شرح زاد المستقنع كتاب الإيلاء [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد شرع المصنف رحمه الله في بيان الأمور التي يُحكم فيها بعدم الاعتداد بالإيلاء؛ ومنها: الجنون؛ لأن الإيلاء ينعقد باليمين، ويمين المجنون لا تنعقد، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح: (رفع القلم عن ثلاثة.. وذكر منهم: المجنون حتى يفيق) .

فدل هذا على أن المجنون لا يصح إيلاؤه، وهذا محل إجماع بين العلماء، فلو قال من جُن لزوجته: والله لا أطؤك سنة، فإنه لا ينعقد اليمين، ولا تترتب عليه أحكام الإيلاء.

المجنون

قال رحمه الله: [لا من مجنون].

أي: لا يصح الإيلاء من مجنون، والجنون: مأخوذ من جن الشيء إذا استتر، ومنه سمي البستان جَنة؛ لأنه يستر من فيه؛

وذلك لأن ظلال الأشجار والزروع تمنع من رؤية الغير لمن هو تحتها، فسمي الجنون جنوناً؛ لأنه يغطي العقل ويغيبه.

والمجنون ينقسم عند العلماء إلى قسمين:

إما أن يكون جنونه مطبِقاً؛ فلا إشكال.

وإما أن يكون الجنون متقطعاً؛ فإن كان متقطعاً حُكِم بما ذكرنا حال الجنون، وحُكِم بالتكليف حال الإفاقة.

المغمى عليه

قال رحمه الله: [ومغمى عليه].

أي: ولا يصح إيلاء المغمى عليه، وقد تقدم أن العلماء رحمهم الله اختلفوا فيه:

فبعض العلماء رحمهم الله يقولون: المغمى عليه مكلف.

ومنهم من يقول: المغمى عليه ليس بمكلف، وهو في حكم المجنون، وقد تقدمت معنا مسائل عديدة في كتاب العبادات والمعاملات تتفرع عن هذا الخلاف، وأن الصحيح والأقوى: أن المغمى عليه في حكم المجنون، ولذلك لا يصح إيلاؤه، ولا تنعقد الأحكام المترتبة على وجود العقل مع مسلم.

العاجز عن الوطء

قال رحمه الله: [وعاجز عن وطءٍ لِجَبٍّ كامل أو شلل]:

الإيلاء -كما ذكرنا- أن يحلف الزوج اليمين على أنه لا يطأ زوجته المدة المعتبرة للإيلاء، التي هي أكثر من أربعة أشهر، وهذا الحلف يتضمن الإضرار بالزوجة كما ذكرنا وبينّا، وإذا ثبت أنه يضر بالزوجة فالشريعة قصدت دفع الضرر، فإذا كان الشخص عاجزاً عن الوطء أصلاً، فهذا لا يتحقق فيه السبب الذي من أجله حُكِم بالإيلاء؛ لأنه عاجز عن الوطء أصلاً، فمثله ليس بممتنع على وجه فيه ضرر.

والشريعة تحمِّل القادر، وهذا غير قادر، ولذلك قال رحمه الله: (وعاجز عن وطء)، فلا يصح الإيلاء من عاجز عن وطء؛ وهو الذي لا يستطيع وطء زوجته.

وقوله: (لِجَبٍّ) أي: لسبب قطع العضو؛ فليس عنده عضو.

وقوله: (لِجَبٍّ كامل) أي: إذا كان العضو مقطوعاً قطعاً كاملاً، فلو قال: والله لا أطؤك سنة. فإن هذا أمر غير موجود فيه أصلاً، فحلفُه وجودُه وعدمُه على حد سواء.

لكن أن يكون قادراً مستطيعاً للوطء ويقول: والله لا أطؤك، فهنا كان هذا من ظلم الزوج للمرأة؛ لكن إذا كان مقطوع العضو وقال: والله لا أطؤك، فهذا وجودُ اليمين وعدمُه فيه سواء.

ومفهوم قوله: (كامل) أنه إذا كان المقطوع بعض العضو، فالشريعة تفرق بين إزالة العضو كاملاً وبقائه كاملاً، وقد

نص العلماء رحمهم الله على أنه إذا بقي من العضو ما يمكن معه الوطء، فهذا ظالم، وحلفه اليمين يتحقق به الظلم، ولذلك يؤمر بالفيء والتكفير عن يمينه، وإلا طلق عليه الحاكم.

