خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع باب الشفعة [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [باب الشفعة].
تعريف الشفعة لغة
والعلماء رحمهم الله ذكروا باب الشفعة بعد باب الغصب لمناسبة وهي: أن الشفعة تكون بالقوة والقهر، فأنت إذا كنت شريكاً لرجل في أرضٍ ثم باع نصيبه وأردت الشفعة؛ فإنك تأخذ نصيبه ممن اشتراه ولو لم يرضَ، فحينئذٍ تأخذ بنفس القيمة وبنفس الثمن الذي باع به شريكك، وبناء على ذلك قد لا يكون راضياً -أي: الذي اشترى من شريكك، ومن مقاسمك- بالبيع ولكنك تأخذها منه استحقاقاً شرعياً ثبتت به السنة من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حكم الشفعة
وجه الدلالة من هذا الحديث الشريف أنه قال رضي الله عنه: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكلمة (قضى) تحتمل أمرين: تحتمل السنة القولية، وتحتمل السنة الفعلية، فأما بالنسبة للسنة القولية فإن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالشفعة، ويثبت الشفعة للشريك مع شريكه، فإذا أثبتها عليه الصلاة والسلام عبّر الصحابي وقال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأن سنته يحكم بها ويقضى بها فصلاً بين الخصوم، فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالرجوع إلى سنته وهديه للفصل في الخصومات والنزاعات؛ ولذلك يقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الوجه الثاني: يكون المراد من قوله: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: أنه رفعت إليه قضية فحكم فيها عليه الصلاة والسلام بهذا الحكم، وحينئذٍ يكون قوله: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم) على ظاهره أي: حكم عليه الصلاة والسلام وقضى بذلك فتكون سنة فعلية من هديه عليه الصلاة والسلام، وسواء قلنا: إنها سنة قولية أو سنة فعلية؛ فكل يحتج به، لكن الفائدة أننا إذا قلنا: (قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) تكون من أقضيته عليه الصلاة والسلام، ولذلك عد الإمام القرطبي رحمه الله هذا الحديث من أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ألف بعض العلماء في ذلك، ومن أشهر ما أُلف في ذلك كتاب القرطبي المشهور: أقضية النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة بين الصحابة.
كانت الشفعة موجودة في الجاهلية، وكان يعرفها أهل الجاهلية، فجاء الإسلام وأقرّها؛ ولذلك تعتبر من العقود التي كانت معروفة في الجاهلية وأقرها الإسلام؛ لوجود المصالح المترتبة على إجازتها وحلها، وكذلك ترتب درء المفاسد على اعتبارها والعمل بها.
وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجار أحق بصقبه) وكذلك قال في حديث الترمذي وأبي داود في سننه من حديث سمرة : (جار الدار أحق بالدار) فهذا الحديث يدل على ثبوت الشفعة في الجار، وأنه إذا باع جارك الذي تشترك معه في طريق واحد أو منفعة واحدة كبئر واحدة -كما في المزارع- فإنه من حقك أن تشتري وأن تشفع؛ لورود الرواية الأخرى : (إذا كان طريقهما واحداً) دل هذا الحديث على مشروعية الشفعة بالجوار وسيأتي إن شاء الله تفصيل هذه المسألة وبيانها وبيان خلاف العلماء رحمهم الله فيها والقول الراجح ودليله إن شاء الله تعالى.
وأما دليل الإجماع فقد أجمع العلماء رحمهم الله والسلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة على مشروعية الشفعة وثبوتها، وأنها سنة وهدي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخالف في ذلك الأصم ، وخلافه شذوذ يحكى ولا يعول عليه، أي: لا يعتد بخلافه؛ لأنه خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، وإجماع السلف رحمهم الله، قضى بهذه الشفعة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكذلك يحكى عن أبي بكر الصديق وعمر ، وبناء على ذلك لا يعتد بخلاف من خالف في مشروعيتها.
الحكم والفوائد من مشروعية الشفعة
فأولاً: تصوير الشفعة تركناه إلى التعريف الاصطلاحي الذي سيذكره المصنف رحمه الله، فهو ذكر تعريفه الاصطلاحي ولذلك لن نذكر التعريف الاصطلاحي لأنه موجود في المتن.
الشفعة تقوم على صورتين: الصورة الأولى: أن يكون الاشتراك في العقارات.
والصورة الثانية: أن يكون في المنقولات.
