وآباء وأمهات، فالشيطان أو الإنسان الذي يسلطه الشيطان إذا فرق بين الرجل وامرأته شتت أمر الأسرة، فتشتت في دينها ودنياها.

وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأسواق معركة الشيطان، ينصب بها رايته، كما رواه مسلم ، فينبغي للمسلم ألا يغتر بنفسه، وألا يستهين بأمر الشيطان؛ فإنه مسلط عليه، بل إن الشيطان حاول في الأنبياء، لكن الله عصمهم منه، فلا يأخذ المسلم الغرور والجهل والكبر، فيقول: أنا مسلم، وأنا ملتزم، وأنا لا يمكن أن يقربني الشيطان، بل تقول: ينبغي للمرء إذا أراد أن يحمي نفسه من غوائل الشيطان وآثار ذلك أن يعمل الأسباب الشرعية، وقد تعرض إبليس لعنه الله لأبينا آدم وأخرجه من الجنة، وتعرض لإبراهيم، لكن الله كفاه إياه وأعاذه منه، وتعرض لموسى، وتعرض لعيسى، وتعرض لداود وسليمان، وتعرض لنبينا صلى الله عليه وسلم، لكن الله كفاه إياه، فالشيطان تعرض لأخلص أولياء الله وما عصمهم منه إلا ما أعطاهم الله عز وجل من الأسباب الشرعية، فلا يقول: أنا مسلم وأعرف أن الشيطان عدوي ثم يقعد دون بذل الأسباب التي تحميه من الشيطان وغوائله وإفساده، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أن كل إنسان معه قرين، وهذا القرين هو الغالب إلا من عصم الله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا للصحابة، فقالوا: (وأنت يا رسول الله! قال: وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)، كل إنسان معه قرين، فإذا لم يكن القرين صالحاً أو أن الإنسان لم يبذل الأسباب الشرعية لدفع شره فالغالب أن القرين يؤزه إلى الشر وإلى الرذيلة وإلى الغفلة عن ذكر الله، ويدفعه إلى ترك الواجبات وإلى فعل المحرمات.

إذاً: نخلص إلى أن أعظم أسباب وقوع الناس في آثار السحر والشعوذة وما ينتج عنها من أمراض وأخطار ومشكلات ناتج عن الإعراض عن ذكر الله وعن شكره.

جلساء السوء

من الأمراض الشائعة في مجتمعنا اليوم، ومن أعظم ما يوقع الكثير من الناس في آثار السحر والشعوذة: جلساء السوء من الجنسين بين الرجال وبين النساء، خاصة الشباب والشابات، فإن دعاة السوء اليوم كثر، وأسباب السوء والدوافع إليه قوية وعنيفة تدفع الشباب إلى ذلك دفعاً.

ولذلك نجد أن دعاة السوء اليوم استطاعوا أن يوغلوا في الأمة في إفساد شبابها وبناتها، إلى حد جعل المشكلة أكبر من أن تعالج بمجرد الجهود الفردية، ثم ما يستتبع ذلك من ظهور المسكرات والمخدرات.. ونحو ذلك والتدخين، فإنها غالباً طعمة سوء، من وقع فيها صار من حزب الشيطان إلا من عصم الله.

استقدام العمالة والخدم والخادمات

من الأسباب الرئيسة لانتشار السحر والشعوذة في الناس: استقدام العمالة إما من كفار أو مسلمين جهلة الخدم والخادمات، هؤلاء غالباً يتسلحون بالسحر، ويكيدون الناس لأدنى سبب بالسحر.

وهذه الظاهرة شاعت في مجتمعنا من خلال الخدم والعمالة لأسباب كثيرة، لعل من أهمها:

كثرة ما يقع على الخدم من ظلم، فيكيدون، وأغلب هؤلاء الخدم ممن لا يخافون الله عز وجل، وأيضاً في شعورهم بالغربة يجدون أن هذه هي أسهل طريقة للانتقام من خصومهم.

