شرح زاد المستقنع كتاب الوصايا [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول رحمه الله تعالى: [كتاب الوصايا]

الوصايا: جمع وصية، وهي: عهد بالتصرف مسنداً لما بعد الموت.

وقد عبر رحمه الله بالكتاب؛ لأن هذه الأحكام والمسائل ليست مبنية على ما تقدم؛ بل إنها منفصلة عن الأبواب والكتب السابقة.

ونظراً لاختصاص هذا العهد بجملة من المسائل والأحكام أفرده العلماء رحمهم الله بكتاب مخصوص، فقالوا: كتاب الوصايا.

وأصل الوصية: الوصل، يقال: وصَّى بالشيء ووصَّى الشيء إذا وصله.

والوصية في الأصل: عهدٌ من الإنسان للغير، وقد تكون بالأموال وقد تكون بغير الأموال، وفي اصطلاح العلماء: هي التصرف في الشيء بما بعد الموت، أو التصرف بالشيء مسنداً لما بعد الموت.

فخرج بذلك التصرف في حال الحياة.

وهذا الكتاب يبين العلماء رحمهم الله فيه مشروعية الوصية للإنسان، وما يجوز له أن يوصي به، ولمن يُوصَى، وما يترتب على الوصية من الآثار والأحكام والمسائل.

يقول المصنف رحمه الله: (كتاب الوصايا) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بالوصايا.

وقد جمعها المصنف رحمه الله لاختلاف أنواعها، فهناك وصية مشروعة، وهناك وصية ممنوعة، وهناك وصية موقوفة، وكل من المشروعة والممنوعة والموقوفة تشتمل على عدد من الأنواع من الوصايا؛ فلذلك جمعها المصنف رحمه الله إشارة إلى تعدد أنواعها واختلافها.

مشروعية الوصية بالكتاب والسنة والإجماع

ولقد شرع الله عز وجل الوصية في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية الوصية وجوازها، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].

فقد كانت الوصية مفروضة في أول التشريع، والله عزّ وجل جعل الوصية للإنسان، يوصي لأقربائه؛ سواءً كانوا أصولاً كالوالدين، أو فروعاً كالأولاد، أو ما يتصل بذلك من القرابة والحواشي.

فكان الأمر في أول الإسلام أن المريض مرض الموت يصرف ماله إلى قرابته، فيقول: أَعطوا فلاناً كذا وكذا، وأعطوا فلاناً كذا وكذا من قرابته، فيبدأ بوالديه، ثم الأقرب فالأقرب، ولم تكن هناك مواريث، فكان كلٌ يوصي لقرابته بما يراه.

ثم إن الله تعالى تولَّى قسمة المواريث من فوق سبع سماوات، فلم يكلها إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل، فنسخت فرضية الوصية، وبقي استحبابها لغير الوارث، وتكون هذه الآية: كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180]، أي: فُرِض، ثم قال الله في خاتمتها: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].

وهذا يدل على الوجوب واللزوم، لكن هذه الآية منسوخة حكماً لا تلاوةً، فهي مما بقيت تلاوته، ونُسخ حكمه، فهي محكمة تلاوةً لا حكماً. وقد بيّن الله سبحانه وتعالى في آيات المواريث في مواضع عديدة من الكتاب استحقاق كل وارث؛ سواءً كان من ذوي الفروض من الأصول أو من الفروع، وبينت السنة أيضاً أحكام العصبات وما يستحقون في الإرث.

وبعد هذا البيان للفرائض نُسخت فرضية الوصية، وبقيت على الاستحباب بالنسبة لغير الوارث.

وأما السنة فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مشروعية الوصية، لكن السنة فصّلت في حكم الوصية:

فالشخص لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن تكون عليه حقوق لله عز وجل، أو لعباده، أو لهما معاً.

الحالة الثانية: أن لا تكون عليه حقوق.

فإن كانت عليه حقوق واجبة لله عز وجل، أو لعباده أو لهما؛ فإن الوصية فرضٌ عليه، فيكتب الوصية ويبيّن حق كل ذي حق، وقدر ذلك الحق الذي وجب عليه؛ وذلك كشخص حضرته الوفاة وعليه كفارات، فيكتب في وصيته أن عليه إطعام ستين مسكيناً من كفارة ظهارٍ مثلاً إذا كان لم يستطع الصوم، ولم يستطع العتق، أو جماع في نهار رمضان، أو يكتب إن عليه دماً واجباً جبراناً لواجبٍ في حج، وهكذا بالنسبة لبقية الحقوق، فيكتب في وصيته ما هو حق عليه لله سبحانه وتعالى.