وقوله: (أو شلل) أي: شلل في عضوه؛ لأنه لا يستطيع أن يجامع أصلاً، أعاذنا الله وإياكم.

قال رحمه الله: [لا من مجنون].

أي: لا يصح الإيلاء من مجنون، والجنون: مأخوذ من جن الشيء إذا استتر، ومنه سمي البستان جَنة؛ لأنه يستر من فيه؛

وذلك لأن ظلال الأشجار والزروع تمنع من رؤية الغير لمن هو تحتها، فسمي الجنون جنوناً؛ لأنه يغطي العقل ويغيبه.

والمجنون ينقسم عند العلماء إلى قسمين:

إما أن يكون جنونه مطبِقاً؛ فلا إشكال.

وإما أن يكون الجنون متقطعاً؛ فإن كان متقطعاً حُكِم بما ذكرنا حال الجنون، وحُكِم بالتكليف حال الإفاقة.

قال رحمه الله: [ومغمى عليه].

أي: ولا يصح إيلاء المغمى عليه، وقد تقدم أن العلماء رحمهم الله اختلفوا فيه:

فبعض العلماء رحمهم الله يقولون: المغمى عليه مكلف.

ومنهم من يقول: المغمى عليه ليس بمكلف، وهو في حكم المجنون، وقد تقدمت معنا مسائل عديدة في كتاب العبادات والمعاملات تتفرع عن هذا الخلاف، وأن الصحيح والأقوى: أن المغمى عليه في حكم المجنون، ولذلك لا يصح إيلاؤه، ولا تنعقد الأحكام المترتبة على وجود العقل مع مسلم.

قال رحمه الله: [وعاجز عن وطءٍ لِجَبٍّ كامل أو شلل]:

الإيلاء -كما ذكرنا- أن يحلف الزوج اليمين على أنه لا يطأ زوجته المدة المعتبرة للإيلاء، التي هي أكثر من أربعة أشهر، وهذا الحلف يتضمن الإضرار بالزوجة كما ذكرنا وبينّا، وإذا ثبت أنه يضر بالزوجة فالشريعة قصدت دفع الضرر، فإذا كان الشخص عاجزاً عن الوطء أصلاً، فهذا لا يتحقق فيه السبب الذي من أجله حُكِم بالإيلاء؛ لأنه عاجز عن الوطء أصلاً، فمثله ليس بممتنع على وجه فيه ضرر.

والشريعة تحمِّل القادر، وهذا غير قادر، ولذلك قال رحمه الله: (وعاجز عن وطء)، فلا يصح الإيلاء من عاجز عن وطء؛ وهو الذي لا يستطيع وطء زوجته.

وقوله: (لِجَبٍّ) أي: لسبب قطع العضو؛ فليس عنده عضو.

وقوله: (لِجَبٍّ كامل) أي: إذا كان العضو مقطوعاً قطعاً كاملاً، فلو قال: والله لا أطؤك سنة. فإن هذا أمر غير موجود فيه أصلاً، فحلفُه وجودُه وعدمُه على حد سواء.

لكن أن يكون قادراً مستطيعاً للوطء ويقول: والله لا أطؤك، فهنا كان هذا من ظلم الزوج للمرأة؛ لكن إذا كان مقطوع العضو وقال: والله لا أطؤك، فهذا وجودُ اليمين وعدمُه فيه سواء.

ومفهوم قوله: (كامل) أنه إذا كان المقطوع بعض العضو، فالشريعة تفرق بين إزالة العضو كاملاً وبقائه كاملاً، وقد

نص العلماء رحمهم الله على أنه إذا بقي من العضو ما يمكن معه الوطء، فهذا ظالم، وحلفه اليمين يتحقق به الظلم، ولذلك يؤمر بالفيء والتكفير عن يمينه، وإلا طلق عليه الحاكم.

وقوله: (أو شلل) أي: شلل في عضوه؛ لأنه لا يستطيع أن يجامع أصلاً، أعاذنا الله وإياكم.

قال رحمه الله: [فإذا قال: والله لا وطأتك أبداً، أو عين مدة تزيد على أربعة أشهر، أو حتى ينـزل عيسى، أو يخرج الدجال، أو حتى تشربي الخمر، أو تسقطي دينك، أو تهبي مالك ونحوه فمولٍ].

