خطب ومحاضرات
شرح الأربعين النووية - الحديث الثاني [5]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإنه صلى الله عليه وسلم قال: واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره .
معنى قوله: (واليوم الآخر)
واليوم: جزء من الزمن على ما يجري تقديره عندنا، ولكن اليوم الآخر على خلاف هذه الأيام؛ لأن اليوم في اللغة هو ما يعقبه الليل، وليس في يوم القيامة ليل ولا نهار بل هو يوم واحد، ولكنه ليس كأيام الدنيا.
(والآخِر والآخَر) يتغايران، (فالآخِر) مقابل الأول: (هو الأول والآخِر)، (والآخَر) بالفتح المغاير، تقول: جاء زيدٌ ورجل آخَر، وليس الآخَر هو الأخِير، ولكنه المغاير.
(والآخِر) هو النهاية، قيل سمي يوم القيامة يوم الآخِرة، واليوم الآخِر أي: بالنسبة إلى الأول وهو يوم الدنيا الذي بعده أيام؛ وذلك حينما كان العالم في العدم، فخلق الله الخلائق ثم أماتهم، فهذا يوم، ثم أحياهم في قبورهم للسؤال، وهذا يوم، ثم أماتهم إلى البعث، وذاك هو اليوم الآخِر.
وقيل الآخِر: يبدأ من ساعة خروج الروح إلى أن ينزل الناس منازلهم يوم القيامة: فهما داران لا دار للمرء سواهما؛ إما جنة وإما نار، نسأل الله السلامة والعافية.
أثر اليوم الآخر على أعمال المؤمن به
إذاً: الإيمان باليوم الآخر هو قاعدة المنطلق للتكاليف بعد الإيمان بالله ابتداءً واعترافاً بالمولى سبحانه رب العالمين، ثم بعد ذلك يؤمن باليوم الآخِر.
فإن من آمن باليوم الآخِر عمل بمقتضاه: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف:110] أي: لذلك اليوم، ولذا لو أخذنا أول ورقة في المصحف سورة الفاتحة يقول الله فيها: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:5-6] أي: نستقيم عليه حتى نلقاك، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ، ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2].
هذا الكتاب هو الهداية، والمتقون هم الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]، وأول إيمان بالغيب هو الإيمان بالبعث، والإيمان بالله ليس غيباً؛ لأنك ترى آيات القدرة الدالة على وجود الله في كل لحظة من لحظات حياتك.. ترى آيات إثبات وجود الله في شخصك ، في أكلك وشربك ونومك ويقظتك وتفكيرك، ونظرة عينك، وسماع أذنك، ونطق لسانك وتنفسك، وكل حركة أو سكون تجد قدرة الله فيها دالةً على وجوده.
لو نظرت في أي عالم من عوالم الكون لوجدت قدرة الله، لو نظرت في شروق الشمس وفي غروبها وفي انتظام هذه الأفلاك وفي إنبات النبات، لو نظرت في إنزال الماء وانشقاق الأرض وإحيائها بعد موتها وإنباتها وإيناعها بثمارها.. كيف تختلف تلك الثمار؛ تربة واحدة وتسقى بماء واحد ويختلف أكلها؛ يعجز إنسان أن يحيط ولو إجمالياً بآيات الله.
إذاً: الإيمان بالله ليس غيباً؛ لأن شواهد الحال قائمة عليه.
و(ملائكته): لقد شاهد بعض أفراد الإنس بعض أفراد الملائكة، والواحد من الجنس يكفي في الدلالة على عموم الجنس.
(وكتبه): لا يستطيع عاقل أن ينفي الكتب السماوية؛ لأنها توارت بها أخبار الأمم.
(ورسله): كل أمةٍ تشهد على من قبلها بإرسال الرسل، فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، فكل أمةٍ تشهد على من قبلها أنها جاءها رسول، وهذه الأمة شاهدةٌ على جميع الأمم بأنها جاءتها رسل الله، وقد تحتج الأمم يوم القيامة، كيف تشهدون علينا وإنما جئتم بعدنا وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41].
