شرح زاد المستقنع باب إزالة النجاسة [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

العفو عن يسير الدم

قال المصنف رحمه الله: [ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر، وعن أثر استجمار بمحله].

لا زال الحديث في أحكام النجاسات، ولما ذكر رحمه الله الأحكام المتعلقة بإزالة النجاسة والشيء الذي تزال به النجاسة، شرع رحمه الله في محل الرخصة، وهو الشيء المعفو عنه، فقال: (يعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم من حيوان) هذه المسألة الأصل فيها حديث ضعيف روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (أنه يعفى في الدم عن قدر الدرهم البغلي)، ثم تأيد هذا الحديث الضعيف بعمل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما أُثر عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عن الجميع، أنهم كانوا لا يرون في قليل الدم شيئاً، فربما عصر الواحد منهم البثرة -وهي الحبة الصغيرة التي تكون في الوجه أو في اليد أو في الساعد- فخرج منها يسير الدم فلا يتطهر ولا يغسل الموضع، فأخذ العلماء رحمهم الله من هذا دليلاً على مسألتين:

المسألة الأولى: أن يسير الدم النجس معفو عنه.

المسألة الثانية: هل يلتحق بالدم غيره؟ فمن العلماء من قال: أقصر الرخصة على محلها، فأعفو عن الدم وحده، لأنه هو الذي ورد به الخبر، وهو الذي فعله الصحابة رضوان الله عليهم، ويبقى غيره على الأصل.

وقال بعض العلماء: ما دامت العلة التخفيف وأن اليسير لا يأخذ حكم الكثير، فنطرد ذلك في كل ما وافقه، فنقول: يسير النجاسة معفو عنه، ثم استثنى وقال: (في غير مائع ومطعوم) والصحيح المذهب الأول: أن الذي يعفى فيه عن يسير النجاسة هو الدم وحده، فلو سألك سائل عن مذي قليل خرج من الإنسان بشهوة لنظر أو فكر وشعر بخروجه منه، فهل نحكم بنجاسة الثوب الذي أصابه هذا الذي أو لا نحكم؟ إن قلنا: يعفى عن اليسير، حكمنا بجواز وضوئه وصلاته دون أن يغسل الموضع الذي أصابه المذي، وإن قلنا: إنه لا يعفى عنه؛ فحينئذٍ يكون حكمه حكم النجاسة الكثيرة سواء بسواء، فعند ذلك يجب غسله والوضوء بعده، وهذا بالنسبة للمسألة التي ذكرها المصنف مفرّعة على هذا الأصل، والصحيح: ما ذكرنا من أن الحكم يختص بالدم، وأن ما عدا الدم من النجاسات قليلها وكثيرها لا يشمله الرخصة، على ما تقرر من اعتبار الدم نجساً، وقد سبق بيان دليل ذلك، وكلام العلماء رحمة الله عليهم فيه.

العفو عن أثر النجاسة بعد الاستجمار

وقوله: (وعن أثر استجمار بمحله)

أي: يعفى عن أثر الاستجمار في محله، ومن المعلوم أن الإنسان إذا قضى حاجته؛ فإنه ربما غسل بالماء، وربما استجمر بالحجارة، أما لو غسل بالماء فبالإجماع أنه يجب عليه غسل الموضع وإنقاؤه، وأما لو كان بالحجارة فمن المعلوم أن الحجارة لا تنقي الموضع على سبيل القطع كما يحصل في الماء، بل لابد من بقاء أثر للنجاسة في الموضع، وهنا يرد السؤال: لو فرضنا أن هذا الموضع هو الدبر، فلو أن إنساناً قضى حاجته ثم استجمر بالحجارة فأنقى الموضع بالحجارة، فإن الموضع -الذي هو الدبر- سيبقى فيه يسير نجاسة، وهذا اليسير يقولون: إنه معفو عنه، ولكن لا يعفى إلا بما هو في موضع النجاسة، أما لو تعدى موضع النجاسة فإنه لا يعفى عنه قولاً واحداً، كما لو كان على صفحة الإلية ونحو ذلك فإنه لا يعفى عنه.

إذا تقرر أنه يعفى عن يسير النجاسة في الدبر أو القبل إذا استجمر الإنسان، فما الدليل على هذا القدر الذي يعفى عنه؟

الدليل: ثبوت السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتزاء بالحجارة، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن من استجمر وأنقى الموضع -بمعنى: أنه حصل منه الإنقاء بالحجر الأخير دون وجود أثر- فإنه يحكم بكونه متطهراً، وإنما تأتي النجاسة؛ لأن هذا الموضع وإن وضعت الحجر عليه وخرج نقياً فإن الموضع لا يزال متغذياً بالنجاسة، فإذا عرق الإنسان أو جالت يده بالعرق فلابد وأن تصيب الموضع، فإذا عرق المكان الذي يلي الموضع وسرى هذا العرق إلى الثوب أو إلى السروال الذي يلي الموضع فهذا معفو عنه؛ لأننا لو حكمنا بنجاسته لدخل الناس في حرج لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهذا صحيح؛ ولذلك قالوا: إنه أمر الشارع بغسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء -كما يقول الإمام الشافعي - قالوا: لأن الحجاز كانت حارة، كان الناس في الغالب لا يستجمرون إلا بالحجارة ولا يغسلون، وكانوا يعتبرون غسل الفرجين وضوء النساء كما أثر عن بعض السلف، فكان الغالب منهم الاستجمار، قالوا: ومع هذا فإن الشرع لم يأمر بغسل الموضع، وإنما اكتفى بالحجارة، فدل على أنه إذا عرق الموضع أو جالت اليد في الموضع فإنه يعفى عن هذا اليسير.