فالشفعة المجمع عليها والمعمول بها هي الشفعة التي تكون في العقارات التي لم تقسم، ولذلك سنمثل ونصور الشفعة بهذا الشيء المجمع عليه، ومثال ذلك: لو أنك اشتركت مع رجل فاشتريتما أرضاً بمائة ألف دفع كل منكم نصفها، ثم بدا لصاحبك أن يبيع النصف الذي يملكه -قبل أن تقسم الأرض بينكما- بمائة ألف، فباعه لرجل آخر، فالشريعة تعطيك الحق متى ما علمت بهذا البيع أن تقول: أنا شافع، فإذا قلت: أنا شافع، وطلبت الشفعة؛ من حقك أن تأخذ هذا النصف الذي باعه شريكه بنفس الثمن الذي اتفق عليه الطرفان حتى ولو لم يرضَ.
قضى بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح مشروعاً لحكم عظيمة: منها: دفع الضرر الذي قد يقع عليك بقسمة العقار؛ لأن الشريك القديم ربما يرضى بكونك معه في العقار ولا يقاسمك، لكن إذا جاء الأجنبي ربما قال لك: أريد أن أميز نصفي عن نصفك، فأنت تتضرر، مثلا: لو كانت المزرعة مشتركة بينكما أو كان المخطط مشتركاً بينكما فإنك تستطيع أن تنتفع بجميع مصالحه وأن ترتفق بذلك؛ لكن إذا دخل هذا الأجنبي ربما أدخل عليك الضرر، وببيع صاحبك لنصفه كأنه ميز نصفه عن نصفك.
الضرر الثاني: أنه ليس كل شريك ترضى به، فقد ترضى بالشريك الأول ولا ترضى بالشريك الثاني، وقد تأمن الشريك الأول ولا تأمن الشريك الثاني، فقد يكون عند الإنسان شركة مع رجل في أرض يحتاج إلى إخراج أهله أو عرضه لها كالمزارع ونحوها، فيأمن شريكاً ولا يأمن شريكاً آخر، وقد يتضرر بشريك أكثر من غيره، وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [ص:24] والخلطاء يعني: الشركاء؛ ولذلك ما ترك القرآن شيئاً، كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: ( ما من شيء إلا وهو في كتاب الله ) حتى نفسية الشركاء وتعاملهم، والأضرار والمفاسد المترتبة على الإنسان منفرداً أو مشتركاً مع غيره بينها كتاب الله عز وجل.
(وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ) بين أن الغالب والأكثر حصول الضرر بالشركات، فإذا كانت هذه قاعدة، وهي: (أن الشراكة توجب الضرر) وأن اجتماع الاثنين فأكثر في شيء الغالب أن فيه ضرر، وأنه لا يأمن من هذا الأجنبي الذي دخل عليه؛ فإن الشريعة أعطت القديم الحق في دفع هذا الضرر، وبناء على ذلك تنظر إلى حكمة الشريعة: فأنت إذا دخل عليك أجنبي في أرضك إن كنت ترضاه ستسكت وستترك البيع كما هو وتقول: رضيت بك بدلاً عن فلان، وقد يكون خيراً من الشريك الأول، ولكن إذا كان فيه ضرر فإنك لا ترضى بذلك، وحينئذٍ لو جعلت الشريعة الشريك مكتوف اليد لتضرر، ولو أنها أجازت له أن يسترد بأي ثمن لضرت طالب الشفعة فعدلت بين الناس، قالت: من حقك أن تشتري هذا النصيب بنفس الثمن لا تزيد ولا تنقص منه، فلا يطالِب الأجنبي بزيادة، فلو اشترى بمائة ألف، وقال: أريد مائة وعشرين، تمنعه الشريعة من الزيادة، وتقول: ليس لك إلا المائة وحدها، وهذا عين العدل أخذ ماله ودفع الضرر، ثم إذا أراد أن يشتري عقاراً ثانياً فله ذلك، لكن هذا العقار الذي فيه شركة وخلطة لا ينبغي أن يفتح بابه، ولا ينبغي أن تكون معاملة البيع سبباً في إيقاع الضرر على المسلم، فدفع الله عز وجل هذا الضرر بإثبات الشفعة وشرعها لعباده، ولله في ذلك الحكمة التامة البالغة كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ الأنعام:115] سبحانه وتعالى.
هذا الباب يتكلم العلماء فيه عن الشفيع وهو الذي له حق طلب الشفعة، ويتكلم العلماء فيه عن الشخص الذي يشفع منه ويؤخذ النصيب منه وهو الأجنبي المشتري، وكذلك يتكلم العلماء فيه على المحل الذي تكون فيه الشفعة وهو النصيب الذي باعه الشريك، ما هو محل الشفعة؟ وما الذي تقع فيه الشفعة؟ وما الذي لا تقع فيه الشفعة؟ وما الحكم إذا تغير هذا المحل بزيادة أو نقص؟ كل ذلك يبين العلماء رحمهم الله أحكامه في باب الشفعة.
