خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شرح زاد المستقنع باب الحيض [3]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [والمستحاضة].
شرع المصنف رحمه الله بهذه العبارة في بيان أحكام المستحاضة، والمستحاضة نوع من النساء تتعلق بها أحكام في صلاتها وصيامها مفرعة على الحكم بطهارتها.
تعريف الاستحاضة
فالمستحاضة إما أن يكون دمها قد جاء قبل أمد الحيض، أو يكون جاء بعد أمد الحيض، وربما يستمر فيتصل بين الحيضتين، كأن تجلس شهرين أو ثلاثة أو أربعة والدم يجري معها.
ولا شك أن الكلام على مسائل الحيض يتضمن الكلام على حكم الاستحاضة.
وقال بعض العلماء في تعريفها: إنها دم فساد وعلة يرخيه الرحم من أدناه لا من قعره، أو من أعلاه لا من قعره، كله واحد.
وبعضهم يقول: دم فساد وعلة لا في حيض ولا نفاس، أي: لا في أمد الحيض ولا في أمد النفاس؛ لأن دم الاستحاضة يخرج عن كونه حيضاً وعن كونه نفاساً، ففي النفاس يكون جريان الدم مع المرأة أربعين يوماً، فإذا زاد إلى خمسين أو إلى ستين أو إلى سبعين، فحينئذٍ تقول: النفاس أربعون، وما زاد فهو استحاضة ما لم يكن له علاقة دم الحيض.
أصل الاستحاضة
قالوا: فوصف النبي صلى الله عليه وسلم الاستحاضة بكونها ركضة لمكان التلبيس الذي يكون من الشيطان. هذا من جهة المعنى.
أما بالنسبة لحقيقة هذا العرق فقد وردت له أسماء، فالثابت في السنن أن اسمه: العاذل، وفي الرواية الثانية -كما أشار إليها ابن الأثير ورواها بعضهم-: العاذر، فالرواية الأولى باللام: العاذل، والرواية الثانية بالراء: العاذر، وذكر الإمام الحافظ العيني رحمه الله صاحب العمدة أن هناك اسماً له وهو: العادل، بالدال بدل الذال. وهناك اسم رابع رواه الإمام أحمد في مسنده أنه: العاند، فهذه أربعة أسماء: العاذل، والعاذر، والعادل، والعاند.
قالوا: سمي عاذلاً: وليس على الحقيقة، فليس هناك عرق في الجسد اسمه: عاذل؛ والسبب في ذلك: أن بعض الفقهاء سأل بعض الأطباء عن عرق اسمه العاذل فلم يعرفوه، والواقع أن العلماء قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بكونه عاذلاً من العذل واللوم؛ لأنه يوجب عذل المرأة ولومها، وقيل: إنه يتسبب في العذل واللوم، لا أن اسمه: عرق العاذل.
وأما تسميته بالعادل؛ فالعادل عن الشيء هو الجائر عنه، تقول: عدلت عن الطريق إذا جرت عنه وحدت عنه؛ لأنه بخروج المرأة عن عادتها بالحيض ودخولها في الاستحاضة تكون عدلت عن الدم الطبيعي لها، وهو دم الجبلة والطبيعة والصحة -دم الحيض- إلى دم الفساد والعلة والمرض، فعدلت عن الأصل؛ لأن الأصل في الدم أن يجري معها على الصحة فجرى معها على سبيل المرض.
وأما العاذر قالوا: لأن المرأة تعذر بوجوده.
وأما العاند: فلمكان استمرار الدم كأنه عنيد، وكأنه كالممتنع والصعب على الإنسان. هذا بالنسبة لأسماء عرق دم الاستحاضة.
الفرق بين الحيض والاستحاضة
أولاً: من جهة المكان، فدم الحيض يخرج من قعر الرحم، وأما دم الاستحاضة فإنه يخرج من أعلى الرحم وأدناه، هذا بالنسبة لمكان الدمين.
أما بالنسبة لأوصاف الدمين: فإن دم الحيض أشد سواداً من دم الاستحاضة؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إن دم الحيض دم أسود يعرف) فأعطاه الوصف من كونه دماً أسود يعرف، فقالوا: يعرف بالسواد والحمرة الشديدة، وقد جاء في بعض الأحاديث وصفه بكونه محتدم وبحراني، ولكنها أحاديث ضعيفة، كما نبه عليه الحافظ ابن الملقن في خلاصة البدر المنير.