والوصية فرض عليه في هذه الحالة؛ لأنه يجب عليه الوفاء بحق الله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلما كان الوفاء بهذا الحق متوقفاً على أن يعهد إلى ورثته من بعده أن يقوموا بأداء هذه الكفارات وإيصالها إلى أهلها؛ وجبت عليه الوصية بهذا.

إذاً: الوصية بالحقوق لله سبحانه وتعالى واجبة؛ لأنه وسيلة للقيام بالواجب.

وكذلك إذا كان عليه حقوق للناس، مثل ديون لأشخاص، فإنه يكتب في وصيته أن فلان ابن فلان علي كذا وكذا، أو في ذمتي كذا وكذا، ويبيِّن في وصيته اسم ذلك الشخص كاملاً وعنوانه، خاصة إذا خُشي التباسه بغيره، أو صعُبت معرفته إلا عن طريق ذلك، فيجب عليه بيانه.

كذلك أيضاً تجب عليه الوصية في غير الأموال.

الشاهد: أن السنة بينت أن الوصية لها حالتان: فإذا كانت هناك حقوق وواجبات مالية على العبد، فالوصية واجبة عليه، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في حديث ابن عمر في الصحيحين: (ما حق امرئٍ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي به إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه).

فهذا الحديث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم لزوم ووجوب الوصية، لكن إذا كان هناك شيء، بمعنى: إذا تعلقت ذمته بحقوق للناس، أو بحقوق لله عز وجل، فليس من حقه أن يضيِّع هذه الحقوق، أو يتعاطى أسباب تضييعها بالتفريط في الوصية.

وأما إذا كان الإنسان خُلواً من الحقوق والواجبات التي لله عز جل وللناس، وذمته بريئة من هذا كله، فقد تكون الوصية واجبة عليه من حقوق غير مالية، مثل أن يكون عنده أولاده، وهؤلاء الأولاد دون البلوغ، ولا شك أن الإنسان عرضة للموت في لحظاته فضلاً عن دقائقه، فضلاً عن ساعات عمره، فضلاً عن أيامه، فهو عرضة للموت بين العشية والضحى، فالواجب عليه إذا كانت عنده ذرية ضعيفة، كالقُصّار والأولاد الصغار، أن يكتب وصية يعهد فيها إلى شخصٍ يثق بدينه وأمانته وعقله وحسن نظره في أمر ذرِّيته من بعده؛ لأن هذا من النصيحة للولد، وأعظم الحقوق بعد حقوق الوالدين حقوق الأولاد؛ لأن الله حمّل العبد مسئوليتهم، وألزمه أمانتهم، فالواجب عليه أن لا يدّخر وسعاً إذا علم أمراً فيه صلاح دينهم أو دنياهم أو آخرتهم أو مجموع ذلك كله إلا ووصى به، فيوصي بذريته الضعيفة، كما أمر الله سبحانه وتعالى وأشار إلى ذلك بقوله: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9].

فوصى الله سبحانه وتعالى من ابتلي بالذرية الضعيفة؛ كالأيتام والقُصّار من بعده، والنساء -ولو كن بالغات فهن يحتجن من يزوجهن ومن ينظر في أمورهن ومصالحهن- أن يكتب وصيته إلى من يثق بدينه وأمانته وعقله من قرابته، فيبدأ بالأقرباء لأنهم أستر وأكثر حفظاً للعرض، وأكثر حفظاً للسر، فإذا لم يجد في القرابة من تتوفر فيه الصفات وتبرأ به الذمة، عهِد إلى من يثق به من إخوانه المسلمين.

وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية الوصية، وقد فعل ذلك أئمة السلف وخيار الناس من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الخلفاء الراشدون الأئمة المهديون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، فقد وصى أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم، ووصى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصى التابعون لهم بإحسان، والأئمة، ولذلك فلا يُشك في مشروعية الوصية، وأنها من أعظم الخير الذي يُسديه الإنسان لأهله وولده من بعد موته.

