شرح زاد المستقنع مقدمة كتاب المناسك [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

[في عمره مرة على الفور]:

قوله: (في عمره مرة) أي: يجب على المسلم الحر المكلف القادر أن يحج ويعتمر مرة في العمر، فهذه الفريضة تجب على الإنسان مرة في عمره؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف للناس في حجة الوداع، فقال: (أيها الناس! إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فقيل: يا رسول الله! أفي كل عام؟ فسكت عليه الصلاة والسلام وقال: لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم، ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) إلى آخر الحديث.

وجه الدلالة من الحديث: أنه لم يقل: نعم. والصحابي عندما سأل: أفي كل عام؟ لم يجبه بنعم، وإنما قال: لو قلت نعم لوجبت، أي: لوجب عليكم الحج في كل عام، ولكنه لم يقل ذلك، فدل على أن الحج إنما يجب مرة في العمر، وهذا بإجماع المسلمين.

قوله: [على الفور]

فلا يتراخى ولا يتأخر، على أصح قولي العلماء رحمة الله عليهم.

صحة حج من زال رقه وجنونه وصباه قبل غروب شمس يوم عرفة

قوله: [فإن زال الرق والجنون والصبا في الحج بعرفة وفي العمرة قبل طوافها صح فرضاً]

أي: لو خرج الرقيق من المدينة إلى مكة وهو يريد الحج، فإننا ننظر إن وقع عتقه قبل الوقوف بعرفة فللعلماء فيه أقوال: أصح الأقوال أنه يجزيه عن حجة الإسلام، ولا يجب عليه أن يرجع إلى الميقات.

وقال فقهاء الحنفية: يجب أن يرجع إلى الميقات؛ لأنه وجب عليه الحج من ميقاته، فيرجع لكي يحرم منه، فإن لم يرجع لم يجزه، فقيل لهم: لماذا؟ قالوا: لأن نيته الأولى وقعت نافلة ولم يكن الحج واجباً عليه، فلما وقعت نافلة فلا ينقلب النفل إلى الفريضة.

وقال بعض العلماء: يجب عليه أن يرجع إلى الميقات حتى يسقط عنه الدم، فإن حج من مكانه ومضى فإنه يصح حجه ولكن يجب عليه دم.

فهذه ثلاثة أقوال لأهل العلم:

منهم من يقول: يصح ما دام أنه قد عتق قبل الوقوف بعرفة، أو أثناء وقوفه بعرفة قبل أن يدفع، ويجزيه عن حجة الإسلام.

ومنهم من قال: يلزمه الرجوع إلى الميقات حتى يخرج بنية الفريضة بدل نية النافلة.

ومنهم من قال: إنه يلزمه الرجوع إلى الميقات حتى يسقط عنه الدم؛ لأنه سَيُحْرِمُ بالحج الفرض من موضع دون الميقات.

والصحيح أنه يجزيه في حجه أن يمضي؛ وذلك لما ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً وهو يطوف بالبيت يقول: لبيك عن شبرمة ، لبيك عن شبرمة ، فقال عليه الصلاة والسلام: ومن شبرمة ؟ قال: أخي -أو ابن عم لي- مات ولم يحج، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ) .

فهذا الحج الذي وقع من هذا الرجل كان في الميقات قد نوى عن شبرمة ، فلو كان يلزمه الرجوع إلى الميقات لقال له: ارجع إلى الميقات وانوِ عن نفسك؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فاغتفر الشرع ذلك وصار من سماحة الشرع ويسره.

وإلا فالأصول تقوي أن يرجع، فلما استثنى النبي صلى الله عليه وسلم هذا، دل على أن من طرأ له الحكم وانقلبت نيته أن ذلك لا يؤثر، وقد قال علي رضي الله عنه: أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد قدم من اليمن، فلم يقل له: ارجع إلى يلملم وجدد النية بما نويت به. يقول العلماء: إن هذا يدل على أنه لا يلزم الرجوع إلى الميقات، وأنه إذا عتق الرقيق وبلغ الصبي قبل الوقوف بعرفة، فإنه يجزيهما أن يمضيا في حجهما.

صحة عمرة من زال رقه وجنونه وصباه قبل طوافه

أما في العمرة فتنظر إلى أول الأركان، وهذا مسلك الشافعية والحنابلة رحمة الله عليهم: أن العبرة عندهم في العمرة بتغيير النية وانقلابها أن يكون قبل بداية الطواف، فإذا ابتدأ الطواف فقد تلبس بالنسك نافلة، أما لو غير نيته قبل الطواف فإنه يجزيه ذلك.

ولذلك فمسائل الفسخ من حج إلى عمرة ونحوها من المسائل، إنما تكون قبل أن يتلبس بالطواف، فإذا وقع عتقه قبل طواف الركن، أي: طواف العمرة، فإنه حينئذٍ تجزيه عن عمرة الإسلام وتعتبر عمرته فريضة؛ لأنها وقعت قبل ركن الطواف.

وذكرنا أنه إذا وقع بلوغ الصبي باحتلام وغيره قبل الوقوف بعرفة، أو أثناء وقوفه بعرفة قبل دفعه أجزأه وصحت حجته عن حجة الإسلام، وإن وقع بلوغه قبل طوافه بالبيت في عمرته أجزأه وانقلبت عمرته إلى فريضة الإسلام.

قوله: (صح فرضاً): أي: أجزأه عن عمرة الإسلام وحجه.