الفارق الثالث: وجود الألم، فإن دم الحيض يكون فيه حرارة وألم للمرأة، بخلاف دم الاستحاضة فإنه لا يكون فيه الألم الموجود في دم الحيض، وقد تقدم معنا ضوابط التمييز التي هي: اللون، والريح، والألم، والكثرة والقلة، والغلظ والرقة، فهذا بالنسبة لما يميز به بين دم الحيض ودم الاستحاضة.
وتقدم معرفة أقلّ الحيض وأكثر الحيض، وأقلّ الطهر وأكثر الطهر، وبينا خلاف العلماء رحمة الله عليهم. فيرد السؤال بعد أن عرفنا من هي المرأة الحائض؟ ومتى يحكم للمرأة بكونها حائض، أو بكونها غير حائض؟ فتقول المرأة: إذا حكمت عليَّ بكوني مستحاضة، فما الذي يلزمني من جهة الطهارة، وكيفية أداء الصلوات؟ وماذا يترتب على الحكم بكوني مستحاضة من جهة الوطء؟ وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالمرأة المستحاضة.
فشرع المصنف رحمه الله في بيان هذه الأحكام بقوله: [والمستحاضة ونحوها] أي: المرأة إذا حكم بكونها مستحاضة.
وقوله: (ونحوها) نحا الشيء نحواً: إذا قصده ومال إليه وطلبه.
وقد يطلق النحو بمعنى: الجهة، تقول: وجهت وجهي نحو القبلة، أي: جهة القبلة.
وقد يطلق النحو بمعنى: المثيل والشبيه؛ كما في الصحيحين من حديث عثمان لما توضأ وأسبغ الوضوء ثم قال: إن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا) أي: مثل وشبه وضوئي هذا. فهذه إطلاقات النحو، فمراد المصنف بقوله: (والمستحاضة ونحوها) يعني: شبهها.
أولاً: نريد أن نعرف ما الذي يلزم المستحاضة؟ ثم بعد ذلك نعرف من يشبه المستحاضة؟ ثم نعرف ما هو الحكم المشترك بين المستحاضة وغير المستحاضة؟
ما ينبغي على المستحاضة
أولاً: أجمع العلماء على أن المرأة إذا حكم بانتهاء حيضها ودخولها في الاستحاضة فإنه يجب عليها أن تغتسل، وهذا الحكم دلّ عليه ظاهر التنزيل والنصوص الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (لتنظر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها، فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل ثم لتصل) والمرأة المستحاضة في الأصل أنها حائض، ثم لما انتهت أيام حيضها دخلت في الوصف بكونها مستحاضة؛ فلا نتكلم عن امرأة حاضت وانقطع دمها عند انتهاء حيضها، إنما نتكلم عن امرأة حاضت واستمر معها الدم فوق عادتها وأكثر من أمد عادتها، فلو كانت المرأة التي تسألك يستمر معها الحيض ستة أيام، وكان من عادتها أن ترى علامة الطهر بجفاف الموضع أو ترى القصة البيضاء، ولكنها فوجئت بالدم يستمر زيادة على اليوم السادس ولا يرقأ لها، فاستمر معها اليوم السابع والثامن والتاسع والعاشر إلى آخر الشهر، فبمجرد مرور اليوم السادس الذي هو آخر أيام العادة، سيرد السؤال عن حكم هذه المرأة، فتقول مباشرة: هذه المرأة أصبحت مستحاضة عند انتهاء أمد حيضها، سواء انتهى بالزمان أو انتهى بالوصف؛ فانتهاء زمانه بانتهاء زمان حيضها وهو: ستة أيام، وانتهاؤه بالوصف: كأن يكون دمها أحمر شديد الحمرة، فإذا به بعد السادس يصير أحمر مشرقاً أو أصفر أو أكدر كما ذكرنا.
فإذا دخلت المرأة في اليوم السابع أعطيناها وصف الاستحاضة، فأول ما يجب عليها: أن تغتسل عند انتهاء أمد الحيض، وهذا بالإجماع.
ثانياً: يلزمها طهارة موضعها -أي: موضع الاستحاضة- لأنه خارج نجس من موضع معتبر؛ لأن الخارج النجس له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون من الموضع المعتبر الذي هو القبل أو الدبر.
الحالة الثانية: أن يكون من موضع غير معتبر كسائر الجسد، واختلف في الفم كما ذكرناه في القيء.
