شرح زاد المستقنع باب عشرة النساء [2]


الحلقة مفرغة

وجوب المساواة في القسم دون الوطء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [ فصل: وعليه أن يساوي بين زوجاته في القسم لا في الوطء ]

أي: على الرجل أن يساوي بين الزوجات في القسم -وهو المبيت- فيبيت عند كل واحدة مثل الثانية، فيقسم بينهن إن كنَّ أربعاً فلكل واحدة ليلة، ولا يفضل إحداهن على الأخرى فيبيت عند إحداهن ليلتين فيزيدها في المبيت، فلا يجوز له ذلك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت له زوجتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)، واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فقال بعض العلماء: شقه مائل، أي: يأتي مشلولاً -والعياذ بالله- فيبعث ونصفه مشلول، وقال بعض العلماء: (جاء يوم القيامة وشقه مائل) أي: أن كفة السيئات تزيد على الحسنات، بمعنى أنه سيصيب من ذلك الإثم شيئاً كثيراً؛ لأن المرأة ظلمها عظيم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (إني أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم)، والسبب في هذا أن المرأة فيها من المشاعر والضعف والرحمة والحنان ما ليس في الرجل، فالغلطة من الرجل والأذية والإضرار -خاصة بينها وبين ضرتها كأن يعطي ضرتها أكثر مما يعطيها- يحدث عندها نوعاً من الألم والأذية أكثر من غيرها؛ لأنها تحس بنقصها في أنوثتها وعدم حظوتها عند زوجها، وتحس أن زوجها يكرهها، فتتولد عندها أمور كثيرة، ولربما أضرت بالزوجة الثانية بسبب هذا الظلم، فأصبحت أذيتها للزوجة الثانية ناشئة بسبب تفضيل الزوج لهذه الزوجة الثانية، وحينئذٍ ينال إثم إضرارها، وإثمها إذا ضرت الغير بسبب إضراره لها.

فبسبب هذا تكون الذنوب عظيمة عليه، فكأنه ينال إثماً عظيماً حتى ترجح كفة سيئاته على حسناته، والله أعلم بالمراد، وغاية ما فيه أنه أمر عظيم، فينبغي على المسلم أن يتقي الله، فالعدل الذي يجب على الرجل العدل في القسم، وفي الحقوق كالنفقات ونحوها، فيقسم بينهن بالسوية.

ولقد كان السلف رحمهم الله يبالغون في هذا العدل أيما مبالغة، وأثر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه إذا كانت الليلة لإحداهن لا يدخل بيت الثانية في ليلة الأخرى، خشية أن يحدث عندها شيئاً لا يحدثه عند الأخرى فيكون تفضيلاً عليها، فالأمر عظيم في قضية العدل بين الزوجات، ولا يستطيع الإنسان أن يعدل إلا إذا وفقه الله عز وجل، فعليه أن يعدل بين نسائه في القسم في المبيت، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم وعدل ولنا فيه أسوة حسنة.

قوله رحمه الله تعالى: [ في القسم لا في الوطء ]

وذلك لأن الوطء يتبع المحبة والقلب، فربما كانت إحداهن أجمل، فكان وطؤه لها أكثر من غيرها، فالعماد هو القسم في المبيت، وهذا أمر قرره العلماء، والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129] فقالوا في قوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ [النساء:129] قالوا: إنما هو قسم القلوب، فإن المحبة التي في القلوب، والتي ينشأ عنها حظوة الجماع، وحظوة الإتيان، تختلف من امرأة إلى أخرى، وتختلف بحسب أساليب النساء، فالمرأة التي أخلاقها كريمة ومؤدبة مع زوجها، وحظية مع زوجها ليست كالمرأة الشديدة والقوية، فهذا يختلف من امرأة إلى أخرى، فإذا جامع إحداهن أبلغ من جماعه للأخرى فإنه لا ملامة عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) وهو القلب.

قال رحمه الله تعالى: [ وعماده الليل لمن معاشه النهار، والعكس بالعكس ].

أي: وعماد القسم في الليل، فيبيت عندها ويصيبها لمن معاشه النهار، وهذا هو الأصل، فإن الله جعل الليل لباساً وجعل النهار معاشاً، فإن اختلف الحال فصار نهاره راحة وصار ليله عملاً فحينئذٍ يكون قسمه بالنهار؛ لأنه لا يستطيع أن يعطي حقوق النساء في المبيت، فيكون قسمه بالنهار، فيكون العماد على النهار، وهذا يختلف بحسب اختلاف الأشخاص وأحوالهم.