قوله: (فإذا قال: والله لا وطأتك أبداً):

ذكر الله عز وجل أحكام الإيلاء في كتابه لأهميتها، وما يترتب عليها من حقوق شرعية، وهذا الإيلاء يفتقر إلى وجود صيغة ولفظ، وهذا اللفظ تارة يكون بذكر الأشهر أو المدة التي يتحقق بها الإيلاء، وتارة يعلق على صفة يتحقق بها ويوجد بها ما يوجد في التعليق على مدة الإيلاء، وتارة يكون بألفاظ محتملة.

ولذلك درس العلماء والأئمة رحمهم الله ألفاظ الإيلاء، وعلينا أن ندرك أن هذه الأمثلة الغريبة حينما يسمعها الإنسان ويستغرب منها، ليست القضية هي المثال نفسه، إنما القضية أصل المثال، وهذا هو الذي ينبغي على من يدرس الفقه.

صيغة التأبيد

وعلى طالب العلم أن ينتبه إلى أن الزوج إذا علق امتناعه عن وطء زوجته فإما أن يعلق على التأبيد ويقول: والله لا أطؤكِ أبداً، أو والله لا أطؤكِ الدهر كله، أو والله لا أطؤكِ عمري وحياتي ومدة بقائي.. فهذا كله يتحقق به الإيلاء؛ لأنه متضمن لمدة الإيلاء وزيادة، فتتحقق به مدة الإيلاء، وهي أكثر من أربعة أشهر.

وهذه يسمونها: صيغة التأبيد، أي: لم يجعل حداً من الزمان أو مدة من الزمان.

والفرق بين المؤقت والمؤبد: أنه لو أقت بمدة معينة كأن يقول: والله لا أطؤك خمسة أشهر، أو لا أطؤك سنة، فيمكن أن تقول الزوجة: أنا سأصبر عليك سنة، وسأصبر عليك خمسة أشهر، لكن لو قال: والله لا وطأتك الدهر كله، أو لا وطأتك عمري، أو لا وطأتك أبداً، أو لا أطؤكِ ولن أطأكِ أبداً، فكل هذه تدل على أنه لا يريد التأقيت وإنما يريد تأبيد الامتناع.

تعليق الإيلاء على مدة تزيد على أربعة أشهر

قال رحمه الله: (أو عين مدة تزيد).

وهذه فائدة قراءة المتون الفقهية: أنها تربي في طالب العلم ملكة التركيز والتسلسل، فتعرف من الأشياء في بعض الأحيان مقابلة بعضها لبعض، فحينما يقول: والله لا وطأتك أبداً، فهذا تأبيد، وإذا عين مدة، فنفهم أنه ضد الصورة الأولى.

لكن لو قرأت الأمثلة مجردة، فإنك لا تستطيع أن تدرك الخبايا والمقاصد التي وضع العلماء من أجلها هذه الأمثلة، فهو عندما قال: (أو عين مدة)، فحينئذٍ تفهم أن (أو) هنا للمقابلة، وأن قصده أن يأتي بصورة وهو يريد أن يقابل؛ لأنه لو اقتصر على قوله: والله لا وطأتك أبداً، أو لا وطأتك الدهر، لظن ظان أن الإيلاء لا يقع إلا إذا كان مؤبداً؛ ولذلك قال رحمه الله: [أو عين مدة تزيد على الأربعة الأشهر]، فمدة الإيلاء إما أن تزيد على أربعة أشهر، أو تكون أقل من أربعة أشهر، أو تكون أربعة أشهر، فهذه ثلاثة أحوال: والله لا أطؤكِ شهراً، والله لا أطؤكِ أربعة أشهر، والله لا أطؤكِ خمسة أشهر أو سنة.

الحالة الأولى: إذا قال: والله لا أطؤك شهراً أو شهرين أو ثلاثة، فهذه أقل من مدة الإيلاء باتفاق العلماء رحمهم الله، وجماهير السلف والخلف على أنه لا يكون إيلاءً، إلا أن بعض السلف يقول: يكون إيلاءً، وهو قول شاذ، والذي نص عليه القرآن أن الإيلاء لا يقع إلا بالمدة المعتبرة وهي أكثر من أربعة أشهر.