فنقول لتلك الأمة: نعم جئنا بعدكم وعندنا أخباركم، جاءنا بها صادق مصدوق، إذاً: الإيمان بالرسل ليس محض غيبٍ، فعندنا أخبار متناقلة ومستندها الحس، فكل أمةٍ سمعت وشاهدت وعلمت.
أما اليوم الآخر فلا دليل ملموس محسوس عليه، ما قام يومٌ آخر قبل ذلك حتى يكون عندنا علم منه، ولهذا كان الإنكار فيه شديداً، ونفت كثير من الأمم أو الطوائف شيئاً يقال له: بعث أو حياة بعد موت.
وسيأتي ما جاء في كتاب الله من أدلة ملموسة على إمكان مجيء يوم البعث حقّاً لا شك فيه.
كل التكاليف منطلقها هو الإيمان باليوم الآخر
يقول العلماء: هناك علم اليقين وهناك عين اليقين وهناك حق اليقين. فالإيمان باليوم الآخر يجب أن يكون إيماناً حقيقياً، وهو حق اليقين، وعلم اليقين: العلم الذي لا يعتريك فيه شكٌ ولا تستطيع أن تدفعه، فتعلم يقيناً بأن الكل أكثر من الجزء، والجسم أكبر من الإصبع، وتعلم أنت وكل مسلم في العالم بأن قبلته هي الكعبة، ولا يشك مسلم في ذلك، ولو أراد أن يكذب نفسه ما استطاع، فإذا ما قدر له أن جاء إلى مكة وإلى المسجد الحرام، وأطل من باب المسجد ورأى الكعبة في وسطه، هل علمه بوجود الكعبة وهو في بلده يساوي علمه بوجود الكعبة وهو يعاينها أم زاد علمه؟ زاد علمه.
فإذا ما قرب من الكعبة وطاف بها ثم فتح له الباب ودخل إليها وأخذ يتردد في أرجائها، هل يكون علمه حين عاينها كعلمه حينما دخل في وسطها؟ لا. فالأول: علم اليقين، والثاني: عين يقين، والثالث: حق اليقين، وهكذا الإيمان بالآخِرة يجب أن يكون واصلاً إلى اليقين الذي هو حق اليقين.
ولذا أنت تصلي وتحافظ على الصلوات، وتصوم وتتحمل الظمأ في شدة الحر، وتتحمل الرحلة إلى الحج، وتخرج من مالك الزكاة والصدقة موقناً بأن هناك يوماً يأتي تأخذ فيه جزاءك، وشهواتك ورغباتك تكف عنها، لماذا؟
لأنك توقن بأن هناك يوماً تأخذ فيه جزاءك أو تلقى عقابك، وهكذا جميع التكاليف أفعالاً وتروكاً منطلقها الإيمان باليوم الآخِر.
إن الكلام عن الإيمان باليوم الآخر لهو الكلام عن الإيمان بالدين كله، والإيمان باليوم الآخر لهو الإيمان بكل أحداثه ومجرياته وما يكون فيه.
واليوم: جزء من الزمن على ما يجري تقديره عندنا، ولكن اليوم الآخر على خلاف هذه الأيام؛ لأن اليوم في اللغة هو ما يعقبه الليل، وليس في يوم القيامة ليل ولا نهار بل هو يوم واحد، ولكنه ليس كأيام الدنيا.
(والآخِر والآخَر) يتغايران، (فالآخِر) مقابل الأول: (هو الأول والآخِر)، (والآخَر) بالفتح المغاير، تقول: جاء زيدٌ ورجل آخَر، وليس الآخَر هو الأخِير، ولكنه المغاير.
(والآخِر) هو النهاية، قيل سمي يوم القيامة يوم الآخِرة، واليوم الآخِر أي: بالنسبة إلى الأول وهو يوم الدنيا الذي بعده أيام؛ وذلك حينما كان العالم في العدم، فخلق الله الخلائق ثم أماتهم، فهذا يوم، ثم أحياهم في قبورهم للسؤال، وهذا يوم، ثم أماتهم إلى البعث، وذاك هو اليوم الآخِر.