تعريف الشفعة شرعاً
أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بعقد الشفعة.
قال رحمه الله تعالى: [وهي استحقاق انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوضٍ مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد].
قوله: (استحقاق) بعض العلماء يضيف عليه ويقول: (استحقاق الشريك) وهذا الاستحقاق ينتقل إلى الورثة على قول بعض العلماء، فهو للمالك الأصلي وكذلك لورثته؛ لأن الورثة يرثون الأعيان والاستحقاقات، وإذا كان لمورثهم استحقاق فإنهم يرثونه.
قال رحمه الله: [استحقاق] استفعال من الحق، والمراد بذلك أن الشفعة تثبت للشريك الحق في أن ينتزع هذه الحصة (استحقاق الشريك انتزاعه) فالشيء المستحق هو الانتزاع (انتزاع حصة شريكه) إذاً لابد من وجود شركة ولابد من وجود خلطة في عقار على تفصيل سنذكره إن شاء الله تعالى.
(فيكون استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه)
(حصة) القدر الذي باعه شريكه، فلو أنه كان يملك شقصاً أو مساحة من الأرض فباع بعضها فالشفعة ثابتة في الحق الذي باعه.
(انتزاع): ولذلك يقول العلماء: الشفعة تؤخذ قهراً، وليست اختيارية؛ فليس للأجنبي الخيار في قبول البيع أو عدم قبوله بل تؤخذ منه بالقوة، ولذلك قال بعض العلماء: إنه من هنا ناسبت أن تذكر بعد باب الغصب؛ لأن الغصب هو: الاستيلاء على الأموال قهراً؛ لكن الفرق بينهما أن الغصب بدون عوض، والشفعة بعوض، والغصب غير مشروع، والشفعة من المشروع.
وقوله: [استحقاق انتزاع حصة شريكة]
هذا الانتزاع القهري في الحقيقة اختلف فيه العلماء: بعض العلماء يقول: هذا الانتزاع أصل شرعي وليس بمستثنى من الأصول ولا بخارج عن القياس، يعني: هو بذاته باب مستقل أقرته الشريعة دون استثناء، وهذا مذهب البعض من العلماء رحمهم الله، واختاره الإمام ابن القيم وغيره من أهل العلم رحمة الله عليهم.
وذهب جمهور العلماء إلى أن الشفعة مستثناة من الأصل، والمراد بالاستثناء من الأصل أن الأصل يقتضي أن من باع ما يملكه إلى مشترٍ أو إلى آخر بعوض بيعاً صحيحاً تام الشروط فإنه لا ينتزع هذا المملوك الذي بيع ممن اشتراه وهو الأجنبي إلا بحق.
فالأصل الشرعي يقتضي أن الأجنبي حينما اشترى نصيب شريكي أنني لا أرغمه ولا أفرض عليه بيعه لي، ولهذا فإن كلام العلماء عندما يقولون: الشفعة خارجة عن الأصول يعني: استثنيت من الأصول، فالأصل الشرعي يقتضي أنه لا يصح أن نقهر شخصاً على البيع وأن نأخذ النصيب منه دون رضاه، ما الدليل على أن الأصل يقتضي ذلك؟
قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ [النساء:29] وهذا الأجنبي لا يرضى لأنه اشترى من أجل أن يبقى، ولا يرضى أن يشترى منه النصيب الذي اشتراه بنفس القيمة، صحيح لو أعطي ربحاً ربما رضي، ولكن أن يؤخذ منه بدون رضاه بالقوة لاشك أن هذا مستثنىً من الأصول.
لو سأل سائل فقال: ما هو الأصل؟
نقول: الأصل أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه وبرضاه، واستثنت الشريعة هذا لأنه من باب تعارض مفسدتين، روعي دفع أعظمهما بارتكاب أخفهما، وهذه القاعدة سبق أن ذكرنا أدلتها من الكتاب والسنة أنه إذا تعارضت مفسدتان قدمت الشريعة المفسدة العظمى فأمرت بارتكاب الصغرى دفعاً للمفسدة العظمى والمفسدة هنا داخلة على الشريك وقد بينا ذلك ووضحناه ولو فتح هذا الباب لتضرر الناس، ولذلك نقول: إنها مستثناة من الأصول؛ لأن الأصل يقتضي أن المسلم لا ينتزع منه ماله إلا برضاً منه وقد ينعدم الرضا في الشفعة.