الحالة الثانية: أن يقول: والله لا أطؤكِ خمسة أشهر، أو أربعة أشهر ويوماً، أو أربعة أشهر وأسبوعاً، فحينئذٍ ذكر مدة الإيلاء، وشبه متفق عليه عند العلماء رحمهم الله أنه إذا زاد على أربعة أشهر فإنه مولٍ.

الحالة الثالثة: أن يذكر الأربعة الأشهر بنفسها فيقول: والله لا أطؤكِ أربعة أشهرٍ، فهذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله على قولين، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور أن الأربعة الأشهر وحدها ليست بمدة الإيلاء، وأنه لابد أن يزيد في إيلائه على الأربعة الأشهر؛ لأن الله يقول: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].

ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى جعل الأحكام المترتبة بما بعد الأربعة الأشهر، ولم يجعلها دون الأربعة الأشهر على تمامها وكمالها، فدل هذا على أن الأربعة الأشهر وحدها لا تكفي ما لم يزد عليها، فلو حلف وقال: والله لا أطؤكِ أربعة أشهر؛ فإنه مباشرة بعد انتهاء الأربعة الأشهر ستنحل اليمين، فلا وجه لإيقاف القاضي له.

وهذا وجه مذهب الجمهور رحمهم الله: أنه في تمام الأربعة الأشهر لا يكون مولياً، وأنه لابد في الإيلاء من ذكر مدة أكثر من أربعة أشهر.

وعلى هذا ذكر المصنف رحمه الله أنه يُشترط في المدة المعتبرة في الإيلاء أن تكون أكثر من أربعة أشهر، فقال: (أو عين مدة تزيد على أربعة أشهر)، سواءً كان بالأشهر كأن يقول: لا أطؤكِ خمسة أشهر، أو ستة أشهر، أو عاماً أو سنة، أو سنتين أو ثلاث سنوات.. أو نحو ذلك.

تعليق الإيلاء على أمر يبعد حصوله

قال رحمه الله: [أو حتى ينزل عيسى، أو يخرج الدجال].

الآن فهمنا أن الصورة الأولى للتأبيد، والصورة الثانية للتأقيت.

وقوله: (حتى ينزل عيسى أو يخرج الدجال) هذه أمثلة أخرى غير الأمثلة التي كنا فيها، وهي أن يعلق الإيلاء على أمر يبعد حصوله، بحيث يغلب على الظن أنه سيجاوز الأربعة الأشهر.

قال بعض العلماء: هذه الثلاث الصيغ إذا تلفظ بها انعقد الإيلاء؛ لأن الغالب أن هذه الأشياء لها أمارات وعلامات يغلب على الظن أنها لا تقع إلا بعد أربعة أشهر، بمعنى أنها تزيد على الأربعة الأشهر، هذا ما اختاره بعض العلماء والأئمة وبعض المحققين مثل الإمام ابن قدامة رحمه الله وغيره.

وبعض العلماء يقول -وهو الأوجه الأقوى-: إنه لا يكون إيلاءً بمجرد التلفظ، وإنما ينتظر مضي المدة التي هي الأربعة الأشهر، فإذا تمت المدة وزادت على الأربعة الأشهر فحينئذٍ يقع الإيلاء، بمعنى: أننا لا نعلم؛ لأن هذه أمور غيبية، فقد يكون خروج عيسى عليه السلام بعد أسبوع أو بعد شهر، فهذا شيء لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فهو وحده العليم، ولربما جاءت أمارات الساعة تلو بعضها والله على كل شيء قدير، وهو يحكم ولا معقب لحكمه، ولذلك لا نستطيع أن نقول: إنه إذا ذكر هذه الأشياء يكون مولياً مباشرة.

والذي يظهر -كما اختاره بعض أئمة السلف رحمهم الله-: أنه ينتظر إلى أن تمضي مدة الأربعة الأشهر، ثم بعد ذلك يحكم بكونه مولياً.

والفرق بين القولين: أن القول الأول يعتبره مولياً بمجرد صدور هذا الأمر منه، والقول الثاني لا يعتبره مولياً حتى يستتم الأربعة الأشهر ويتحقق أنه قد ذكر مدة يعتد بها للإيلاء.

وقوله: (أو يخرج الدجال)، هذه الأشياء ذكرها العلماء كأمثلة على ذكر ما يستبعد وقوعه ويغلب على الظن وقوعه بعد مدة الإيلاء.