الحج والعمرة من الصبي والعبد حال الصبا والرق لا تجزئ عن الفريضة

[وفعلهما من الصبي والعبد نفلاً]

أي: أن الصبي والعبد إذا حج كل منهما أو اعتمر في حال الصبا والرق، فهي عمرة نافلة وحجة نافلة ولا تجزي عن الفريضة، هذا مراد المصنف رحمه الله، وفي ذلك حديث ابن عباس الذي ذكره الشافعي في مسنده وغيره أنه قال: (أيما صبي حج ثم بلغ فإنه يعيد حجه) وهذا أصل عند العلماء رحمة الله عليهم، فيقول جمع من السلف: إنه يلزمه أن يعيد حجه، ولا تجزيه الحجة النافلة ولا العمرة النافلة عن فريضة حجة الإسلام وعمرته.

قوله: [فإن زال الرق والجنون والصبا في الحج بعرفة وفي العمرة قبل طوافها صح فرضاً]

أي: لو خرج الرقيق من المدينة إلى مكة وهو يريد الحج، فإننا ننظر إن وقع عتقه قبل الوقوف بعرفة فللعلماء فيه أقوال: أصح الأقوال أنه يجزيه عن حجة الإسلام، ولا يجب عليه أن يرجع إلى الميقات.

وقال فقهاء الحنفية: يجب أن يرجع إلى الميقات؛ لأنه وجب عليه الحج من ميقاته، فيرجع لكي يحرم منه، فإن لم يرجع لم يجزه، فقيل لهم: لماذا؟ قالوا: لأن نيته الأولى وقعت نافلة ولم يكن الحج واجباً عليه، فلما وقعت نافلة فلا ينقلب النفل إلى الفريضة.

وقال بعض العلماء: يجب عليه أن يرجع إلى الميقات حتى يسقط عنه الدم، فإن حج من مكانه ومضى فإنه يصح حجه ولكن يجب عليه دم.

فهذه ثلاثة أقوال لأهل العلم:

منهم من يقول: يصح ما دام أنه قد عتق قبل الوقوف بعرفة، أو أثناء وقوفه بعرفة قبل أن يدفع، ويجزيه عن حجة الإسلام.

ومنهم من قال: يلزمه الرجوع إلى الميقات حتى يخرج بنية الفريضة بدل نية النافلة.

ومنهم من قال: إنه يلزمه الرجوع إلى الميقات حتى يسقط عنه الدم؛ لأنه سَيُحْرِمُ بالحج الفرض من موضع دون الميقات.

والصحيح أنه يجزيه في حجه أن يمضي؛ وذلك لما ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً وهو يطوف بالبيت يقول: لبيك عن شبرمة ، لبيك عن شبرمة ، فقال عليه الصلاة والسلام: ومن شبرمة ؟ قال: أخي -أو ابن عم لي- مات ولم يحج، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ) .

فهذا الحج الذي وقع من هذا الرجل كان في الميقات قد نوى عن شبرمة ، فلو كان يلزمه الرجوع إلى الميقات لقال له: ارجع إلى الميقات وانوِ عن نفسك؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فاغتفر الشرع ذلك وصار من سماحة الشرع ويسره.

وإلا فالأصول تقوي أن يرجع، فلما استثنى النبي صلى الله عليه وسلم هذا، دل على أن من طرأ له الحكم وانقلبت نيته أن ذلك لا يؤثر، وقد قال علي رضي الله عنه: أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد قدم من اليمن، فلم يقل له: ارجع إلى يلملم وجدد النية بما نويت به. يقول العلماء: إن هذا يدل على أنه لا يلزم الرجوع إلى الميقات، وأنه إذا عتق الرقيق وبلغ الصبي قبل الوقوف بعرفة، فإنه يجزيهما أن يمضيا في حجهما.

أما في العمرة فتنظر إلى أول الأركان، وهذا مسلك الشافعية والحنابلة رحمة الله عليهم: أن العبرة عندهم في العمرة بتغيير النية وانقلابها أن يكون قبل بداية الطواف، فإذا ابتدأ الطواف فقد تلبس بالنسك نافلة، أما لو غير نيته قبل الطواف فإنه يجزيه ذلك.

ولذلك فمسائل الفسخ من حج إلى عمرة ونحوها من المسائل، إنما تكون قبل أن يتلبس بالطواف، فإذا وقع عتقه قبل طواف الركن، أي: طواف العمرة، فإنه حينئذٍ تجزيه عن عمرة الإسلام وتعتبر عمرته فريضة؛ لأنها وقعت قبل ركن الطواف.

وذكرنا أنه إذا وقع بلوغ الصبي باحتلام وغيره قبل الوقوف بعرفة، أو أثناء وقوفه بعرفة قبل دفعه أجزأه وصحت حجته عن حجة الإسلام، وإن وقع بلوغه قبل طوافه بالبيت في عمرته أجزأه وانقلبت عمرته إلى فريضة الإسلام.

قوله: (صح فرضاً): أي: أجزأه عن عمرة الإسلام وحجه.

[وفعلهما من الصبي والعبد نفلاً]

أي: أن الصبي والعبد إذا حج كل منهما أو اعتمر في حال الصبا والرق، فهي عمرة نافلة وحجة نافلة ولا تجزي عن الفريضة، هذا مراد المصنف رحمه الله، وفي ذلك حديث ابن عباس الذي ذكره الشافعي في مسنده وغيره أنه قال: (أيما صبي حج ثم بلغ فإنه يعيد حجه) وهذا أصل عند العلماء رحمة الله عليهم، فيقول جمع من السلف: إنه يلزمه أن يعيد حجه، ولا تجزيه الحجة النافلة ولا العمرة النافلة عن فريضة حجة الإسلام وعمرته.