مسألة القياس فبعض العلماء يقول: إن الشفعة استحسان، يعني: أشبه بالاستحسان من جهة دفع الضرر ومن أمثلة ذلك: جواز رد المبيع بعد وجود العيب فيه، فأنت لو اشتريت سيارة مثلاً فإن البيع إذا تم وعقدت الصفقة على هذه السيارة مستوفية للشروط الشرعية وأخذتها، ثم وجدت في السيارة عيباً فمن حقك أن تفسخ البيع وأن ترد المبيع، هذا الحق أثبتته الشريعة لك دفعاً للضرر وبناء على ذلك فسخ عقد البيع، ورد بنفس الثمن لوجود الضرر، فلا فرق بين الشفعة وبين رد المبيعات بالعيب؛ لأننا في العيب ندفع الضرر عن المشتري، وهنا ندفع الضرر عن الشريك، وكما أن الشريعة فسخت بيعاً لوجود ضرر على المشتري كذلك تفسخ البيع وتعطي الحق لمن يترتب عليه الضرر أن يدفع هذا الضرر فيشتري النصيب ممن اشتراه بالثمن الذي استقر عليه العقد.
قال: [استحقاق انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه] وهذا الشخص المشفوع منه هو الذي انتقلت إليه، ويشترط أن تنتقل إليه عن طريق المعاوضة بالبيع، فلو انتقلت إليه بالهبة فليس من حقك أن تشفع، لو أن شخصاً كان شريكاً معك في أرض ثم قال: وهبت أرضي لأخي، وكانت هبةً صحيحة فليس من حقك أن تشفع؛ لأن الشفعة قضي بها بالثمن والبيع والمعاوضات، وأما بالنسبة لانتقالها بالهبة فهذا قول جماهير السلف والخلف، حتى إن بعض العلماء يقول: كاد يكون عليه الإجماع.
إنها إذا لم تنتقل بالبيع من حيث الجملة -وإلا فيه تفصيل- فلا شفعة فيها، والأمور التي تستثنى وتخرج من عقد البيع سيأتي إن شاء الله بيانها.
قال: [بثمنه الذي استقر عليه العقد] أي: تكون الشفعة للشريك بنفس الثمن الذي استقر عليه العقد بين الشريك البائع وبين الأجنبي المشتري لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وبناءً على ذلك تختص بالبيع كما ذكرنا؛ لأنه هو الذي فيه المعاوضات.
قال رحمه الله: [استحقاق انتزاع حصة الشريك] لما قال المصنف: (حصة) يعني أنه المصنف يرى أن الشفعة تختص بالأعيان، ولا تقع الشفعة في المنافع، ومن أمثلة المنافع الإجارة، ومن أمثلتها في زماننا لو قلنا في الشفعة: إنها مستحقة بالجوار، فاستأجرت نصف عمارة، واستأجر غيرك النصف الآخر، فإذا قلنا: تثبت الشفعة في المنافع والإجارة كما تثبت في البيع، فلو أنكما اشتركتما في إجارة عمارة لموسم الحج بمائة ألف، ثم أراد صاحبك أن يبيع نصيبه، بمعنى أن يدخل أجنبياً شريكاً لك في هذه الإجارة فأدخله بمائة وعشرين ألفاً؛ فحينئذٍ من حقك أن تشفع وتطالب بهذه الشفعة دفعاً لهذا الضرر بدخول الشريك الأجنبي عليك، إذاً في هذه الحالة يكون الانتزاع شاملاً للأعيان والمنافع على القول بأنها لا تختص بالأعيان وإنما تشمل المنافع، وإن كان الأقوى والأشبه أنها تختص بالمبيعات ولا تشمل عقد الإيجار.
شروط الشفعة
يقول المصنف: (فإن انتقل) أي: نصيب الشريك (بغير عوضٍ) هذه المسألة متعلقة بشرط المعاوضة في نصيب الشريك، فلا تصح ولا تقع الشفعة إذا انتقل نصيب الشريك بدون عوض أو كان عوضاً عن خلعٍ أو كان عوضاً عن بضعٍ كما في المهر صداقاً لامرأة فإنه في هذه الحالة لا يستحق الشريك الانتزاع إذا انتقل بغير عوض أو هبة، كما لو قال: وهبت نصيبي لابني أو وهبت نصيبي لأخي، أو وهبت نصيبي من الشركة في الأرض الفلانية لفلان بن فلان صديقي، فإنه في هذه الحالة لا تثبت الشفعة؛ لأن الشفعة أصلاً ثبتت بصورة خاصة وهي التي تكون فيها المعاوضة بنفس الثمن، ولذلك في هذه الحالة يكون الضرر أخف مما لو إذا كانت في المعاوضة.