من تستحق القسم من الزوجات

قال رحمه الله تعالى: [ ويقسم لحائض ونفساء ومريضة ومعيبة ومجنونة مأمونة وغيرها ].

أي: إذا حاضت إحدى نسائه فعليه أن يقسم لها، فيبيت معها ويباشرها ولا يجامعها، فلها حق أن يبيت معها، فلا يقل قائل: إن الحائض لا يجوز جماعها فيسقط حقها في المبيت، إذ لو سقط حقها في المبيت، فمعنى ذلك أنه لا يبيت عندها، وله الحق أن يعطي ليلتها للأخريات، فلو كان عنده أربع نسوة فإنه سيقسم على ثلاث منهن ويسقط حق الحائض، والواقع أنه لا يسقط حق الحائض، ونص على ذلك جماهير العلماء رحمهم الله، فالمرأة الحائض يبيت معها ويكون هذا المبيت مبيت المباسطة والأنس، وهو حق من حقوقها.

قوله: (ونفساء)

أي: يقسم كذلك للنفساء.

قوله: (ومريضة)؛ فالمريضة يبيت معها، وهي أحوج إلى وجوده الذي يحقق معاني كثيرة من وجود الأنس وتخفيف الألم بمواساتها ونحو ذلك.

قال رحمه الله تعالى: [ ومعيبة ]

والمعيبة لو كان بها عيب يمنع الوطء كذلك لها حق المبيت.

قال رحمه الله تعالى: [ ومجنونة مأمونة ]

وللمجنونة حق المبيت بشرط أن لا يكون جنونها مضراً، كأن تضره وتؤذيه، أما لو كانت تضره ولا يستطيع أن يبيت معها، فحينئذٍ يكون من حقه أن يعتزلها خوفاً من الضرر.

قال رحمه الله: [ ومجنونة مأمونة وغيرها ]

[ وغيرها ] يعني: ممن هي في حكم هؤلاء، فالقسم لازم في هذه الأحوال، وكذا مستحاضة من باب أولى وأحرى، خاصة على القول بأن المستحاضة توطأ، فهؤلاء النسوة وجود هذا العيب فيهن لا يمنع من القيام بحق القسم.

أسباب سقوط القسم والنفقة عن الزوج

قال رحمه الله: [ وإن سافرت بلا إذنه، أو بإذنه في حاجتها، أو أبت السفر معه، أو المبيت عنده في فراشه، فلا قسم لها ولا نفقة ]

بعد أن بين الواجب على الرجل تجاه نسائه من القسم والعدل، شرع في المسائل المستثناة، وكنا ننبه غير مرة أن من عادة الفقهاء أن يذكروا الأصول، ثم يذكروا بعد ذلك ما يستثنى من الأصول، فهنا نوع من النسوة يسقط حقهن في القسم.

فبعد ذكر النوع الذي لا يسقط حقه في القسم، شرع رحمه الله تعالى في النوع الذي يسقط حقه في القسم.

فمن ذلك أنها إن سافرت بغير إذنه، فحينئذٍ يسقط حقها في القسم، فلو كان عنده زوجتان فسافرت إحداهما من دون إذنه وبدون رضاه، فإنه يبيت عند الثانية في الليالي كلها، ويسقط حق المسافرة في القسم، فلا يحق لها أن تطالب بالعوض، إذا رجعت من السفر، فلا تقل: اقسم لي ما فاتني! فقد سقط حقها بسفرها، لأنه سفر غير مأذون، فإذا لم يأذن لها سقط حقها.

قوله رحمه الله تعالى: [ أو بإذنه في حاجتها ]

إن كان السفر بإذنه فإنه لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: إما أن يكون السفر بإذنه لحاجتها هي، كأن تسافر لأم مريضة، أو والد مريض، أو غيرهما من محارمها؛ لتصل رحمها وتقوم على حوائجهم، أو سافرت لتعالج نفسها، فهذا السفر لحاجتها، فحينئذٍ إذا سافرت مع مريض، أو لحاجتها، أو حاجة قريبها، فإنه يسقط حقها، ولا يحق لها أن تقول لزوجها بعد رجوعها: اقسم لي، ردّ لي حقي! فحقها في القسم ساقط إذا سافرت بغير إذنه، أو سافرت بإذنه لحاجتها.

الحالة الثانية: أن يكون سفرها بإذنه لحاجته هو، فحينئذٍ لا يسقط حقها؛ لأنه يمكن أن يرسلها ويبقى مع الثانية.

فإن كان حقها يسقط بسفرها في حاجته، فقد يحتال عليها، فكلما استقرت أرسلها ليسقط حقها.