وأغلب هؤلاء يتسلحون بالسحر والاستعداد له قبل أن يأتوا، يوصي بعضهم بعضاً، السابق يوصي اللاحق، وقد تواتر هذا، خاصة في الخادمات، فلذلك نجد أغلب الخادمات تأتي مستعدة لأسباب عمل السحر فيمن يكيدها، أو للدفاع عن نفسها لأدنى سبب، ومن هنا كان أكثر ما يظهر في الأسر من السحر من خلال هذه الفئة، ولذلك ينبغي أن تعالج هذه المشكلة من عدة وجوه:

أولاً: يجب على المسلم ألا يستقدم خادم ولا خادمة إلا عند الضرورة القصوى وليتق الله عز وجل.

ثانياً: إذا ابتلي بالخادمة فعليه أن يحتاط باختيار النوع والديانة ولو تعب في ذلك.

ثالثاً: ينبغي أن يحرص على أن يرعى الخادم والخادمة التي عنده بتفقيههم في دين الله عز وجل، لاسيما وقد تيسرت عندنا وسائل تفقيه القادمين بأي لغة، من خلال المكاتب التعاونية، فإذا ابتليت الأسرة بخادم أو خادمة أو سائق فينبغي لها لأول وهلة أن تتصل بمكتب التعاون الأقرب، ويقولون: عندنا خادم أو خادمة لغته كذا نحتاج أن تعينونا في تفقيهه في دين الله عز وجل وفي تعليمه أصول دينه، وهذا أمر ميسور، وهو يدرأ كثيراً من الشر؛ لأن هؤلاء الذين يأتون أغلبهم جهلة، وربما أغلبهم يظن أن السحر مشروع، هكذا يعتقد ويظن، فلو علم أن السحر غير مشروع وهو مسلم فربما تركه وتورع عنه، وغير ذلك من الأسباب.

ثم ينبغي أن نحرص على العدل بهؤلاء وعدم الظلم لهم؛ لأن كثيراً من الذين يستقدمون العمالة يظلمونهم، والظلم يؤدي إلى ردود الفعل والانتقام للنفس بوسيلة مشروعة أو غير مشروعة، فمن هنا أظن أن أكثر الذين أصيبوا بمثل هذه المصائب من جراء الخدم يتحملون جزءاً كبيراً من مسئولية ذلك، أولاً: باستقدامهم لهؤلاء الخدم، ثم لإهمالهم لهم، ثم لما يقع منهم من ظلم أو حيف أو تقصير يضر بالخادم فيكيد، وهذا يزيد مشكلة السحر والشعوذة تعقيداً.

المبالغة في نسبة غالب الأمراض إلى السحر والعين

أصبحت هذه الظاهرة شيئاً مرعباً، حتى بالغ كثير من الناس في هذا الأمر، فالناس قد تصيبهم أمراض كثيرة: عضوية ونفسية وعقلية.. وغيرها، ولا يلزم أن يكون ذلك بسبب العين أو السحر أو الشعوذة، لكن طرق موضوع السحر والشعوذة يستفيد منه فئة من الناس وهم السحرة أنفسهم، إذا أكثروا بين الناس إشاعة أنهم مسحورون أتوا إليهم، فأخذوا أموال الناس وجلبوه إليهم، وكذلك بعض الرقاة الجهلة يفسرون كثيراً مما يعجزون عن تشخيصه بأنه سحر أو شعوذة أو عين.. أو نحو ذلك وهذا غلط وفيه تعجل.

فلذلك نجد أن فزع الناس إلى غير الأسباب الشرعية من فزعهم إلى الكهنة والعرافين والمشعوذين والوقوع في حبائلهم أكثر من هذا، وتسبب في كثرة عزوا الأشياء والأمراض إلى السحر والشعوذة، حتى أوهم هؤلاء المشعوذون والكهان والعرافون والسحرة أوهموا الناس بأمراض لم تكن فيهم، فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، كما أخبر الله عنهم، وألجئوا جهلة المسلمين إلى الوقوع في البدع والشركيات، ووقعوا في حبائل هؤلاء السحرة، فأخذوا أموالهم، لاسيما أن الناس قد يفتنون أحياناً بحالات نادرة يحدث أن يستفيد واحد فائدة قدرها الله عز وجل قدراً فائدة من سؤال عراف فيفتن الناس بهذا العراف، مع أن الأصل فيه الكذب، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يصدقون مرة واحدة ويكذبون تسعة وتسعين، يضيفون إلى الصدق تسعة وتسعين كذبة، فبذلك يلبسون على الناس.