وبعض العلماء يقول: إذا لم تكن بعوض فهذا مستثنى بالإجماع، ويشمل ذلك الإرث كما لو انتقلت إرثاً، فالورثة إذا ملكوا عن أبيهم أو ورثوا من أبيهم نصيبه في أرضٍ أو عقار فإنه لا شفعة للشريك، فلا يأتي الشريك ويقول: أنا شافع؛ لأنه في هذه الحالة يشفع بماذا؟ ما هو الثمن الذي سيدفعه في مقابل هذا النصيب؟ لأنه لم يبع صاحبه، ولذلك لا تقع الشفعة بغير عوض.
قال: [ أو كان عوضه صداقاً]
أو كان عوضه -النصيب- صداقاً، كرجل شاركك في أرضٍ مناصفة ثم تزوج امرأةً وقال لها: نصيبي من الأرض الفلانية أو نصيبي من المخطط الفلاني صداقاً لكِ فرضيت به؛ فإنه حينئذٍ يكون قد انتقل نصيبه إلى المرأة ولكن عن طريق الصداق فلا تثبت الشفعة فيه.
قال: [أو خلعاً].
كذلك لو كانت المرأة تملك نصفاً في أرضٍ، ثم أرادت أن تخالع زوجها -وقد تقدم معنا باب الخلع وبينا فيه أن من حق المرأة أن تخالع زوجها- بنصيبٍ يعادل المهر، فقالت: أنت مهرك عشرة آلاف ريال وأرضي الفلانية أملك نصفها تعادل عشرة آلاف ريال أعطيك هذا النصيب عوضاً عن مهرك وتخالعني، فرضي بذلك، فإنه حينئذٍ لا يكون من حق الشريك أن يشفع.
قال: [أو صلحاً عن دم عمدٍ فلا شفعة]
كرجلٍ -والعياذ بالله- قتل رجلاً وأرادوا أن يصطلحوا فللعلماء في هذه المسألة وجهان ذكرناهما في باب الصلح، فهل من حق أولياء المقتول أن يطالبوا بأكثر من الدية أو ليس من حقهم؟
فالأصل الشرعي يقتضي أنه ليس من حق الورثة أن يطالبوا بأكثر من الدية؛ لأن الله سبحانه وتعالى قدر المقادير وحد الحدود وجعل هذه الدية مائة من الإبل عدلاً لرقبة المسلم، فإذا أرادوا أن يقتلوا القاتل طالبوا بحقهم بالقصاص، وإذا تنازلوا عن القصاص وجب عليهم أن يرضوا بالدية التي حكم الله عز وجل بها ورسوله عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا لا يزاد عليها ولا ينقص منها، وقلنا: هذا هو الأشبه بالسنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأوفق للأصول.
فلو اصطلحوا وقلنا بجواز أن تعطى الزيادة على الدية من باب الصلح لا من باب أنها دية، وهذا مخرج بعض الفقهاء، وهو في الحقيقة لا يخلو من نظر، لكن لو قلنا بهذا القول فالبعض يبالغ، فقد يطالب أولياء المقتول بمليون ريال كدية صلح، بل بعض الأحيان بلغ ببعضهم أن يطالب بعشرة ملايين، فهذا يخالف النص والأصل الشرعي، أليس الله عز وجل جعل عدل هذه الرقبة وما يكون مقابلاً لها بهذا القدر؟
فإذاً: يجب أن نقف عند هذا القدر ونقول: ما حده الله عز وجل وقدره ينبغي الوقوف عنده، لا يزاد عليه ولا ينقص منه، فهذا هو حكم الله وهذه حدوده لا نعتدي بالزيادة عليها بالمطالبة بما هو أكثر؛ لأنه لو قيل: من حقهم أن يطالبوا بأكثر فمعناه أن الرقبة لا تعادل مائة ألف، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لم يعط أولياء المقتول حقهم في رقبة وليهم.
فلما جعل الله عز وجل عدل الرقبة مائة ألف، وسن ذلك مائةً من الإبل بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وثبت، فإننا ننظر إلى عدلها من القيمة، لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه؛ لأنه من شرع الله عز وجل المحكم الذي لا نسخ فيه، وعلى هذا لو اصطلحوا عند الحاكم سواءً كان بالزيادة أو نفس الدية فقال مثلاً: مائة من الإبل تعادل مائة ألف، فأعطيك أرضي الفلانية لي فيها النصف أو ثلاثة أرباعها، أعطيك هذا القدر الذي يساوي المائة ألف وتتنازل عن دم وليك، قال: قبلت، فحينئذٍ صار صلحاً عن دم عمدٍ، بعض العلماء يرى أنه في هذه الحالة ولو زاد عن الدية أنه لا شفعة للشريك؛ لأن الانتقال لم يكن على سبيل المعاوضة.
