شرح الأربعين النووية - الحديث الثاني [10]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

ففي الحديث: قال جبريل عليه السلام: (أخبرني عن أماراتها؟)، أي: إذا لم تكن تعلمها وأنا لن أعلمها، فهل لها أمارات وعلامات، أو لا؟

والأمارات: جمع أمارة وهي العلامة.

معنى: (أن تلد الأمة ربتها)

قال: (أن تلد الأمة ربتها، وأنت ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) ، في هذا الموضع من هذا الحديث يكثر إيراد آراء العلماء على قوله: (أن تلد الأمة).

الأمة: هي المرأة المملوكة بملك اليمين، والتي أخذت في أسارى الحرب من الميدان في المعركة؛ لأنه لا إماء إلا بقتال، أو متولدةً من أمة، وما عدا ذلك فلا رق في الإسلام.

(أن تلد الأمة ربتها)، والربة تأنيث الربِّ، وجاء في بعض الروايات: (ربّها)، أي: سيدها، وقد جاء في الحديث: (لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي ) ، لكن المقام هنا مقام بيان.

واختلفوا في معنى: (تلد الأمة ربتها) أي: سيدتها، فقيل: أن تلد تلك المرأة المملوكة بملك اليمين سيدتها التي تملكها، قالوا: وهذا موجود في زمن رسول الله، كان يؤتى بالإماء وتوزع السبايا على الرجال، ويولد لهم منهن، وهذا محمد ابن الحنفية ابن علي رضي الله تعالى عنه من سبي بني حنيفة وقيل: وهذا الوجه لا يرد على هذا الحديث؛ لأن السؤال عن أمارات تقع فيما بعد وما وقعت في ذلك الوقت.

وقيل: (أن تلد الأمة ربتها)، بمعنى: ملكها، بأن تصل السراري إلى بيوت الملك ويتسرى الملك بأمة، وتلد ولداً، ثم يتولى الولد الملك فيكون ملكاً على الرعية ومن ضمنها أمه؛ لكن يقال: كل ملك في العالم فهو ملك على الرعية وقد تكون أمه موجودة، فليس في ذلك جواب.

وقيل: هذا يدل على تفشي التسري حتى تصل الإماء إلى قصور الملوك، وكان العرب يأنفون أن يستمتعوا بالإماء ويتنافسون على الحرائر.

وقيل: قد يكثر الإماء ويكثر التسري بهن، وتباع الأمة وهي حامل، ثم تلد، ثم يشتريها رجل وتكون عنده وتلد ولداً يشتريه آخر ثم يعتقه، ثم يشتري هذا المعتق هذه المرأة التي ولدت هذا الولد، فيملك أمه وهو لا يدري.

وقيل: قد يكثر التسري، فيشتري الرجل الأمة، وتحمل منه وتضع له ولداً، ثم يبيع المالك المرأة ويبقى الولد، وتتناولها الأيدي بالبيع وتدور وتستدير وترجع إلى هذا الولد، فيشتريها وهو لا يعلم أنها أمه، وقد يستمتع بها بملك اليمين استمتاع السيد بإمائه وهو لا يدري.

وكل ذلك يقوله العلماء وينتهون بجملة واحدة، هي: أنه تنعكس المقاييس ويحصل الاختلاط وتنقلب الأوضاع، وهذا من علامات آخر الزمان، وقد جاءت النصوص في هذا الباب عديدة، وأفردها العلماء بكتب في الملاحم وأشراط الساعة وغيرها.

معنى: (وأن ترى الحفاة العراة..)

قال صلى الله عليه وسلم: (أن ترى الحفاة العراة) .

الحفاة: هم الذين لا ينتعلون في القدمين.

والعراة: الذين لا يلبسون شيئاً؛ وهل يصير الناس عرايا مثل إنسان الغابة لا يلبسون شيئاً، أو أن ذلك مبالغة في وصفهم بحالة الفقر وعدم امتلاك شيء؟ (رعاء الشاء العالة) العيلة الفقر، وكثرة العيل الأولاد، وما عال من اقتصد.

