أصحاب الجنة والنار


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه أجمعين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من استن بسنته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أيها الناس! يا من تطهرتم وتوضأتم وأتيتم إلى بيت الله ترجون رحمته، وتخشون عذابه، أقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأله سبحانه أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين:

يا من يرى ما في الضمير ويسمعُ

أنت المعد لكل ما يتوقعُ

يا من يرجَّى للشدائد كلها

يا من إليه المشتكى والمفزعُ!

يا من خزائن رزقه في قول كُنْ!

والخير كله عندك أجمعُ

مالي سوى فقري إليك وسيلة

فبالافتقار إليك فقري أدفعُ

مالي سوى قرعي لبابك حيلة

فلئن رُددتُ فأي باب أقرعُ

ومن الذي أدعو وأهتف باسمه

إن كان فضلك عن فقيرك يُمنعُ

حاشا لفضلك أن تقنط عاصياً

فالفضل أجزل والمواهب أوسعُ

لقد أُرسل إلينا خير الرسل، فشرع لنا أحسن الشرائع، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، ووعد من أطاعه بالنور التام يوم القيامة، وتوعد من عصاه بالعذاب والجحيم.

أيها الناس! نجد في كتاب الله بل في كل صفحة من صفحات الكتاب الكريم نجد مشهداً وصورة من صور ذلك اليوم العظيم، إنه اليوم الذي لا يوم بعده، إنه اليوم العظيم كما سماه رب العزة والجلال، وأمرنا سبحانه بالإيمان به، فإن الإيمان بما في ذلك اليوم من العذاب والنعيم هو الدافع إلى سلوك الطريق المستقيم، والضابط لسلوك الناس، فمن علم أنه لله عبد، وأنه بين يديه موقوف، وعلم أنه في ذلك الموقف مسئول، فماذا أعد للسؤال؟ وكيف يبدأ ذلك اليوم وكيف ينتهي؟ وما هو مصير الناس في ذلك اليوم، يقول تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج:43-44]، وقال: وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:6-7] وقال تعالى: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:104-105].

وفي ذلك اليوم ينقسم العباد إلى قسمين لا ثالث لهما فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106].

فإلى أين يكون المصير؟ وكم ذكر لنا رب العزة والجلال تلك المشاهد الرهيبة، وتلك المواقف العظيمة اسمع يا رعاك الله! وافتح قلبك قبل أن تفتح أذنيك لقول الله عز وجل: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:19-35]، فهذا تهديد ووعيد، وأمل لمن أطاع وأناب، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

فالمصير إما إلى جنة وإما إلى نار، فالدنيا مهما عظمت فهي حقيرة، ومهما طالت فهي قصيرة.

يا عجباً للناس لو فكروا

وحاسبوا أنفسهم أبصروا

وعبروا الدنيا إلى غيرها

واتخذوا الدنيا لهم معبر

لا فخر إلا فخر أهل التقى

غداً إذا ضمهم المحشر

ليعلمن الناس أن التقى والبر

كانا خير ما يدخر

فالعمر فرصة، ولك أن تختار المصير، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3]، فإما أن تختار مصير الشاكرين فإلى جنات النعيم، وإما مصير الكافرين فإلى جهنم والعذاب المقيم.

وقد صور لنا الله تبارك وتعالى صوراً من النار وصوراً من الجنة؛ حتى لا تغفل هذه القلوب عن الحقيقة التي لابد منها، فما ذكر الله النار إلا وأتبعها بصور من الجنة، وما ذكر الجنة إلا وأتبعها بصور من النار، فاسمع ماذا يقول الواحد القهار يوم ينادي عباده الصالحين إلى مرضاته وجنته، ويوم يقاد المجرمين إلى عذاب الله خالدين يقول: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ * إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:68-80].

إن النار دار الخزي والبوار، ودار العذاب والنكال، فكم حذر المولى منها وأنذر فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:15-16].

وأبوابها سبعة كما قال ربها: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر:43-44]، قال تعالى عن خزنتها: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [المدثر:26-28]، وقال: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24].

فقعرها بعيد، وحرها شديد، مقامعها من حديد، وطعام أهلها من النار، ولباسهم من النار، وفرشهم من النار، ومساكنهم من النار، وشرابهم من النار، فقد أطبقت عليهم النار من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

ويستغيثون فلا يستجاب لهم، ويصيحون فلا يسمع صياحهم: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ [المؤمنون:107]، فيأتيهم الرد بعد آلاف من السنين: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، ويكون هذا آخر عهدهم بصوت الرحمن تبارك وتعالى.

وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37].

وتغطي على أهل جهنم غيوم وسحب سود فيقال لهم: يا أهل النار! ماذا تتمنون؟ فيتذكرون الماء والمطر والشراب، فيقولون: ربنا أمطر علينا ماء وشراباً، فتمطر عليهم سلاسلاً تزيد في سلاسلهم، وأغلالاً تزيد في أغلالهم، ولهيباً يزيد في احتراقهم، فبئس من كانت هذه الدار داره، وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50].