ولقد شرع الله عز وجل الوصية في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية الوصية وجوازها، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].

فقد كانت الوصية مفروضة في أول التشريع، والله عزّ وجل جعل الوصية للإنسان، يوصي لأقربائه؛ سواءً كانوا أصولاً كالوالدين، أو فروعاً كالأولاد، أو ما يتصل بذلك من القرابة والحواشي.

فكان الأمر في أول الإسلام أن المريض مرض الموت يصرف ماله إلى قرابته، فيقول: أَعطوا فلاناً كذا وكذا، وأعطوا فلاناً كذا وكذا من قرابته، فيبدأ بوالديه، ثم الأقرب فالأقرب، ولم تكن هناك مواريث، فكان كلٌ يوصي لقرابته بما يراه.

ثم إن الله تعالى تولَّى قسمة المواريث من فوق سبع سماوات، فلم يكلها إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل، فنسخت فرضية الوصية، وبقي استحبابها لغير الوارث، وتكون هذه الآية: كُتِبَ عَلَيْكُمْ [البقرة:180]، أي: فُرِض، ثم قال الله في خاتمتها: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180].

وهذا يدل على الوجوب واللزوم، لكن هذه الآية منسوخة حكماً لا تلاوةً، فهي مما بقيت تلاوته، ونُسخ حكمه، فهي محكمة تلاوةً لا حكماً. وقد بيّن الله سبحانه وتعالى في آيات المواريث في مواضع عديدة من الكتاب استحقاق كل وارث؛ سواءً كان من ذوي الفروض من الأصول أو من الفروع، وبينت السنة أيضاً أحكام العصبات وما يستحقون في الإرث.

وبعد هذا البيان للفرائض نُسخت فرضية الوصية، وبقيت على الاستحباب بالنسبة لغير الوارث.

وأما السنة فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مشروعية الوصية، لكن السنة فصّلت في حكم الوصية:

فالشخص لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن تكون عليه حقوق لله عز وجل، أو لعباده، أو لهما معاً.

الحالة الثانية: أن لا تكون عليه حقوق.

فإن كانت عليه حقوق واجبة لله عز وجل، أو لعباده أو لهما؛ فإن الوصية فرضٌ عليه، فيكتب الوصية ويبيّن حق كل ذي حق، وقدر ذلك الحق الذي وجب عليه؛ وذلك كشخص حضرته الوفاة وعليه كفارات، فيكتب في وصيته أن عليه إطعام ستين مسكيناً من كفارة ظهارٍ مثلاً إذا كان لم يستطع الصوم، ولم يستطع العتق، أو جماع في نهار رمضان، أو يكتب إن عليه دماً واجباً جبراناً لواجبٍ في حج، وهكذا بالنسبة لبقية الحقوق، فيكتب في وصيته ما هو حق عليه لله سبحانه وتعالى.

والوصية فرض عليه في هذه الحالة؛ لأنه يجب عليه الوفاء بحق الله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلما كان الوفاء بهذا الحق متوقفاً على أن يعهد إلى ورثته من بعده أن يقوموا بأداء هذه الكفارات وإيصالها إلى أهلها؛ وجبت عليه الوصية بهذا.

إذاً: الوصية بالحقوق لله سبحانه وتعالى واجبة؛ لأنه وسيلة للقيام بالواجب.

وكذلك إذا كان عليه حقوق للناس، مثل ديون لأشخاص، فإنه يكتب في وصيته أن فلان ابن فلان علي كذا وكذا، أو في ذمتي كذا وكذا، ويبيِّن في وصيته اسم ذلك الشخص كاملاً وعنوانه، خاصة إذا خُشي التباسه بغيره، أو صعُبت معرفته إلا عن طريق ذلك، فيجب عليه بيانه.

كذلك أيضاً تجب عليه الوصية في غير الأموال.

الشاهد: أن السنة بينت أن الوصية لها حالتان: فإذا كانت هناك حقوق وواجبات مالية على العبد، فالوصية واجبة عليه، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في حديث ابن عمر في الصحيحين: (ما حق امرئٍ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي به إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه).