يعني: ما افتقر إنسان اقتصد في نفقاته، فالعالة: الفقراء، وغالباً أن الرعاة فقراء؛ لأن ما يرعونه من إبلٍ أو بقر أو غنم لملاكها، وهم خدمٌ عندهم مستأجرون، ثم ينقلب الوضع فيصير هؤلاء الناس وهذا الصنف يتطاولون بالبنيان، وفي رواية: (يتفاخرون).

وهل البنيان من حيث هو ممنوع؟

نجد في جانب الزهد والورع من يورد آثاراً في النهي عن البناء بالكلية؛ حتى أوردوا عن عيسى عليه السلام أنه سئل: (لِم لَم تبن بيتاً؟ قال: لا أريد أن أدع شيئاً من بعدي أذكر به).

وعن عمر بن عبد العزيز قيل له: (لم لا تبني بيتاً؟ قال: لا أريد أن أضع لبنة على لبنة ولا خوصة على خوصة).

هذا مع أننا وجدنا الصحابة والسلف لهم البيوت والرسول صلى الله عليه وسلم بنى الحجرات لزوجاته رضي الله تعالى عنهن، ولكن لم يشيد ولم يتطاول، هذا قصر سعد بن العاص موجود في العقيق، ومن أراد أن يراه فهو إلى الآن قائم بالحجارة والنورة والجص، وقد انهدم بعضه وبعضه قائم حتى اليوم، لكن العبرة بالتطاول والتفاخر، فإذا كان الأمر في هذا الباب لا لمجرد البناء ولكن للتفاخر فيه فلا بأس، فقد كانت حجرات رسول الله لأمهات المؤمنين إذا وقف الواقف ومد يده ربما نال السقف، وحينما أريد هدمها وإدخالها في المسجد قام سعيد بن المسيب وقال: ليت حجرات زوجات رسول الله بقيت؛ ليرى الناس كيف كانت حياة زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته صلى الله عليه وسلم معهن؟!

وفي أول الأمر حينما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء المسجد كان هناك بستان، فقطع النخيل ووضع الجذوع بدل السواري وسقف المسجد، فقيل في بنائه، فقال: (عريش كعريش أخي موسى)، أو قال: (الأمر أعجل من ذلك)، فأخذوه على قيام الساعة، ولكن الظاهر -والله تعالى أعلم- أنه أعجل في الزمن؛ لأن حياته صلى الله عليه وسلم وبقاءه في الدنيا محدود، ومهمته أعظم وأوسع من أن يضيع وقته في بناء عريش أو غيره، ولكن في السنة السابعة من الهجرة لما رجع من تبوك بنى المسجد بالحجر والطين.

يهمنا أن الحديث يقول: ترى هذا الصنف من الناس تنقلب مقاييسهم؛ فبعد أن كانوا عالة حفاة رعاء، فإنهم يتطاولون في البنيان فيما بعد، والتطاول ليس مجرد بناء، بل هذا بنى بيتاً من طابق ويأتي آخر بجواره ويبنيه من طابقين، ويأتي الآخر ويبنيه من ثلاثة، والآخر يبينه من أربعة، وهكذا يكون التطاول.. هذا استطال وهذا يتفاعل، والتفاعل التقابل أي: يتسابق كل منهم إلى أن يكون بناؤه أطول بناء من الآخر، ولا نريد أن ندخل في تفاصيل في هذا الباب، من أن المباني أصبحت نوعاً من أنواع الاقتصاد أو أزمة السكن، أو شيء من هذا، إنما يهمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأمر يكون من علامات الساعة.