وطعامهم من ضريع لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:7] .. إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا [المزمل:12-13]، فيغصون بطعامهم فلا هم يستطيعون إدخاله، ولا هم يستطيعون إخراجه، وطعامهم من شجرة الزقوم وما أدراك ما الزقوم! قال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ [الدخان:43-50].

يقول صلى الله عليه وسلم مبيناً بشاعة شجرة الزقوم: (لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لغيرت على أهل الأرض معايشهم)، فكيف بمن تكون طعامه؟!

وفي النار تضخم الصور وتضخم الأشكال، حتى أن مجلس الكافر في جهنم مسيرة ثلاثة أيام، وغلظ جلد الكافر أربعين ذراعاً، وكلما نضجت هذه الجلود بُدِّلوا غيرها؛ ليذوقوا العذاب الشديد، فيرسل عليهم البكاء فيبكون ويستجيرون حتى تنقطع الدموع، فيبكون دماً حتى تخط في وجوههم مثل الأخاديد، ولو سيرت بها السفن لجرت، إنه العذاب الأليم الشديد.

فكم أنذر رب العزة وحذر: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:39-40] .

فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:20-21]، إنه الويل والثبور، إنه الحساب الذي لا حساب بعده، والوعيد الذي لا وعيد بعده.

إخواني! أما تحذرون من نار جهنم وما فيها من العذاب والنكال؟!

واعجباً لمن يقرع سمعه ذكر السعير وهو بالله من عذابها غير مستجير!!

أفيك جَلَد على الصديد والجحيم والزمهرير؟! أم بك جلد على نار وقودها الناس والحجارة؟! أم قد رضيت لنفسك هذه الخسارة؟!

الحقيقة: أن العذاب لا يوصف، بل هو أعظم مما تتصور.

في المقابل حتى يرغب الله عباده وتشتاق قلوبهم إلى جنات الله، وإلى النعيم الدائم المقيم، صور الله الجنة وما فيها من النعيم، وما فيها من لطيف الأخبار والإنعام والإحسان الذي ينزله رب العزة والجلال على عباده في دار كرامته.

فلها ثمانية أبواب، وليأتين عليها يوم وهي كضيض من الزحام، وما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، وأول من يُفتح له حبيبنا صلى الله عليه وسلم عندما يقرع فيقال له: لك أمرنا أن نفتح، فتدخل هذه الأمة لكرامتها على الله تبارك وتعالى.

يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [فأول ما يدخل أهل الجنة الجنة إذا بشجرة قد نبع من أصلها عينان كأنهم أمروا أن يشربوا من العين الأولى فيذهب الله ما في بطونهم من أذى وبأس وقذى، ثم يشربون من العين الثانية فتظهر على وجوههم نظرة النعيم، ثم يستقبلهم الولدان المخلدون فيقولون لهم: أبشروا بما يسركم، ويكون هذا عندما يساق الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا [الزمر:73].

فيذهب الولدان المخلدون إلى أزواجهم من الحور العين يبشرونهن ويقولون لهن: أتى فلان ويناودنه باسمه الذي كان ينادى به في الدنيا، فتطير الحسناء فرحاً وطرباً؛ لقدوم الحبيب، فتنتظره على عتبة الباب، حتى إذا أقبل ولي الله على قصره إذا هو قائم أساسه على لؤلؤ ينظر إلى أعلاه، فلولا أن الله كتب ألا يذهب بصره لذهب، ألوان صفر، وحمر، وخضر، فيقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، فيطأطئ الرأس فإذا بأزواجه من الحور العين، وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:14-16]، فيجلس على أريكته ما شاء الله أن يمكث فإذا بنور يسطع في الجنة فيظن أهل الجنة أن الله قد تجلى لهم، فإذا الحورية تناديه وتقول: ولي الله! أما لنا فيك نصيب؟ فيقول لها: من أنت يا أمة الله؟ فتقول: أنا من الذين قال الله فيهم: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، فينتقل إليها فإذا فيها من الحسن والجمال ما ليس في الأولى فيمكث عندها ما شاء الله له أن يمكث فإذا بنور قد سطع فيظن أن الله قد تجلى لهم، فإذا بحورية تناديه فيقول لها: من أنت يا أمة الله؟ فتقول: أنا من الذين قال الله فيهم: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]، فينادونه أزواجه إنك لا تُمل ولا تُمل ووالله! ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلينا منك.