ثم أيضاً أن أكثر المشعوذين والدجالين يتظاهرون للناس على أنهم من أهل الصلاح، وأنا أعجب من غفلة كثير ممن يذهبون إلى هؤلاء السحرة والمشعوذين ويسألونهم عن أحوالهم، ثم يأتون ليزكوهم ويقولوا: والله فلان جئناه ووجدناه يتلو آيات من كتاب الله، وما شاء الله يسبح ويهلل، نعم هذا من تلبيس الشياطين، ما يستطيع أن يأخذ أموالك وفلوسك إلا إذا أظهر لك أنه تقي وصالح، وأنه يسبح ويهلل، لكن لا تنسى أنه شيطان من الشياطين، ولا تنسى أنه عراف وساحر، فمن هنا فتن الناس بهؤلاء، فلما فتنوا بهم، تعلقوا بهم ولما تعلقوا بهم صار هؤلاء السحرة والمشعوذين ينسبون كل أمراض الناس إلى السحر والشعوذة، يقولون: أنت مسحور، والذي سحرك فلان أو فلانة، وسحرت في مكان كذا، وهذا كله كذب.

وغالباً أن الساحر إضافة إلى أنه يريد أن يأخذ أموال الناس غالباً تجده يتقصد التفريق بين الأسر، فينسب السحر مثلاً إلى الأب أو إلى الأم أو إلى العمة أو إلى الصديق، ويقول: سحرك فلان، ويكون فلان هذا إما قريبك وإما صديقك وإما جارك وهو يكذب، لكنه حصل ما يريد من وقوع الفتنة بين الناس، ثم إنه حصل ما يريد من جانب آخر وهو استجلاب أموال الناس.

قد يقول بعض الناس: إن هناك من استفاد أو عرف موطن السحر من خلال ساحر، أقول: هذا قد يحدث في المائة واحد أو أقل، لكن يحدث منه من الأضرار ما الله به عليم، وقد يكون الله عز وجل دفع المرض بسبب آخر، فتوهم الناس أنه بسبب الساحر هذا أمر.

الأمر الآخر: أن الذين يذهبون إلى الكهنة لو سألتم أي واحد منهم لوجدتم أن هؤلاء الكهنة كل منهم يقول بقول لا يوافق الآخر، بل لابد أن يكذب الآخر، فيأتي هذا المريض المسكين ويقول: ذهبت إلى فلان من الكهنة وقلت له كذا وكذا وقال لي: كذا وكذا، فيقول الساحر الثاني: لا، يكذب، أنا الذي أعرف وأنا الذي أستطيع، وهذا لم يخبرك بالحقيقة.. إلى آخره، لا يتفقون، وهذا دليل على كذبهم.

الخلاصة أن أغلب ما يوقع الناس ويوهمهم بأن ما يجدونه من أمراض عضوية أو نفسية سحر أو شعوذة أغلبه من الكذب، أغلبه ليس سحراً ولا شعوذة، وإنما هي أمراض عادية سيأتي ذكر شيء منها؛ لأن بعض الأمراض العضوية تسبب أشياء وهمية ونفسية وعقلية، فالإنسان بدل ما يذهب ويتطبب ويتداوى بالدواء الطبيعي والشرعي ربما يستعجل فيذهب إلى الكهنة فيوقعونه في الأوهام، فيظن أنه مسحور وليس بمسحور، أو أن فيه عيناً وليس فيه عين.