وفي الحقيقة هذه المسائل فيها إشكال من حيث أن الشفعة في الأصل شرعت لدفع الضرر، والضرر سيقع بدخول هذا الأجنبي فلا فرق بين كونه داخل بالبيع أو داخل بصلح العمد أو داخل بسبب آخر، ولذلك في الحقيقة لا يخلو قول بعض العلماء من نظر باعتبار السبب الذي ذكرناه من أن الشفعة شرعت لدفع الضرر، فلا يخلو من نظر من هذا الوجه.
التحيل لإسقاط الشفعة حكمه وصورته
يحرم على المسلم أن يحتال لإسقاط الشفعة؛ لأن الحيلة تغيير لشرع الله وإبطال للحق وإحقاق للباطل، والحيلة لا خير فيها، ومن حيث الأصل الحيل تنقسم إلى قسمين:
هناك حيلةٌ مشروعة، وهناك حيلة ممنوعة، فالحيل المشروعة هي التي أذن الله بها ورسوله عليه الصلاة والسلام، ويكون فيها بعض الكيد الواقع في موقعه، ومن ذلك ما احتال به يوسف عليه السلام على إخوته من أجل أخيه بنيامين، فإنه لما جاءوا أمرهم أن يأتوا بأخيهم، فالسبب في كونه يأمرهم بالإتيان لأنه كان يعلم أن الأسباط فيهم حسد وأذية له ولأخيه، فأمرهم أن يأتوا بأخيه، فلما جاءوا به وأخبره أنه أخوه واحتال لاستبقائه تحت يده؛ لأن أيديهم فيها خيانة، بدليل أنه رأى ذلك وعلمه منهم حينما رموه في الجب، فاحتال لكي يستحق أخاه بالحيلة، فخبأ الصاع في رحله، ثم ادعى أنهم سرقوه، وهذا يقول فيه بعض العلماء رحمهم الله: إنهم في الصغر آذوه، فكانت أذيةً في مقابل أذية.
ويقولون: إنه فعل ذلك لدفع ما هو أعظم وأشد، فإنه لم يأمن أن يقتلوا أخاه؛ وعلى هذا فإن ادعاء كونهم سارقين مفسدة، ولكنها أخف بكثير من كونهم معتدين على أخيه إما بقتله أو بالإضرار به، وعلى هذا قالوا: احتال يوسف عليه السلام كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف:76] والكيد كما هو ثابت في كتاب الله عز وجل صفة من صفاته، من غير تأويل ولا تعطيل، ولا مشبهاً كيده سبحانه بكيد خلقه، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، أن الصفات تبقى على ظاهرها، فإذا جئنا نخرجها أثبتناها بأنه كيد واقع في موقعه، والكيد كيدان:
كيد واقع في موقعه فهو مشروع غير ممنوع، وكيد غير واقع في موقعه فهو ممنوع وصفة نقص.
فلما كان كيده سبحانه وتعالى كيداً كاملاً لا نقص فيه كانت صفة كمال لله عز وجل، ولما كان كيد المخلوق الغالب فيه أن يقع في غير موقعه صار صفة نقص وذم، وما للخالق لا يشابه ما للمخلوق، ولذلك نقوم بإثبات هذه الصفات، والشاهد عندنا أن الحيلة تكون مشروعة لدفع ما هو أعظم أو طلب ما هو أجل أو مصلحة أكبر.
ومن أمثلة الحيلة الشرعية ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أُتي بصاعٍ من التمر -من صاع خيبر وكان من أجود التمر وأحسنه- ونظر إليه فأعجبه فقال كما في الحديث الصحيح: (أكل تمر خيبر هكذا؟ قالوا: لا يا رسول الله! إنا والله نبيع الصاع من هذا بالصاعين -يعني: هذا الجيد الذي تراه ندفع في مقابله صاعين مما هو أردأ منه- فقال عليه الصلاة والسلام: أوه -وهي كلمة توجع وتفجع- عين الربا! عين الربا رده -فأمر برده وإبطال البيع- ثم قال: بع الجمع بالدراهم ثم اشتر به) فدل هذا على حيلة شرعية، وهي أن تبيع القديم بالنقد ثم تشتري به الجديد.