فهذا الحديث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم لزوم ووجوب الوصية، لكن إذا كان هناك شيء، بمعنى: إذا تعلقت ذمته بحقوق للناس، أو بحقوق لله عز وجل، فليس من حقه أن يضيِّع هذه الحقوق، أو يتعاطى أسباب تضييعها بالتفريط في الوصية.

وأما إذا كان الإنسان خُلواً من الحقوق والواجبات التي لله عز جل وللناس، وذمته بريئة من هذا كله، فقد تكون الوصية واجبة عليه من حقوق غير مالية، مثل أن يكون عنده أولاده، وهؤلاء الأولاد دون البلوغ، ولا شك أن الإنسان عرضة للموت في لحظاته فضلاً عن دقائقه، فضلاً عن ساعات عمره، فضلاً عن أيامه، فهو عرضة للموت بين العشية والضحى، فالواجب عليه إذا كانت عنده ذرية ضعيفة، كالقُصّار والأولاد الصغار، أن يكتب وصية يعهد فيها إلى شخصٍ يثق بدينه وأمانته وعقله وحسن نظره في أمر ذرِّيته من بعده؛ لأن هذا من النصيحة للولد، وأعظم الحقوق بعد حقوق الوالدين حقوق الأولاد؛ لأن الله حمّل العبد مسئوليتهم، وألزمه أمانتهم، فالواجب عليه أن لا يدّخر وسعاً إذا علم أمراً فيه صلاح دينهم أو دنياهم أو آخرتهم أو مجموع ذلك كله إلا ووصى به، فيوصي بذريته الضعيفة، كما أمر الله سبحانه وتعالى وأشار إلى ذلك بقوله: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9].

فوصى الله سبحانه وتعالى من ابتلي بالذرية الضعيفة؛ كالأيتام والقُصّار من بعده، والنساء -ولو كن بالغات فهن يحتجن من يزوجهن ومن ينظر في أمورهن ومصالحهن- أن يكتب وصيته إلى من يثق بدينه وأمانته وعقله من قرابته، فيبدأ بالأقرباء لأنهم أستر وأكثر حفظاً للعرض، وأكثر حفظاً للسر، فإذا لم يجد في القرابة من تتوفر فيه الصفات وتبرأ به الذمة، عهِد إلى من يثق به من إخوانه المسلمين.

وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية الوصية، وقد فعل ذلك أئمة السلف وخيار الناس من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الخلفاء الراشدون الأئمة المهديون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، فقد وصى أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم، ووصى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصى التابعون لهم بإحسان، والأئمة، ولذلك فلا يُشك في مشروعية الوصية، وأنها من أعظم الخير الذي يُسديه الإنسان لأهله وولده من بعد موته.

ينبغي على المسلم إذا أراد الوصية أن يبدأ بحمد الله عز وجل والثناء عليه، سواءً كانت مكتوبة، أو ملقاة، فيبدأ أولاً بذكر اسم الله عز وجل، كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه فيما حكاه عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يبدءون وصاياهم ببسم الله الرحمن الرحيم.

وهذا أصلٌ عند العلماء: أن الأمور التي فيها تذكير بالله عز وجل، وذكر لله سبحانه، تُستفتح باسمه؛ لأن اسم الله مبارك، كما قال تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن:78]، فاسم الله فيه البركة والخير، وما كان في قليل إلا كثره، ولا يسير إلا باركه، فليس هناك أبرك من اسم الله عز وجل.

فيبدأ وصيته ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم يحمد الله ويثني عليه بالذي هو أهله، ثم يبدأ بأعظم الوصايا وأجلها وهي الوصية بتوحيد الله عز وجل، كما أخبر الله عن أنبيائه وصفوته من خلقه صلوات الله وسلامه عليهم، فقد وصى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب بنيهم أن لا يشركوا بالله شيئاً، وأن يُفرِدوا الله بالعبادة، وأن يقوموا بحق الله عز وجل، وأعظم تلك الحقوق توحيده سبحانه وتعالى.

فيُوصِي أولاده بتوحيد الله أولاً، وإخلاص العبادة لله عز وجل، والقيام بحقوقه الواجبة من إقامة الصلوات، وإيتاء الزكوات، وصوم رمضان، وحج البيت، وغيرها من فرائض الإسلام، فيُجمِل أو يفصِّل تفصيلاً مناسباً لا إطالة فيه.