فأقول: أغلب ما ينسب من السحر والشعوذة أغلبه من الأوهام، وربما يرجع إلى أمراض نفسية أو عضوية يكون علاجها بالعلاج الطبيعي والعلاج الشرعي، الذي سيأتي كما ذكرت شيء منه.

إن ظهور أعراض السحر والشعوذة ما هو إلا سبب لعرض رئيس وسبب لمرض أكبر من ذلك وهو كثرة المعاصي في الناس اليوم، وإعراض الناس عن دين الله عز وجل وشرعه، والغفلة عن ذكر الله وعن شكره، والله عز وجل ذكر لنا ذلك لو كان هناك من متدبر، فقال عز وجل: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

وقال سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124].

فهذه الأمور ما هي إلا نوع من أنواع المعيشة الضنك، لما أعرض الناس عن ذكر الله عز وجل ولم يشكروا نعمه، ولما غفلوا عن الأسباب الشرعية التي سيأتي ذكر شيء منها قست قلوبهم، وفسدت أعمالهم وقل توكلهم على الله عز وجل، وارتبطت قلوبهم بالأسباب، وضعفت هممهم في العبادة والطاعة؛ فهيمنت عليهم الشياطين والأوهام، ووكلهم الله إلى غيره حينما أعرضوا عنه، كما قال سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36]، وكما تعلمون أن السحر والشعوذة والعين والمصائب من عمل الشيطان، وما ذلك إلا لإعراض الناس عن ذكر الله.

وقال عز وجل: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، أي من الإعراض عن ذكر، والإعراض عما أوجب الله، والوقوع فيما نهى الله من المعاصي والفواحش.. وغير ذلك من الأمور التي توقع الناس في مثل هذه الغوائل، بل السحر والشعوذة والعين وما ينتج عن ذلك من أمراض نفسية وضيق الصدر.. ونحو ذلك كله لا يحصل إلا نتيجة للإعراض عن ذكر الله والغفلة عن ذلك.

والإعراض عن الذكر والوقوع في المعاصي والآثام يضعف الإيمان، ويفسد القلوب، وإذا ضعف الإيمان وفسدت القلوب ضعف التوكل على الله، وإذا ضعف التوكل على الله تطلع الناس إلى الأسباب المادية، ووكلهم الله إليها وهي لا تنفعهم، بل تضرهم.

ثم ينتج عن الإعراض عن دين الله عز وجل قلة التفقه في دين الله، فيجهل الناس الأحكام، فيقعون فيما لا يجوز عن تقصير وجهل، ولذلك نجد أكثر ما أوقع بعض المسلمين الذين بقيت عندهم بعض سمات الفطرة، أكثر ما يوقعهم في أعمال السحر والشعوذة الجهل بالأحكام الشرعية، وعدم فقه الأمور التي تتعلق بالرقية، وقبل ذلك بذل أسباب الحماية من الأوراد، ومتى تكون؟ وكيف تكون؟ والأسباب الشرعية الأخرى من إقامة الفرائض، والبعد عن المنكرات، وفعل الخيرات والصدقات، والإكثار من تلاوة القرآن ومن ذكر الله والاستغفار، كل هذه الأمور أكثر الناس يجهل أحكامها وآثارها الطيبة في النفوس، وربما أن أكثر المسلمين يعرفون أشياء كثيرة من المعارف العامة، لكنهم يجهلون أكثر ما يتعلق بدينهم وما يتعلق بعلاقتهم بربهم عز وجل، وإن عرفوا لم يعملوا، وعدم عملهم بما يعرفون يستوجب النسيان والغفلة، فقلة الفقه في دين الله والجهل بحدود الله وأحكام الشرع أوقع الكثير من المسلمين في مثل هذه الأمور، حتى صاروا ضحايا لغوائلها وآثارها المدمرة على الأسرة، ونتج عن ذلك ضعف التحصن بالأسباب الشرعية التي جعلها الله محصنات تحمي المسلم بإذن الله عز وجل.