فالمرأة المستحاضة يجب عليها غسل فرجها؛ لأن هذا الدم خارج نجس من الموضع المعتبر، فكما أن المرأة يجب عليها الاستنجاء أو الاستجمار إذا خرج منها البول، كذلك يجب عليها أن تغسل الموضع إذا خرج منها الدم؛ لأنه خارج نجس -كالبول- من الموضع المعتبر.
وغسلها لهذا الموضع، للعلماء فيه مسلكان:
بعض العلماء يقول: غسل هذا الموضع أوجبناه على المستحاضة بدليل النقل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اغسلي عنك الدم ثم صلي) للمرأة المستحاضة، قوله: (لتنظر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها، فإذا هي خلّفت ذلك فلتغتسل ثم لتصلي) فهذه الرواية نثبت بها الغسل.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (اغسلي عنك الدم) أمر بغسل الموضع، قال بعض العلماء: أمرها أن تغسل الدم، والأصل أنه دم الحيض، فقوله: (اغسلي عنك الدم) المراد به: دم الحيض، وهذا ضعيف، وإنما المراد به (اغسلي عنك الدم) أي: الدم الذي يجري معك؛ لأنها قد حكم بكونها مستحاضة، فدل على أن دم الاستحاضة يعتبر نجساً كدم الحيض.
وهناك طبعاً مسلك ثانٍ: وهو مسلك القياس، فيقولون: الدم نجس كسائر الفضلات الخارجة من الموضع الذي هو القبل.
فنخلص من هذا إلى أن الحكم هو غسل الموضع؛ والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لـفاطمة رضي الله عنها: (اغسلي عنك الدم)، فعرفنا أنه يلزمها غسل الفرج.
أحوال المستحاضة
قالوا: إن المستحاضة لها حالتان:
الحالة الأولى: أن تكون استحاضتها خفيفة، بمعنى: أنها لو وضعت قطناً أو قماشاً انحبس الدم وانكف، فيلزمها وضع هذا القطن، ثم تصلي والدم مستمسك معها لمكان خفته، والدليل: قوله عليه الصلاة والسلام لـحمنة بنت جحش رضي الله عنها لما قالت: (يا رسول الله! إني أستحاض حيضة شديدة فلا أطهر، فقال عليه الصلاة والسلام: أنعت لك الكرسف) (أنعت) من النعت وهو: الوصف. (الكرسف): هو القطن، اسم من أسماء القطن، فقوله عليه الصلاة والسلام: (أنعتِ لك الكرسف) أي: أصف لك علاجاً لهذا الدم الذي لا يرقأ: أن تضعي في الموضع أو تسدي الموضع بالقطن، قالت: (يا رسول الله! هو أكثر من ذلك) موضع الشاهد في قوله: ( أنعت لك الكرسف) قال العلماء في قوله عليه الصلاة والسلام: ( أنعت لك الكرسف: ) فيه دليل على أن المرأة المستحاضة التي يجري معها دم الاستحاضة تغسل الموضع أولاً لما ذكرنا، ثم تضع القطن؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلما كان نقاء الموضع واجباً عليها من أجل صلاتها وعبادتها، وهذا الواجب يفتقر إلى وضع حائل وحاجز -القطن- وجب وضعه، هذا بالنسبة للحالة الأولى: أن يكون دم المستحاضة خفيفاً، بحيث لو وضعت قطعة من قماش أو قطن رقأ الدم وسكن.
الحالة الثانية: أن يكون الدم شديداً أو ثجّاجاً، ففي هذه الحالة تغسل الموضع؛ لما ذكرنا في النص، ثم تضع القطن وتشدّ الموضع، أو تشد الموضع دون وجود حائل من قطن أو قماش.