فما دام هو السبب في إبعادها، فإذن لابد أن يقسم لها، ففي هذه الحالة يلزمه أن يرد لها من قسمها ما فات بسببه؛ لأنه هو السبب في ذلك، فلو سافرت في حاجته يومين، أو ثلاثة أيام، فإن الثانية أخذت اليوم الزائد، فإن رجعت أخذت ما فاتها من الأيام، بمعنى أنه يقضي لها ما فاتها من الأيام، فإن سافرت في ليلتها ورجعت في ليلة الثانية، فحينئذٍ تنتظر، فيبيت مع الثانية ليلتين، ثم يبيت مع الثانية ليلتين، ليلة يقضي لها بها ما فاتها في السفر، وليلة يعطيها بها حق القسمة.

قوله رحمه الله تعالى: [ أو أبت السفر معه ]

من السنة إذا أراد الرجل أن يسافر وعنده امرأتان، فإن أمكنه أن يصحبهما معاً، وأن يخرجا معه فلا إشكال، والقسم حينئذٍ في السفر كالقسم في الحضر، فيقسم لهن في سفرهن كما يقسم لهن في حضرهن، فإن سافر بالاثنتين وقسم بينهما فقد عدل، وإن سافر سفراً لا يستطيع معه أن يصحب واحدة منهن، وترك الاثنتين، فإنه إذا رجع قسم بينهما بالعدل، ولا إشكال في ذلك أيضاً، لكن الإشكال إذا سافر بإحداهما دون الأخرى.

فإن سافر بإحداهما دون الأخرى، فإن كانت الأخرى هي التي امتنعت، وقالت: لا أريد أن أسافر، سقط حقها، كرجل أراد أن يعتمر، فقال لزوجتيه: أريدكما أن تذهبا معي إلى العمرة، فقالت إحداهما: أذهبُ، وقالت الأخرى: لا أريد أن أذهب، فإن امتنعت سقط حقها، فإذا رجع فليس عليه أن يقضي لها الأيام التي سافر فيها؛ لأنها أسقطت حقها بالامتناع من الخروج.

وإن كان لا يمكن أن يسافر إلا بواحدة، وكلتاهما تريد الخروج فلذلك حالتان:

الحالة الأولى: يكون سفره مرتباً، بحيث يمكن العدل معه، فيأخذ هذه لسفرة والثانية لسفرة، وذلك إن كان سفره مرتباً أياماً معينة ويمكن معها القسم، وانتظام القسم، فحينئذٍ لا إشكال أن يسافر بهذه تارة، وبهذه تارة، ويحقق العدل.

الحالة الثانية: أن لا يمكن الترتيب وذلك في السفر العارض، فإذا لم يمكنه الخروج بهما أقرع بينهما، فمن خرجت لها القرعة، فحينئذٍ تخرج ويسافر بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر بنسائه أقرع، فإذا عاد لم يقسم للتي لم تخرج، فهذا هو هديه عليه الصلاة والسلام.

ومن هنا أخذ العلماء مشروعية القرعة عند تساوي الحقوق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما تساوت حقوق زوجاته فرق بينهن بالقرعة، فدل ذلك على مشروعية القرعة لتمييز الحقوق حين تستوي ولا يمكن التمييز بينها.

قوله رحمه الله تعالى: [ أو المبيت عنده في فراشه، فلا قسم لها ولا نفقة ]

أي: إذا أبت أن تبيت عنده في فراشه فلا قسم لها، ويسقط حقها في القسم.

أما النفقة فإن المرأة إذا نشزت عن زوجها، وامتنعت من فراشه، فإنه يسقط حقها في النفقة؛ لقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:24]، وإيجاب النفقة من شروطه وجود الاستمتاع، فالمرأة التي تمكن زوجها من الاستمتاع بها تستحق النفقة، والمرأة التي تنشز وتمتنع من حقوق زوجها، ولا تمكنه من نفسها وتأبى عليه، يسقط حقها في النفقة.

التبرع بحق القسم

قال رحمه الله: [ ومن وهبت قسمها لضرتها بإذنه، أو له، فجعله لأخرى جاز ]

قوله: (ومن وهبت قسمها) يعني: ليلتها، وقد يقسم على ليلة، وقد يقسم على ليلتين، وقد يقسم على ثلاث، على حسب ما يتفق عليه النساء، بحسب ظروفهن، فالقسم على حسب ما يصطلحن ويتفقن عليه.