المحصنات الشرعية كثيرة:

أولها: توحيد الله عز وجل من قلب واع، ومن عقل عارف بدين الله عز وجل، ثم ما يلزم منه من إقامة الفرائض والسنن وتلاوة القرآن وعمل الخيرات وعمل الصدقات، وعمل الورد اليومي الذي جعله الله عز وجل تحصيناً للمسلم في صباحه ومسائه.

فضعف الإيمان في القلوب وقلة الفقه في الدين وضعف التحصن بالمحصنات الشرعية كل هذا جعل الشيطان يهيمن على الناس، وجعل المعاصي هي الأصل في أعمال كثير من المسلمين الآن، فجلب الناس المعاصي إلى أنفسهم وإلى بيوتهم، جلبوا وسائل الفساد والآثام في البيوت والأسواق، وجلبوا كل ما يحضر الشياطين ويطرد الملائكة في النفوس وفي البيوت وفي الأسواق وفي كل مكان، كالصور، وآلات اللهو، والمعازف، والأجراس، إضافة إلى قلة الذكر والشكر كما قلت، وقلة تلاوة القرآن، فكل ذلك مما جلب الآثام والفواحش وأفسد العقائد والأخلاق، وحصد الحسنات حصداً.

إذاً: لقد صار الشيطان قريناً وضجيعاً لأكثر الناس؛ بسبب الغفلة عن ذكر الله، وجلب ما يضر من الآلات والوسائل، كل هذا ومثله مما تعرفونه لاشك أنه يهيئ النفوس والأبدان لأن تعبث بها الشياطين شياطين الجن والإنس، فمن هنا تكثر آثار السحر والشعوذة بين الناس اليوم.

من هنا أحب أن أقف وقفة فيما ورد في القرآن والسنة من أثر الشيطان الرجيم على ابن آدم، وغفلة الناس اليوم عن هذه الحقيقة، يقول الله عز وجل عن الشيطان لعنه الله: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] يعني: ييسر ويزين للإنسان الفحشاء، ثم ذكر وسائل الفحشاء فقال عز وجل: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91]، فالخمر والميسر هما أمهات الخبائث وغيرهما تبعاً لهما.

وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21].

وقال سبحانه: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ [النمل:24].

وقال سبحانه: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ [المجادلة:19].

وقال عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] أي: قرين يصاحبه ويخالطه ويشاركه في أكله وشربه ونومه كما ورد في السنة، فما بالكم بإنسان قرينه الشيطان وجليسه وضجيعه؟ لاشك أنه سيكون فريسة سهلة للسحر والسحرة والشعوذة والمشعوذين.

وقال سبحانه عن الشيطان: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [الإسراء:64] يعني: أن الله عز وجل سلط الشيطان على بني آدم، وجعله من أسباب ضلالهم وشقائهم وعذابهم في الدنيا والآخرة، وجعل وسائل الشيطان من الأسباب الصارفة للناس عن الخير، والله عز وجل استثنى من هؤلاء عباده المخلصين، قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الإسراء:65] والمسلم لا يسلم من الشيطان بمجرد أن يتسمى بكونه مسلماً أو أن يقر بأنه مؤمن، بل لابد من الجهاد، وبذل الأسباب التي بها يسلم بإذن الله من غوائل الشيطان وجنوده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً عن أثر الشيطان في بني آدم، يقول: (يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقدة) ثم ذكر أنه يصبح سعيداً نشيطاً.. إلى آخر الحديث، فهذا الحديث الصحيح مخصص لعموم الآية، خصص النبي صلى الله عليه وسلم العموم بمن بذل الأسباب الشرعية، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن من قرأ آية الكرسي؛ فإن الله يحفظه من الشيطان.

إذاً: الأصل في المسلم إذا لم يبذل الأسباب الشرعية من ذكر الله عز وجل وصلى وقام بما يجب، فإن الأصل أن الشيطان يصاحبه حتى في نومه ويعقد عليه هذه العقد الثلاث.

ومن الأسباب الشرعية: قراءة آية الكرسي، وأيضاً: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، والمعوذتين عند النوم، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذه وغيرها تطرد الشيطان.

وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن للشيطان جنوداً يعملون الفساد في الناس، وأن أحب هؤلاء الجنود للشيطان الذي يفرق بين الرجل وامرأته؛ لأن التفريق بين الرجل وامرأته، يعني: فساد الأسرة، الرجل والمرأة يلحق بهما أبناء وبنات وإخوة وأخوات وآباء وأمهات، فالشيطان أو الإنسان الذي يسلطه الشيطان إذا فرق بين الرجل وامرأته شتت أمر الأسرة، فتشتت في دينها ودنياها.

وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأسواق معركة الشيطان، ينصب بها رايته، كما رواه مسلم ، فينبغي للمسلم ألا يغتر بنفسه، وألا يستهين بأمر الشيطان؛ فإنه مسلط عليه، بل إن الشيطان حاول في الأنبياء، لكن الله عصمهم منه، فلا يأخذ المسلم الغرور والجهل والكبر، فيقول: أنا مسلم، وأنا ملتزم، وأنا لا يمكن أن يقربني الشيطان، بل تقول: ينبغي للمرء إذا أراد أن يحمي نفسه من غوائل الشيطان وآثار ذلك أن يعمل الأسباب الشرعية، وقد تعرض إبليس لعنه الله لأبينا آدم وأخرجه من الجنة، وتعرض لإبراهيم، لكن الله كفاه إياه وأعاذه منه، وتعرض لموسى، وتعرض لعيسى، وتعرض لداود وسليمان، وتعرض لنبينا صلى الله عليه وسلم، لكن الله كفاه إياه، فالشيطان تعرض لأخلص أولياء الله وما عصمهم منه إلا ما أعطاهم الله عز وجل من الأسباب الشرعية، فلا يقول: أنا مسلم وأعرف أن الشيطان عدوي ثم يقعد دون بذل الأسباب التي تحميه من الشيطان وغوائله وإفساده، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أن كل إنسان معه قرين، وهذا القرين هو الغالب إلا من عصم الله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا للصحابة، فقالوا: (وأنت يا رسول الله! قال: وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)، كل إنسان معه قرين، فإذا لم يكن القرين صالحاً أو أن الإنسان لم يبذل الأسباب الشرعية لدفع شره فالغالب أن القرين يؤزه إلى الشر وإلى الرذيلة وإلى الغفلة عن ذكر الله، ويدفعه إلى ترك الواجبات وإلى فعل المحرمات.

إذاً: نخلص إلى أن أعظم أسباب وقوع الناس في آثار السحر والشعوذة وما ينتج عنها من أمراض وأخطار ومشكلات ناتج عن الإعراض عن ذكر الله وعن شكره.

من الأمراض الشائعة في مجتمعنا اليوم، ومن أعظم ما يوقع الكثير من الناس في آثار السحر والشعوذة: جلساء السوء من الجنسين بين الرجال وبين النساء، خاصة الشباب والشابات، فإن دعاة السوء اليوم كثر، وأسباب السوء والدوافع إليه قوية وعنيفة تدفع الشباب إلى ذلك دفعاً.

ولذلك نجد أن دعاة السوء اليوم استطاعوا أن يوغلوا في الأمة في إفساد شبابها وبناتها، إلى حد جعل المشكلة أكبر من أن تعالج بمجرد الجهود الفردية، ثم ما يستتبع ذلك من ظهور المسكرات والمخدرات.. ونحو ذلك والتدخين، فإنها غالباً طعمة سوء، من وقع فيها صار من حزب الشيطان إلا من عصم الله.


استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
المعيار في معرفة المتشبهين بالكفار 3329 استماع
أحكام الأعياد 3185 استماع
توجيهات في طريق الصحوة 3031 استماع
مسلمات في العقيدة 3020 استماع
حقيقة التدين 2994 استماع
علامات الساعة وقيامها 2908 استماع
الوسواس أسبابه وعلاجه 2787 استماع
منهج السلف في تقرير العقيدة ونشرها والرد على المخالفين 2720 استماع
مصير الانسان 2495 استماع
مفتريات حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب 2473 استماع