وقيل الآخِر: يبدأ من ساعة خروج الروح إلى أن ينزل الناس منازلهم يوم القيامة: فهما داران لا دار للمرء سواهما؛ إما جنة وإما نار، نسأل الله السلامة والعافية.
الإيمان بهذا اليوم يعتبر القاعدة والمنطلق بعد الإيمان بالله لكل عمل من البشر، فمن آمن باليوم الآخر عمل بمقتضاه؛ فعمل الخير رجاء الثواب، وتجنب الشر مخافة الحساب.
إذاً: الإيمان باليوم الآخر هو قاعدة المنطلق للتكاليف بعد الإيمان بالله ابتداءً واعترافاً بالمولى سبحانه رب العالمين، ثم بعد ذلك يؤمن باليوم الآخِر.
فإن من آمن باليوم الآخِر عمل بمقتضاه: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف:110] أي: لذلك اليوم، ولذا لو أخذنا أول ورقة في المصحف سورة الفاتحة يقول الله فيها: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:5-6] أي: نستقيم عليه حتى نلقاك، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ، ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2].
هذا الكتاب هو الهداية، والمتقون هم الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]، وأول إيمان بالغيب هو الإيمان بالبعث، والإيمان بالله ليس غيباً؛ لأنك ترى آيات القدرة الدالة على وجود الله في كل لحظة من لحظات حياتك.. ترى آيات إثبات وجود الله في شخصك ، في أكلك وشربك ونومك ويقظتك وتفكيرك، ونظرة عينك، وسماع أذنك، ونطق لسانك وتنفسك، وكل حركة أو سكون تجد قدرة الله فيها دالةً على وجوده.
لو نظرت في أي عالم من عوالم الكون لوجدت قدرة الله، لو نظرت في شروق الشمس وفي غروبها وفي انتظام هذه الأفلاك وفي إنبات النبات، لو نظرت في إنزال الماء وانشقاق الأرض وإحيائها بعد موتها وإنباتها وإيناعها بثمارها.. كيف تختلف تلك الثمار؛ تربة واحدة وتسقى بماء واحد ويختلف أكلها؛ يعجز إنسان أن يحيط ولو إجمالياً بآيات الله.
إذاً: الإيمان بالله ليس غيباً؛ لأن شواهد الحال قائمة عليه.
و(ملائكته): لقد شاهد بعض أفراد الإنس بعض أفراد الملائكة، والواحد من الجنس يكفي في الدلالة على عموم الجنس.
(وكتبه): لا يستطيع عاقل أن ينفي الكتب السماوية؛ لأنها توارت بها أخبار الأمم.
(ورسله): كل أمةٍ تشهد على من قبلها بإرسال الرسل، فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، فكل أمةٍ تشهد على من قبلها أنها جاءها رسول، وهذه الأمة شاهدةٌ على جميع الأمم بأنها جاءتها رسل الله، وقد تحتج الأمم يوم القيامة، كيف تشهدون علينا وإنما جئتم بعدنا وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41].
فنقول لتلك الأمة: نعم جئنا بعدكم وعندنا أخباركم، جاءنا بها صادق مصدوق، إذاً: الإيمان بالرسل ليس محض غيبٍ، فعندنا أخبار متناقلة ومستندها الحس، فكل أمةٍ سمعت وشاهدت وعلمت.
أما اليوم الآخر فلا دليل ملموس محسوس عليه، ما قام يومٌ آخر قبل ذلك حتى يكون عندنا علم منه، ولهذا كان الإنكار فيه شديداً، ونفت كثير من الأمم أو الطوائف شيئاً يقال له: بعث أو حياة بعد موت.
وسيأتي ما جاء في كتاب الله من أدلة ملموسة على إمكان مجيء يوم البعث حقّاً لا شك فيه.
استمع المزيد من الشيخ عطية محمد سالم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الأربعين النووية - الحديث الثاني عشر | 3523 استماع |
الأربعين النووية - الحديث الحادي عشر [2] | 3212 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع والعشرون [3] | 3185 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الأربعون | 3134 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع [1] | 3115 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن عشر | 3068 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث العاشر [1] | 3044 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن [1] | 2995 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [2] | 2891 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الثالث والعشرون [1] | 2877 استماع |