أرشيف المقالات

عصر وسائل التواصل الاجتماعي - أحمد قوشتي عبد الرحيم

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
قبل عصر وسائل التواصل الاجتماعي كان الغالب على كل صاحب مذهب أو اتجاه عقدي أو فكري أنه يعيش منعزلا داخل اتجاهه ، يشعر بوثوقية تامة ، ويبيت مطمئنا بما هو عليه ، ولا يسمع إلا صوتا واحدا ، وقلة قليلة فقط هي التي كانت تسعى للخروج إلى آفاق أوسع ، لتختبر ما تتبناه ، ولتتعرف على انتقادات الآخرين .
ثم كان ماذا ؟!!
جاءت وسائل التواصل ، فانفتح على الناس طوفان هائل من الخير والشر ، والحق والباطل ، وخليط عجيب من الأشخاص والأفكار والاتجاهات والردود ، والقيل والقال ، فاهتزت لدى البعض ثوابت ، وتهاوت يقينيات ، وأصيب من أصيب بالتخبط أو الإحباط ، وتفاوتت ردود الأفعال :
- فالذكي الناصح انتهزها فرصة ليستفيد من كل متميز في ميدانه ، ويلتقط الخير والفائدة من كل ناصح ، وكل ذلك بانضباط وتعقل لا يورثه التوهان أو التخبط ، أو التشويش على مشاريعه وخططه التي هو ماض فيه .
- والآخر المسكين صرف همه للقيل والقال ، والأخذ والرد ، وانضم بعضهم إلى " ألتراس " ما ، يصيح كالديكة بغير فهم ولا تمييز ، فضيع وقته وعمره ، أو صار مذبذبا ، تارة إلى هؤلاء وتارة إلى أولئك ، وربما وقف حائرا لا يدري أي طريق يسلك.
- والثالث المفتون : هاله التفرق والاختلاف وأورثه الحيرة والاضطراب ، وظن أن كل هؤلاء المختلفين على باطل ، فهجرهم جميعا ، وانصرف إما إلى الشهوات يرتع فيها ، وإما إلى الشبهات يصطلي بنيرانها ، ويقاسي من أهوالها ، وربما انسلخ انسلاخا تاما من كل دين وإيمان .
وتبقى نصيحة أذكر بها نفسي وكل من يقرأ هذه السطور ، وهو أحد رجلين :
فإن كنت طالب علم في أول الطريق فلا تدخل نفسك في هذه المتاهات ، واقتصر على عدد محدود تتابعه ، فتستفيد ، ويزداد إيمانك ويقينك وترتقي علميا وقلبيا ومعرفة بالواقع .
أما ذاك المتبوع الذي يقرأ له الناس : فليتق الله فيمن يتابعونه ، وليختر ما يطرحه عليهم من مسائل وإشكالات ، فليس كل ما يعلم يقال ، وليس كل ما يقال حان وقته أو يصلح لكل الناس ، وطعام الكبار سم للصغار ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال " «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ» " وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً "

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