وشد الموضع يكون إما يجمع حافتي الفرج، أو بوضع الحبل أو الذي يشد على نفس الموضع على حسب ما ترى المرأة أنه يسد أو يكف عنها الدم، وهذا هو الذي عبّر عنه المصنف بقوله: (وتعصب فرجها) والعصب والعصابة مأخوذة من الإحاطة، سميت العصابة عصابة؛ لأنها تحيط بالشيء، وسمي قرابة الإنسان عصبة؛ لأنه إذا نزلت به ضائقة أو شدة أحاطوا به بإذن الله عز وجل وكانوا معه، فالعصابة أصلها الإحاطة، فلما قال: (تعصب) بمعنى: أنها تحيط، وبناءً على هذا التعبير قالوا: تشد طرفي الموضع، والدليل على أنه يلزمها هذا الشد ظاهر، هو حديث حمنة ؛ فإنها لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أستحاض حيضة شديدة فلا أطهر، قال عليه الصلاة والسلام: أنعت لك الكرسف، قالت: يا رسول الله! هو أشد من ذلك -وفي رواية: هو أكثر من ذلك- فقال عليه الصلاة والسلام: تلجّمي) والتلجم مأخوذ من اللجام، واللجام في الأصل يكون حائلاً كما يقال: لجام الدابة؛ لأنه يلجمها فيمنعها، فهو حائل ومانع، ولذلك فقوله عليه الصلاة والسلام: (تلجّمي) قال العلماء: معناه اعصبي الفرج؛ لأن عصبه لجام وحائل ومانع يقي من خروج الخارج، أو يحفظ الموضع من إخراج الخارج، وبناءً على ذلك: استنبط العلماء من قوله عليه الصلاة والسلام: (تلجمي) دليلاً على أن السنة أن المرأة تشد الموضع إذا غلبها الدم.
هذا بالنسبة لأحوال المستحاضة إذا حكم بانتهاء حيضها ودخولها في الاستحاضة.
ودم الاستحاضة دم نجس محكوم بنجاسته؛ لأن قوله: (اغسلي عنك الدم) يدل على أن الدم نجس؛ لأن الغسل يكون لغير الطاهر، ولما كان هذا الدم لا يرقأ خفف في حكمه، فأُلزم المكلف بما في وسعه وسقط عنه ما ليس في الوسع.
وتوضيح ذلك: أن المرأة تضع القطن وتشد الموضع، وإن غلبها الدم صلت ولو جرى معها، أي: لو غلبها بعد اللجام والعصب وجرى معها فلا تكلف أكثر مما فعلت؛ لأن هذا حد التكليف.
يقال: استحاضة، أي: استفعال من الحيض، أي: أن الدم استمر معها، فالأصل أن دم الحيض يقف عند أمد معين، كأن تمر العادة على المرأة ثمانية أيام أو سبعة أيام أو ستة، وإذا بها في هذا الشهر استمر معها الدم عشرين يوماً أو شهراً كاملاً أو شهرين أو ثلاثة، ولربما يستمر معها الدم سنة كاملة.
فالمستحاضة إما أن يكون دمها قد جاء قبل أمد الحيض، أو يكون جاء بعد أمد الحيض، وربما يستمر فيتصل بين الحيضتين، كأن تجلس شهرين أو ثلاثة أو أربعة والدم يجري معها.
ولا شك أن الكلام على مسائل الحيض يتضمن الكلام على حكم الاستحاضة.
وقال بعض العلماء في تعريفها: إنها دم فساد وعلة يرخيه الرحم من أدناه لا من قعره، أو من أعلاه لا من قعره، كله واحد.
وبعضهم يقول: دم فساد وعلة لا في حيض ولا نفاس، أي: لا في أمد الحيض ولا في أمد النفاس؛ لأن دم الاستحاضة يخرج عن كونه حيضاً وعن كونه نفاساً، ففي النفاس يكون جريان الدم مع المرأة أربعين يوماً، فإذا زاد إلى خمسين أو إلى ستين أو إلى سبعين، فحينئذٍ تقول: النفاس أربعون، وما زاد فهو استحاضة ما لم يكن له علاقة دم الحيض.
الاستحاضة أصلها عرق؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سألته فاطمة عن استحاضتها قال عليه الصلاة والسلام: (إنما ذلك عرق) ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (إنها ركضة من الشيطان) قال بعض العلماء: ركضة حقيقية، أي: أن الشيطان يركض ويضرب هذا الموضع ضرباً حقيقياً كالركض الذي يكون من الفارس أو من الرجل، وقال بعض العلماء: بل إنه ركض معنوي، بمعنى: أن الشيطان يتذرّع بجريان الدم مع المرأة على هذه الصورة، فيلبّس عليها صلاتها، ويدخلها في متاهة، فلا تدري أهي حائض فلا تصلي ولا تصوم، أو ليست بحائض فيجب عليها الصوم وتجب عليها الصلاة.
قالوا: فوصف النبي صلى الله عليه وسلم الاستحاضة بكونها ركضة لمكان التلبيس الذي يكون من الشيطان. هذا من جهة المعنى.