ومن أمثلته الذهب: فلو كان عند المرأة ذهب قديم وأرادت أن تستبدله بذهب جديد فلا يجوز إلا مثلاً بمثل يداً بيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب .. إلى أن قال في آخر الحديث: مثلاً بمثل يداً بيد) وقال في حديث أبي سعيد في الصحيحين: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) فإذا ثبت أنه لابد من التماثل فقد لا يبيع صاحب المحل الجديد بالقديم بنفس الوزن بل يقول: أريد الفارق فتقول له المرأة: اشتر مني هذا القديم، فتبيعه ثم تخرج من المحل حتى تتم الصفقة الأولى والبيع الأول؛ لأن (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) فإذا خرجت من المحل رجعت مرة ثانية بعد تمام الصفقة الأولى ووجوبها وثبوتها واشترت الجديد (بع الجنيب بالدراهم ثم اشتر به جديداً).
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لنا مخرجاً شرعياً جائزاً، أما إذا كانت الحيلة لإبطال حقٍ أو إحقاق باطل فإنها تعتبر محرمة، وهو صنيع بني إسرائيل الذين استحلوا ما حرم الله عليهم، ولذلك لما حرم الله عليهم الصيد في السبت وضعوا الشباك في يوم الجمعة ثم أخذوها يوم الأحد فاستحلوا ما حرم الله: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] ولذلك قالوا: من يحتال على الشرع فهو مخادع، ومن يخادع الله يخدعه الله عز وجل، ومن كان تحت سطوة الله فلا تسأل عن حاله، فإن الله يخدعه في نفسه وأهله وعرضه وولده وماله، فإذا ظن أنه بهذه الحيل يستكثر ماله دمر الله تجارته ونزع البركة من ماله، فهو يظن أنه يصل إلى شيء فيحرمه الله عز وجل ذلك الشيء ويجعل احتياله عليه سبباً في حصول البلاء والوبال عليه في الدين والدنيا والآخرة.
ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما جاءه رجل، وكان عم هذا الرجل قد طلق امرأته ثلاثاً، وأراد هذا الرجل أن يتزوج المرأة كي يحللها لعمه، وهي مسألة خلافية، لكن الشاهد أن ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن ذلك قال: (إن الله لا يُخدع) وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (من يخادع الله يخدعه) ومصداق ذلك في كتابه تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] ولذلك لا يجوز للمسلم أن يتعاطى مثل هذه الحيل، ومن ذلك تحليل المرأة المطلقة ثلاثاً، حيث يؤتى برجل ويقال له: تزوج هذه المرأة ونعطيك المهر، فإذا عقدت عليها ودخلت بها طلقها حتى تحل لفلان (فلعن الله المحلل والمحلل له) وهو التيس المستعار وقد تقدم الكلام عليه في باب النكاح، فهذا من الحيل المحرمة، ومن الحيل المحرمة ما كان عليه بنو إسرائيل مما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم حينما حرمت عليهم الشحوم فجملوها وأذابوها وقالوا: حرم الله علينا الشحوم ولم يحرمها علينا على هذا الوجه.
فالواجب على المسلم أن يقف عند حدود الله عز وجل، وأن لا يحتال على الشرع، وقد تقع الحيل في العبادات.. وتقع الحيل في المعاملات.. ومن أسوأ ما ذكروه أنهم كانوا يقولون للتاجر: خذ زكاة مالك من الذهب أو الفضة وضعها في كيس حب، ثم أعطها للمسكين على أنك تنوي بها الزكاة، فإذا أخذها المسكين -وهو لا يدري أن بداخلها الذهب- قل له: إن هذا الكيس إن وهبتنيه أعطيتك أفضل أو أحسن منه، فالمسكين لا يدري أن بداخله الزكاة التي هي من الذهب أو الفضة، فيهبه له أو يرسل إليه التاجر من يأخذ منه الكيس، فكل هذا من التحايل والتلاعب في دين الله عز وجل وقس على ذلك من الحيل؛ لكن إذا كان للحيلة أصل شرعي ودليل يدل على جوازها فإنها مشروعة غير ممنوعة.
فقوله: [ويحرم التحيل لإسقاطها]، اللام للتعليل أي: من أجل إسقاط الشفعة، ومن أمثلة ذلك: لو أن شخصاً أراد أن يبيع العقار لشخص فيدعي ويقول له: سأهب لك هذا النصف ثم تعطيني على هذه الهبة مكافأة، ومعلوم أن هذا النصف قيمته مائة ألف، فيعطيه مكافأة على ذلك مائة ألف، في الحقيقة الأمر قائم على معاوضة، وإنما احتال بالهبة من أجل أن لا يعترض الشريك فيشتريه، وبناء على ذلك تكون الهبة في الظاهر والبيع في الباطن، فهذا يعتبر من التحيل لإسقاط الشفعة؛ لأنه لا شفعة في هبة، ويقاس على ذلك الصور التي يقصد بها المتعاقدان إسقاط الشفعة عن الأجنبي.