ثم بعد الوصية بحق الله عز وجل يبدأ بالأهم فالأهم من أموره؛ فيبدأ أول ما يوصِي به بعد ذلك أن يوصي بتجهيزه وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه على وفق السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُحذّر ذريته من البدعة والحدث، وإحداث الأمور التي لم يأذن الله عز وجل بها في تغسيله، أو تكفينه، أو الصلاة عليه، أو تشييعه، أو دفنه، فيحذرهم من البدع في ذلك كله، ويأمرهم بما أمر الله ورسوله به، ويذكرهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويأمرهم بالرجوع إلى العلماء ومن يوثق بدينه وعلمه؛ لكي يقوم بذلك على وجهه المعتبر.

ثم بعد ذلك يوصي بما يتبع ذلك من العزاء وغيره من الأمور، ألا يُحدث فيها شيء من البدع، ويوصيهم بالصبر واحتسابه عند الله عز وجل، وأن في الله خلفاً من كل فائت، فالله عِوض للعبد من كل ما يفوته من الدنيا وما فيها، ومن كانت سلوته بالله عز وجل جبر كسره، وأعظم أَجره، وأخلف عليه بأحسن الخلف سبحانه وتعالى، ويوصيهم بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في المصائب من الاسترجاع وسؤال الله الخلف، وهو حديث أم سلمة الثابت في الصحيحين.

ثم بعد ذلك يوصيهم بحقوق القرابة التي هي أعظم الحقوق بعد حق الله عز وجل، فيوصهم ببر الوالدين، فإن كان والداً وصاهم ببره من بعد موته؛ بالدعاء له والترحم عليه والاستغفار له، وسؤال الله عز وجل أن يُفسح له في قبره، وأن يحسن له فيما يكون من آجل أمره.

ويوصيهم ببر والدتهم إن بقيت من بعده، فيوصيهم بوالدتهم خيراً، وفاءً لزوجه وحفظاً لحقها، وكذلك أيضاً يوصيهم ببعضهم خيراً إن كانوا إخوة؛ أن يحفظوا حقوق الأخوة، وأن يجتمعوا ولا يفترقوا، وأن يتواصلوا ولا يقطع بعضهم بعضاً، وأن يتقوا الله عز وجل في بعضهم فيُحسنوا ولا يسيئوا.

كذلك أيضاً يوصيهم بأضعفهم، فيوصي الذكور بالإناث خيراً؛ لأن المرأة ضعيفة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم حقها فقال عليه الصلاة والسلام: (إني أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم)، فيوصي الذكور بأخواتهم خيراً؛ أن يحسنوا إليهن، وأن يكونوا على أحسن ما يكون الأخ لأخته، خاصة أن الأنثى بعد فقد الوالد تشعُر بفراغ كبير، وعجز عظيم، فإنها تفقد حناناً عظيماً، والله عز وجل إذا أراد بها خيراً بارك لها في أخيها، فكم من أخ مبارك قام على إخوانه مقام والده! فيُوصِي الإخوان بأخواتهم خيراً، ويذكِّرهم بصلتهم وزيارتهم وتفقد أحوالهم من بعد موته، ودائماً يكون الأخ حافظاً لهذه الوصية حتى ولو لم يوصِ بها الوالد، فإن للأخت على أخيها حقاً عظيماً، وتحتاج إليه ولو كانت مزوجة؛ بل قد تكون الأخت بعد زواجها أحوج ما تكون إلى عطف أخيها وبره وصلته، أكثر مما لو كانت غير ذات زوج.

فتحتاج إلى أن تستشيره، وتحتاج إلى معونته ومواساته، وتحتاج إلى كلمة منه تثبتها في همومها وغمومها، فهذا مما يُوصَى به -حقوق الإخوان والأخوات- ويوصي الأخوات بإخوانهن خيراً كذلك.