بعد أن بين رحمه الله من التي لها حق القسم، ومن التي يسقط حقها في القسم، وبين حقوق القسم وضوابط القسم، شرع في مسألة التنازل عن هذا الحق.

فللمرأة أن تتنازل عن حقها في المبيت إلى أخرى، بشرط أن يأذن الزوج، فإن تنازلت عن قسمها لضرتها، وقالت: ليلتي لفلانة، فإنه يجوز ذلك، وهذا من الصلح بين الزوجين، خاصة إذا خافت من زوجها لقوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128] وهذا من الصلح ومن الخير.

فإذا اتفقت المرأة مع زوجها أن تكون ليلتها لضرتها، كما فعلت سودة رضي الله عنها، فقد كانت كبيرة، وخافت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوهبت ليلتها لـعائشة رضي الله عنها وأرضاها، فدل هذا على مشروعية تنازل المرأة عن حقها، لكن قيد رحمه الله هذا التنازل بقوله: (بإذنه)، فلو أن امرأة شابة تنازلت عن قسمها لعجوز، فإن في هذا التنازل ضرراً عليه، ولا يمكن أن يرضى به، فليست مسألة التنازل عن القسم لحظوة المرأة وحق المرأة، وإنما هو مقرون بإذن الزوج؛ لأن له حقاً في إعفاف نفسه، وتحصينها عن الحرام.

قوله رحمه الله تعالى: [ أو له ]

أي: إذا قالت له: أتنازل عن هذه الليلة فضعها لمن شئت، وأمكن أن يضعها لأي واحدة من نسائه فله أن يختار من نسائه من يأتيها.

قال رحمه الله: [ فإن رجعت قسم لها مستقبلاً ]

أي: إن رجعت عن إذنها، وقالت: ما أذنت لك به قد رجعت عنه وأريد حقي، فهذا الإذن لا يسقط الحق إلى الأبد، ولها حق الرجوع عن هذا التنازل، فلو جاءت -مثلاً- بعد شهر، أو بعد سنة، وقالت: أريدك أن تقسم لي كما كنت، فليس له أن يقول لها: أنتِ تنازلت، ولا رجوع لكِ، بل يلزمه أن يقسم لها، ولكن يستأنف الحكم، ولا يلزمه أن يقضى ما سبق؛ لأنها تنازلت عنه، فسقط ما كان لها بالتنازل، وحينئذٍ ليس من حقها أن تطالبه بالقضاء.

لا قسم للإماء

قال رحمه الله تعالى: [ ولا قسم لإمائه وأمهات أولاده، بل يطأ من شاء متى شاء ]

الأمة ليست كالحرة، فإن ملك اليمين يوطأ بالتسري، فلو أن له عشرين أمة ويريد أن يتسرى بهن فلا يلزمه أن يقسم بينهن في الليالي؛ لأن الإماء ليس لهن حق القسم، فحكم الزوجات لا ينطبق على الإماء من كل وجه، فالقسم إنما يختص بالزوجة، والأمة ملك اليمين، إن شاء أخرها وإن شاء قدمها، وإن شاء وطئها، وإن شاء تركها، فالأمر إليه، فلا تأخذ الأمة حكم الزوجة، فالزوجة لها حكم والأمة لها حكم.

الإقامة عند العروس بعد الزفاف

قال رحمه الله تعالى: [ وإن تزوج بكراً أقام عندها سبعاً ثم دار]

هذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه، فمن السنة إذا تزوج البكر أن يقيم عندها سبعاً لمكان الوحشة، ولأنها حديثة العهد بالعرس، فيطيب خاطرها بالسبع.

قال رحمه الله تعالى: [ وثيباً ثلاثاً وإن أحبت سبعاً فعل وقضى مثلهن للبواقي ]

وأما إذا تزوج الثيب فإنه يقيم عندها ثلاثاً، وعند انتهاء الثلاث يخير الثيب فيقول لها: إن شئت سبعت لكِ، على أن يكمل لنسائه، فإذا سبع لها فزادها أربعاً على الثلاث التي لها، فإنه يكمل للباقيات الزيادة التي زادها للثيب وهي الأربعة أيام، فيجعل القسم دائراً بينهن، أي: بقية الزوجات في الأربعة الأيام الزائدة، فيعدل بين الجميع ثم يعود إلى القسم لكل واحدة ليلة.