فلا يجوز للمسلم أن يتحيل لإسقاط الشفعة، وقد بينا نصوص الكتاب والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي تدل على تحريم التحيل على الشرع، وأن الواجب على المسلم أن يلتزم ما أمره الله بالتزامه، والتحيل على الشريعة فيه إثمان:
الإثم الأول: تغيير شرع الله عز وجل بإحقاق الباطل وإبطال الحق.
والإثم الثاني: عصيان ما أمر الله عز وجل به وما نهى عنه، فما أمر به يصير بالحيلة منهياً عنه، وما نهى عنه يصير بالحيلة مأموراً به أو -على الأقل- مباحاً، والله حرمه ومنع العباد منه، ولذلك أمر الله عز وجل عباده بالتسليم، وأخبر سبحانه وتعالى وأقسم بنفسه أنه لا يؤمن مؤمن إلا إذا سلم بحكمه والتزم بشريعته: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] فلابد من التسليم والإذعان لله عز وجل طواعية له سبحانه وتعالى، وتذللاً وتقرباً، مع العلم أنه لا أحكم من حكمه، ولا أتم من شرعه سبحانه وتعالى، فمن ذلك الشفعة.
لقد جُبلت النفوس على حب المال، وإذا اشترى إنسان شيئاً وثبت لأخيه المسلم حق الشفعة ربما حرك الشيطان في نفسه كوامن الشح والبخل، فيضن عن إعطاء أخيه المسلم حقه الذي أعطاه الله عز وجل إياه، فيسعى بالحيلة لإسقاط الشفعة، ويتحيل على هذا الحق لأخيه المسلم حتى لا يمكنه منه، فيأتي بأمر أو يتصرف تصرفاً إما فيما بينه وبين البائع أو بإخباره للشريك أنه موهوب له أو نحو ذلك من أساليب الحيلة، فهذا كله حرام ولا يجوز للمسلم أن يفعله، وعلى من فعله التوبة من ذلك بالاستغفار والندم، وإخبار صاحب الحق وهو الشريك أن الشقص والنصيب انتقل إليه بالبيع، وإخباره كذلك بقيمة البيع، حتى يتمكن من حقه فإن شاء شفع وإن شاء ترك.
الشفعة: مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر، وقال بعض العلماء: سمي هذا العقد بهذا الاسم لأن الشريكين إذا اشتركا في عقار واحد، وأراد أحدهما البيع فشفع صاحبه بعد البيع، فإنه يضم نصيب صاحبه إلى نصيبه، وحينئذٍ يكون نصيبه شفعاً بعد أن كان وتراً، مثال ذلك: لو كنت مع رجل تملكان أرضاً مقسومة بينكما بالنصف، فنصيبك نصف الأرض ونصيبه النصف الآخر، فلو باع صاحبك هذا النصيب الذي له وطلبت الشفعة فإنك حينئذٍ قد ضممت نصيب صاحبك إلى نصيبك فصار نصيبك شفعاً بعد أن كان وتراً، وتملك الأرض كلها، هذا العقد عرفه بعض العلماء -كما سيذكره المصنف رحمه الله-: بأنه استحقاق انتزاع حصة الشريك ممن انتقلت إليه بنفس العوض الذي باعها به.
والعلماء رحمهم الله ذكروا باب الشفعة بعد باب الغصب لمناسبة وهي: أن الشفعة تكون بالقوة والقهر، فأنت إذا كنت شريكاً لرجل في أرضٍ ثم باع نصيبه وأردت الشفعة؛ فإنك تأخذ نصيبه ممن اشتراه ولو لم يرضَ، فحينئذٍ تأخذ بنفس القيمة وبنفس الثمن الذي باع به شريكك، وبناء على ذلك قد لا يكون راضياً -أي: الذي اشترى من شريكك، ومن مقاسمك- بالبيع ولكنك تأخذها منه استحقاقاً شرعياً ثبتت به السنة من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] | 3704 استماع |
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] | 3620 استماع |
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق | 3441 استماع |
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] | 3374 استماع |
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة | 3339 استماع |
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] | 3320 استماع |
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] | 3273 استماع |
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] | 3228 استماع |
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص | 3185 استماع |
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] | 3169 استماع |