ثم ينظُر إلى الأمور التي يحتاج إليها من بعد موته، فيوصيهم أن لا تُفرق الدنيا بينهم خاصة في أمور الإرث؛ فيوصِي الذكور بحفظ حقوق الإناث، ويوصي القوي أن يحفظ حق الضعيف، وأن يتقي الله جل جلاله في حقوق إخوانه القُصّار كالأيتام والضعفة، فلا يأكل أموالهم بناءً على أنهم صغار ويقول: إذا كبروا أعطيهم المال، فهذا من التفريط؛ لأنه لا يأمن أن تتغير أموره، ولا يأمن الفقر، فيحفظ أموالهم كاملة تامة غير منقوصة، ويحرص على حسن النظر فيها إذا كانت المتاجرة بها فيها خير ومصلحة، ويوصيهم بحفظ حق العاجز والمحتاج، مثل المتخلف في عقله، أو الذي فيه سفه في تصرفه، فيوصي بعضهم ببعض خيراً على هذا الوجه.

ويُفضّل أن يجعل أحدهم قائماً عليهم، ويكون كالخليفة من بعده في ولده، وبالأخص إذا كان أكبرهم سناً، فإن الأكبر له حق على الأصغر وهو مقدَّم عليه، ولذلك ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة القَسَامة أنه لما أراد حويصة أن يتكلم قال عليه الصلاة والسلام: (كبر كبر)، فيقدِّم الكبير إذا كان أكثر عقلاً، وأكثر نظراً، وأكثر رحمة وشفقة.

وينظر إذا كان الكبير ليس بهذه المثابة، وعلم أن أصغر أولاده، أو الأوسط، أو أحدهم ممن هو أصغر منه أكثر ديانة، وتقوى لله عز وجل، وحفظاً للحقوق، فإنه يجعل العهد إليه، ويسلّي من هو أكبر؛ فيعتذر له بالتي هي أحسن، ويقول له قبل موته: إني كنت سأوصي إليك، ولكن يعتذر إذا استطاع حتى ولو بالتورية، ويقول: أراك مشغولاً، ولا أريد أن أحملك، أو نحو ذلك، مما يكون فيه جبر لخاطره، وإطفاء لنار الفتنة أن يوغر صدره على أخيه.

فيوصي بالأرشد فالأرشد من أولاده، والأتقى لله عز وجل؛ لأن التقي يخاف الله عز وجل، ويرجع إلى العلماء حتى يسعى في فكاك نفسه من النار، فيحرص على أن يولي أمرهم من يخاف الله عز وجل ويتقيه فيه.

وإذا كانت هناك أمور يحتاجها، مثل أن يتصدق بصدقات أو هبات فيُسمِّي هذه الصدقات، ويقول: أخرجوا من مالي كذا وكذا في سبيل البر، أو في سبيل الخيرات، أو أخرجوا من مالي كذا وكذا إفطاراً للصائمين، أو أضحية، أو نحو ذلك من الوصايا التي يجعلها من بعد موته في حدود الثلث فما دونه كما سيأتي.

كذلك أيضاً إذا أراد الوصية ينتبه لحقوق الناس، فيوصي أولاده بالأقرباء من الأعمام والعمات والأخوال والخالات، فيوصيهم بالقرابة خيراً، ويوصيهم بأهل وده ومحبته من بعد موته، أن يُوصلوا ولا يُقطعوا، وأن يُحسن إليهم ويبرّوا ويكرموا؛ إنفاذاً لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين في ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه).

فإذا كان له إخوان وأصدقاء فيهم حاجة، وهو غني ثري وترك لورثته مالا، ًوكان يتفقد إخوانه وأصدقاءه بالمال، فيوصي أولاده أن يتفقدوا هؤلاء الإخوان والخلان؛ لأن هذا من حفظ العهد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (حفظ العهد من الإيمان)، فإذا كانت بينك وبين أخيك محبة ومودة ولو مجلساً واحداً جلسته معه على ذكر الله وطاعة الله فأحببته في الله، فإنه يربطه بك حق عظيم.

فهذا من حفظ العهد، أن توصي بإخوانك وأصدقائك وخلانك أن يُزاروا، فربما زارهم ابن من أبنائك ففرّج الله به كرباتهم، فكان سبباً في الترحم عليك والدعاء لك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه)؛ لأنه إذا جاء الابن بعد وفاة أبيه لزيارة صديقه تذكّر الصديق ما كان عليه صديقه من المحبة، ولربما بكى فخشع قلبه فترحم عليه، ولربما سامحه في حقوقه التي هي عليه، فهذا كله فيه خير كثير للميت.