أما بالنسبة لحقيقة هذا العرق فقد وردت له أسماء، فالثابت في السنن أن اسمه: العاذل، وفي الرواية الثانية -كما أشار إليها ابن الأثير ورواها بعضهم-: العاذر، فالرواية الأولى باللام: العاذل، والرواية الثانية بالراء: العاذر، وذكر الإمام الحافظ العيني رحمه الله صاحب العمدة أن هناك اسماً له وهو: العادل، بالدال بدل الذال. وهناك اسم رابع رواه الإمام أحمد في مسنده أنه: العاند، فهذه أربعة أسماء: العاذل، والعاذر، والعادل، والعاند.
قالوا: سمي عاذلاً: وليس على الحقيقة، فليس هناك عرق في الجسد اسمه: عاذل؛ والسبب في ذلك: أن بعض الفقهاء سأل بعض الأطباء عن عرق اسمه العاذل فلم يعرفوه، والواقع أن العلماء قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بكونه عاذلاً من العذل واللوم؛ لأنه يوجب عذل المرأة ولومها، وقيل: إنه يتسبب في العذل واللوم، لا أن اسمه: عرق العاذل.
وأما تسميته بالعادل؛ فالعادل عن الشيء هو الجائر عنه، تقول: عدلت عن الطريق إذا جرت عنه وحدت عنه؛ لأنه بخروج المرأة عن عادتها بالحيض ودخولها في الاستحاضة تكون عدلت عن الدم الطبيعي لها، وهو دم الجبلة والطبيعة والصحة -دم الحيض- إلى دم الفساد والعلة والمرض، فعدلت عن الأصل؛ لأن الأصل في الدم أن يجري معها على الصحة فجرى معها على سبيل المرض.
وأما العاذر قالوا: لأن المرأة تعذر بوجوده.
وأما العاند: فلمكان استمرار الدم كأنه عنيد، وكأنه كالممتنع والصعب على الإنسان. هذا بالنسبة لأسماء عرق دم الاستحاضة.
وهناك فوارق بين الحيض وبين الاستحاضة، فيفرق بين الحيض وبين الاستحاضة بأمور:
أولاً: من جهة المكان، فدم الحيض يخرج من قعر الرحم، وأما دم الاستحاضة فإنه يخرج من أعلى الرحم وأدناه، هذا بالنسبة لمكان الدمين.
أما بالنسبة لأوصاف الدمين: فإن دم الحيض أشد سواداً من دم الاستحاضة؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إن دم الحيض دم أسود يعرف) فأعطاه الوصف من كونه دماً أسود يعرف، فقالوا: يعرف بالسواد والحمرة الشديدة، وقد جاء في بعض الأحاديث وصفه بكونه محتدم وبحراني، ولكنها أحاديث ضعيفة، كما نبه عليه الحافظ ابن الملقن في خلاصة البدر المنير.
الفارق الثالث: وجود الألم، فإن دم الحيض يكون فيه حرارة وألم للمرأة، بخلاف دم الاستحاضة فإنه لا يكون فيه الألم الموجود في دم الحيض، وقد تقدم معنا ضوابط التمييز التي هي: اللون، والريح، والألم، والكثرة والقلة، والغلظ والرقة، فهذا بالنسبة لما يميز به بين دم الحيض ودم الاستحاضة.
وتقدم معرفة أقلّ الحيض وأكثر الحيض، وأقلّ الطهر وأكثر الطهر، وبينا خلاف العلماء رحمة الله عليهم. فيرد السؤال بعد أن عرفنا من هي المرأة الحائض؟ ومتى يحكم للمرأة بكونها حائض، أو بكونها غير حائض؟ فتقول المرأة: إذا حكمت عليَّ بكوني مستحاضة، فما الذي يلزمني من جهة الطهارة، وكيفية أداء الصلوات؟ وماذا يترتب على الحكم بكوني مستحاضة من جهة الوطء؟ وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالمرأة المستحاضة.
فشرع المصنف رحمه الله في بيان هذه الأحكام بقوله: [والمستحاضة ونحوها] أي: المرأة إذا حكم بكونها مستحاضة.
وقوله: (ونحوها) نحا الشيء نحواً: إذا قصده ومال إليه وطلبه.
وقد يطلق النحو بمعنى: الجهة، تقول: وجهت وجهي نحو القبلة، أي: جهة القبلة.