تعليق الإيلاء على طلب شيء أو حدوثه

قال رحمه الله: [أو حتى تشربي الخمر].

ذكرنا التأقيت والتأبيد في الزمان، لكن الذي معنا هنا هو التعليق على حدوث شيء أو طلب شيء، وهذا فيه تفصيل:

فتارة يعلق على أمر بيد المرأة أن تفعله.

وتارة يعلق على أمر خارج عن إرادة المرأة، كأن يقول: لا أطؤكِ حتى يأتي أبي، أو لا أطؤكِ حتى أسترد مالي.. ونحو ذلك.

أو يعلق على أمور مستحيلة، سواء طلب من الزوجة أو غيرها.

ولذلك شرع المصنف رحمه الله في هذا النوع من التعليق فقال: (أو حتى تشربي الخمر) والعياذ بالله! قالوا: فإذا علق على فعل من المرأة فينقسم إلى قسمين:

إما أن يعلق على فعل مباح، أو يعلق على فعل محرم.

وإذا علق على فعل مباح بيد المرأة أن تفعله فلا يخلو أيضاً من ضربين:

إما أن يعلق على فعل مباح تتضرر المرأة بفعله، وإما أن يعلق على فعل مباح لا تتضرر منه المرأة ولا مشقة عليها في الفعل.

كأن يقول لها: والله لا أطؤكِ حتى تفتحي الباب، أو والله لا أطؤك حتى تقفلي الباب، فهذا أمر مباح، ويمكنها أن تقوم به دون وجود مشقة أو ضرر عليها.

فهذا النوع قالوا: ليس بإيلاء أصلاً؛ لأن هذا أمر بيد المرأة، وقد أصبح الشيء بيد المرأة؛ فإذا أرادت الوطء قامت به، وإن لم ترد فهذا أمر يرجع إليها، قالوا: فلا يقع به الإيلاء؛ لأنه ليس فيه ضرر، وليس بالأمر الممتنع الذي يتحقق به الإضرار بالزوجة.

أما إذا علق على فعل مباح تتضرر المرأة به وتجد فيه المشقة والعناء، فكأن يقول لها: والله لا أطؤكِ حتى تسقطي دينكِ عليّ، أو حتى تسقطي مؤخر الصداق، أو حتى تتنازلي عن حقكِ في كذا وكذا.

والحقوق المالية لاشك أن المرأة بإمكانها أن تفعل، وهو مباح لها شرعاً أن تسامح زوجها، ومن حقها أن تعطيه المال، ولكن إذا كان بدون رضى منها فهذا فيه إضرار وفيه أذية ومشقة، وهو من الأنواع التي يقع بها الإيلاء.

وأما الحالة الثانية: وهي أن يعلق على فعل محرم على المرأة، مثل قوله -والعياذ بالله-: حتى تشربي الخمر أو تزني، فهذا أيضاً يتحقق به الإيلاء؛ لأنه علق على أمر محرم، فيجعل الضرر على المرأة، والضـرر على المـرأة في هـذا وارد.

وأما إذا طلب منها أمراً ليس بيدها أن تفعله، كأن يقول لها: حتى تصعدي إلى السماء -كما ذكر العلماء- أو حتى تقلبي الحجر ذهباً.. أو نحو ذلك، فقال رحمه الله يبين هذه الصور: (أو حتى تشربي الخمر) أي: أن يعلق الزوج امتناعه عن وطء زوجته على فعلها لمحرم من شرب خمر أو زنىً أو غير ذلك -والعياذ بالله- فهذا إيلاء.

وقوله: (أو تسقطي دينكِ) أي: يعني تتنازلي عن الديون التي لك علي، أو تسقطي دينك عن أبي أو أمي، أو عن الناس، أو عن قرابتي.

وقوله: (أو تهبي مالكِ ونحوه)، نحو الشيء ما كان مثله أو قريباً منه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من توضأ نحو وضوئي هذا) أي: مثله أو قريباً منه.

والحاصل: أن المصنف رحمه الله يقول: إذا طلب منها فعلاً مباحاً فيه ضرر عليها، أو طلب منها فعلاً محرماً شرعاً، فهذا كله يتحقق به الإيلاء، لكن فيه ضرر على المرأة.

وقوله: (فمولٍ)، أي: يحكم بكونه مولياً.