ويأتي بعض العلماء من جانب الزهد والورع ويعيبون البناء، ولكن هذا الأمر يدخل في حياة الناس وفي اقتصادياتهم ومعيشتهم وتدابيرهم للحياة، ولا نستطيع أن نوقف هذا التقدم أو التطور، ولكن نقول: لا ينبغي أن يكون تفاخراً وتطاولاً وإيذاء، إذا كان للحاجة فلا مانع، أما للفخر والتطاول على الناس فهذا لا يجوز، وقد وضع الفقهاء قواعد لتطاول البنيان كما ينص الحنابلة.

فمن حق الجار على جاره: أن لا تطيل بناءك عليه فتسد عنه إلا بإذنه، وأن من حق جارك إذا بنيت بيتك وكان جارك بجواره ولم يبن جداراً بجوارك وأراد أن يسقف بيته، فمن حقه أن يضع أطراف خشب السقف على جدارك إذا كان في جدارك قوة تتحمل السقفين معاً، ولذا يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبه في جداره -مالي أراكم عنها معرضين، والله لألقين بها بين أكتافكم-).

قال: (أن تلد الأمة ربتها، وأنت ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) ، في هذا الموضع من هذا الحديث يكثر إيراد آراء العلماء على قوله: (أن تلد الأمة).

الأمة: هي المرأة المملوكة بملك اليمين، والتي أخذت في أسارى الحرب من الميدان في المعركة؛ لأنه لا إماء إلا بقتال، أو متولدةً من أمة، وما عدا ذلك فلا رق في الإسلام.

(أن تلد الأمة ربتها)، والربة تأنيث الربِّ، وجاء في بعض الروايات: (ربّها)، أي: سيدها، وقد جاء في الحديث: (لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي ) ، لكن المقام هنا مقام بيان.

واختلفوا في معنى: (تلد الأمة ربتها) أي: سيدتها، فقيل: أن تلد تلك المرأة المملوكة بملك اليمين سيدتها التي تملكها، قالوا: وهذا موجود في زمن رسول الله، كان يؤتى بالإماء وتوزع السبايا على الرجال، ويولد لهم منهن، وهذا محمد ابن الحنفية ابن علي رضي الله تعالى عنه من سبي بني حنيفة وقيل: وهذا الوجه لا يرد على هذا الحديث؛ لأن السؤال عن أمارات تقع فيما بعد وما وقعت في ذلك الوقت.

وقيل: (أن تلد الأمة ربتها)، بمعنى: ملكها، بأن تصل السراري إلى بيوت الملك ويتسرى الملك بأمة، وتلد ولداً، ثم يتولى الولد الملك فيكون ملكاً على الرعية ومن ضمنها أمه؛ لكن يقال: كل ملك في العالم فهو ملك على الرعية وقد تكون أمه موجودة، فليس في ذلك جواب.

وقيل: هذا يدل على تفشي التسري حتى تصل الإماء إلى قصور الملوك، وكان العرب يأنفون أن يستمتعوا بالإماء ويتنافسون على الحرائر.

وقيل: قد يكثر الإماء ويكثر التسري بهن، وتباع الأمة وهي حامل، ثم تلد، ثم يشتريها رجل وتكون عنده وتلد ولداً يشتريه آخر ثم يعتقه، ثم يشتري هذا المعتق هذه المرأة التي ولدت هذا الولد، فيملك أمه وهو لا يدري.

وقيل: قد يكثر التسري، فيشتري الرجل الأمة، وتحمل منه وتضع له ولداً، ثم يبيع المالك المرأة ويبقى الولد، وتتناولها الأيدي بالبيع وتدور وتستدير وترجع إلى هذا الولد، فيشتريها وهو لا يعلم أنها أمه، وقد يستمتع بها بملك اليمين استمتاع السيد بإمائه وهو لا يدري.

وكل ذلك يقوله العلماء وينتهون بجملة واحدة، هي: أنه تنعكس المقاييس ويحصل الاختلاط وتنقلب الأوضاع، وهذا من علامات آخر الزمان، وقد جاءت النصوص في هذا الباب عديدة، وأفردها العلماء بكتب في الملاحم وأشراط الساعة وغيرها.