وقد يطلق النحو بمعنى: المثيل والشبيه؛ كما في الصحيحين من حديث عثمان لما توضأ وأسبغ الوضوء ثم قال: إن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا) أي: مثل وشبه وضوئي هذا. فهذه إطلاقات النحو، فمراد المصنف بقوله: (والمستحاضة ونحوها) يعني: شبهها.
أولاً: نريد أن نعرف ما الذي يلزم المستحاضة؟ ثم بعد ذلك نعرف من يشبه المستحاضة؟ ثم نعرف ما هو الحكم المشترك بين المستحاضة وغير المستحاضة؟
المستحاضة فيها أمور:
أولاً: أجمع العلماء على أن المرأة إذا حكم بانتهاء حيضها ودخولها في الاستحاضة فإنه يجب عليها أن تغتسل، وهذا الحكم دلّ عليه ظاهر التنزيل والنصوص الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (لتنظر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها، فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل ثم لتصل) والمرأة المستحاضة في الأصل أنها حائض، ثم لما انتهت أيام حيضها دخلت في الوصف بكونها مستحاضة؛ فلا نتكلم عن امرأة حاضت وانقطع دمها عند انتهاء حيضها، إنما نتكلم عن امرأة حاضت واستمر معها الدم فوق عادتها وأكثر من أمد عادتها، فلو كانت المرأة التي تسألك يستمر معها الحيض ستة أيام، وكان من عادتها أن ترى علامة الطهر بجفاف الموضع أو ترى القصة البيضاء، ولكنها فوجئت بالدم يستمر زيادة على اليوم السادس ولا يرقأ لها، فاستمر معها اليوم السابع والثامن والتاسع والعاشر إلى آخر الشهر، فبمجرد مرور اليوم السادس الذي هو آخر أيام العادة، سيرد السؤال عن حكم هذه المرأة، فتقول مباشرة: هذه المرأة أصبحت مستحاضة عند انتهاء أمد حيضها، سواء انتهى بالزمان أو انتهى بالوصف؛ فانتهاء زمانه بانتهاء زمان حيضها وهو: ستة أيام، وانتهاؤه بالوصف: كأن يكون دمها أحمر شديد الحمرة، فإذا به بعد السادس يصير أحمر مشرقاً أو أصفر أو أكدر كما ذكرنا.
فإذا دخلت المرأة في اليوم السابع أعطيناها وصف الاستحاضة، فأول ما يجب عليها: أن تغتسل عند انتهاء أمد الحيض، وهذا بالإجماع.
ثانياً: يلزمها طهارة موضعها -أي: موضع الاستحاضة- لأنه خارج نجس من موضع معتبر؛ لأن الخارج النجس له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون من الموضع المعتبر الذي هو القبل أو الدبر.
الحالة الثانية: أن يكون من موضع غير معتبر كسائر الجسد، واختلف في الفم كما ذكرناه في القيء.
فالمرأة المستحاضة يجب عليها غسل فرجها؛ لأن هذا الدم خارج نجس من الموضع المعتبر، فكما أن المرأة يجب عليها الاستنجاء أو الاستجمار إذا خرج منها البول، كذلك يجب عليها أن تغسل الموضع إذا خرج منها الدم؛ لأنه خارج نجس -كالبول- من الموضع المعتبر.
وغسلها لهذا الموضع، للعلماء فيه مسلكان:
بعض العلماء يقول: غسل هذا الموضع أوجبناه على المستحاضة بدليل النقل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اغسلي عنك الدم ثم صلي) للمرأة المستحاضة، قوله: (لتنظر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها، فإذا هي خلّفت ذلك فلتغتسل ثم لتصلي) فهذه الرواية نثبت بها الغسل.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (اغسلي عنك الدم) أمر بغسل الموضع، قال بعض العلماء: أمرها أن تغسل الدم، والأصل أنه دم الحيض، فقوله: (اغسلي عنك الدم) المراد به: دم الحيض، وهذا ضعيف، وإنما المراد به (اغسلي عنك الدم) أي: الدم الذي يجري معك؛ لأنها قد حكم بكونها مستحاضة، فدل على أن دم الاستحاضة يعتبر نجساً كدم الحيض.
وهناك طبعاً مسلك ثانٍ: وهو مسلك القياس، فيقولون: الدم نجس كسائر الفضلات الخارجة من الموضع الذي هو القبل.
فنخلص من هذا إلى أن الحكم هو غسل الموضع؛ والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لـفاطمة رضي الله عنها: (اغسلي عنك الدم)، فعرفنا أنه يلزمها غسل الفرج.