ولم تأت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم به من فراغ، فيحرص على وصيتهم بأصدقائه وإخوانه، ووصيتهم بالجيران، وغير ذلك مما وصى الله به من الأعمال الصالحة.

فإذا كانت الوصية مستجمعة للخير أعظم الله الأجر للموصي، وكتب ثوابه، وختم له بخاتمة الحسنى؛ لأنه عمل صالح من بعد موته يأجره الله عليه، فكم من أبناء وبنات صلُحت أحوالهم بالوصايا! فالوصايا لها وقعٌ بليغ في القلوب والنفوس.

ومما وقع أن رجلاً كان له أولاد، وكانوا على أشر ما أنت راءٍ من الفرقة والعداوة والتقاطع والتهاجر، فكتب وصيته، فأوصاهم بتقوى الله عز وجل، وذكّرهم بحقوق الأخوة من بعد موته، فلما مرض مرض الموت اجتمعوا عنده، وأمرهم أن يقرءوا وصيته من بعده، فلما توفي تأثروا جميعاً، وانكسرت قلوبهم، فلما فتحوا وصيته وقرءوها بكوا جميعاً، وأقبل بعضهم على بعض، وسامح بعضهم بعضاً، وكانوا على خير ما يكون الأخ مع أخيه، فالله يكتب له ثواب إصلاح ولده من بعده، فالوصايا لها أثر عظيم في القلوب.

ويُستحب أن تُقرأ الوصية قبل تجهيزه وتكفينه؛ لأنه ربما كانت فيها أمور كأن يوصِي لشخص معين أن يغسله، كأن يكون عالماً، أو طالب علم، فيُحسن تغسيله على السنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما وصّى بشيء يُخرج عنه، أو حق يُؤدى عنه، فهذا كله فيه احتياط، وهو كونها تقرأ قبل تجهيزه وقبل الصلاة عليه؛ لأنهم إذا فعلوا ما فيها آجره الله وأعظم ثوابه.

والوصية إذا جَمعت هذا الخير الكثير؛ لا شك أنها تحقق الهدف الذي من أجله شُرعت، فالله عز وجل فتح أبواب رحمته لعباده، ولم يجعل الإحسان للعبد في حال حياته فقط؛ بل جعل له أبواب الخير بعد موته من صدقات فيُوصِي بها مثل الأوقاف، فإذا رأى من المصلحة أن يكون هناك وقف أوقف، ووصَّى من يراه صالحاً بالنظارة وعهد به إليه، كما فعل الخلفاء الراشدون كـعمر رضي الله عنه وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا استجمعت الوصية هذه المقاصد العظيمة تحقق الهدف من شرعيتها، وكان فيها خير كثير وأجرٌ عظيم، ولن تكون الوصية كما أمر الله إلا إذا كانت على علم وهدىً، بسؤال ومراجعة ومذاكرة العلماء.

والدليل على ذلك: ما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني أصبت مالاً هو أنفس ما أصبت بخيبر فما تأمرني فيه؟) فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أمر استحباب بالوقف، أن يُوقف هذه الأرض، فأوقفها رضي الله عنه، ووصَّى في وصيته أن تلي نظارتها بنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها وأرضاها.

فالمقصود: أن الوصية ينبغي أن تقوم على السنة واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، ويكون فيها أمورٌ كما ذكرنا تذكِّر بالله، وتدُل على الله، فإنك إن وقفت بين يدي الله حافياً عارياً فيسألك عن ذرِّيتك: ماذا تركت لهم؟ فإذا قلتَ: يا رب! أوصيتهم بتقواك، وأمرتُهم بما أمرت، ونهيتُهم عما نهيت. فقد أبرأت ذمتك، فتلقى الله عز وجل بأمر عظيم قد يكون سبباً في فكاك رقبتك وخلاصك من النار في يوم لقاء الله جل جلاله.

اختيار الكلمات الجامعة النافعة في الوصية

فيحرص الإنسان على الوصية، ولا يقول: قد أثقل أو أطول عليهم، فقد تكون مقاصد الوصية وكلماتها لها أبلغ الأثر، واختيار العبارات المؤثرة، فإن الورثة ينظرون إلى هذا الكتاب وهذه الوصية أنه بقية مما ترك والدهم، وينظرون إلى كلماته كلمات ميت إلى أحياء، ويحسون وهم يقرءون الوصية أنها من والدهم، وأن والدهم مشفِق في هذه الكلمات، فتقع في نفوسهم موقعاً بليغاً وتؤثر أثراً عظيماً.