قال المصنف رحمه الله: [ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر، وعن أثر استجمار بمحله].

لا زال الحديث في أحكام النجاسات، ولما ذكر رحمه الله الأحكام المتعلقة بإزالة النجاسة والشيء الذي تزال به النجاسة، شرع رحمه الله في محل الرخصة، وهو الشيء المعفو عنه، فقال: (يعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم من حيوان) هذه المسألة الأصل فيها حديث ضعيف روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (أنه يعفى في الدم عن قدر الدرهم البغلي)، ثم تأيد هذا الحديث الضعيف بعمل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما أُثر عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عن الجميع، أنهم كانوا لا يرون في قليل الدم شيئاً، فربما عصر الواحد منهم البثرة -وهي الحبة الصغيرة التي تكون في الوجه أو في اليد أو في الساعد- فخرج منها يسير الدم فلا يتطهر ولا يغسل الموضع، فأخذ العلماء رحمهم الله من هذا دليلاً على مسألتين:

المسألة الأولى: أن يسير الدم النجس معفو عنه.

المسألة الثانية: هل يلتحق بالدم غيره؟ فمن العلماء من قال: أقصر الرخصة على محلها، فأعفو عن الدم وحده، لأنه هو الذي ورد به الخبر، وهو الذي فعله الصحابة رضوان الله عليهم، ويبقى غيره على الأصل.

وقال بعض العلماء: ما دامت العلة التخفيف وأن اليسير لا يأخذ حكم الكثير، فنطرد ذلك في كل ما وافقه، فنقول: يسير النجاسة معفو عنه، ثم استثنى وقال: (في غير مائع ومطعوم) والصحيح المذهب الأول: أن الذي يعفى فيه عن يسير النجاسة هو الدم وحده، فلو سألك سائل عن مذي قليل خرج من الإنسان بشهوة لنظر أو فكر وشعر بخروجه منه، فهل نحكم بنجاسة الثوب الذي أصابه هذا الذي أو لا نحكم؟ إن قلنا: يعفى عن اليسير، حكمنا بجواز وضوئه وصلاته دون أن يغسل الموضع الذي أصابه المذي، وإن قلنا: إنه لا يعفى عنه؛ فحينئذٍ يكون حكمه حكم النجاسة الكثيرة سواء بسواء، فعند ذلك يجب غسله والوضوء بعده، وهذا بالنسبة للمسألة التي ذكرها المصنف مفرّعة على هذا الأصل، والصحيح: ما ذكرنا من أن الحكم يختص بالدم، وأن ما عدا الدم من النجاسات قليلها وكثيرها لا يشمله الرخصة، على ما تقرر من اعتبار الدم نجساً، وقد سبق بيان دليل ذلك، وكلام العلماء رحمة الله عليهم فيه.

وقوله: (وعن أثر استجمار بمحله)

أي: يعفى عن أثر الاستجمار في محله، ومن المعلوم أن الإنسان إذا قضى حاجته؛ فإنه ربما غسل بالماء، وربما استجمر بالحجارة، أما لو غسل بالماء فبالإجماع أنه يجب عليه غسل الموضع وإنقاؤه، وأما لو كان بالحجارة فمن المعلوم أن الحجارة لا تنقي الموضع على سبيل القطع كما يحصل في الماء، بل لابد من بقاء أثر للنجاسة في الموضع، وهنا يرد السؤال: لو فرضنا أن هذا الموضع هو الدبر، فلو أن إنساناً قضى حاجته ثم استجمر بالحجارة فأنقى الموضع بالحجارة، فإن الموضع -الذي هو الدبر- سيبقى فيه يسير نجاسة، وهذا اليسير يقولون: إنه معفو عنه، ولكن لا يعفى إلا بما هو في موضع النجاسة، أما لو تعدى موضع النجاسة فإنه لا يعفى عنه قولاً واحداً، كما لو كان على صفحة الإلية ونحو ذلك فإنه لا يعفى عنه.

إذا تقرر أنه يعفى عن يسير النجاسة في الدبر أو القبل إذا استجمر الإنسان، فما الدليل على هذا القدر الذي يعفى عنه؟

الدليل: ثبوت السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتزاء بالحجارة، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن من استجمر وأنقى الموضع -بمعنى: أنه حصل منه الإنقاء بالحجر الأخير دون وجود أثر- فإنه يحكم بكونه متطهراً، وإنما تأتي النجاسة؛ لأن هذا الموضع وإن وضعت الحجر عليه وخرج نقياً فإن الموضع لا يزال متغذياً بالنجاسة، فإذا عرق الإنسان أو جالت يده بالعرق فلابد وأن تصيب الموضع، فإذا عرق المكان الذي يلي الموضع وسرى هذا العرق إلى الثوب أو إلى السروال الذي يلي الموضع فهذا معفو عنه؛ لأننا لو حكمنا بنجاسته لدخل الناس في حرج لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهذا صحيح؛ ولذلك قالوا: إنه أمر الشارع بغسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء -كما يقول الإمام الشافعي - قالوا: لأن الحجاز كانت حارة، كان الناس في الغالب لا يستجمرون إلا بالحجارة ولا يغسلون، وكانوا يعتبرون غسل الفرجين وضوء النساء كما أثر عن بعض السلف، فكان الغالب منهم الاستجمار، قالوا: ومع هذا فإن الشرع لم يأمر بغسل الموضع، وإنما اكتفى بالحجارة، فدل على أنه إذا عرق الموضع أو جالت اليد في الموضع فإنه يعفى عن هذا اليسير.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3704 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3620 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3441 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3374 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3339 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3320 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3273 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3228 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3186 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3169 استماع