وصف الحور العين

اسمع يا رعاك الله! كيف يصور ابن القيم حسنهن وجمالهن فيقول:

يا خاطب الحور الحسان وطالباً

لوصالهن بجنة الحيوانِ

لو كنت تدري من خطبت ومن طلبـ ت

بذلت ما تحوي من الأثمانِ

أسرع وحث السير جهدك إنما

مسراك هذا ساعة لزمانِ

فاسمع صفات عرائس الجنات ثـ م

اختر لنفسك يا أخا العرفانِ

حمر الخدود ثغورهن لآلئٌ

سود العيون فواتر الأجفان

والبرق يبدو حين يبسم ثغرها

فيضيء سقف القصر بالجدرانِ

ريانة الأعطاف من ماء الشبا ب

فغصنها بالماء ذو جريانِ

والقدّ منها كالقضيب اللدن في

حسن القوام كأوسط القضبانِ

والجيد ذو طول وحسن في

بيا ض واعتدال ليس ذا نكرانِ

والريح مسك والجسوم نواعم

واللون كالياقوت والمرجان

وكلامها يسبي العقول بنغمة

زادت على الأوتار والعيدانِ

أترى يليق بعاقل بيع الذي

يبقى وهذا وصفه بالفاني

يقول سفيان : بينما أهل الجنة في الجنة إذ سطع نور فقيل: ما هذا؟ قيل: حورية ضحكت في وجه زوجها، لنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، لو بصقت في بحر لجي لأصبح عذباً فراتاً، ولو أطلت من السماء لغطى نور وجهها نور الشمس والقمر.

ولدينا مزيد

بينما أهل الجنة في مجالسهم ونعيمهم في طرب وسرور وحبور، إذ نادى المنادي عن نعيم أعظم من هذا النعيم، ولذة أعظم من هذه اللذة، إنها رؤية العزيز الحميد، إنها التمتع بالنظر إلى وجه العزيز الكريم، فينادي المنادي: يا أهل الجنة! إن ربكم تعالى يستزيركم فحيا على زيارته، فيقومون إلى الزيارة مسرعين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها مبادرين، حتى إذا جاءوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك، ونصبت لهم منابر من نور، ومنابر من ذهب، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، وجلس أدناهم على كتان المسك -وحاشاهم أن يكون بينهم دنيء- حتى إذا استووا في مجالسهم نادى المنادي: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ألم يبيض وجوهنا؟ ويثقل موازيننا؟ ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة؟ فبينما هم كذلك إذ سطع نور أجرست له الجنة، فإذا الجبار جل جلاله يتجلى لهم ويضحك لهم ويقول: سلام يا أهل الجنة! فلا ترد تلك التحية إلا بقولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام! فيتجلى لهم ويضحك لهم فيكون أول ما يسمعون منه: أين عبادي الذين كانوا يخشوني بالغيب ولم يروني؟ هذا يوم المزيد فسلوني، فيقولون: ربنا! إنا رضينا فارض عنا، فيقول: لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فسلوني، فيجتمعون على كلمة واحدة أن ربنا أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف الجبار الحجب فيغشاهم من النور لولا أنه كتب عليهم ألا يحترقوا لاحترقوا، فلا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا ويحاضره ربه محاضرة، ويناظره مناظرة فيقول: فلان أتذكر يوم كذا وكذا ويذكره ببعض غدراته في الدنيا؛ فيقول: ربي! ألم تغفر لي؟ فيقول: لو لم أغفر لك لما بلغت منزلتك هذه، فيا لذة الأنظار بتلك المناظرة! ويا لذة الأسماع بتلك المحاضرة! يقول تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس:22-39].

فحيا على جنات عدن فإنها

منازلك الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدو فهل ترى

نعود إلى أوطاننا ونسلّم

اسمع يا رعاك الله! كيف يصور ابن القيم حسنهن وجمالهن فيقول:

يا خاطب الحور الحسان وطالباً

لوصالهن بجنة الحيوانِ

لو كنت تدري من خطبت ومن طلبـ ت

بذلت ما تحوي من الأثمانِ

أسرع وحث السير جهدك إنما

مسراك هذا ساعة لزمانِ

فاسمع صفات عرائس الجنات ثـ م

اختر لنفسك يا أخا العرفانِ

حمر الخدود ثغورهن لآلئٌ

سود العيون فواتر الأجفان

والبرق يبدو حين يبسم ثغرها

فيضيء سقف القصر بالجدرانِ

ريانة الأعطاف من ماء الشبا ب

فغصنها بالماء ذو جريانِ

والقدّ منها كالقضيب اللدن في

حسن القوام كأوسط القضبانِ

والجيد ذو طول وحسن في

بيا ض واعتدال ليس ذا نكرانِ

والريح مسك والجسوم نواعم

واللون كالياقوت والمرجان

وكلامها يسبي العقول بنغمة

زادت على الأوتار والعيدانِ

أترى يليق بعاقل بيع الذي

يبقى وهذا وصفه بالفاني

يقول سفيان : بينما أهل الجنة في الجنة إذ سطع نور فقيل: ما هذا؟ قيل: حورية ضحكت في وجه زوجها، لنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، لو بصقت في بحر لجي لأصبح عذباً فراتاً، ولو أطلت من السماء لغطى نور وجهها نور الشمس والقمر.