ولذلك لما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها حين تزوجها: (ليس بكِ هوان على أهلكِ، إن شئت سبعت لكِ وسبعت لغيركِ)، أي: أنني أكمل العدد الذي سبعته لكِ لغيرك، وقوله: (سبعت لغيركِ) من باب التجوز، لا أنه يكون عند الغير سبعاً.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [ فصل: وعليه أن يساوي بين زوجاته في القسم لا في الوطء ]

أي: على الرجل أن يساوي بين الزوجات في القسم -وهو المبيت- فيبيت عند كل واحدة مثل الثانية، فيقسم بينهن إن كنَّ أربعاً فلكل واحدة ليلة، ولا يفضل إحداهن على الأخرى فيبيت عند إحداهن ليلتين فيزيدها في المبيت، فلا يجوز له ذلك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت له زوجتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)، واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فقال بعض العلماء: شقه مائل، أي: يأتي مشلولاً -والعياذ بالله- فيبعث ونصفه مشلول، وقال بعض العلماء: (جاء يوم القيامة وشقه مائل) أي: أن كفة السيئات تزيد على الحسنات، بمعنى أنه سيصيب من ذلك الإثم شيئاً كثيراً؛ لأن المرأة ظلمها عظيم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (إني أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم)، والسبب في هذا أن المرأة فيها من المشاعر والضعف والرحمة والحنان ما ليس في الرجل، فالغلطة من الرجل والأذية والإضرار -خاصة بينها وبين ضرتها كأن يعطي ضرتها أكثر مما يعطيها- يحدث عندها نوعاً من الألم والأذية أكثر من غيرها؛ لأنها تحس بنقصها في أنوثتها وعدم حظوتها عند زوجها، وتحس أن زوجها يكرهها، فتتولد عندها أمور كثيرة، ولربما أضرت بالزوجة الثانية بسبب هذا الظلم، فأصبحت أذيتها للزوجة الثانية ناشئة بسبب تفضيل الزوج لهذه الزوجة الثانية، وحينئذٍ ينال إثم إضرارها، وإثمها إذا ضرت الغير بسبب إضراره لها.

فبسبب هذا تكون الذنوب عظيمة عليه، فكأنه ينال إثماً عظيماً حتى ترجح كفة سيئاته على حسناته، والله أعلم بالمراد، وغاية ما فيه أنه أمر عظيم، فينبغي على المسلم أن يتقي الله، فالعدل الذي يجب على الرجل العدل في القسم، وفي الحقوق كالنفقات ونحوها، فيقسم بينهن بالسوية.

ولقد كان السلف رحمهم الله يبالغون في هذا العدل أيما مبالغة، وأثر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه إذا كانت الليلة لإحداهن لا يدخل بيت الثانية في ليلة الأخرى، خشية أن يحدث عندها شيئاً لا يحدثه عند الأخرى فيكون تفضيلاً عليها، فالأمر عظيم في قضية العدل بين الزوجات، ولا يستطيع الإنسان أن يعدل إلا إذا وفقه الله عز وجل، فعليه أن يعدل بين نسائه في القسم في المبيت، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم وعدل ولنا فيه أسوة حسنة.

قوله رحمه الله تعالى: [ في القسم لا في الوطء ]

وذلك لأن الوطء يتبع المحبة والقلب، فربما كانت إحداهن أجمل، فكان وطؤه لها أكثر من غيرها، فالعماد هو القسم في المبيت، وهذا أمر قرره العلماء، والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129] فقالوا في قوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ [النساء:129] قالوا: إنما هو قسم القلوب، فإن المحبة التي في القلوب، والتي ينشأ عنها حظوة الجماع، وحظوة الإتيان، تختلف من امرأة إلى أخرى، وتختلف بحسب أساليب النساء، فالمرأة التي أخلاقها كريمة ومؤدبة مع زوجها، وحظية مع زوجها ليست كالمرأة الشديدة والقوية، فهذا يختلف من امرأة إلى أخرى، فإذا جامع إحداهن أبلغ من جماعه للأخرى فإنه لا ملامة عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) وهو القلب.

قال رحمه الله تعالى: [ وعماده الليل لمن معاشه النهار، والعكس بالعكس ].

أي: وعماد القسم في الليل، فيبيت عندها ويصيبها لمن معاشه النهار، وهذا هو الأصل، فإن الله جعل الليل لباساً وجعل النهار معاشاً، فإن اختلف الحال فصار نهاره راحة وصار ليله عملاً فحينئذٍ يكون قسمه بالنهار؛ لأنه لا يستطيع أن يعطي حقوق النساء في المبيت، فيكون قسمه بالنهار، فيكون العماد على النهار، وهذا يختلف بحسب اختلاف الأشخاص وأحوالهم.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3707 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3623 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3445 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3378 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3345 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3322 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3277 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3232 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3187 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3172 استماع