فإذا اخترت لها جوامع مقاصد الإسلام العظيمة فقد أعذرت إلى الله عز وجل، وأيضاً حركتهم للخير، فقد تجد الرجل العاقل الحكيم يقول كلمة في وصيته فيفتح بها -بفضل الله- أبواب الخير لذريته، فيقول في وصيته مثلاً: أوصي أولادي بمحبة العلماء والرجوع إلى العلماء، فيمكن أن تكون هذه الوصية سبباً في سعادة ولده في الدنيا والآخرة؛ لأنه لما ربطهم بأهل العلم، ووصاهم بأهل العلم، فقد وصاهم بما فيه صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم.

وتجد الآخر يقول: أوصيهم بلزوم السنة ومحبتها، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيصبح الولد كلما سمع شيئاً فيه سنة وهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حرص على تطبيقه واتباعه ولزومه.

والكلمات الجامعة والوصايا العظيمة المؤثرة البليغة هي التي تصل إلى المراد وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء:63]، ولذلك فإن الله عز وجل اختار للمواعظ وللوصايا ما يؤثر، وقال في الوصية في الذرية الضعيفة: فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9].

ولن يكون القول سديداً إلا إذا وافق الحق، وسُدد صاحبه، فأصبح لسانه يقول ما قال الله، وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، ويوصي بما وصّى به الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، ويقرأ المسلم وصايا السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ويهتدي بهذا الهدي المبارك.

أمور ينبغي توفرها في الوصية

وينبغي للمسلم أن تكون وصيته جاهزة، فلا يبيت إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه، وينبغي عليه أن يحتاط في هذه الوصية، فيُشهد عليها عدلين إذا كانت فيها حقوق؛ لأن هذا يثبت الوصية، ويعين على وصول الحق إلى أهله، وإذا كُتبت فتكون بخط واضح ومقروء.

كذلك أيضاً يضعها في مكان أمين بحيث إذا احتيج إليها بعد وفاته يُعرف مكانها، فيقول: يا أولادي! وصيتي في هذا المكان، أو في هذا الدرج، أو مكتوبة عند رأسي، فإذا توفِّيت فخذوا هذه الوصية، وليس المراد أن يضعها تحت رأسه كما يفعل البعض؛ لأنه قد يكون فيها ذكر الله عز وجل وأسمائه وآياته، إنما عند رأسه يعني قريبة منه، ولأن الإنسان إذا توفي في نومه يبحث عن الأشياء القريبة منه فتوجد وصيته، وهذا يدل على أنه ينبغي أن تكون قريبة منه، ولذلك يحرص الوالد، وتحرص الوالدة، ويحرص كل مسلم على وضع الوصية في مكان تُحفظ فيه.

كذلك أيضاً في بعض الأحوال خاصة إذا كان الشخص عنده مال وافتُتِن بكثرة المال، وافتُتِنَت ذريته، ويكون في أولاده -لا قدر الله- من فيه جرأة على تغيير الوصية، أو التلاعب فيها، فينبغي أن يحتاط.

فإذا علم أن هناك من ورثته من يتلاعب ويغير في الوصية؛ كتب الوصية وعهد بها إلى قريب من أقربائه، أو إلى رجل أمين، ويجعل الوصية عنده إذا خاف من أولاده أن يتلاعبوا في الوصية، أو يضيعوا، كما يكون في بعض الأحيان فقد يعتدي الذكور على حقوق الإناث، فيحتاط بذلك، أو يعلم أن الكبار لا يرضون بوصيته للصغير، فيحتاط بكتابة الوصية وإعطائها من يحفظها، بحيث إذا احتاج ولده إليها من بعد موته فتكون محفوظة، إلى غير ذلك من الأمور التي يتحقق بها المقصود في الوصايا.

وإذا اتقى العبد ربه جعل له من أمره يسراً، فشرح صدره، ويسر أمره، ورزقه التوفيق والسداد في أموره كلها.